Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تجربة السوفيات تبين مخاطر تبييض صفحة التاريخ وحتى قبحه

ينبغي ألا يحجب الاعتراف بعيوب أمثال تشرشل وغلادستون المساهمات الهائلة التي قدموها

هل ينجرف النقاش بشأن تماثيل قادة تاريخيين صوب مسارات إيديولوجية؟ (أ ب)   

هناك صورة التُقطت عام 1937 لجوزيف ستالين، وهو يمشي بمحاذاة قناة موسكو مع ثلاثة ضباط كل منهم برتبة ملازم. ولكن في نسخة من الصورة نُشرت بعد 12 شهراً، لا يمكن رؤية سوى اثنين من مرافقيه الملازمين.

والرجل المفقود هو نيكولاي يجوف، الضابط السوفياتي الذي أعدم في عملية تطهير، واختفى ليس فقط من منصبه، ولكن من الصورة أيضاً. لقد استأصله ستالين من التاريخ.

غادرت الاتحاد السوفياتي في عام 1988، وجئت إلى بريطانيا، وبذلك تركت خلفي بلداً من الرقابة، والخضوع، والاستبداد كي أعيش في أرض حرية التفكير والقواعد، والنقاش الديمقراطي.

والآن، أخشى أن تكون هذه البلاد تسير في الاتجاه نفسه للبلد الذي تركته. فالمقارنات واضحة للعيان. هناك روح ثورية مندفعة، وأيديولوجية مساواة، ورغبة في إعادة كتابة الأساطير الوطنية.

بعد ثورة نوفمبر الشيوعية، بدأ الاتحاد السوفييتي في محو التاريخ القيصري. وقد حُطّمت التماثيل، وحُرقت الكتب، وأُعدم أفراد أسرة رومانوف الحاكمة أنفسهم في عام 1918. وجرى في ظل حكم ستالين، القيصر السوفياتي الجديد، كمّ أفواه الصحف، وإسكات الأصوات الناقدة.

كانت الغايات بالنسبة إلى الأيديولوجيين تبرر الوسائل، في حين أن التاريخ والثقافة هما أقوى الأدوات على الإطلاق.

بعد وفاة ستالين، طُمس إرثه، وحاول النظام تبييض صفحة جزء كبير من حكمه المحفوظ في السجلات. ولعقود من الزمان، لم نعلم أبداً النطاق الحقيقي للغولاغ، معسكرات العمل القسري السوفياتية، وعمليات الإعدام.

وفي ثورة 1991، أعاد التاريخ نفسه، عندما حُطّمت التماثيل، وأُعيدت تسمية الأمكنة.

استهدف المتظاهرون المبنى السكني الذي ترعرعتُ فيه في شارع "رومانوف لين"، وبين يوم وليلة شُوّهت اللوحات الاسمية التي كانت تخلد سكان المبنى المشهورين من السوفيات برسومات الصلبان المعقوفة.

صحيح أن الملايين لا يموتون في معسكرات العمل، أو في حرب أهلية في بريطانيا الحديثة، لكن أصداء مقلقة حول الرقابة، وتفكير القطيع باتت حاضرة بقوة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 يؤسفني أن أقول إن حركة "حياة السود مهمة"، وهي حركة محمودة لتحقيق المساواة العرقية، تخاطر بإلغاء حرية التفكير، والنقاش الديمقراطي في أرضٍ كانت تقليدياً مهدَ هذه الحريات.

ونشهد حالياً تحطيم التماثيل، وتخريب اللوحات الاسمية بالغرافيتي على أيدي أشخاص لن يهدأ لهم بال، حتى تصبح أماكننا العامة خالية من أي إشارة إلى تاريخنا المعقد.

رأينا جميعاً بالأمس المأساة التي أفضت إليها هذه الأعمال، إذ غُطي تمثال ونستون تشرشل في ساحة البرلمان، بينما كان بلطجية اليمين المتطرف يطوفون في المنطقة تواقين لافتعال شجار.

ففي عيون المتظاهرين من حركة "حياة السود مهمة"، لم يعد روبرت بيل، وويليام غلادستون رئيسي وزراء إصلاحيين ليبيراليين، بل صارا من الأشرار لأن عائلتيهما كانتا تملكان العبيد. هكذا تتم إعادة كتابة تاريخنا أمام أعيننا.

يضطر الأحرار إلى الخضوع للثورة، في ظل اشتداد الضغط على الأفراد والمنظمات، والمؤسسات التجارية لإعلان دعمهم لحركةٍ تهدف إلى تقويض الثقافة والتاريخ البريطانييْن.

إن حذف الأجزاء التي قد تكون مسيئة في الأعمال التلفزيونية الكوميدية مثل "برج فاولتي" و"بريطانيا الصغيرة" من منصات البث، تبرهن أيضاً على الحقيقة الأبدية للثورات، وهي أن المتعصبين يفتقرون إلى روح الدعابة.

يسهم غياب الذاكرة التاريخية في روسيا الحديثة في إعادة الاعتبار لستالين كزعيم شعبي وقوي، بينما تُشوَه مساهمات القادة العسكريين، والمدنيين البريطانيين، أو تتعرض للتجاهل. لذلك فإن أبطال اليوم سيكونون أشرار الغد.

إن الاعتراف بعيوب شخصياتنا العامة، ينبغي ألا يحجب المساهمات الهائلة التي قدمها أشخاص مثل تشرشل وغلادستون، وقد رأيت بنفسي مخاطر تبييض صفحة التاريخ.

أخشى أنه في السعي المحموم لتحقيق المساواة والعدالة، سنخسر بعضاً مما جعل بريطانيا عظيمة حقاً. يجب أن يُترك الناس من دون رقابة، ويُسمح للأطفال رؤية الواقع المعقد لتاريخنا، وأن تُترك النصب التذكارية لأولئك الذين جاؤوا من قبلنا قائمة.

وباعتباري  من مواليد الاتحاد السوفياتي، يمكنني أن أخبركم بشيء واحد، وهو أن الحريات التي نعتبرها من المسلّمات يجب أن تحظى بالحماية.

© The Independent

المزيد من آراء