Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتفليقة يراقب الشارع بعينَيْ الإبراهيمي للخروج بورقة سياسية جديدة بعد سقوط سيناريو "التمديد"

بروز قيادات شابة في الاحتجاجات الشعبية لكن لا أحد يستطيع ادعاء "التحدث باسم الحراك"

 

يواجه المشهد السياسي في الجزائر انسداداً في الأفق في ظل غياب مبادرات سياسية جديدة من جانب رئاسة الجمهورية، على الرغم من أن عدد المشاركين في مسيرات يوم الجمعة 15 مارس (آذار)، فاق التوقعات متجاوزاً بكثير الجمعات الثلاث الماضية. ويُتوقَع أن يقدّم محيط الرئيس الجزائري "تنازلات جديدة"، بعد رفض قراره تمديد ولايته الرابعة.
 
الإبراهيمي في مرحلة "اقتناع"
 
وراقب الديبلوماسي المخضرم الأخضر الإبراهيمي، من جناحه الرئاسي في فندق "الأوراسي"، المسيرة المليونية الرابعة في العاصمة، آملاً في رسم "صورةً أكثر وضوحاً" عما يجري في الشارع الجزائري، وينقل ملاحظاته إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (82 سنة) في بحر الأسبوع المقبل.
وباشر الإبراهيمي عقد لقاءات وصِفت بـ"غير الرسمية"، مع أطراف فاعلة في المجتمع الجزائري، إذ بحث معهم آخر التطورات في الشارع. ونُقل عن الديبلوماسي الجزائري اعتقاده بصعوبة طرح حل سريع على أساس دستوري، نظراً لـ "رفض الشارع كثيراً من الوجوه" التقليدية.
والتقى الإبراهيمي ناشطين من الحراك الشعبي وإعلاميين، مساء الخميس، وعبّر أمامهم عن وجود انطباع لديه باعتقاد السلطة بصعوبة بناء مخرج على أساس دستوري خلال الفترة الراهنة. وقال الإبراهيمي لمحدثيه وفق ما ذكر أحد المشاركين في اللقاء لـ"اندبندت عربية"، إن "الأمر يحتاج إلى عصا سحرية، لكن لا أحد يملكها في الفترة الراهنة".
وفُهم من كلام الإبراهيمي، الذي تم تداول اسمه رئيساً مفترضاً للندوة الوطنية العتيدة، أن دوائر في السلطة تجد صعوبةً في التوصل إلى حل دستوري على أساس المواد 102 إلى 109. ويعني ذلك أن السلطة غير مستعدة لطرح حلول دستورية، بل تبقي على المنفذ السياسي، بناءً على المتغيرات السريعة في الشارع.
وتوحي تحركات الإبراهيمي السريعة للقاء وجوه ذات رأي واضح من الحراك، بتكليفه بناء تصوّر في أقرب وقت عن حراك الشارع وامكانات التعاطي معه، إذ كشفت الأيام الماضية عن قصور في خطاب الحكومة عن فهم ما يحدث وبالتالي التعامل معه بالشكل والتوقيت المناسبين.                  
ومع تأخر السلطات الجزائرية في التفاعل مع مطالب الشارع بشكل سريع، يشهد الحراك تشكّل تيارات متشعبة تتهيكل تدريجاً استعداداً للمرحلة المقبلة. وباتت ملامح التيارات الفاعلة في الحراك تتضح شيئاً فشيئاً مع مرور المسيرات، على أن يكون لها دور محوري في مرحلة ما بعد بوتفليقة، إن كان الحل النهائي سيأتي من خارج دائرة السلطة.
 
قيادات شابة
 
ويبرز "التيار البربري العلماني" واحدة من الجهات التنظيمية الفاعلة في المسيرات، وهو امتداد لأحزاب علمانية أغلبها فشل في تقديم نفسه على الساحة السياسية، بينما رافق بعضها السلطة في السنوات الأخيرة بحجة "المشاركة" في الحكم. ويُعدّ الناطق باسم "الاتحاد الديموقراطي والاجتماعي" كريم طابو وجهاً لافتاً يحوز قدراً كبيراً من الإجماع حوله.
وكان كريم طابو سكرتيراً أولَّ لـ "جبهة القوى الاشتراكية"، أقدم حزب معارض في الجزائر، ويُنظر إليه زعيماً شاباً يقدم قراءات "راديكالية" بشأن التعاطي مع السلطة في الفترة الراهنة، إذ يعتبر الوضع الحالي "طفرة ثورية" لا يمكن السلطة أن تكون طرفاً فيه.
 
