Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حمى ليلة كورونا

المحتجون ضد مقتل جورج فلويد يتظاهرون تحت خطر الموت ضد موت متكرر

تظاهرة حاشدة امام مركة الشرطة في مدينة سياتل في ولاية واشنطن الأميركية الأربعاء 10 يونيو الحالي (أ ف ب)

كأنما ما بعد كورونا، بدأ "ليلة مقتل جورج فلويد"، وأول ما يفعله الفيروس بحسب قول أطباء، هو رفع درجة حرارة الجسم، لكن الكثير مما يفعله أيضاً لم يتم التأكد منه، وفي كثير من الأحوال يحسم الموت المسألة. كأنما ما بعد كورونا الموت، هذا الخوف المضمر في عقول البشر وعند ساستهم، الذين بدوا أكثر هلعاً من العلماء الذين فقدوا البوصلة. ولعل خلاء الساحات والشوارع (بسبب الحجر المنزلي)، انعكس على البشر بإحساس صمت المقابر، ما جعلهم يتدافعون إلى حلبة التظاهر، كما في فيلم "حمى ليلة السبت" لعام 1977 بطولة جون ترافولتا، حيث في حلبة الرقص، يُصاب الجميع بحمى ليلة السبت، الرقص حتى الموت.

ما بعد مقتل جورج فلويد، خرجت مدن عن عقالها، كما لم يحدث قبل، عند مقتل شخص من ذوي البشرة السوداء، تدافع الناس في أغلب المدن الأميركية، في مدن أوروبية عدة، وفي مدن أخرى. قد يُذكّر ما حدث بأن عام 2019 كان عام الاحتجاجات، سترات صفر وألوان أخرى في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، لكن على الرغم من ذلك فإنه كان الحدث الذي يجبّ ما قبله، فما جاء مع الجائحة التي لا مثيل لها، يؤشر إلى أن هذه الإحتجاجات ليس كمثلها في شيء.
إذا كانت لا سابقة لتلك الجائحة، فأي قياس مفرط التأويل سيكون شطحاً، وأي إبعاد لها كمرتكز أساس في هذه الاحتجاجات، استبعادٌ قسري للزمان والمكان، الذي يؤشر إلى أن الاحتجاجات تحدث في "العالم الأول"، "المصاب الأول" بكورونا. فالجن خرج من القمقم بفضل قدح فيروس، ومَن تظاهروا بقوة وعنف أو بسلم، فعلوا ما فعلوه في ظل خطر يتهددهم. وفي هذه اللحظة الاستثنائية، أي تحت خطر الموت يتظاهرون ضد موت متكرّر، بل ويتظاهرون بشكل قياسي ومتطرّف، ويواجهون سلطة، كاذبة، غشيمة، عابثة، قامعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كأن ما كان متوقعاً أن يحدث بعد كورونا شرّع الساحة. وهذا من أثر حمى كورونا التي أصابت الجميع، الحمى المتحولة إلى احتجاجات مرجعيتها: أن البشرية في الخطر ستواجه الخطر، وأن الدرس الأول الذي تعلمناه من كورونا هو المواجهة. وحيث لا أمن ولا أمان قبل كورونا، ولا أثناء الجائحة، والمؤشرات تقول ولا بعدها، وأين؟ في المجتمعات الديمقراطية نموذج البشرية وحلمها. لذلك لم يكن "جورج فلويد" إلا الأيقونة التي حملها كل بشري على صدره، ودلالتها الموت المجاني وعلى قارعة الطريق، ولا قبر حتى يؤوي الجثمان، ولا غراب نتعلم منه طريقة أخرى.
كورونا غراب البين وعراب اللحظة: البشرية تفقد القدرة على التنفس، فكيف يمكنها أن تواجه الجائحة، وهي تُقاد بعصبة من القتلة، فيها "رئيس العالم الحر" يستهين بالأعداد الهائلة من ضحايا شعبه، وخلفه رأسمالية الكوارث تصفّق، بدعم مطّرد من شعبوية نازية جديدة، تستغل غطاء الجائحة لترتكب جرائمها حيثما تستطيع إليها سبيلاً، فجعلوا من العالم حلبة لـ "الرقص مع الذئاب" المنفردة والقطيع (مناعة القطيع).

في هذا الخضم والخصوص، يتصل بومبيو وزير خارجية ترمب الذي اتصل بنفسه قبل ذلك، بليبيا، وما سيصرح به سفيره في ليبيا هو التالي: حق السلطان "أردوغان" بالتدخل في ليبيا لمواجهة القيصر "بوتين"، وهلم جراً من متاجرة بمصير الشعوب. ومن هذا فإن صناعة الموت، في الداخل الأميركي، لا يعادلها إلا صناعة الحروب، في الخارج الأميركي. وأميركا هذه، لو لم يكن ثمة سلطان وقيصر، لصنعتهما، لتبرّر تدخّلها ولتستثمر في حروبها بالوكالة، فليس ثمة حرب ليست استثماراً أميركياً بالباطن أو بالظاهر، منطقها أن الكبير ليس مع أحد، لكن الصغار يتبعونه، وليس كالحرب وسيلة لأن تكون الكبير. 

حمى ليلة كورونا، قلبت المِجَنّ لمَن أرادوا استثمار الجائحة بصبّ البنزين على النار، واختراع وسائل أخرى كالسابقة "داعش" وأخواته، فقد تبيّن الخيط الأبيض من الأسود، ما زال عندهم العبد، في بلاد تستحثّ العالم بكل الوسائل السلمية والحربية، على أن تكون المثال، وأن يكون العالم حديقتها الخلفية. وبطبيعة الحال فإن "ليلة مقتل جورج فلويد"، لن تكون الليلة الأخيرة، والحروب التي تُشعلها أميركا في العالم، لن تنتهِ في ليبيا، لكن هذه الاحتجاجات ليست كسابقها، فهي تأتي إثر حدث لا مثيل له في التاريخ البشري، وإذا لم يجعل هذا حال البشر أفضل، فإنه سيجعل منهم أسوأ كما لا يُتوقع. 

المزيد من آراء