Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان وصندوق النقد يتفاوضان حول برنامج للإصلاح الاقتصادي

آراء معارضة للخطوة ودعوة إلى الاعتماد على دخل الذهب الذي يقدر إنتاجه السنوي بـ 12 مليار دولار

العلاقة مع صندوق النقد مطلوبة لأن الوصول إلى العديد من الدول المهمة تمرّ عبره (مواقع التواصل)

بدأت الحكومة السودانية مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، للحصول على تمويل واستثمار دولي في القطاعات الإنتاجية، وتمويل مشروعات التنمية الكبرى المتعلقة بزيادة الإنتاجية وبناء السلام وإتاحة فرص عمل للشباب، بحسب ما أورد وزير المالية إبراهيم البدوي في تغريده عبر تويتر.

وكشفت متابعات "اندبندنت عربية"، أن المفاوضات بين الجانبين تتجه نحو كيفية سداد أو إعفاء متأخرات ديون السودان على الصندوق البالغة 1.3 مليار دولار، والاتفاق على برنامج للإصلاح الاقتصادي تحت مراقبة الصندوق ومتابعته لفترة محددة، ما يظهر للعالم تعاون السودان مع مؤسسات التمويل الدولي، والتزامه بقواعد ومتطلبات الاتفاقيات الدولية كافة.

مراقبة الأداء

لكن ما هي رؤية المتخصّصين السودانيين في العلاقة مع صندوق النقد الدولي وإمكانية الاستفادة من خبراته وما يدور من مفاوضات حالياً مع حكومة السودان تتعلق بقضايا الإصلاح الاقتصادي، والتمويل، وغيرها.

في المقابل، يقول أستاذ الاقتصاد السياسي البروفسور حسن بشير محمد نور "لا أعتقد بأن هناك دولة في العالم يمكنها الاستغناء عن مؤسسات التمويل الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والعبرة في العلاقة مع الصندوق ليست في التفاوض للحصول على قروض فقط، لكن هناك جوانب تتعلق بمراقبة ومتابعة الأداء الاقتصادي، وغيرها".

ويلفت إلى أن مفاوضات الحكومة مع الصندوق حالياً لها علاقة بمؤسسة التنمية الدولية وهي مهمة جداً في مسألة التنمية الاقتصادية، حيث حرم السودان من خدماتها سنوات طويلة، ما يتطلب تأسيس علاقة على أسس جديدة.

ويؤكد نور أن العلاقة مع الصندوق مطلوبة لأن الوصول إلى العديد من الدول المهمة تمرّ عبره، كما أنها تساعد في جذب مستثمرين أجانب، وزيادة تحويلات المغتربين، وتحسين القوة الشرائية، ومؤشر الادخار، والانفتاح على الاقتصاد العالمي، ما يؤدي كل ذلك إلى نمو حقيقي مستدام.

ويتابع "العلاقة مع الصندوق شرٌ لا بد منه، لكن ليس من المهم الاستجابة لكامل شروطه بخاصة في مسألة رفع الدعم وتحرير العملة، والشروط المصاحبة للقروض، بمعنى يجب الوصول إلى شروط سودانية من دون روشتة الصندوق"، مبيناً أن المطلب الأساسي للحكومة الانتقالية الحالية هو إعفاء الديون البالغة 60 مليار دولار بما فيها المتأخرات، لكن الصندوق والبنك الدولي هما مفتاح التخلص من هذه الديون من خلال الاستفادة من المزايا التي تتمتع بها الدول الفقيرة.

تفشي البطالة

ويضيف أستاذ الاقتصاد السياسي أن "حصول السودان على قروض أمر مهم جداً، لأنها تساعد على ثبات سعر الصرف، وإيقاف تدهور القيمة الشرائية، والمساعدة في الجوانب التنموية بخاصة البنية التحتية، وجلب أجهزة ومعدات لمدخلات الإنتاج الزراعي، ودعم برامج التنمية الصناعية، بدلاً من تصدير المواد الخام، فضلاً عن إحلال الواردات وتشجيع الصادرات، للوصول إلى اكتفاء ذاتي، بخاصة أن السودان لديه موارد كثيرة في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والصمغ العربي والذهب يمكن تطويرها، وتجعله ينتقل من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد ذات قيمة مضافة".

وفي ما يتعلق بتداعيات كورونا وأثرها في الاقتصاد السوداني، يجيب نور"المشكلة الأساسية هي توقف عجلة الإنتاج، وقلة المعروض من السلع، والخدمات، وتأثر القطاع غير المنظم بشكل كبير، وهو ما يشكل 60 في المئة من الاقتصاد السوداني، إضافة إلى تفشي البطالة وسط المجتمع بخاصة الشباب".

جذب المستثمرين

وفي سياق متصل، يقول وزير المالية الأسبق الدكتور عز الدين إبراهيم "قطع صندوق النقد الدولي علاقاته مع السودان عام 1993، بسبب العقوبات الاقتصادية الأميركية، لكنها عادت في 1998 على المستوى الفني من دون سند مالي، أي في شكل بعثات ومشاورات وتداول في الوضع الاقتصادي، من دون أن يكون هناك دعم من قبل الصندوق، ولم يتمكن السودان حتى اليوم من الاستفادة من أي موارد خاصة بالصندوق أو البنك الدولي، بما في ذلك مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك) التي أطلقها الصندوق والبنك عام 1996، حيث حرمت البلاد من هذه المبادرة التي تدعو إلى التخفيف من ديون الدول الأكثر فقراً".

ويستبعد حصول الحكومة السودانية خلال مفاوضاتها الحالية مع الصندوق على أي قرض لوجود اسمه في قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلا أنه قد يتم الاتفاق على وضع برنامج اقتصادي غير مدعوم، يموّل من قبل مجموعة أصدقاء السودان، لكن استمرار العلاقات مع الصندوق مطلوبة، لأنه يمنح شهادة صحة الاقتصاد، فضلاً عن أن كثيرين من المستثمرين الأجانب يعتمدون في رؤيتهم الاستثمارية على تقارير الصندوق، وكذلك في مجال تقديم المساعدات، إضافة إلى أهميته من الناحية الفنية في مجال التدريب، والأفكار الاقتصادية، بخاصة أن له صناديق موازية في المنطقة كصندوق النقد العربي.

ويوضح إبراهيم أن السودان في فترة النظام السابق بدأ محاولات تسديد ديونه الخاصة بالصندوق على فترات، لكن عدم تمكنه من الحصول على حافز جعله لا يسدّد المبلغ كاملاً، والاحتفاظ بشعرة معاوية فقط.

وحول مؤشرات الوضع الاقتصادي الحالي في ظل جائحة كورونا، يجيب "ساهم الوباء في انكماش الحياة الاقتصادية من ناحية الصادر والإنتاج، ما انعكس سلباً على سعر الصرف الذي تدهور بشكل كبير، وزيادة تكاليف المعيشة، وارتفاع التضخم إلى أعلى معدلاته، لكن يظل ميزان المدفوعات الجانب المشرق الوحيد، حيث أصبح شبه متوازن، لكن قد يرتفع العجز بسبب انخفاض الصادرات والإنتاج".

شروط قاسية

من جهة ثانية، يوضح عضو اللجنة المركزية ومسؤول الاقتصاد في الحزب الشيوعي السوداني كمال كرار أن "المفاوضات مع صندوق النقد لن تفضي إلى نتائج ملموسة، فهي تكرار لما يجري خلال السنوات الماضية، لأنها تقوم على شروط اقتصادية قاسية، كما أنها مربوطة بقضايا سياسية من أهمها رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب"، منوهاً إلى أنه يجب أن لا نعوّل على الصندوق في إدارة اقتصادنا لأن التأثير الأكبر يقع في النهاية على طبقة الفقراء وليس الأغنياء".

ويضيف "إذا أرادت الحكومة السودانية الحصول على مبلغ 8 مليارات دولار لحل مشكلاتها الاقتصادية، فهناك بدائل كثيرة أفضل من التعامل مع الصندوق من بينها الاعتماد على دخل الذهب الذي يقدر إنتاجه السنوي بـ 12 مليار دولار، وهو مورد متاح أمام الحكومة، فضلاً عن القيام بإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، بإدخال ميزانية الشركات الأمنية إلى خزينة الدولة وتتبعها لتكون إحدى الأذرع الرئيسية للاقتصاد، إضافة إلى تبديل وتقنين الاقتصادي السوداني بما يلائم التطور المطلوب".

ويشير مسؤول الاقتصاد في الحزب الشيوعي السوداني، إلى أن صندوق النقد الدولي لن يعطيك أموالاً، إلا بتنفيذ شروطه المجحفة، وهي في النهاية ستؤدي إلى تحطيم الاقتصاد لأن سياسته تبعد البلاد عن الإنتاج الحقيقي، لذلك محاولة إعادة العلاقات مع الصندوق هي استنساخ لما كان يقوم به نظام البشير، بل حرث في البحر، وعبء يتحمله الفقراء.

ويبيّن كرار أن جميع الدول التي تعاملت مع الصندوق كانت تجاربها كارثية على اقتصادها، لأنه يربط الاقتصاد بطرق سيئة، وغالباً ما تكون لمصلحة الأثرياء، داعياً إلى إغلاق هذه البوابة لأن طريقها محفوف بالمخاطر الذي يقود الى ارتفاع معدلات التضخم بشكل مخيف.

المزيد من اقتصاد