Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسئلة ليبيا العديدة ما بين غرابة المشهد الدولي وطبيعة الصراع

ستتوقف أمور كثيرة على معركة السيطرة على "سرت" خلال الفترة القصيرة المقبلة

انتقل الصراع الليبي من حيث الخطورة الاستراتيجية إلى مستويات أعلى (أ ف ب)

مع تفاقم الصراع في ليبيا واكتسابه أبعاداً استراتيجية واضحة، تثار تساؤلات عديدة تحتاج الإجابة عنها إلى الكثير من الحذر والتريث، ويمكن إيجازها في عدد من المحاور الرئيسة.

المحور الأول الذي يثير الكثير من اللغط، من يملك الشرعية؟ فالإعلام الغربي، وطبعاً بعض المنابر العربية تتحدث عن الحكومة محل الاعتراف الدولي في طرابلس، أي حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج، في مواجهة الطرف الآخر، مرة باسم الجيش الليبي، ومرة باسم قوات حفتر، وباستثناء منابر الإخوان وتركيا لا أحد يصف الطرف الأخير بالتمرد، وفي الواقع فإن اللبس الدولي والإقليمى في هذا الصدد بالغ الخطورة ويستحق الشرح في أسسه العامة.

فمصدر الشرعية القانونية الأساسية في ليبيا هو مجلس النواب المنتخب في 2014، ومع انتقال المجلس إلى طبرق، وإصرار ميليشيات وقوى الإسلام السياسي في كافة أنحاء البلاد على الاستمرار في الاعتداء على سيادة الدولة الليبية والسيطرة على أغلب مدنها، لم يعترض أحد في العالم على ضرورة إجراء عملية سياسية تحاول احتواء الأزمة. في ذلك الوقت طرحت مصر مبادرة في إطار منبر دول جوار ليبيا لإطلاق عملية سياسية تشمل نزع سلاح الميليشيات وبدء حوار سياسي يشمل كل أطراف الحياة السياسية غير الخارجة عن القانون، بالإضافة إلى عناصر أخرى.

ولم تجد هذه المبادرة دعماً دولياً كافياً، فخرج المبعوث الدولي الأممي الأسبق برناردينو ليون، بجهود دولية لإخراج عملية سياسية دعمها المجتمع الدولي ومصر ودول الجوار الليبي لإنشاء حكومة الوفاق الوطني من ائتلاف من مجلس النواب وقوى الإسلام السياسي، ومع انسحاب رئيس البرلمان عقيلة صالح من توقيع اتفاقية الصخيرات 2015، ومشاركة عدد منشق من النواب أسفر هذا عن حكومة الوفاق المعترف بها دولياً ولكن شرعيتها في الحقيقة محل تساؤلات مع اعتراض النسبة الأكبر من النواب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الواقع فإن القول بأن كل هذا قد تم تجاوزه بانتهاء ولاية مجلس النواب بعد مرور 6 سنوات الآن، مردود عليه بأن شرعية حكومة الوفاق قد تم تجاوزها أيضاً بعد عامين من قيامها وعدم عقد انتخابات عامة في البلاد. ومن ناحية أخرى من حيث التقاليد القانونية الدستورية، فإنه يظل لمجلس النواب الحق القانوني في مد ولايته لظروف عدم عقد انتخابات، بينما من المشكوك فيه أن لحكومة الوفاق والسراج هذا الحق، وكل هذا يفسر أن جميع الأطراف الدولية تقريباً تتعامل مع طرفي الأزمة باستثناء تركيا وقطر التي لها مدخل واحد وهو طرف حكومة الوفاق بتحالفاته الداخلية من تيار الإسلام السياسي.

وأعتقد أن هذه الخلفية السابقة، رغم اختصارها الشديد، تفسر غرابة المشهد الدولي تجاه ليبيا، وتساؤل البعض: كيف احتضن الغرب مشروع برناردينو ليون الذي يستند إلى أطروحة إشراك الإسلام السياسي في الحكم لتحقيق الاستقرار، ثم يتعامل مع الجيش الليبي والسيد خليفة حفتر في الوقت نفسه؟ وذلك لأنه ببساطة يعرف الجميع أن الوفاق قد أصبح مُسيطَراً عليها من فريق واحد هو الإسلام السياسي، وأن هذه الصيغة مرفوضة من أغلبية الشعب الليبي الذي صوّت كل مرة منذ سقوط القذافي ضد هذا التيار، وتحكم المواقف الأوروبية اعتبارات عديدة من بينها المخاوف من عدم الاستقرار وورقة اللاجئين والهجرة غير الشرعية وعدم التصعيد الكامل مع هذه الميليشيات المتطرفة خشية الأعمال الانتقامية.

أما التساؤل الثاني فيدور حول طبيعة الصراع الجاري ودلالاته، فهذا الصراع من حيث الخطورة الاستراتيجية قد انتقل إلى مستويات أعلى، ويمكن شرحها في عدة محاور بدورها، فمن ناحية أصبح أحد محاور التنافس الأميركي - الروسي، فمع تزايد انخراط موسكو في دعم المشير حفتر والجيش الليبي، اتخذت واشنطن أسلوب الـ"فيتو" التكتيكي المرحلي وليس من منطلق رؤية استراتيجية، ويؤكد هذا دعمها الأخير للتحرك التركي بعد أن كان اتصال ترمب بحفتر في بداية تحركه غرباً دليلاً على تقبل دوره ودعمه، ويأتي دعم واشنطن للمبادرة المصرية بوقف إطلاق النار دليلاً واضحاً على أن دعم تركيا تكتيكي وليس استراتيجياً، فكل ما يهمها خروج روسيا من الساحة وعدم تعظيم نفوذها في المنطقة بشكل مشابه لسوريا. أما الترحيب الروسي فهو ينطلق من نظرة واقعية لاحتمالات استنزاف عسكري لا تريد المضي فيه.

 

وعلى مستوى الصراع الإقليمي هو صراع بين مشروع الإسلام السياسي الذي اختزل خلف تركيا، وبقية المنطقة تقريباً باستثناءات غير واضحة في دول المغرب العربي لحسابات معقدة تخرجنا عن السياق الراهن، وهو كذلك صراع بين كتلتين، تركيا وقطر وفصائل الإسلام السياسي، في مواجهة دول غاز شرق المتوسط، ومن المنظور التركي هي معركة دفاع عن أيديولوجية النظام وتوسعه السياسي ومصالحه الاقتصادية في الغاز في مواجهة الكتلة الأخرى من الدول.

ومن ناحية ثالثة، تدير أطراف أربعة المعركة من منطلق اعتبار كل المنطقة ساحة صراع مترابطة، وهي موسكو وأنقرة والإسلام السياسي وقد بدأت هاتان الدولتان هذا النهج، وكذا واشنطن مع الفارق أن الأخيرة تمارس سياسات تكتيكية غير متماسكة وغير واضحة المعالم، وكل هذه الاعتبارات السابقة والمتداخلة أدت إلى انتقال الصراع إلى مستويات معقدة نعود إليها لاحقاً.

أما السؤال الثالث فهو ما سبق أن ناقشته هنا منذ قرابة الأسبوعين حول دلالات هذا التدخل ومشروع الإسلام السياسي. وفي تقديري أنه يجب الفصل بين المغامرة التركية ومصيرها كنموذج للصراع والتدخل الذي قد يستغرق وقتا للحكم عليه، ومن ناحية أخرى مصير هذا على مشروع الإخوان المسلمين الذي اصطف وتطابق خلف المشروع العثماني التركي إلى حد الدفاع عن مطالبه الاقتصادية كالحق في التنقيب عن الغاز والنفط في ليبيا، هنا ما زلت عند تقديري بأن هذا النهج قد قضى على المشروع الإخواني مستقبلياً وبشكل يتجاوز هزيمته في مصر ووضعه في خانة الإفلاس السياسي. أما المغامرة التركية فتخضع في حساباتها للمنظور الشامل المماثل لأي مغامرة سياسية مماثلة.

وهذا ما يقودنا إلى مناقشة السؤال الأخير، وهو سؤال المستقبل والسيناريوهات المحتملة، مع رفض الوفاق وتركيا المتوقع للمبادرة المصرية، ورغم قبول أغلبية اللاعبين المهمين دولياً بهذه المبادرة، ورغم الغموض المغاربي المعقد كما أشرنا من قبل، فهل يعود الصراع إلى ما سبق لنا وصفه في أعقاب مؤتمر برلين بالمسار الدائري وإعادة إنتاج متغيرات وتفاعلات جديدة؟ وأن ارتقاءه إلى الأبعاد الاستراتيجية سابقة الذكر قد حوله إلى مباراة صفرية، إما الكسب الشامل أو الخسارة الشاملة؟ وهذا ما فرضه بدرجة كبيرة العقل التركي الأردوغاني، أم تبدأ عملية سياسية جادة رغم صعوبة تصور ذلك؟ في جميع الأحوال من الواضح أن كثيراً من الأمور ستتوقف على معركة السيطرة على "سرت"، وهو ما يبدو أنه قد يتضح خلال الفترة القصيرة المقبلة، وأظن بعدها يمكن الحديث عن السيناريوهات المقبلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل