Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قرن من المعاناة الليبية في قلب الصراع الدولي

خاض الحلفاء المنتصرون بالحرب العالمية الثانية نزاعاً للهيمنة على البلاد ما زالت تداعياته مستمرة حتى اليوم

الصراع الدولي للهيمنة على ليبيا ليس جديداً وتاريخه يعود لما قبل اكتشاف النفط والغاز (رويترز)

تتصاعد كل يوم، مستويات التدخل الأجنبي في الأزمة الليبية، التي باتت تشكل نقطة استقطاب حاد للقوى الدولية، المتصارعة على النفوذ في منطقة البحر الأبيض، قلب العالم، وأحد أهم مراكز الصراعات الدولية، على مرّ التاريخ، حتى قبل بروز ما بات يعرف بصراع الطاقة، في مياه المتوسط، الذي زاد الصراع حدة واتساعاً.

وحالة الفوضى التي تعيشها البلاد، والنزاع المسلح الذي يشتعل فيها، منذ عقد من الزمن، منح فرصة لا تعوّض، للطامحين بالهيمنة في هذه المنطقة إلى استغلال الصراع الليبي، لوضع قدم في بلد يمتلك أكبر شريط ساحلي، في مياه المتوسط، بالاصطفاف خلف هذا الطرف أو ذاك.

صراع له ماض

الصراع الدولي للهيمنة على ليبيا، ليس جديداً، وتاريخه يعود إلى ما قبل اكتشاف النفط والغاز فيها، ففي العصر الحديث، ومع بروز النزعة الاستعمارية، بداية القرن الماضي، خصوصاً لاقتسام تركة الدولة العثمانية، وإرغامها على التنازل عن كل الدول التي حكمتها قروناً عديدة، برز اسم ليبيا، في دائرة الصراع الدولي.

وسلمت تركيا ليبيا إلى إيطاليا، بموجب اتفاقية أوشي لوزان، التي وقّعت عام 1912، بعد غزو الأخيرة لها بعام واحد، انطلقت بعدها حملة مقاومة ليبية شرسة للمستعمر الجديد، استمرت 20 عاماً، وانتهت رسمياً بالقبض على زعيم الجهاد الليبي المعروف عمر المختار، وإعدامه قرب بنغازي، عام 1931.

واستقرت الأمور بعدها، للحكم الفاشي الإيطالي بقيادة بينيتو موسوليني، في ليبيا، فترة قصيرة حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، في العام 1938.

مرحلة الوصاية

بعد هزيمة إيطاليا في ليبيا على يدّ قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، سارعت الأخيرة إلى اقتسام القطر الليبي، وفي فبراير (شباط) عام 1943، تمكن الجيش الثامن البريطاني، من احتلال برقة وطرابلس، وتمكنت القوات الفرنسية من احتلال فزان، وشكلت في ليبيا ثلاث إدارات عسكرية، إدارة برقة وطرابلس وتولتهما بريطانيا، وإدارة فزان وتولتها فرنسا.

وعقد مؤتمر "بوتسدام" (ألمانيا)، بتاريخ 17 يوليو (تموز) 1945، وكانت مهمة المؤتمر وضع الإجراءات الكفيلة بتنفيذ اتفاقية "يالطا"، وقرّر المجتمعون إحالة قضية المستعمرات، التي كانت تابعة لدول المحور، مع بقية القضايا المتعلقة بمعاهدة الصلح مع إيطاليا، على مؤتمر وزراء خارجية الدول الكبرى (الاتحاد السوفياتي، الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعقدت اللجنة المشكلة من وزراء الخارجية الأربعة، مؤتمرات امتدت سنوات، في كل من باريس ولندن، وتميّزت بخلاف شديد في وجهات النظر بينها، لأطماعها الواضحة في وضع يد كل منها على ليبيا، وعقد آخر اجتماع بينهم، في باريس، بتاريخ 13 سبتمبر (أيلول) 1948، وبدا واضحاً تعذّر اتفاق الوزراء، على حلّ المسألة الليبية.

واقترح الاتحاد السوفياتي، وضع ليبيا تحت وصاية مباشرة لهيئة الأمم المتحدة، على أن يتولى إدارة البلاد مجلس وصاية يتكوّن من الدول الأربع، إضافة إلى إيطاليا، ولأن هذا كان يعني وجود الاتحاد السوفياتي ضمن المجلس، رفضت أميركا وبريطانيا الاقتراح، وأمام فشل المؤتمر، في الوصول إلى تفاهمات، أحيلت المسألة الليبية على الأمم المتحدة، برسالة مؤرخة، في 15 سبتمبر عام 1948.

ويصف الكاتب الليبي عبد الرحيم نجم الصراع الدولي الذي دار بين القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية قائلاً لـ "اندبندنت عربية" "حدث صراع بين بريطانيا، التي كانت ترغب في ضم ليبيا إلى وادي النيل، وفرنسا التي كانت ترغب في ضمها إلى المغرب العربي الفرنسي، وهذا الصراع جذب الدبّ الروسي، الذي طالب بالانتداب على ليبيا، وهو ما رفضته الولايات المتحدة، خوفاً من أن تشكل ليبيا نقطة انطلاق للمد الشيوعي في أفريقيا".

ويضيف نجم "دبّرت واشنطن وحلفاؤها، مسألة استقلال ليبيا، لقطع الطريق على الأطماع السوفياتية، وأحالت الملف الليبي على التصويت في الأمم المتحدة، وهذا ما تم، ولذا سبقت ليبيا الجزائر وتونس إلى الاستقلال، على الرغم من أنها الأفقر والأكثر تخلفاً وضعفاً وقتها".

مشروع "بيفن سفورزا"

حاولت بريطانيا، الالتفاف على أعمال اللجان الدولية، التي شكّلت لحل مسألة ليبيا والمستعمرات الإيطالية، فظهر للوجود ما يعرف بمشروع "بيفن سفورزا"، وهي خطة وصاية، رتّبت بين وزير خارجية إيطاليا كارلو سفورزا ونظيره البريطاني إرنست بيفن، وتنصّ على حصول ليبيا على استقلالها، بعد 10 سنوات، على أن توضع أقاليم ليبيا الثلاثة، خلال هذه الفترة، تحت وصاية دولية، تتولى فيها بريطانيا الوصاية على برقة، وتتولى إيطاليا إدارة طرابلس، وفرنسا إدارة فزان.

وقُدم المشروع إلى الأمم المتحدة، للتصويت عليه، أمام الجمعية العامة في 17 مايو (أيار) 1949، ولتمريره، كان يتطلب موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين، وعددهم 58 دولة، ونجح الوفد الليبي في كسب تأييد ممثل دولة هايتي، وكان صوته هو المرجح، الذي أدى إلى سقوط المشروع.

استقلال ليبيا

بتاريخ 30 سبتمبر 1949، افتتحت اللجنة السياسية في الأمم المتحدة جلساتها، وخصّصت 14 جلسة للمسألة الليبية، وكان واضحاً أن مشاريع الوصاية، لا تجد لها قبولاً، فأجبرت الدول المعنية، على اتفاق يمنح ليبيا الاستقلال، من دون خلاف يذكر، إلا في التفاصيل (الموعد، الفترة الانتقالية، القضايا الإجرائية)، وبتاريخ 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 1949، عُرض مشروع القرار الموصى به، من اللجنة السياسية، على الجمعية العامة، وأُقرّ بغالبية 49 صوتاً وامتناع تسع دول عن التصويت.

وقضى القرار بأن تصبح ليبيا دولة مستقلة ذات سيادة، وعينت الجمعية العامة أدريان بلت (مساعد الأمين العام للأمم المتحدة) مندوباً للأمم المتحدة في ليبيا، وتم تشكيل مجلس الأمم المتحدة الخاص بليبيا، من مندوبين عن كل من الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، ومصر، وباكستان، وإيطاليا، وممثلين عن أقاليم ليبيا الثلاثة، ومندوب يمثل الأقليات.

استقلال أم وصاية مقنّعة؟

وبعد هذا المخاض العسير، نالت ليبيا استقلالها، للخروج من نفق الصراع الدولي، الذي خاضه المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، للهيمنة عليها، وأعلن استقلالها رسمياً في 24 ديسمبر (كانون الأول) 1951، في بنغازي.