"التيار الإسلامي"
 
ويكاد التيار الإسلامي "المهيكل" يغيب عن حراك الشارع الجزائري، لكنه يسجل حضوره "فردياً" بأسماء شخصيات، وزعامات، وذلك خشيةً من الاتهامات التي تتربص بكل مَن يدعي "الحديث باسم الحراك". واعتاد كل من عبد الرزاق مقري، رئيس "حركة مجتمع السلم" الإسلامية، وعبد الله جاب الله، رئيس "جبهة العدالة والتنمية" الإسلامية أيضاً، وغيرهما من التيار الإسلامي المعتمد، النزول إلى الشارع محتجين من دون صفتهما الحزبية.
ولم يتمكن أي من التيارات المشاركة في المسيرات، احتكار "الحديث باسم الشارع"، وهذا ما أدخل المعارضة في أزمة وجود وشرعية، وخلق أزمة في أوساط السلطة التي تبحث عن محاور ذي صدقية للتفاوض بشأن المرحلة المقبلة.
 
سيناريو "الدستور" يحظى بدعم "الدولة العميقة"
 
ولا يزال أمام الرئيس الجزائري فرصةً حتى الـ 28 من أبريل (نيسان) المقبل، لتجسيد اقتراحات دستورية للحل. وتشكّل مسألة إيجاد هذا المخرج، محور نقاشات على مستوى الدائرة الضيقة الممسكة بزمام القرار الرسمي، أو ما يسميه مراقبون بـ "الدولة العميقة".
وتبحث في المخارج الدستورية، كل مراكز القرار في الجزائر، وهي متعددة ومتشعبة، وتتوزع على الرئاسة، ورئاسة أركان الجيش، والاستخبارات و"المنظمات الثورية" ورجال الأعمال.
يقول المحلل السياسي علي ربيج بشأن المنافذ المحتملة للوضع الراهن إن "البحث جارٍ عن وسيط جزائري يحظى بالإجماع والقبول بين الأطراف الثلاثة: الشعب والمعارضة والسلطة". وأضاف "مهمة هذا الوسيط الأولى والمستعجلة، هي إعادة الثقة بين الأطراف الثلاثة، والثانية تتلخص بالذهاب إلى قرارات تصدر عن السلطة للتقليل من حدة احتقان الشارع، وثالثاً وأخيراً وضع برنامج لجلسات تشاور من خلالها يمكن وضع سيناريوهات للخروج من الأزمة".
 



تصدع التحالف الرئاسي 

من ناحية أخرى، تسببت الأحداث الأخيرة واستمرار المسيرات، بتصدع عميق داخل التحالف الرئاسي. وأقرّ القيادي في حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم، نذير بن قرون، مساء الجمعة لـ"اندبندت عربية"، بحدوث تطور كبير داخل المجموعة المؤيدة للرئيس. وقال "أين هم مَن حكموا وسيّروا البلاد باسم بوتفليقة لسنوات؟ إنهم غائبون اليوم للدفاع عمَن صنعهم". ويُنتظر أن تفصل أحزاب التحالف الرئاسي الأربعة في مطلع مايو (أيار) المقبل في مصير تحالفها. ويُرجّح وفق تصريحات قيادة حزب "جبهة التحرير الوطني" أن يُعاد النظر في التحالف على نحو يتماشى مع مستجدات الساحة السياسية خلال المرحلة المقبلة. وقال الناطق الرسمي باسم "جبهة التحرير الوطني" حسين خلدون إن اجتماعاً عُقد مساء الأربعاء ضمّ القيادة الجديدة للحزب. وبدا أن تلك القيادة باتت تسوق لخطاب جديد يتفاعل مع حراك الشارع ومفاده أنها "مع الحراك من البداية لكن القيادات الفاسدة التي تبوأت المناصب القيادية هي السبب في الوصول إلى هذه الوضعية". ويتكرر شعار "أفالان (اختصار لتسمية جبهة التحرير) ارحل"، بشكل لافت في المسيرات. واختفت أحزاب التحالف الرئاسي بشكل واضح عن صناعة الحدث وتنظيم نشاطات حزبية. ويتساءل الشارع أين هي تلك القيادات التي كانت تدافع بقوة عن استمرار الرئيس لولاية خامسة. وعُلم أن أوامر صدرت من جهات عليا، لتلك القيادات بـ "الاختفاء عن الساحة" بعدما وصِفت خطبها بـ"المستفزة".

المزيد من العالم العربي