Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نيجيريا قد يجرها العنف إلى إبادة جماعية

مسيحيو البلاد مرعوبون من الفناء ومسلموها متضررون من بوكو حرام

أبرزت رسالة مفتوحة وُجّهت أخيراً إلى قادة مجموعة دول العشرين – بالتّنسيق مع غوردن براون، الحاجة الملحّة إلى التخطيط للاستجابة لتبعات "كوفيد 19" على دول العالم النّامي حيث يُتوقّع للبنى التّحتيّة المحدودة وأنظمة الرّعاية الصّحية غير الملائمة والاكتظاظ السّكاني الحضري، أن ترفع في مثل هذه الظّروف؛ معدل الوفيات النّاجمة عن فيروس كورونا، إلى جانب عوامل أخرى عدّة.

ولا تشكّل النّزاعات العنيفة سوى أحد العوامل الرّئيسة المسبّبة للهشاشة المتزايدة في الدّول النّامية. ومن البديهي أن يكون النّازحون فيها عرضةً لخطرٍ كبير، ومن البديهي أيضاً أن يتأثّر سكانها ممّن فقدوا بيوتهم ومصادر رزقهم ويعيشون غالباً في بيئات مزدحمة ومعرّضة للأمراض، بالوضع الرّاهن شرّ تأثير.

والحقيقة أنّ خفض موزانة الصّحة العامة في نيجيريا عمّا كانت عليه وقت تفشّي الوباء، قد جذب الانتباه إلى المخاطر التي يمكن أن تُعاني منها الدّول الإفريقية. وكذلك تحملنا ضخامة مستوى القتال الدّاخلي في نيجيريا على توقع الأسوأ لمواطنيها بالمقارنة بجيرانهم.

إلى ذلك، صدر تقرير بعنوان "الكشف عن الإبادة الجماعية" عن "المجموعة البرلمانية لجميع الأحزاب" All-Party Parliamentary Group (APPG) for International Freedom of Religion or Belief، بشأن المبادئ الدّولية لحرية الدّين أو المعتقد يوم الإثنين الماضي. وقدّم صورة مفصّلة ومرعبة عن كيفية انتشار العنف بين المجتمعات المحليّة في ولايات "الحزام الأوسط" في نيجيريا على مدار العقد الماضي.

وفي حين يصعب العثور على إحصاءات جديرة بالثقة، فإنّ التقدير المتحفّظ لعدد النازحين يلامس الـ300 ألف نازحٍ تقريباً. وقد شهد العام الماضي وحده وفاة ألف شخصٍ في الصّراعات المستمرة بين المزارعين والرّعاة الرّحل في تلك الولايات. وعند هذا الحدّ، لا بدّ من تحذير القراء من أنّ همجيّة الكثير من جرائم القتل، مع ما تتضمّنه من أعمال اغتصاب وتشويه وحرق، تنطبع في المخيّلة وتترك جروحاً غائرةً فيها.

ويعود أصل الصّراعات في نيجيريا إلى وابل التحديات العالمية الأكثر خطورةً في عصرنا. إذ قضى تدهور البيئة على مساحات شاسعة من المراعي والموارد الطبيعية. (أكبر دليل على ذلك، تناقص مساحة سطح بحيرة تشاد من 15 ألف ميل مربع إلى أقل من ألف ميل مربع في غضون الأعوام الأربعين الأخيرة من القرن العشرين، وتدنّي مساحة المراعي والأراضي الزّراعية في السّاحل بنسبة 80 في المئة). وما زاد الطّين بلّة، كارثية السياسات الحكومية بشأن تطوير الأراضي في المنطقة، وقصور السياسات الخاصة بإدارة الأراضي وسبل استثمارها، وعدم جدواها في أفضل الحالات.

وفي ظلّ أعمال العنف المتفشية في عدد من الدّول الأخرى، لاسيما ليبيا، راجت تجارة السّلاح غير المشروعة في نيجيريا. وقد ساعد على ذلك فساد قيادتها السياسية أو نأيها، واستشراء ثقافة الإفلات من العقاب في ما يتعلّق بالإساءات المدّعى ارتكابها من قبل القوات الحكومية. وحينما انتشرت أخبار مزيفة ومخيفة بشكل هيستيري، لم يكن لدى مديري وسائل التواصل الاجتماعي سوى عدد قليل من أصحاب المهارات الثقافية واللغوية لمتابعتها بفعالية. وإذا ما أضفنا إلى ذلك، زيادة سريعة في عدد السكان وزيادة مشابهة في عدد الشباب المنبوذ والعاطل من العمل، فسيكون لدينا ما يكفي من العوامل لضمان مستوى عالٍ من التّوتر والغضب.

من زاوية أخرى، يتمثّل العنصر الذي جعل الأوضاع في نيجيريا قاتلة للغاية، في التّنابذ الدّيني. كيف لا ونيجيريا دولة مقسومة مناصفةً تقريباً بين المسيحيين والمسلمين، مع ميل الكفّة قليلاً لصالح المسيحيين. وعلى غرار الحال في عدد من سياقات أخرى في الشرق الأوسط، أسهم ظهور التطرّف الإسلامي، الموجّه ضدّ المسلمين الآخرين والمسيحيين في نيجيريا وكل مكانٍ آخر، في تعطيل تاريخ طويل من التّعايش القابل للإدارة حتى لو لم يخلُ من الاضطرابات.