وعن تلك المرحلة قال الأكاديمي الليبي مبروك الغزالي "كانت مرحلة صعبة، كان البلد فقيراً على المستويات كافة، ونسب الجهل والأمية مرتفعة، والأمراض تفتك بالسكان، كل ذلك أرغم الملك على القبول بما يشبه الوصاية الدولية، مقابل المساعدات التي تقدم له، من بعض الدول الغربية"، وأضاف "أجبر الملك إدريس السنوسي، على الموافقة على إقامة ثلاث قواعد حربية بريطانية وأميركية، في ليبيا، مقابل مبلغ سنوي تدفعه الدولتان لليبيا، التي كانت لا تمتلك أي نوع من مصادر الدخل، واستمر وجود هذه القواعد في ليبيا حتى العام 1970".

ظهور النفط

فتحت عيون العالم على ليبيا أكثر، مع اكتشاف النفط فيها نهاية خمسينيات القرن الماضي، وبداية تصديره في العام 1961، لتتدخل قوى خارجية، مرة أخرى، في تحديد مصير هذا البلد.

ويعتبر الصحافي الليبي هشام بن صريتي أن ظهور النفط كان نقطة تحوّل في تاريخ ليبيا، حتى يومنا هذا، قائلاً "مع ظهور النفط عادت القوى الدولية للتدخل في شؤون ليبيا، وبضغط من الشركات النفطية الغربية، تم تغيير شكل نظام الحكم فيها، من النظام الفيدرالي إلى المركزي الموحد، لعدم رغبة هذه الشركات في التعامل مع السلطات المحلية الثلاث، في ليبيا وقتها، ببرقة وفزان وطرابلس، كل على حدة".

ليبيا والقذافي والحرب الباردة

وبعد سنوات من اكتشاف النفط، قاد الملازم في الجيش الليبي حينها، معمر القذافي، برفقة عدد من الضباط، انقلاباً عسكرياً، على الملك إدريس السنوسي، عام 1969، تولى بموجبه حكم البلاد، لأربعة عقود، قادها خلالها إلى عزلة دولية وصراع طويل مع الغرب.

وفي الحرب الباردة، التي كانت تقسّم العالم وقتها، انحاز القذافي إلى المعسكر الشيوعي، بقيادة الاتحاد السوفياتي، ما وضع البلاد في حالة عداء مع الغرب، كانت أبرز محطاتها الغارات الأميركية على بنغازي وطرابلس، في عهد الرئيس رونالد ريغان، في أبريل (نيسان) عام 1986، والحصار الاقتصادي الخانق، الذي فرض على ليبيا 10 سنوات، في تسعينيات القرن الماضي، بقرار دولي، لاتهام نظامها بتفجير طائرة أميركية، فوق قرية لوكربي الأسكتلندية، عام 1988 .

الثورة وتدخل الناتو

ومع اندلاع الثورة الشعبية، على نظام حكم القذافي، في فبراير(شباط) 2011، دخلت ليبيا مرحلة جديدة، من التدخّل الدولي المباشر في أراضيها، بتدخّل حلف الناتو لدعم الثوار وحماية عاصمتهم بنغازي، من حملة انتقامية قادها جيش جرار، أرسله القذافي إلى المدينة، في مارس (آذار) من العام نفسه.

وأعاد القرار ليبيا، إلى ما يشبه الوصاية الدولية، بحكم قرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن، والذي ما زال يمدد سنوياً حتى يومنا هذا.

وقرار التدخل الدولي، وإسقاط نظام القذافي، على وقع ضربات حلف شمال الأطلسي، من دون وضع إستراتيجية واضحة لمستقبل البلاد، بعد هذه المرحلة، خلق فراغاً كبيراً وهشاشة في السلطات الليبية المتعاقبة، فاتحاً أعين الطامعين في ثرواتها الضخمة، على الساحة الدولية، وجدّد الصراع القديم للهيمنة عليها، بين الأطراف الدولية نفسها تقريباً، روسيا والاتحاد الأوروبي وتركيا والولايات المتحدة، بحسب الصحافي الليبي فاتح الخشمي الذي أوضح لـ "اندبندنت عربية" أن "الصراع هذه المرة يتجه إلى مستويات خطيرة، قد يفضي إلى تحول ليبيا ساحة صدام عسكري دولي، بين أصحاب المصالح والأطماع، على حساب هذا البلد، الذي عانى ولا يزال، منذ نشأته، من آثار التدخلات الدولية في شؤونه وتحديد مصيره".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات