Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصة "أنيس عبيد" رائد ترجمة الأفلام الأجنبية إلى العربية... كما ترويها ابنته

من أوائل من دمجوا الترجمة على فيلم 16 مللي بالعالم... الآلة التي اخترعها ما تزال موجودة حتى الآن

آلة طباعة الترجمة التي ابتكرها أنيس عبيد. (الألبوم الشخصي لعائلة عبيد. إندبندنت عربية)

قبل أن تُظلم الشاشة تماما، كان يحضر اسمه، ذلك الرجل الذي حصل عن جدارة واستحقاق على لقب "المؤسس الأول للذاكرة السينمائية الأجنبية" لأجيال عربية عدّة. لم نكن نسأل من هو، لفرط ما كان اسمه بديهيا مع أغلب المواد غير الناطقة بالعربية التي تعرضها الشاشات. كان الأمر مربكا جدا حينما نحاول أن نربط بين ترجمة الأفلام وبين كلمة "معامل"، فما علاقة الترجمة بالمختبرات؟! الحيرة جعلت أسئلة الصبا الساذجة تتوقف سريعا، لنعلم لاحقا كم كنّا مقصرين في حق البحث عن أصل جملة "طُبعت الترجمة في معامل أنيس عبيد بالقاهرة". تلك العبارة التي تثير أسمى معاني الامتنان لرجل كان مخترعا وصانعا مهيبا، وحالما أيضا ومبادرا شجاعا. وعلى الرغم من أنه توفي في عام 1988 ولكنه قصته ما تزال مستمرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تكريم بناته يعيد الاحتفاء بريادته 

عاد اسم أنيس عبيد للظهور على الساحة من جديد، بعد أن حجز له الكاتب عمر طاهر مكانا في صفحات كتابه الشهير "صنايعية مصر"، الصادر في نهاية عام 2016 عن دار "الكرمة"، ساردا حكايته مع ترجمة الأفلام بعذوبة ومحبة، ثم كان متابعو السينما وأنشطتها على موعد قبل أيام مع ترديد اسمه بحفاوة بالغة أيضا، حيث تم تكريم ابنتيه، عبلة وعزة، المحافظتين على إرث أبيهما وحضوره الثقافي، ضمن وقائع مهرجان أسوان الدولي الثالث لسينما المرأة، وكذلك تكريم اسم نجلته الراحلة عايدة. أنجب أنيس عبيد ستة أبناء، بينهم المهندس عادل عبيد، الذي يترأس شركة "معامل أنيس عبيد" في الوقت الحالي، ويعمل معه باقي الأشقاء، ومن المخطط أن ينضم للمنظومة الأحفاد أيضا، بحسب ما تروي السيدة عزة أنيس عبيد لـ"اندبندنت عربية"، تقول "شركة الوالد ما تزال مستمرة على نفس النهج. المعمل يقع في منطقة حدائق القبة، ومقر الشركة الإداري بوسط القاهرة، ونحن تدريجيا نهدف إلى أن يعمل أبناؤنا معنا في نفس المجال، كي يستمر النشاط والعطاء".

مخترع أول آلة لطباعة الترجمة بمصر

أنيس عبيد، الذي درس الهندسة بمصر، بدأ نشاطه عن طريق آلة صنعها بنفسه، باعتباره مهندسا في الأساس، قام من خلالها بطبع الترجمة على الشريط السينمائي، وكان من أوائل من دمجوا الترجمة على فيلم 16 مللي بالعالم، وهي تقنية لم يكن معمولا بها فيما قبل بالمنطقة، فقد كان السائد أن يُترجم الفيلم على شريط منفصل يتم تحريكه يدويا، وهو أمر كان يعيق المشاهدة، بحسب ما ذكره عمر طاهر في كتابه، وأخذ أنيس عبيد على عاتقه أن يُدخل الترجمة إلى دور العرض المصرية على اعتبار أن العربية كانت اللغة الأولى للبلاد.

في عام 1944 عُرض أول فيلم مترجم من الإنجليزية إلى العربية خرج من معامل أنيس عبيد، وكان فيلم "روميو وجوليت"، وحقق نجاحا كبيرا حينها، واستقبله الجمهور بترحاب كبير، حيث ظهرت الترجمة للمرة الأولى في دور العرض المصرية أسفل الشاشة بشكل سلس لا يفصل المشاهد عن المتابعة، وتدريجيا بدأ في إنجاز أعمال أكثر، ثم توسّع بشكل ضخم في أوائل الستينيات من القرن الماضي، وكان يترجم كل الأعمال الأجنبية التي يعرضها التلفزيون المصري بمعامله.

الآلة التي ابتكرها أنيس عبيد، وكانت بطلا أساسيا معه في صنع تاريخه كرائد لترجمة الأفلام في مصر، ما تزال موجودة حتى الآن، وتواصل السيدة عزة عبيد كلامها "كانت آلة ضخمة مقارنة بالأدوات المستخدمة هذه الأيام، ونحتفظ بها في مخازن معاملنا مثلما هي".

تؤكد عزة عبيد، التي تعمل في إدارة شركة أفلام أنيس عبيد مع أشقائها، أن والدها ظل يعمل حتى وفاته بتقنيات الترجمة التقليدية من خلال أدوات صعبة بالفعل وبها مشقة ومراحل كثيرة، حيث ظهرت الثورة الكبرى في عالم طباعة الترجمة على المواد المصورة عام 1996، حينما بدأت طباعة الترجمة باستخدام الليزر، أي بعد وفاته بـثماني سنوات، لافتة إلى أن الأمر بات أسهل كثيرا.

أنيس عبيد "ولد عام 1909 وتوفي عن عمر 79 عاما" اسم له ثقله، ودخل البيوت المصرية والعربية من أكثر الأبواب رسوخا وفنا، وبلا ضجيج، ومع ذلك تبدو المعلومات عنه شحيحة للغاية، ولا يتبين الناس شكله لندرة صوره المتداولة، حيث كان الراحل يفضل أن يعمل فقط، ولم يكن حب الظهور ضمن حساباته، وهو أمر تشرحه السيدة عزة "أبي لم يكن يحب الأضواء، كان يفضّل أن يظهر عمله إلى العلن، فيما هو لا يفضّل الظهور، ونحن أيضا نشأنا على هذه الأفكار، فعائلتنا تختار الانهماك والاجتهاد خلف الأضواء، وهو أمر مستمر حتى مع كل هوس السوشيال ميديا في الوقت الحالي".

بطل أساسي في مهرجانات السينما

عزة أنيس عبيد التي كُرمت في مهرجان أسوان السينمائي أخيرا، لديها علاقة خاصة جدا مع التثقيف السينمائي من خلال عروض المهرجانات، تقول "نحن حاضرون دوما في الفعاليات الفنية من خلال العمل الجاد وراء الكواليس، نترجم الأفلام المصرية من العربية إلى لغات أخرى، والتي تسافر للعرض في مهرجانات أجنبية، والعكس أيضا بالنسبة إلى الأفلام المعروضة في مهرجاناتنا المصرية، مثل مهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان الجونة، وكذلك بانوراما الفيلم الأوربي وغيرها"، نافية أن يكون نشاط معامل أنيس عبيد قد تقلص بشكل كبير بعد رحيله.

عزة أنيس عبيد ممتنة وفخورة بوالدها الذي كان له فضل كبير في عرض الأعمال الفنية العالمية على شاشات التلفزيونات العربية أيضا، وتقول "تعلمت من أبي كل شيء في الحياة، مثل الدقة والالتزام والمهنية والمهارة والأمانة، كان رجلا جميلا في كل شيء".

الأمر بات أسهل كثيرا بالفعل بالنسبة إلى طباعة الترجمة، صار بإمكان أي شخص أن يترجم عملا مصورا بلمسات بسيطة ويضعه على الإنترنت، ولكن السيدة عزة أنيس عبيد تنتقد أسلوب ترجمة الأفلام على الإنترنت من قبل هواة وتصفه بأنه سيئ جدا ويفتقد الدقة والأمانة، والمشروعية بالطبع، حيث أسهمت التكنولوجيا في تبسيط الأمر ولكنه في النهاية غير متقن بالمرة، فالكلمات المكتوبة غالبا لا علاقة لها بالحوار الحقيقي للعمل.

أما فيما يتعلق بـ"دبلجة" الأعمال الفنية الأجنبية المختلفة إلى لهجات عربية أو حتى لغة عربية فصحى، تؤكد أن هذه الطريقة تُفقد العمل روحه الأصلية والأصيلة، وتقول "ما بحبش الدبلجة، ما أعرفش إزاي أتفرج على عمل فني أميركي مثلا بصوت ممثل بديل ولغة مختلفة، كده مافيش روح".

اقرأ المزيد

المزيد من فنون