Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوب ديلن يفاجئ جماهيره بأغنيتين جريئتين خلال كورونا

غاب شعره بعد نوبل وأطل ليقول: الحياة والموت يشاركانني سريري

الشاعر والمغني الأميركي بوب ديلن (موقع ديلن)

"الناس مجانين وأيّامنا غريبة، عالقٌ أنا في مكاني الصغير بلا أفق، كنتُ في ما سبق أُعنى بالأمور، أمّا الآن فكلّ شيء تغيّر." مَن يسمع أغنية بوب ديلن Things are changing، أو "الأمور تتغيّر"، التي أصدرها العام 2000 يظنّ أنّ هذا المغنّي الأيقونة في عالم الموسيقى يضرب بالرمل أو أقلّه يرى المستقبل. فمن كان ليتوقّع أنّ العالم بأسره سيعلق، على غرار ديلن، في علبة صغيرة، خائفاً من الخروج، خائفاً من التواصل البشريّ، وأهمّ من ذلك كلّه خائفاً من أنّ الأمور ستتغيّر ولن تعود إلى ما كانت عليه ذات يوم؟

ويُعتبر هذا المغنّي والملحّن والشاعر الأميركيّ الذي احتفل قبل أيّام قليلة بعيد ميلاده التاسع والسبعين، رمزاً من رموز موسيقى الفولك روك الأميركيّة وأحد أبرز المغنّين الشعبيّين في أميركا والعالم بأسره. فبأغانيه وكلماتها المشحونة بمعاني التمرّد على الظلم والفقر والاستبداد وبرفضه الحروب والعنصريّة والتنمّر على الضعفاء، فاز ديلن بجماهيريّة واسعة وتحوّل إلى رمز شعبيّ له قيمته ووزنه لدى متتبّعيه. فاز ديلن بجماهيريّة واسعة للحِكَم والقِيَم التي تزخر بها أغانيه هو الآتي من الطبقة العاملة والمستضعفة، فتحدّث بلسان المنسيّين المهمّشين وتطرّق إلى همومهم ودافع عن حقوقهم، تناولهم في كلمات أغانيه كما في أغنيته Rolling Stone  فقال: "أتدري ما هو الشعور أن تكون بلا بيت؟ مجرّد شخص نكرة مجهول، كحجرة متدحرجة؟"

وعدا عن الاعتراف الشعبيّ بعبقريّة بوب ديلن وأهمّيّته، فقد اعترف به العالم الأدبيّ وانحنى له عبر منحه جائزة نوبل للآداب العام 2016 وذلك لإسهاماته الشعرية وأثره في الأغنية الأميركيّة، ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الثقافيّة. ومن الجدير بالذكر أنّ ديلن هو أوّل كاتب أغانٍ ينال جائزة نوبل منذ تأسيسها، وهو أوّل أميركيّ ينالها من بعد طوني موريسون التي حازت نوبل للآداب العام 1993. وقد شكّل هذا الخيار الذي قامت به اللجنة المانحة محطّ جدال ونقاش طويل في الصحافة العالميّة لتُطرح أسئلة كثيرة جرّاءه: هل بوب ديلن أديب؟ هل كتابة كلمات أغان أصبحت نوعاً من الكتابة الأدبيّة؟ هل إبداعات بوب ديلن الموسيقيّة تجعله في خانة الشعراء؟

عدم الاستسلام

وبوب ديلن نفسه عجز عن الإجابة عن هذه الأسئلة فقال بكلّ صراحة في الكلمة التي ألقتها سفيرة أميركا في السويد نيابةً عنه لتغيّبه عن ليلة حفلة تسليم الجائزة: "هل أنا الآن أديب؟ كنت أظنّ أنّني أكتب أغاني، أتراني الآن صرتُ شاعراً؟... لو أخبرني أحدهم يوماً أنّني سأنال جائزة نوبل لقلتُ له إنّ احتمال وقوع هذا الأمر يوازي احتمال صعودي إلى القمر. نيلي جائزة نوبل أذهلني ولأيّام متعدّدة لم أستطع التعبير عن نفسي".

بوب ديلن الشخصيّة البالغة التأثير في الثقافة الأميركيّة وموسيقاها الشعبيّة عبر أغانيه الرائعة، أصبح أيقونة خالدة بفضل أعماله الذهبيّة الكثيرة التي امتدّت على أكثر من خمسة عقود. فقد وصل بوب ديلن الشاب العشرينيّ العام 1961 إلى نيويورك معقل الحانات والمقاهي والموسيقيّين والفرق الشابّة الطموحة، في ما كان يُعرف بالعصر الذهبيّ النيويوركيّ الذي سبق اغتيال جون ف. كندي العام 1963 واغتيال مارتن لوثر كينغ العام 1968، وهما حدثان تركا أثرهما الكبير في حياة ديلن النفسيّة والموسيقيّة. وصل ديلن إذاً إلى نيويورك قادماً من بلدة قريبة من حدود كندا في ولاية مينيسوتا ومليئاً بالمواهب والآمال والقيم هو الذي لم يكن يعرف أنّ مسيرته ستحمله إلى تحقيق أحلامه والتحوّل إلى رمز اجتماعيّ سياسيّ له مواقفه وآراؤه التي ستطبع مجتمعه والأجيال اللاحقة. فمحبّو بوب ديلن يهوون موسيقاه طبعاً لكنّهم يعشقون أيضاً كلمات أغانيه المشحونة بمعاني الحياة والحبّ والقدر والموت والسياسة وحقوق الإنسان وعدم الاستسلام وعدم الانهزام وعدم الرضوخ.

ولا يحرم ديلن محبّيه من موسيقاه في فترة كورونا، فديلن الذي باع أكثر من مئة مليون أسطوانة في أنحاء العالم، ما جعله واحداً من أكثر الفنّانين مبيعاً في العالم، ظهر في "زمن كورونا" هذا بأغنيتين اثنتين نشرهما على التوالي. أغنيتان تحوّلتا سريعاً إلى محطّ انتباه نقّاد الموسيقى وقبلة أنظار متتبّعي ديلن في مختلف أنحاء العالم.

تحية إلى العباقرة

أمّا أغنية ديلن الأولى فعنوانها murder most foul، أو أكثر الجرائم شرّاً، وتُعدّ أطول أغانيه متخطّية بعدد دقائقها أغنيته الرائدة highlands التي ظهرت العام 1997. ويتناول ديلن في هذه الأغنية جريمة اغتيال الرئيس الأميركيّ جون ف. كيندي في دالاس العام 1963. فيعتبر ديلن هذا الاغتيال الذي هزّ الولايات المتّحدة والعالم بأسره منقلباً ومحطّة تحوّل من العصر الذهبيّ إلى العصور السود. ومن النقّاد الموسيقيّين من قرأ في كلمات هذه الأغنية تهجّماً على ترمب وعلى سياساته وعلى طريقته في إدارة البلاد. ومنهم كذلك من قارن بين حادثة الاغتيال التي وصفها ديلن بأنّها بداية النهاية بكورونا الذي هو وباء شكّل بطريقته نوعاً من بداية النهاية كحادثة الاغتيال. وقد يكون أبرز ما في هذه الأغنية التي تبلغ بطولها حوالى سبع عشرة دقيقة، الإشارات والرموز الأدبيّة والموسيقيّة والتاريخيّة التي تحفل بها السطور. فكأنّ ديلن أراد أن تكون هذه الأغنية نوعاً من الاسترجاع أو العودة إلى الوراء، تحيّة إلى زمن العمالقة كالبيتلز ومارلين مونرو إنّما شكسبير وهمينغواي أيضاً. وكذلك في هذه الأغنية الطويلة، نوع من الضياع أو البحث عن الحقيقة، توق إلى الراحة والسلام، اتّكاء على الماضي البعيد بذكرياته ووجوهه التي طواها الموت.

أمّا الأغنية الثانية التي أطلقها ديلن فعنوانها I contain multitudes (أنا الجميع)، وظهرت هذه الأغنية منتصف إبريل (نيسان) أي بعد نحو ثلاثة أسابيع من ظهور الأغنية الأولى، لتحمل هي الأخرى إشارات وعودات إلى روائع الفنّ العالميّ، فيذكر ديلن الكاتب إدغار ألن بو، والشاعر ويليام بلايك، والموسيقيّين بيتهوفن وشوبان وغيرهم. فيبدأ ديلن بقوله "اليوم، غداً، والبارحة أيضاً، تموت الورود كأيّ شيء آخر"، ثمّ يكمل في موضع آخر: "ماذا يمكنني أن أقول بعد، أنام ويشاركني سريري كلٌّ من الحياة والموت".

وتأتي هاتان الأغنيتان بمثابة مفاجأة سارّة لمحبّي بوب ديلن الذي لم يكتب أغنية منذ العام 2012، فَمَن أحبّ Knocking on heaven's door وBlowing in the wind وThe times they are a-changing وLike a rolling stone وMr. Tambourine Man سيجد في هاتين الأغنيتين هديّة سماويّة فريدة ستبدّد بعضاً من عتمة كورونا لا محالة.

المزيد من ثقافة