Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جاؤوا إلى سوريا لمحاربة داعش. الآن يريدون البقاء

أحد عمال المعادن الكنديين، مهندس بريطاني وعامل مطعم أميركي هم من بين آلاف المتطوعين الغربيين الذين جاؤوا للانضمام إلى "ثورة"

مقاتلون من وحدات حماية الشعب الكردية بالقرب من بحيرة القحطونية في سوريا، بعدما انتزعوا المنطقة من "داعش" في نوفمبر (تشرين الأول) 2015 (رويترز) 

اجتذب صعود داعش آلاف الأجانب من جميع أنحاء العالم إلى سوريا. لكن ليس المتطرفين دينياً هم من انجذبوا إلى هنا فحسب.

فبينما كان العشرات يسافرون إلى سوريا من أجل "الجهاد"، كانت مجموعة أصغر من الأجانب، وليست أقل التزاماً، تتجه إلى الجانب الآخر من المعركة.

"الناس في بلادي يحبون الاعتقاد بأن تنظيم داعش هو مجرد مشكلة بالنسبة إلى الشرق الأوسط، فحسب. لكنه ليس هنا فقط. فهو يؤثر في الجميع"، يقول الدمث كايل تاون البالغ من العمر 30 سنة، من ثاندر باي، أونتاريو بكندا.

تاون، وهو حداد صفائح معدنية سابق، هو من بين آلاف الغربيين الذين سافروا إلى سوريا لمحاربة داعش والمشاركة في "ثورة" تقودها مجموعة كردية مغمورة في ذلك الوقت في شمال البلاد.

ومن بين هؤلاء، جنود سابقون وعمال في جمعيات خيرية وطلاب ومهندسون وجميع أنواع الفوضويين واليساريين، ومنهم ثمانية بريطانيين - رجال ونساء - ذهبوا لمحاربة داعش وماتوا في بلدات ومدن يجهلها معظم الناس في وطنهم.

ويُقارَن هؤلاء المتطوعون بالألوية الدولية، المقاتلون الأجانب الذين سافروا إلى إسبانيا لمحاربة فاشية فرانكو في ثلاثينيات القرن العشرين وذاع صيتهم إثر كتابة جورج أورويل عنهم. غير أن هؤلاء هذه المرة، على خلاف الألوية الدولية، هم في الجانب المنتصر.

تكاد أن تلحق الهزيمة بخلافة داعش المعلنة ذاتياً من دون اعتراف دولي، تاركةً أولئك الذين جاؤوا لمحاربتها أمام مفترق الطرق. ويقول كثيرون إنهم غير مستعدين للعودة إلى بلدانهم، وسيبقون في سوريا عوض ذلك. ولكن مع دخول الحرب الأهلية مرحلة جديدة، فإن دورهم يبقى غير مؤكد.

 

"هناك الكثير من العمل إلى جانب قتال داعش"، يقول تاون، الذي ينشط حالياً مع وحدة المشاة. "هناك جميع أنواع الأعمال المدنية. لقد جئت إلى هنا لأنني أردت المشاركة في هذه الثورة على أمثل وجه".

وتاون هو عضو في ميليشيا كردية يسارية تسمى "وحدات حماية الشعب" والتي التحق بصفوفها آلاف من المتطوّعين الغربيين في السنوات القليلة الماضية.

وكانت المجموعة الحليف الرئيس للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش في سوريا، وتلقّت عتاداً عسكرياً ويدعمها نحو ألفي جندي أميركي والقوة الضاربة لسلاح الجو الأميركي تحديداً.

وفيما كانت وحدات حماية الشعب كياناً مغموراً إلى حد كبير قبل الحرب، اتجهت إليها الأنظار في الدوائر اليسارية الغربية بسبب معارضتها العسكرية والإيديولوجية لداعش.

وفي حين أن داعش استعبدت النساء وذبحت الأقليات، كانت النساء المقاتلات في وحدات حماية الشعب تقود المعارك على الخطوط الأمامية ضد التنظيم. وفي وقت نصّبت داعش نفسها عدواً للديمقراطية، قامت وحدات حماية الشعب، بواسطة تحالفها الكردي – العربي "قوات سوريا الديمقراطية"، بإنشاء إدارة مستقلة تقول إنها ستشكل أساس نظام ديمقراطي راديكالي عندما تنتهي الحرب.