ويعني ذلك أنّ البروتوكولات المتوارثة والمتعارف عليها في حلّ التوترات بين المجتمعات المحلية، فقدت أهميتها وزخمها في عدد من المناطق النّيجيرية، مع نزوح مجموعة من الرّحل والرّعاة، لا تربطهم صلة بجيرانهم المزارعين، جنوباً نحو المناطق ذات الأغلبية المسيحية بسبب التغيّر البيئي، ما أعاد إحياء مخاوف تاريخية ومتعمّقة ومغلوطة، من "إجتياحٍ إسلامي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وفي بعض الأنحاء، تُعتبر محاولات الحكومة الفيدرالية تنظيم أساليب الرّعي أو ترشيدها، جانباً من جوانب الأجندة نفسها، مع التخوّف من تواصل تقلّص الأراضي الصّالحة للزراعة. وفيما يُمكن للرعاة كسب أرباح كبيرة من بيع المواشي التي حلّق ثمنها في الأعوام الأخيرة جراء دعم أباطرة الماشية عمليات شراء أحدث الأسلحة للمسلحين، لم يعد أمام المزارعين فرص كبيرة لتحقيق فائضٍ نقدي.

وحتى اليوم، تسبّبت تلك الصّراعات في وفيات فاقت معدلاتها بستة أضعاف معدل الوفيات الناجم عن الأنشطة المعروفة لــ"بوكو حرام" في أقصى شمال نيجيريا وشرقها. في المقابل، استعان (أو بالأحرى استعار) بعض الرّعاة المسلحين في ولايات الحزام الأوسط كـ"غوس" و"كادونا"، خطاب "بوكو حرام" ومجموعات إسلامية مسلحة أخرى، وطبّقوا أساليبها بحماسة. ويتزايد النّظر إلى ذلك الأمر بوصفه حملة لإلغاء المجتمعات الزّراعية المسيحية. إذ تستهدف الهجمات القرى وتنطوي على مذابح بالجملة، وكذلك باتت أكثر شيوعاً. ويرى بعض المراقبين المطلعين أنّ المتطرفين الإسلاميين يتذرّعون بهذا النّزاع لدفع البلاد نحو حربٍ دينيةٍ مفتوحة.

من جهة أخرى، يصح القول إنّ المسيحيين نفذوا هجمات انتقاميّة على مربّي الماشية المسلمين، لكنّ الأرقام تشير إلى أنّهم [المسيحيون] هم الأشدّ معاناةً، ومردّ ذلك جزئياً إلى اعتماد اللغة المتطرّفة الجديدة وأجندة "داعش" (Isis) في نيجيريا. وكذلك يستمر محتوى الإعلام الاجتماعي في تغذية ألسنة الصّراع الديني، وتتواصل الضّغوط على المسيحيين كي يُشكّلوا ميليشيات خاصة بهم، نظراً إلى ضعف استجابة قوات الأمن الحكومية أو تواطئها.

في ذلك السياق، من المؤكّد أنّ تقرير "المجموعة البرلمانية لجميع الأحزاب" (APPG) لا يتسامح، ولا يُبسّط أيضاً خلفية العوامل الأساسية، لكنه يُبيّن بوضوحٍ نموذجي، كيف يمكن للتلاعب بالنّزاعات الدّينية أن يُشعل نيران الاقتتال في المنطقة، وكيف يُمكن لأنماط النزاع الحالية أن تؤدّي من دون حسيب ولا رقيب؛ إلى إبادة جماعية في أبشع صورها.

ولتفادي هذا الواقع المرير، لا بدّ من تحديد سياسات هادفة وفعالة. وتأتي في طليعة هذه السياسات، تعليم الجماعات البدوية، مع إمكانية إشراكهم في الحياة الاجتماعية والسّياسية الرّوتينية. ويليها في الأهمية، تطبيق "الخطة الوطنية لتطوير قطاع الماشية" التي وضعتها الحكومة الفيدرالية، بعد استشارة الأطراف المعنية، خصوصاً المزراعين. وبعدها، يتوجّب إنفاذ الإجراءات التقيديية المفروضة على تجارة الأسلحة الخفيفة.

وفي تطوّر متصل، لا بدّ أيضاً من إرساء سياسة بيئية مشتركة تضع حدّاً للنمو الأستغلالي وغير المسؤول للأراضي الزّراعية. وكذلك يتوجب توفير التّدريب المهني للشرطة المحلية وقوات الأمن الوطنية والمناطقية ومساءلتهم، على أساس أن ذلك يشكل أحد الجوانب التي ينبغي للمساعدات الدولية استهدافها. وأخيراً وليس آخراً، من الضّروري جداً تحديد هوية القادة الدينيين، المسلمين والمسيحيين، الذين حافظوا على منظور أوسع وهم مستعدون للمخاطرة في تكوين سياقات وساطة، مع دعمهم كي يستمروا في تأييدهم الصريح والصادق للحكومة.

ولا شك في أنّ صراعات الحزام الأوسط في نيجيريا تكلّف مليارات الدّولارات، لكنّ تكلفتها الفعلية تتمثّل في أرواح الناس وآمال المجتمعات المسيحيّة المرعوبة من الفناء والمجتمعات المُسلمة المتضرّرة من الأنشطة الوحشية لـ"بوكو حرام" و"داعش".

يشكّل ذلك التقرير قراءة مهمة لكلّ من يهمّه فهم مكامن الضّعف المتعددة للدول الإفريقية في عالم اليوم المترابط على نحوٍ شامل، ولكلّ من يرغب في حماية المدنيين.

 

( شغل الدّكتور روان ويليامز منصب رئيس أساقفة كانتربري بين عامي 2002 و2012. وفي الوقت الحالي، يشغل منصب رئيس "كلية ماغدالين"، في "جامعة كامبريدج،" وينتمي إلى مجلس اللوردات بصفة أحد النبلاء لمدى الحياة)

© The Independent

المزيد من آراء