Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تكتب الصحافة الورقية "المانشيت" الأخير؟

بعض الصحف العربية استغلت الجائحة لتعلن استسلامها

اختصاصية ارشيف تعتني في المكتبة الشرقية ببيروت بإحدى أقدم الصحف العربية "حديقة الأخبار" (غيتي)

بينما مرضى الفيروس في مراحله الحرجة يعتمدون على أجهزة التنفس بحثاً عن أنفاس عزّت في زمن "كورونا"، فإن صحفاً وصحافيين ومطابع ومهنة تصارع من أجل البقاء لليوم التالي إلى أن يأذن الله أمراً كان مفعولاً.

يقول أحمد عصمت الذي يعد مشروعاً في التحول الرقمي في مجال صناعة الإعلام والترفيه إن الإجراءات التي اتخذها عدد من المؤسسات المصرية بتقليص أعداد الصحافيين أو مرات الإصدار لا تعني سوى افتقارها الى أية إجراءات أو تدابير أو تخطيط إستراتيجي. ويضيف أن البعض يفسر الإغلاق والتقليص بمحاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في حين يرى البعض الآخر أن الفيروس جاء هدية من السماء لمن أرادوا الإغلاق وكتابة كلمة النهاية أمام الصحافة الورقية. وقد زاد طين كورونا على الصحافة الورقية المصرية بلة إشاعات ومعلومات مغلوطة تم تداولها في بداية الأزمة تفيد انتشار الفيروس عبر بيع وتوزيع الصحف والمجلات الورقية. ويعتبر الكاتب أحمد عبد التواب أن ترويج هذه الإشاعة ضاعف من حجم الضرر.

عدوى البيع والتوزيع

الضرر الذي لحق بتوزيع وبيع الصحف والمجلات الورقية حاولت بعض المؤسسات التغلب عليه عبر التغليف وإتباع إجراءات الحماية الاحترازية وغيرها، بحسب ما يشير المدرب في مجال فنون وأدوات الإعلام الجديد السيد خالد البرماوي. لكنه يلفت إلى أن منظومة توزيع الصحف في مصر سيئة للغاية، إذ تعتمد في أغلبها على البيع عبر الأكشاك وليس التوزيع بحسب الاشتراكات السنوية أو نصف السنوية، وهي منظومة ساهمت في مزيد من انخفاض المبيعات. ويقول: "حين تنخفض مبيعات الصحف في محافظة كبرى من محافظات صعيد مصر وعدد سكانها ثلاثة ملايين مواطن من 20 ألفاً إلى ألف نسخة بفعل كورونا، فإن هذا يعني أن الصحافة الورقية دخلت مرحلة الخطر الشديد".

مرحلة الخطر الشديد يعبر عنها ببلاغة فائقة مشهد كشك الجرائد الشهير في شارع الميرغني في حي مصر الجديدة (شرق القاهرة). "فرشة الجرائد" (الصحف والمجلات المفروشة على الرصيف) تقلصت من مساحة خمسة أمتار بعرض الرصيف إلى بضعة سنتميترات تعرض عدداً من الصحف اليومية التي تقلص عدد صفحات البعض منها من 24 إلى ثماني صفحات فقط لا غير. صاحب الكشك "عم مصطفى" يقول إنه على الرغم من تقليل عدد الصحف التي ترده يومياً، إلا أن ما يزيد على نصفها يتحول إلى مرتجع في آخر النهار. ويضيف أن الفيروس أثر سلباً حتى على الميسورون، وهم القلة التي حافظت على عادة شراء الصحف اليومية، ثم تخلت عنها سواء لبقائها في البيت واطلاعها على الأخبار عبر الإنترنت أو لتقليص النفقات بعد تأثر الدخل.

 

 

بوابة الإعلانات

تأثر مداخيل وأرباح المؤسسات الصحافية بـ"كورونا" جاء أيضاً من بوابة الإعلانات. يقول الدكتور أحمد عبد التواب إن "انخفاض الإعلانات بنسب لا تقل عن 70 في المئة في أغلب المؤسسات الصحافية ألقى بظلال وخيمة جداً على هذه المؤسسات والعاملين فيه ونمط عملية الصدور. ويضيف أن المعلن فطن إلى أن الوباء سيقلل من إقبال القراء على شراء الصحف فأحجم الكثيرون عن استمرار الإعلانات.

 تعامل الدولة مع أزمة الصحافة الورقية في ظل كورونا جاء على سبيل تضميد ما يمكن تضميده من جراح. لجنة إدارة الأزمة في الهيئة الوطنية للصحافة عقدت اجتماعاً في نهاية آذار (مارس) الماضي حضره رؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحافية القومية وتم استعراض الموقف في ما يتعلق بتوافر خامات ومستلزمات الإنتاج من ورق وأحبار وألواح طباعة وغيرها. واطمأن المجتمعون إلى أن المستلزمات تكفي لمدة ستة أشهر. لكن الاجتماع لم يتطرق إلى محتوى الصحف الورقية، وهو أحد أطواق النجاة أو عوامل الغرق.

مصير الصحافة الورقية

يقول خالد البرماوي إن مصير الصحافة الورقية أزمة عالمية ضربت دول العالم أجمع بدرجات متفاوتة حتى قبل كورونا. يقول: "بلغة الأرقام كانت مصر حتى أحداث يناير (كانون ثاني) 2011 تطبع نحو مليوني نسخة صحف بأنواعها، تقلصت بفعل أحداث 2011 و2013 إلى نحو 350 ألف نسخة، ثم انخفضت إلى نحو 50 ألف نسخة منذ انتشار الوباء. وكل جهود الدعم الحكومي المالي والتسهيلات ليست إلا محاولات إبقاء المريض على قيد الحياة فترة أطول". أما أحمد عصمت فيشير إلى أن "الصحافة المطبوعة يجب أن تتحول إلى الموضوعات العميقة والتحليل بنكهات وتستخدم أدوات تختلف عن تلك الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي لعبت دوراً كبيراً في تهميش دور الصحافة المكتوبة عموماً والمطبوعة بشكل خاص. وللعلم التحول الرقمي ليس مجرد تكنولوجيا، لكنه تقنيات مع ثقافة ومحتوى وإدارة رشيدة وتخطيط ومعرفة الجمهور بشكل أعمق. جمهور اليوم يختلف تماماً عن جمهور الأمس".

السيدة نيفين سليم (69 سنة) تمثل جمهور الأمس المخلص لصحافته الورقية. تقرأ "الأهرام" يوم الجمعة، و"أخبار اليوم" يوم السبت، وتتأرجح بين "المصري اليوم" و"الوطن" بقية أيام الأسبوع. ليس هذا فقط، بل إنها تشتري أحياناً مجلتي "صباح الخير" و"روز اليوسف" كعادة والدها رحمه الله. تقول: "على الرغم من الوباء ما زلت أصر على شراء الجرائد يومياً. اقرأها وزوجي. محاولات أبنائي وأحفادي إثنائي عن قراءة الصحف عبر تحميل تطبيقات أو إرسال روابط على الإنترنت لم تحل دون شرائي الصحف والمجلات. لنسمِها عادة أو ارتباطاً أو حنيناً إلى ما مضى".

السعودية

في السعودية، العام 2020 وأحداثه المتسارعة السيئة، حمل خبر إقفال صحيفة "الحياة" الشهيرة في السعودية بعد 70 عاماً من انطلاقها، حيث نعاها كتاب وصحافيون وصدم جمهورها بما آل إليه حالها.

وكتب المحلل السياسي خالد الزعتر "لن تكون صحيفة الحياة وحدها من تفارق الحياة، الصحف الورقية جميعها مهددة، بخاصة تلك التي لا تزال تدار بالعقلية القديمة أو التي تحاول أن تقود المرحلة الإلكترونية بالعقلية الورقية نفسها، أيتها الصحف افتحي أبوابك للمبدعين واعطي فرصة للجديد ولا تتمسكي بالقديم".

وفنّد أستاذ الإعلام والاتصال، علي شويل القرني، لـ"اندبندنت عربية" واقع الصحافة الورقية في العالم، وقال "سنجد ثلاث كتل رئيسة في العالم، على النحو التالي: صحافة لم تتأثر تقريباً من الأزمة، مثل بعض الدول الآسيوية كالصين واليابان والهند، أو ما يمكن أن نطلق عليه التجربة الآسيوية. صحافة أعادت التكيف مع الأزمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا، حيث عملت غالبية الصحف في تلك الدول على تنظيم وجودها وحضورها، وبقيت كما هي حتى أثناء أزمة جائحة كورونا. وصحف انهارت، كما هي الحال في بعض صحف منطقة الشرق الأوسط وصحف الدول العربية، ومنها بعض الصحف السعودية. وضاعفت كورونا من أزمة الورقي فيها".

ويوضح القرني "مشكلة الورقي في العالم العربي، أنها لم تستطع بناء نموذج ناجح (business mode) بعد موجة انحسار الورقي في العالم، وتمثل ذلك في رد فعل استسلامي لما حدث في العالم، وأصبحت هذه الصحف تواجه الأزمة بالأسلحة القديمة".

في المقابل، يشير القرني أن "الإعلان عادة يبحث عن النجاح الإعلامي والوجود الجماهيري أينما كان، وليس غريباً أن يظل الإعلان في الورقي، إذا كان الورقي لا زال ناجحاً، ولكن يهرب ويبتعد منه إذا كان قد فشل في البقاء. وفي الصحافة العربية والخليجية لم تعد الصحف الورقية هي المستهدف الأول من الإعلانات، فقد حلت مكانها منافذ أخرى إلكترونية أكثر جدوى وأكثر انتشاراً".

ويقول الكاتب والروائي الإماراتي عبد الله النعيمي إن "الصحف الورقية ماتت، وتكفل كورونا تكفينها ودفنها. المواقع الإلكترونية للصحف شبه مهجورة، ولا يدخلها إلا قِلة من الناس، المنصات التابعة للصحف تفعل المستحيل لتأخذ لها مكاناً في السوشيال ميديا".

وأكد الكاتب الصحافي موفق النويصر، رئيس تحرير صحيفة "مكة"، في تصريح سابق أن "انتشار فيروس كورونا وإن كان ما زال محدوداً في السعودية، إلا أن التحسب له أجبرهم على إعادة صياغة طريقة عملهم بحسب المرحلة".

وأوضح النويصر أنه تم اعتماد صدور النسخة الإلكترونية والرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي بالوتيرة ذاتها التي كانت عليها في السابق وتجهيز مجموعات "واتسآب" مختلفة بحسب كل قسم لتبادل الأسئلة والأفكار المراد تنفيذها في العدد، وضمان إبداء الملاحظات حيالها وتعديلها بحسب المطلوب.

توقف الطباعة
الكويت منعت أيضاً طباعة الصحف الورقية أثناء الحظر الشامل على الرغم من اعتراض رؤساء تحرير بعض الصحف، مع التأكيد على التزام أقصى درجات الاشتراطات الصحية. وفي منتصف مارس (آذار) الماضي، قررت السلطات الأردنية وقف طباعة الصحف الورقية كونها تسهم في نقل العدوى في إطار الإجراءات الاحترازية الجديدة لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد في البلاد. وفي نهاية مارس الماضي قررت اللجنة العمانية العليا للتعامل مع فيروس كورونا، وقف الطباعة الورقية للصحف والمجلات والمنشورات بمختلف أنواعها، ومنع بيع وتداول الصحف والمجلات والمنشورات التي تصدر خارج السلطنة. كذلك طالبت وزارة الثقافة والشباب والرياضة المغربية جميع ناشري الصحف والجرائد الورقية بتعليق إصدار ونشر وتوزيع الطبعات الورقية، وأوضحت أن هذه الدعوة تأتي في إطار حالة الطوارئ الصحية المعلنة في المملكة.

بداية الأونلاين

يرى بعض الباحثين أن ولادة الصحافة الإلكترونية كانت مع بداية السبعينيات، وظهور خدمة (التلتكست) عام 1976، كثمرة تعاون بين، مؤسستيIndependent Broadcasting  وBBC. وشهد عام 1979 ولادة خدمة (الفيديوتكست) الأكثر تفاعلية مع نظام Prestel على يد مؤسسة British Telecom Authority البريطانية. وبناءً على النجاح الذي أحرزته هذه المؤسسات في توفير خدمة النصوص التفاعلية للمستفيدين، بدأ عدد من المؤسسات الصحافية الأميركية، في منتصف الثمانينيات، بالعمل على توفير النصوص الصحافية بشكل إلكتروني إلى المستفيدين عبر الاتصال المباشر. ومن بين هذه المؤسساتTimes ، Mirror، وKnight Riders Viewtron. إلا أن هذه التجربة لم تلق نجاحاً، وتكبدت خسائر قدرت بـ200 مليون دولار. ويعود سبب ذلك إلى عوامل عدة منها، نقص الاهتمام بهذا النوع من الخدمات إلا لدى فئة محدودة من المستفيدين والمعلنين، في ذلك الوقت. مع هذا، لا يوجد تاريخ دقيق لانطلاق الصحيفة الإلكترونية الأولى.

11 سبتمبر الإنطلاقة الجدية

يرى الباحث الأميركي مارك ديويز، في دراسة له عن تاريخ الصحافة الإلكترونية، أن الصحيفة الأولى في الولايات المتحدة التي دشنت عام 1992 نسخة إلكترونية لها على الإنترنت هي "شيكاغو تريبيون"، تحت عنوان "شيكاغو أون لاين". وتوالى بعد ذلك ظهور المواقع الإخبارية والصحافية على الإنترنت، سواء التابعة للصحف والقنوات التلفزيونية أو المواقع الإخبارية المستقلة التي تعد قناة صحافية إلكترونية مستقلة في حد ذاتها. وازدهرت الصحافة الإلكترونية بعد 11 سبتمبر (أيلول)، الحدث الذي هزَّ العالم، إذ استطاعت الصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية أن تنقل بالكلمة والصوت والصورة ذلك الحدث، بينما أخفقت صحف وقنوات فضائية في ذلك.

الصحف اللبنانية

في لبنان، صدرت صحيفة "النهار"، في أكتوبر (تشرين الأول) 2018، بعدد أبيض خالٍ من أي كلمة على كامل الصفحات. ظنَّ البعض أن هناك خللاً في الطباعة، ليتبين أن الأمر مقصود، وكان توضيح "النهار" يومها، "خلص الحكي".

هدفت "النهار" من ذلك العدد إلى التضامن مع حرية الصحافة، إضافة إلى التعبير عن الخوف من تراجع الصحافة المكتوبة في مقابل الصحافة الإلكترونية. وفي 31 مارس 2016، أعلن رئيس تحرير جريدة "السفير" طلال سلمان، أنه سيتم إيقاف الصحيفة وموقعها الإلكتروني، نتيجة تراجع عائدات الإعلانات والانقسامات الطائفية والمذهبية في لبنان والعالم العربي.

كذلك في العام نفسه أعلنت دار "الصيّاد" مالكة صحيفة "الأنوار" وعدد من المجلات الفنية والمنوعة، التوقف عن الصدور، بعد 70 عاماً من إصدار مطبوعاتها. وأوضحت "الأنوار" التي تأسّست في العام 1959 أن القرار متعلق بـ"الخسائر المادية"، مضيفةً أن "كل من يتابع أوضاع الصحف الحرة المستقلة" يعلمها. أما صحيفة "الاتحاد" فلم تصمد لأكثر من شهرين. صدرت في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، في بيروت، وقيل حينها إنها قد تكون بديلاً من جريدة "السفير"، ولم يصدر عنها تعليل واضح عن أسباب توقفها عن الصدور.

"ما الذي يختلف؟"

يعتبر الأكاديمي وسام سعادة، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أنه ينبغي الانطلاق من الإطار التكنولوجي للمسألة. ويضيف أن الأسئلة نفسها طُرحت مع اختراع الراديو، وكذلك اختراع التلفزيون". نسأل "ما الذي يختلف بين وقتها والآن؟". فيجيب "لو اقتُصر الموضوع على الإنترنت والأونلاين، لاختلف الأمر. ما يحصل تكنولوجياً، هو الترابط أكثر فأكثر بين ما نسميه التلفزيون والكومبيوتر والراديو والهاتف. كلها تتجه إلى أن تكون جهازاً واحداً، وهي كذلك عملياً على هواتفنا الذكية. بالتالي، مجرد تأمل في ما تخبئه العقود الآتية من الآن حتى منتصف القرن الحالي مثلاً، تجعل الموضوع الورقي شائكاً وباعثاً على التشاؤم، طالما بقيت الصحف الورقية، خارج هذه المنظومة المتداخلة بين الراديو والتلفزيون والهاتف، فإنها مرشحة لأن تزداد تركيباً وتعقيداً". ويشرح سعادة أن حصول تعايش بين هذه المنظومة المعلوماتية الاتصالية المركبة، وبين المطبوعات الورقية، "صعبٌ لكنه ممكن، والتعويل على النوستالجيا (الحنين) للصحف الورقية، لن يكون فعالاً إلا للمتقدمين في السن، إذ إن الأجيال الجديدة، المفطورة على الرقمية، أمرها مختلف". ويلاحظ سعادة أن "الصحف الورقية مرتبطة تاريخياً بفضاءات، المقاهي، وسائل النقل المشترك (القطارات والمترو والطائرات)، والمشكلة تطرح نفسها بشكل أكثر مأزقية في البلدان الذي تتراجع فيها هذه الفضاءات المشتركة".

 

 

عالمياً

جاء إعلان "نيوز كورب"، إمبراطورية ملياردير الإعلام روبرت مردوخ، قبل أيام من إغلاق أكثر من 100 صحيفة محلية وإقليمية تابعة للمجموعة في أستراليا، مكملاً لسلسلة من إعلانات الإغلاق ووقف الطبع لعشرات الصحف اليومية والأسبوعية في دول عدّة، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، بسبب تبعات فيروس كورونا (كوفيد-19). وقبل قرار "نيوز كورب" بأيام، أعلنت "بزفيد" وقف عملياتها في إنجلترا وأستراليا في إطار تخفيض حجم نشاطها الإعلامي بشكل عام، بسبب الوباء. وسبق ذلك إغلاق عدد من الصحف ومنافذ الإعلام أو تحوّلها إلى النشر الرقمي فقط، مثل شبكة 10 في سيدني التي أغلقت موقعها الإخباري. وفي أبريل (نيسان)، أعلنت مجموعة الإعلام المجتمعي الأسترالية ACM التي تنشر 170 مطبوعة في أنحاء البلاد، عن وقف طبع غالبية الصحف غير اليومية والمجلات حتى نهاية العام، مع الإبقاء على 14 مطبوعة يومية فقط. كذلك أغلقت تماماً بعض الصحف ذات الملكية العائلية والمستقلة في أستراليا. لكن إعلان "نيوز كورب" و"سيفن ويست ميديا" وغيرها، يظهر أن كورونا لم يصب الصحافة الإقليمية والمحلية فقط، وإنما أيضاً الإعلام الرئيس أيضاً.

في بريطانيا

وفي المملكة المتحدة، أوقفت 50 صحيفة محلية وإقليمية الطبع، واكتفت غالبيتها بالنشر الرقمي عبر الإنترنت. ولا يقتصر الأمر على الصحف المحلية فقط، بل إن الصحف الرئيسة أيضاً تعاني بشكل مزدوج من انهيار عائد الإعلانات مع توقف الأعمال، بسبب الإغلاق للحدّ من انتشار الفيروس وانهيار التوزيع نتيجة مكوث الأشخاص في بيوتهم وعدم شرائهم الصحيفة. وهذا ما دعا وزير الثقافة البريطاني إلى الظهور على التلفزيون مطالباً المواطنين بشراء الصحف، مشيراً إلى أن ذلك واجب على الجميع في إطار الجهد الوطني العام لمكافحة وباء كورونا. لكن كثيرين يشكّكون في أن تكون هذه الخطوة كافية لمساعدة الصحافة المطبوعة في البلاد. وفي الولايات المتحدة، اضطُرت عشرات الصحف لوقف الطبع، حتى تلك التي تحوّلت إلى النشر الرقمي توقف بعضها لأسباب مالية. فإلى جانب أن عائدات الإعلانات الرقمية لا تصل إلى ربع عائدات الإعلانات المطبوعة، غالبية تلك الصحف لا تملك بوابات دفع إلكتروني تمكّنها من جمع اشتراكات.

ضربة قاضية

وكما يقول أكثر من ناشر، خصوصاً في أميركا، فإنّ الصحافة المطبوعة وإن كانت تعاني منذ فترة، إلّا أنّ الحاجة إليها في وقت أزمة الوباء أصبحت مضاعفة. ففي عددٍ كبيرٍ من المناطق في ولايات أميركية عدّة، تعتمد الهيئات الصحية المحلية على الصحف لإيصال رسالتها وتوجيهاتها المستمرة إلى الجمهور. وفي حال غياب تلك الصحف، تجد الهيئات صعوبة في نقل المعلومات الرسمية للسكان. ويزيد ذلك خطر انتشار المعلومات المغلوطة والضارة عبر مواقع التواصل أو غيرها من قنوات الاتصال غير الصحف المحلية، التي يثق بها الجمهور وتستند إليها الجهات الرسمية. على سبيل المثال، في شمال كاليفورنيا لم تعد "فيذر بابليشينغ" تطبع الصحف الأربع في المنطقة، ونقلت صحيفة "لوس أنجلس تايمز" عن متحدثة باسم إدارة الصحة المحلية أن توقف الصحف جعل من الصعب عليهم إيصال المعلومات والنصائح بشأن فيروس كورونا إلى الجمهور في المنطقة". في بعض المناطق الريفية النائية من كاليفورنيا، كانت تستخدم الصحيفة بعد قراءتها في إشعال حطب التدفئة في الشتاء القارس"، كما تقول مديرة تحرير إحدى الصحف الأربع التي تملكها الشركة العائلية "فيذر بابليشينغ". ومع أن المواقع الإلكترونية للصحف الرئيسة تشهد إقبالاً متزايداً في الآونة الأخيرة، نظراً إلى ارتفاع استهلاك الملايين الذين يقبعون في بيوتهم للأخبار، إلّا أنّ ذلك لا يوفر عائداً مادياً للصحف.

نمط الاستهلاك

وبحسب مؤسسة "بيو" للأبحاث، فقد انخفض عدد المنازل الأميركية المشتركة في صحيفة من 55 مليون عام 2000 إلى حوالى نصف هذا العدد حالياً. وفي السنوات الأخيرة، أغلقت نحو 1800 صحيفة تماماً بسبب عدم قدرتها على الطبع أو التحوّل إلى النشر الرقمي. أدى ذلك إلى انهيار التوزيع تقريباً، خصوصاً في بلد مثل بريطانيا لا يعتمد على اشتراكات وتوصيل الصحف إلى المنازل كما في أميركا، بل على شراء الأفراد للصحف من منافذ في الشوارع. ومع إجراءات كورونا، توقفت محال بيع الصحف عن العمل تقريباً أو أغلقت بغالبيتها. كما أن العدد القليل من المعلنين الذين ينشرون رقمياً في الصحف على الإنترنت، اشترطوا ألّا توضع إعلاناتهم مع أخبار وباء كورونا. وبما أن غالبية الأخبار الآن هي عن الفيروس، فقد زاد ذلك الضغط المادي على الصحف حتى تلك التي لديها نشر رقمي بملايين المتابعين.

في المقابل، ارتفعت مكاسب شركات الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية الكبرى، وفي مقدمتها منصات تجميع الأخبار من مصادر الإعلام الرئيسة مثل "آبل" و"غوغل" وغيرها. لذا لجأت أستراليا إلى فرض رسوم على الشركات العملاقة، تلك التي تستخدم في دعم الصحف ووسائل إعلام تصل إلى الأفراد في منازلهم. وطالبت نقابة الصحافيين البريطانية NUJ، الحكومة بمضاعفة ضريبة الأرباح على شركات التكنولوجيا التي تزيد عائداتها السنوية على نصف مليار دولار، واستخدام العائد للاستثمار في الصحف التي توشك على الانهيار. لكن كل ذلك لا يبدو كافياً لإنقاذ الصحافة المطبوعة من عثرتها، التي جاء الوباء ليقضي على مَن استطاع منها الثبات والمتابعة، ولن يبقى من منافذ الإعلام سوى من سيتمكّن من الاستمرار رقمياً مع عدد قليل من المطبوعات التي ستصمد حتى ما بعد الوباء.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات