Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التحرش الجنسي بلاعبات الجمباز في أميركا استمر عقودا وقصته تعصى التصور

"نتفليكس" تطلق فيلماً وثائقياً عن تلك الرياضة والطبيب السابق للمنتخب

رفعت أجسادهن القوية راية بلادهن في الجمباز، لكنهن "كوفئن" بتحرش جنسي مرعب استمر عقوداً (تيموزا.أورغ)

إنه الرابع من أغسطس (آب) 2016 وقد نشرت "ذي إنديانابوليس ستار"  مقالةً عنوانها "التعامي عن التحرّش الجنسي: كيف تمكّن الاتحاد الأميركي للجمباز من حماية المدربين على حساب الأطفال". وكشفت مقالة تلك الصحيفة اليومية بالتفصيل عن إجراءات غير قانونية اتّبعها كبار التنفيذيين في منتخب الجمباز الأميركي على مدار سنوات، كي يجري تجاهل ادّعاءات التحرّش الجنسي، عبر عدم إبلاغ السلطات عنها ما لم تصدر مباشرةً عن الضحية أو أهلها. وفي أعقاب صدور المقالة إياها، وقعت سلسلة من الحوادث نتجت منها لاحقاً فضيحة مدوّية في التحرّش الجنسي. وقد بدأ الأمر كله برسالة إلكترونية واحدة من رايتشل دانهولاندر.

فلما قرأت لاعبة الجمباز السابقة دانهولاندر (31 سنة) المقالة، تأكدت من صحة كل ما عرفته منذ عمر الـ15 ولم تكن قادرة على الوقوف في وجهه. "كنتُ محقّة"، ردّدت في قرارة نفسها أثناء إرسالها ذلك البريد الإلكتروني إلى الصحيفة تُفصح فيه عن اسم الدكتور لاري نصار الذي عمل لحساب "الاتحاد الأميركي للجمباز" بين عامَيْ 1996 و2014، وقد تحرّش بها جنسياً.

وحينما أرسلت دانهولاندر البريد الإلكتروني، لم تكن واثقة من أنها ستلقى الاهتمام الذي تتمناه. "لم تكن لدي أدنى فكرة أو تصوّر عما إذا كانت خطوتي ستتكلّل بالنجاح أو لا"، تُخبرني المحامية عبر اتصالٍ هاتفي من منزلها في الولايات المتحدة. "اعتقدتُ يومها أن ما أفعله مجرد طلقة في الظلام". وعلى ما يبدو، لقد أصابت رصاصتها. وبعد شهر، نُشرت قصة دانهولاندر إلى جانب قصة ناجية أخرى أُشير إليها بلقب جاين دو.

وكذلك لم تكن الفتاتان الوحيدتَيْن اللتَيْن تعرّضتا للتحرّش على يد لاري نصار. وبذا، تحوّلت قصة الطبيب المتحرش إلى قضية جماعية، مع اتهامه علانيةً من قبل أكثر من 500 امرأة بالتحرّش الجنسي. ولا يُميط الفيلم الوثائقي الجديد على "نتفليكس" بعنوان "الرياضية أ" اللثام عن الصدمات الجنسية فقط، بل كذلك عن ثقافة الإهمال الجسدي والنفسي التي مكّنت نصار من الإفلات من العقاب على أفعاله. وفي سياق تقرير مدته ساعة وأربعين دقيقة يقدمه ذلك الشريط، يُحاور صُناع الفيلم لاعبات جمباز سابقات يشاركنَ قصص الاعتداء عليهن، إضافةً إلى صحافيين بذلوا الغالي والنفيس لإظهار الحقيقة وإعلاء كلمة الحق، ومدّعٍ عام ملتزم التزاماً راسخاً بتحقيق العدالة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد اتّخذ المخرجان بوني كوهين وجون شينك اللذان تعاونا سابقاً في وثائقي حول الاعتداء الجنسي على المراهقين عنوانه "أودري ودايزي"، قرار إعداد فيلم "الرياضية أ"في 2017 بعدما اتصلت بهما جينيفر ساي، وهي لاعبة جمباز سابقة ومؤلفة كتاب "تشوكد آب" الذي يكشف عن حقائق كثيرة بشأن نخبة لاعبات الجمباز. وحينما باشر كوهين وشينك العمل على الفيلم، كان العالم على بُعدِ أشهر قليلة من العلم بمزاعم التحرّش التي وُجّهت إلى هارفي واينشتين، المُدان بتهمة الاغتصاب.

"بالطبع، كان لدينا إحساس قوي بأننا نصنع هذا الفيلم ضمن السياق الأوسع نطاقاً للعمل الملهم الذي يحدث تحت راية حركة "#أنا_ أيضاً" ("#مي_تو" Me Too)"، بحسب شينك. "لقد أدركنا كصُناع أفلام وثائقية أن قوة ثقافية جديدة تفرض ذاتها على الساحة العالمية مع تجرّؤ نساء كثيرات على الكلام وتضافر الجهود من أجل قلب ميزان القوى ضد المتحرّشين وإعطاء الضحايا صوتاً حقيقياً ومسموعاً في النقاش".

ويشمل الفيلم مقابلات مع لاعبات جمباز سابقات كثيرات، بمن فيهن ساي والبطلة الأولمبية جيمي دانتسشر وماغي نيكولز التي سُحب اسمها من "المنتخب الأولمبي الأميركي" للجمباز في 2016 بعد فترةٍ وجيزة من إبلاغها الاتحاد بواقعة التحرّش التي تعرضت لها مِنْ قِبَل نصار. وقد أُطلق على الفيلم اسم "الرياضية أ" تيمّناً بنيكولز التي أشار إليها الاتحاد بهذا الوصف بعد البلاغ الذي تقدّمت به. وعلى الرغم من سرية الهوية التي يمنحها القانون لضحايا التحرّش الجنسي، تفترض كوهين أن المنظمة قد لجأت إلى هذه التسمية في محاولةٍ منها لطمس المبلغين وعدم إيصال صوتهم إلى العلن.

وعلى حد تعبير كوهين، "ظننّا أن (هذا الوصف) سيكون عنواناً مثيراً ومعبراً في آنٍ واحد، إذ يكشف عن أمور كثيرة متّصلة بالاتحاد الأميركي للجمباز بعدما أدلت ماغي نيكولز وآلي رايسمان وماكايلا ماروني بشهاداتهن... وبدلاً من تدوينهن أسمائهن في ذلك الملف، دوّنت تلك المجموعة من اللاعبات أسمائهن بحروف أ وب وج. وأقلّ ما يُقال في الملف أنه دليل كبير على الطريقة التي عُوملت بها الرياضيات الصغيرات لعقود، وتفضح خبايا عدّة تتعدّى تجربة ماغي نيكولز لتكشف عن نقصٍ في الإنسانية ووجود نوع من حركة سرية الهوية، ابتُليتْ بها تلك المؤسسة الرياضية".

ومن وجهة نظر كوهين، شكّل اللقاء مع جيمي دانتسشر، الحائزة على ميدالية برونزية في الألعاب الأولمبية عام 2000، أكثر لحظات الفيلم تأثيراً. فعلى الرغم من شهرتها العالمية، لم تشعر دانتسشر بالـ"فخر لأنها رياضية أولمبية" إلّا بعد كشفها حقيقة نصار واستخدامها موقعها الرياضي من أجل الخير. "جاءت المقابلة علاجية إلى حدّ ما بالنسبة إليها، إذ أتاحت لها جمع قطع القصة المتناثرة للمرة الأولى"، تروي كوهين.

ولا يمكن قول الأمر ذاته عن دانهولاندر، إذ يعتبرها كثيرون قائدة الحركة الاعتراضية نظراً إلى أنها أول امرأة حاصلة على تدريب قانوني، تتّهم نصار بالتحرّش الجنسي. ومع ذلك، تذكر دانهولاندر أنها لا تتمنى لأحد أن يمرّ بالتجربة التي مرّت بها ويكون لقمة سائغة بين شدقي الإعلام. "أشعر بأنني أتحدث عن الموضوع بطريقةٍ مختلفة عن الناجيات الأخريات لأنني فعلتُ ذلك مراراً وتكراراً ولوقتٍ طويل"، تشرح دانهولاندر. "وفي عدد من النواحي، أحسستُ أن الحديث عن التحرّش أسوأ من التحرّش نفسه. ومع وجود جمهور يسمع ويسأل، ينتفي كل أثر للخصوصية والكرامة والقدرة على حماية الذات".

ومع هذا كله، وجدت دانهولاندر بعض الراحة في النتائج الإيجابية التي لمستها في المحكمة. فبرأيها، ثمة "قيمة كبيرة مع كثير من التعافي" في سماع شهادات نساء أخريات، و"العمل الجماعي" الذي استغرقه زجّ نصار خلف القضبان. "كان مجهوداً منّا جميعاً"، تؤكد دانهولاندر.

ففي يوليو (تموز) 2017، أقرّ نصار بالذنب في ثلاث تهم فيدرالية باستغلال أطفال في صنع مواد إباحية. وبعد أربعة أشهر، أقرّ بالذنب في  تهم عدّة بالاعتداء الجنسي. وفي يناير (كانون الثاني) 2018، حُكم عليه بالسجن لـ175 عاماً. وبعدها بشهر، فُرضت عليه عقوبة إضافية بالسجن لما يتراوح بين 40 و125 عاماً، بعد اعترافه بالتعرّض جنسياً لثلاثة أطفال دون الـ16. وخلال جلسة الاستماع في يناير 2018، مَثُلت أكثر من 150 امرأة وقدّمن ضده بيانات بشأن التأثير في الضحية.

وعلى الرغم من هذا العدد المهول من الضحايا، تتوقّع دانهولاندر وجود نساء أخريات كثيرات لم يشاركن قصصهن. "أعتقد أن الحقيقة تتجاوز كل ما عرفناه وما سنعرفه يوماً"، بحسب كلماتها. "والأرجح أن عدد الضحايا يتجاوز الآلاف، إذ استمر لاري في التحرّش بالأطفال والنساء بشكلٍ يومي على مدى 30 عاماً على الأقل. نعم، هذا صحيح. لقد تحرّش لاري بالأطفال في المدرسة الثانوية وفي منزله وفي عيادته وفي الاتحاد الأميركي للجمباز. لا أظنّ أننا نملك أدنى فكرة عن مدى سوء الوضع، ولا أظن أننا سنفعل في يومٍ من الأيام"، تردف دانهولاندر.

ولا تزال وزارة العدل الأميركية تحقّق حتى اليوم في الطريقة التي تعامل فيها "الاتحاد الأميركي للجمباز" و"اللجنة الأولمبية الأميركية" و"مكتب التحقيقات الفيدرالي" مع قضايا التحرّش. ولذا، لم تتسنَّ لكوهين وشينك فرصة إجراء مقابلات مع ممثلين عن "الاتحاد".

وعلى الرغم من الأساس القاتم الذي بُني عليه الفيلم الوثائقي، يرى المخرجان أن محتواه مفعم الأمل، كونه يُسلّط الضوء على ما يمكن أن يحدث لو ضافر الناس جهودهم كي يُحدثوا تغييراً. "أعتقد أنه من المهم للعالم أن يفهم أخيراً أنه لا يمكن لصوت وحيد أن يصنع التغيير، وأن التغيير من صنعنا جميعاً".

 

 فيلم "الرياضية أ" متاح على "نتفليكس" منذ يوم الأربعاء الواقع في 24 يونيو (حزيران).

إذا كنت ضحية تحرّش جنسي وبحاجة إلى دعم، يمكنك الاتصال بــ"أزمة الاغتصاب" Rape Crisis على الرقم 0808 802 9999. إنّ خط المساعدة متوفر يومياً من الساعة 12 ظهراً وحتى الساعة الثانية والنصف بعد الظهر ومن الساعة السابعة وحتى الساعة التاسعة والنصف مساء.

© The Independent

المزيد من