وإلى جانب جاذبيتها كقوّة قتالية، تتبنى الجماعة إيديولوجية لامركزية مستوحاة من الماركسية جذبت كثيراً من الذين كانوا يسعون إلى العيش في مجتمع مختلف في شكل جذري عن الحياة الرأسمالية التي تركوها وراءهم.

بالنسبة إلى دانيال إليس، خريجة جامعة أكسفورد من لندن والبالغة من العمر 29 سنة، كان سبب قدومها إلى سوريا مزيج من الاثنين.

"في البداية، قمت بإرسال بريد إلكتروني إلى وحدات حماية الشعب، وطلبت أن أصبح جنديةً. لكنهم لم يجاوبوا"، تقول إليس في مقابلة مع الاندبندنت من بلدة ديريك في شمال سوريا. "وحين أفكر في الأمر أرى أنه كان على الأرجح أمراً صائباً".

وبعد شيء من التفكير، شعرت إليس أن دبلوم الماجستير في الهندسة الذي لديها يمكن الاستفادة منه في شكل أفضل في موقع آخر، لذا جاءت للعمل بدلاً من القتال كمتطوعة في كومونة أممية.

وتقول إليس: "لقد كانوا في حاجة إلى أناس بمهاراتي. إنه خيار أكثر عقلانية بكثير من الانتساب إلى ميليشيا. كنت أعمل على نظم الإمداد بالطاقة خارج الشبكة، إمدادات المياه، هذا النوع من الأمور".

 

وأثارت هذه المجموعة اهتمام إليس بعد تعرفها على وحدات حماية الشعب على الإنترنت ومن خلال الأصدقاء. كانت قد قرأت عن الكومونة، وألهمتها قصص متطوعين آخرين انضموا إليها، من بينهم آنا كامبل، التي صارت أول امرأة بريطانية تسقط وهي تحارب في صفوف وحدات حماية الشعب. لم يقتل داعش كامبل بل هي لقيت حتفها في القتال ضد القوات التركية خلال غزوها منطقة عفرين التي كانت تسيطر عليها وحدات حماية الشعب.

"إنه وقت مثير للغاية أن أكون هنا. ولكنها مرحلة توتر وخطر. فالناس في هذه المنطقة أثبتوا أنهم يستطيعون فعل شيء مدهش ووجودهم على المحك".

شجّعت وحدات حماية الشعب الأجانب على الانضمام إليها، وساعدت في تسهيل الرحلات إلى شمال سوريا. اضطرت المجموعة إلى الاعتماد على دعم دول خارجية في الحرب ضد داعش، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا. ويعطيها وجود الغربيين في صفوفها دفعة دعائية مفيدة في بلدانهم الأصلية. وعاد كثير من المتطوعين إلى بلدانهم لحشد التأييد لـ"وحدات حماية الشعب".

يقول نوري محمود، وهو متحدث باسم وحدات حماية الشعب: "في روجافا، لدينا مبدأ المواطنة الحرة. إذا كانوا يؤمنون بثقافة المنطقة وتاريخها وفلسفتها، فهم مرحب بهم ليكونوا جزءاً من المجتمع".

لكن ليس كل السوريين يشاركونه الشعور. فمعارضو وحدات حماية الشعب يتهمون هؤلاء المتطوعين بالاستعمار، وآخرون يتهمونهم بالمغامرة والسذاجة. وتقول إليس إنها تدرك هذه الانطباعات.

وتضيف إليس أن هناك "طبعاً بعض الأصدقاء" الذين ينظرون إلى التطوع هنا من منظور "المخلص الأبيض" الذي يأخذ "فاصلاً" في حياته "ليذهب ويساعد الأشخاص ذوي البشرة السمراء".

"لكن عندما أخبرت الأصدقاء الأكراد في لندن، أنني قادمة إلى هنا، أعربوا عن امتنان شديد".

"ما زالت لديّ تساؤلات كثيرة حول ما فعلت. هل أتيتُ لمصالحي الخاصة فحسب؟ من الصعب ألا تكون لديك تلك الشكوك. نحن أشخاص يتمتعون بامتيازات في شكل لا يصدق. ولكن كلما قضيت مزيداً من الوقت هنا، شعرت أننا نبلي بلاء طيباً".

كانت هناك تساؤلات حول السجل الحقوقي لوحدات حماية الشعب في المناطق التي تسيطر عليها، والتي تصل الآن إلى حوالي ثلث البلاد. وفي تقرير صدر العام الماضي، قالت "هيومن رايتس ووتش" إن الجماعة قامت بتجنيد الأطفال في صفوفها، وخنقت المعارضة السياسية.

 

وكان الدافع نسبياً، وراء سفر هنتر بيج، وهو عامل في قطاع المطاعم، يبلغ من العمر 25 سنة من بلومزبورغ في بنسلفانيا، ما كان يحدث في بلاده. فهو أصيب بالإحباط، كما يقول، عقب انتخاب دونالد ترامب في العام 2016.

وقال بيج مُعدداً الأحداث التي أتت به إلى سوريا: "لقد لاحظت أن ثقافة المطبخ، حيث كنت أعمل، أصبحت أكثر مكان يحضّ على الكراهية".

"يبدو أن مزيداً من الناس كانوا قادرين على تبنّي العنصرية والتمييز على أساس الجنس ورهاب المثلية في مكان العمل. كانت الأمور على غاربها. وبعد الاستماع لهذا الخطاب يوماً بعد يوم، شعرت بأنها تخلّف أثراً سلبياً فيّ". دفعه مزيج من الجو السياسي الخانق في الولايات المتحدة والاهتمام المتزايد بالأحداث في سوريا إلى اتخاذ الخطوة. لكن كانت هناك دوافع أخرى كذلك.

يقول بيج: "أعتقد بأنه ثمة مزيج من الأسباب السياسية والشخصية وراء كل من يأتي إلى هنا وكل من ينضمّ. أعني، لو كانت لدينا حياة منزلية عظيمة مع زوجات رائعات ووظائف عظيمة، لا أعتقد بأن حتى أكثر الأشخاص راديكالية سياسياً كانوا ليأتوا إلى هنا بسهولة".

وانضم بيج إلى اللواء الدولي في وحدات حماية الشعب لدى وصوله في مايو (أيار) العام 2018. ويأخذ المجندون الجدد لدى وصولهم دروساً لغوية وأخرى في تاريخ المنطقة وثقافتها والتدرّب على السلاح.

"كل القارات تقريباً ممثلة في لوائي. إنه خليط من أشخاص كانوا في السابق عسكريين، وأشخاصاً منخرطين في أعمال سياسية في بلدانهم، وبعض الناس هنا يبحثون عن المغامرة فحسب"، يقول بيج.

شارك بيج في عمليتين في دير الزور، حيث تخوض داعش معركتها الأخيرة. وفي الأشهر القليلة الماضية، ومع تقلّص رقعة الخلافة من سلسلة قرى على طول نهر الفرات إلى بضعة حقول، استسلم المئات من مقاتلي داعش وعائلاتهم لقوات سورية الديمقراطية. وتحتجز هذه القوات الآن نحو 800 أوروبي في مخيمات وسجون، ومن بينهم مجموعة من البريطانيين وأميركيَّيْن على الأقل.

وخلال خروجهم من آخر منطقة تحت سيطرة التنظيم، قد يكون هذان الأميركيان الداعشيان قد مرّا على متطوعين أميركيين من قوات حماية الشعب، في طريقهم إلى نقطة تفتيش حيث ربما استجوبهما جنود القوات الخاصة الأميركية.

وقد فكر بيج في مسألة وجود مواطنيه من الرجال والنساء على الجانب الآخر من المعركة. وهو يقول "من المؤسف أن فصيلنا لا يضم ​​سوى مئات من المتطوعين، بينما تستطيع داعش أن تجذب الآلاف من جميع أنحاء العالم. سيكون مفارقاً وغريباً الالتقاء بأميركي هنا، شخص جاء من ولاية سبق أن زرتها، ولديه تجارب مشتركة، وقرر الذهاب للقتال مع داعش".

يُعتقد بأن أكثر من 12 امرأة بريطانية وأطفالهنّ محتجزات في معسكرات قوات سورية الديمقراطية، وعلى الأقل 6 مقاتلين بريطانيين من داعش. واحدة من أشهر المعتقلات، شاميما بيغوم، تصدّرت عناوين الأخبار في جميع أنحاء العالم عندما فرّت من شرق لندن مع ثلاث من زميلات المدرسة في العام 2015.

وأثار ظهورها في وقت سابق من هذا الشهر، في مخيّم لعائلات داعش في شمال سوريا، جدلاً حول مسؤولية الدول الغربية عن استعادة مواطنيها المتطرّفين.

بعد أن أجرت مقابلة مع صحيفة "التايمز"، أعربت بالكاد عن ندم على انضمامها إلى الجماعة الإرهابية، ألغى وزير الداخلية ساجد جاويد جنسيتها، ووعد باستخدام صلاحياته لوقف عودة المشتبه فيهم.

لكن المملكة المتحدة سعت كذلك إلى محاكمة المتطوعين في وحدات حماية الشعب لدى عودتهم إلى بريطانيا، حيث تم اعتقال إليس، خريجة الهندسة، واستجوابها في لندن بموجب قانون الإرهاب لمدة ثماني ساعات وهي في طريقها إلى سوريا، وتتوقّع أن تُستجوب كذلك من جديد في طريق عودتها إلى وطنها.

وأما جيم ماثيوز، وهو جنديّ سابق في الجيش البريطاني، فكان أول بريطاني يُتهم بارتكاب جرائم إرهابية العام الماضي بعد عودته من القتال ضد داعش في سوريا، لكن التهم أسقطت عنه في نهاية الأمر. كما أُلقيّ القبض على ثلاثة بريطانيين آخرين على الأقل بتهمة ارتكاب جرائم مماثلة، لتسقط عنهم التهم كذلك.

 

وفي تصريح إلى "الاندبندنت"، قال هذا الشاب البالغ من العمر 44 سنة، والذي أصبح مدرساً بعد مغادرته الجيش، أن اتهامه بالإرهاب بعد القتال ضد الجهاديين كان "مفارقة غريبة".

وأضاف ماثيوز: "نحن [متطوعو وحدات حماية الشعب البريطانيين] ذهبنا إلى هناك لأن حكومتنا لم تكن تفعل ما يكفي. كانت مهمة تحتاج إلى من يقوم بها، كان علينا أن نطرد داعش من (تلك) الأراضي".

وتصنّف تركيا، حليفة المملكة المتحدة في الناتو وشريك تجاري رئيس لها، وحدات حماية الشعب الكردية كمجموعة إرهابية لصلاتها بـ"حزب العمال الكردستاني"، الجماعة الكردية التي تخوض تمرداً مسلحاً ضد أنقرة منذ 40 عاماً. كما تصنف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "حزب العمال الكردستاني" كمجموعة إرهابية، لكنهما تميزانه عن وحدات حماية الشعب، على الرغم من الروابط الراسخة والعلاقات الأيديولوجية. وتنفي وحدات حماية الشعب أي صلات عضوية بـ"حزب العمال الكردستاني".

وهدّدت تركيا مراراً بعبور الحدود إلى سوريا لإرساء "منطقة آمنة،" وهو إجراء سيؤدي إلى حرب مع قوات سوريا الديمقراطية وربما مع بعض المتطوعين الدوليين. وهذا الشعور بأن المعركة ربما لم تنتهِ بعد هو ما يحول دون مغادرة البعض منهم.

يقول كايل تاون، المقاتل الكندي في وحدات حماية الشعب: "لا يمكننا أن نغفل أن داعش على الرغم من أنه كان مشكلة كبيرة، إلا أن أكبر تهديد لهذا المجتمع وهذه الحركة يأتي من تركيا".

ويضيف تاون أن غزو عفرين، المنطقة ذات الغالبية الكردية التي اجتاحتها تركيا وحلفاؤها من المتمردين السوريين العام الماضي، هو ما عزّز عزمه على القدوم إلى سوريا في المقام الأول.

تقول إليس من جانبها، إنها لا تخطط للعودة إلى بلادها في القريب العاجل قائلة "قطعت الكثير من الروابط مع المملكة المتحدة. تخلّصت من الكثير من ممتلكاتي. أنهيت وظيفتي".

"لقد نجح الناس هنا في إنشاء أسس مجتمع ديمقراطي ومتكافئ في شكل جذري، على الرغم من داعش. أرى أن الوضع واعد، هو بداية وليس النهاية".

© The Independent

المزيد من الشرق الأوسط