Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محنة العاملات الأجنبيات في لبنان تشتد وضغوط على إثيوبيا لإنقاذ رعاياها

مئات منهن وجدن أنفسهن في الشوارع من دون عمل ورواتب وجوازات وافترشن الأرض أمام قنصليات بلادهن

إثيوبياتان عاملتان في الخدمة المنزلية أمام سفارة بلدهما في بيروت بعدما طردتا من منزل أرباب عملهما (أ ف ب)

تغلب الدموع الإثيوبية تيرسيت بعد إنهائها توضيب حصص غذائية مخصّصة لعاملات في الخدمة المنزلية وجدن أنفسهنّ بلا عمل بسبب الانهيار الاقتصادي في لبنان، وتنتقد بشدّة نظام الكفالة الذي يجعلها ومواطناتها تحت رحمة أرباب عملهنّ.

وتقول الشابة (30 سنة) بانفعال، "هذه المكاتب تبيعنا"، موضحةً "إذا جئت للعمل لدى سيدة ولم يعجبني، قد تضربني أو تمنع عني الطعام. وإذا أردت تغيير المنزل أو المغادرة إلى بلدي، لا أستطيع". وتضيف "تقول لي المدام: أنا اشتريتك، إدفعي لي ألفي دولار وغادري إلى حيث تشائين".

ويعيش في لبنان نحو 250 ألفاً من عمال الخدمة المنزلية، غالبيتهم العظمى من النساء اللواتي يحملن تصاريح عمل، ويتحدّر القسم الأكبر منهنّ من إثيوبيا. ويخضع هؤلاء لنظام كفالة يربط إقامتهنّ القانونية بعلاقة تعاقدية مع أرباب العمل، تمنح الأخيرين "سيطرةً شبه كاملة" على حياة العاملات الأجنبيات، وتجعلهنّ عرضةً لكل أشكال الاستغلال وسوء المعاملة، مقابل رواتب ضئيلة تراوح بين 150 و400 دولار.

ولا يمكن العاملة بموجب النظام الذي تندّد به منظمات حقوقية وإنسانية، فسخ العقد من دون موافقة المشغل الذي يصبح كفيلها، بعد دفعه مبلغاً يراوح بين ألفين وخمسة آلاف دولار لمكاتب الاستقدام. ولا يمنع القانون رب العمل من مصادرة جواز سفرها. وفي حال فرارها، تصبح إقامتها غير قانونية.

عاملات أمام سفارات بلادهنّ

ومع تدهور سعر صرف العملة اللبنانية والعجز عن دفع رواتب العمال الأجانب بالدولار الذي بات شحيحاً في البلاد، انتشرت ظاهرة تسريح العاملات أو إعادتهنّ إلى مكاتب الاستقدام أو حتى رميهنّ أمام قنصلية بلادهنّ، وتجدّدت المطالبة بإلغاء نظام الكفالة.

ووصلت أكثر من مئة امرأة، وفق ناشطين، إلى أمام قنصلية إثيوبيا قرب بيروت، الغالبية منهنّ طردهنّ مشغلوهنّ من دون أن ينلن مستحقاتهنّ وسط أزمة كورونا، التي أغلقت المطار منذ منتصف مارس (آذار). ولم تجد العديدات منهنّ آذاناً صاغية لدى القنصلية. ما اضطرّهنّ إلى النوم على الرصيف في العراء في انتظار تأمين مأوى.

وبحسب منظمة "أطباء بلا حدود"، نُقلت ست عاملات إلى المستشفى لمعاناتهنّ من كآبة شديدة، بينهنّ من تعرّضن لعنف جسدي وجنسيّ.

وخارج القنصلية، رُفعت لافتة "أنهوا (نظام) الكفالة، رحّلوهنّ"، كما جمعت عريضة على الإنترنت تصف نظام الكفالة بـ"عبودية حديثة"، 30 ألف توقيع منذ مطلع يونيو (حزيران).

وبحسب تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" عام 2008، تموت عاملة في الخدمة المنزلية كل أسبوع في لبنان، غالبيتهنّ جراء الانتحار أو الإقدام على رمي أنفسهنّ من طبقات مرتفعة، غالباً خلال محاولتهنّ الفرار. ويُرجّح ناشطون أن يكون العدد تضاعف. وعُثر الخميس على عاملة إثيوبية مشنوقة داخل منزل مخدوميها في شرق لبنان، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية.

 

العمل جار على عقد عمل موحّد

وفيما تطالب منظمات دولية لبنان بإلغاء نظام الكفالة وليس إصلاحه، تعمل وزارة العمل مع منظمة العمل الدولية من أجل تحسين شروط عقد العمل الموحّد. وتضمّنت المسودة الأخيرة التي نوقشت الجمعة، وفق الباحثة لدى منظمة العفو الدولية ديالا حيدر، "حق العاملات (...) في إنهاء العمل عند الرغبة وفي تغيير العمل من دون الحصول على موافقة رب العمل الحالي". إلا أنه لم يصر إلى إقراره بعد، وفي حال تمّ ذلك، "فلا يُعدّ تبني عقد جديد كافياً ما لم يتضمّن آليات تفتيش وتطبيق".

والعديد من العاملات اللواتي توافدن إلى أمام مقرّ قنصلية بلادهنّ، لا يحملن جوازات سفرهنّ. ما يجعل تعقّب أرباب عملهنّ مهمة صعبة. ويتحدّث مصدر أمني لبناني إلى وكالة الصحافة الفرنسية، عن "ظاهرة جديدة يلجأ لها بعض الكفلاء اللبنانيين"، مشيراً إلى أنهم "صاروا يرمون الفتيات الإثيوبيات في الشارع ثم يعمدون إلى الادعاء عليهنّ بجرم سرقة المنزل"، بهدف "التخلّص من الدفعة الشهرية للعاملة ومحاولة للتهرّب من بقية الدفعات".

وتقول الناشطة الإثيوبية تسيجيريدا بريهانو (25 سنةً)، إنها تحلم بإلغاء نظام الكفالة يوماً ما، لكن حتى ذاك الحين، تحثّ أرباب العمل على إبداء التعاطف. وتضيف المتطوّعة في مؤسسة "إنيا لينيا" غير الحكومية، التي أسّستها عاملات مهاجرات في لبنان وتُعنى بالدفاع عن حقوقهنّ، "حتى لو لم يكن لديك مال، لا ترمها في الشارع". وتشدّد على أن العاملة "ليست قمامة. هي إنسان مثلك".

مناشدات للحكومة الإثيوبية

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفيما تواجه إثيوبيات كثيرات مصاعب جمّة في لبنان، ترتفع الأصوات في إثيوبيا مناشدةً الحكومة بإعادة الآلاف من العاملات في الخدمة المنزلية والعالقات في بيروت.

وتعتبر الناشطة بانشي يمير، إحدى مؤسسات منظمة "إنيا لينيا"، أن ما زاد الوضع سوءاً هو غضّ السلطات الإثيوبية نظرها عن الانتهاكات التي تتعرّض لها الإثيوبيات. وتضيف "أستطيع القول إنهم لا يفعلون شيئاً (...) لم تقدم الحكومة الإثيوبية على أي خطوة".

وحتى اليوم، تمكّنت 650 عاملة من مغادرة لبنان والعودة إلى إثيوبيا عبر رحلات نظمتها الحكومة الإثيوبية الشهر الماضي. وتقول برتقان ميكوانينت العائدة إلى بلدها على متن إحدى الرحلات، إن على الحكومة بذل جهود إضافية، موضحةً "أعتقد أنه على الحكومة أن تعيد جميع النساء من هناك (...) إنهنّ ينمن تحت الجسور. وليس لديهنّ ما يكفي من الطعام".

ولم يتسنَ لوكالة الصحافة الفرنسية الحصول على تعليق من وزارة الخارجية الإثيوبية والقنصلية الإثيوبية في بيروت، على الرغم من الطلبات المتكرّرة.

تجارب سعيدة وسط المعاناة

وفيما تكثر قصص المعاناة، لا تتردّد إثيوبيات أخريات في التعبير عن سعادتهنّ بالعمل في لبنان، على غرار ألماز جيزاهينغ (32 سنةً) التي سافرت إلى بيروت عام 2008 للعمل لدى عائلة مؤلفة من أربعة أفراد. وبعدما وجدت ظروف العمل مرهقةً وبدل أتعابها قليلاً، انتقلت للعمل في صالون تجميل، حيث نالت راتباً شهرياً بقيمة 400 دولار مقابل تنظيفه. وتمكّنت على مدى سنوات من إرسال نصف راتبها إلى عائلتها، التي انتقلت من منزل مستأجر في أديس أبابا إلى منزل خاص في مدينة تقع على بعد 30 كيلومتراً شمال العاصمة. وتقول ألماز "لا أندم على الذهاب إلى لبنان (...) على الأقل غيّرت حياة عائلتي حتى لو لم أفعل الكثير لنفسي".

ومع بدء الانهيار الاقتصادي في لبنان وشح ّالدولار، خسرت ألماز وظيفتها واستنفدت مدخراتها قبل أن تتمكن من العودة على متن رحلة إجلاء. وتوضح "أعتقد أن المستقبل سيكون صعباً للغاية في لبنان. أنصح الشابات الإثيوبيات بالبقاء هنا وإنشاء عمل خاص بهنّ بدلاً من الذهاب إلى هناك". وتدعو الحكومة بدورها إلى التدخّل لمساعدة العاملات اليائسات العالقات.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي