Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تصاعد صراع الهوية منذ انهيار حكم بوتفليقة في الجزائر

تجددت المعركة على الرغم من العقوبات التي أقرتها الحكومة للحد من مظاهر الكراهية والعنصرية

كثيرون في الجزائر يسألون لماذا تشتعل المعارك على الهوية ثم تخفت (أ.ف.ب)

تعيش الجزائر صراع هوية لا نظير له منذ استقلال البلاد عام 1962. وقد بلغ التراشق حد التخوين وتبادل الاتهامات والطعن في الأصول والدين واللغة. فعلى الرغم من العقوبات التي أقرتها الحكومة للحد من مظاهر الكراهية والعنصرية، إلا أن مسودة الدستور، خصوصاً ما جاء فيها بخصوص اللغة، أشعل الجدال بين الجزائريين.

ومن دون سابق إنذار، اشتعلت "معركة" بين الأمازيغية والعربية وبين العربية والفرنسية، والتهبت مواقع التواصل الاجتماعي وتحوّل الحديث عن الحريات والديمقراطية والتعديلات الدستورية المقترحة إلى صراع حول مَن هم السكان الأصليون للجزائر؟ وهل العرب محتلون؟ ولماذا اللجوء إلى الفرنسية بدل العربية؟ ولماذا تكتب الأمازيغية بالحرف اللاتيني؟ وغيرها من الأسئلة "الصادمة" التي كانت نائمة.

يذكّر أستاذ التاريخ المعاصر رابح لونيسي، في حديث مع "اندبندنت عربية"، بأن "صراع الهوية ليس جديداً في الجزائر، بل ولد مع بدايات الاستقلال، بسبب أن الذين أخذوا السلطة بالقوة تبنوا هوية لا تتماشى مع الواقع الجزائري، وأقصوا البعد الأمازيغي الذي كان من المفروض أن يكون إلى جانب الإسلام والعربية، لتتناغم الثلاثية بتكامل".

يضيف أن النظام حاول في السنوات الماضية تدارك الخطأ المرتَكب وتصحيح الوضع، من خلال منح مكانة للبعد الأمازيغي، لا كلغة فحسب بل كثقافة وعمق تاريخي للجزائر، خصوصاً أن ذلك الإقصاء جعل كثيرين يشعرون بأنهم لا يمتلكون حقوق المواطنة كاملة. ما خلق شرخاً في المجتمع وتوسعة ثقافة العداء للبعد الأمازيغي حتى في المدرسة.

ويعتقد لونيسي أن "تهديد الوحدة الوطنية لم يكن بسبب الاقصاء، بل ببروز مخطط حركه الكيان الصهيوني انطلاقاً من بريطانيا بواسطة عملاء غالبيتهم كانوا ضمن الجماعات الإرهابية وحاملي أيديولوجيتها الفارين من الجزائر، وغالبيتهم حصلت على الجنسية البريطانية مقابل القيام بمهمة ضرب وحدة البلاد المغاربية عموماً والجزائر خصوصاً على أساس أوهام عرقية بهدف إشعال حرب أهلية".

ويعتبر أن "المخطط بدأ بإثارة حرب ذاكرة وتخوين منطقة القبائل وتشويه رموزها، كي يكون لأبناء المنطقة رد فعل معاكس يشعل معركة بين أبناء الوطن الواحد".

ويتابع أنه "سبق لهؤلاء العملاء أن جربوا الخطة في منطقة غرداية بين الإباضية والمالكية، فكانوا سبباً في عنف 2015 الذي كاد أن يتحول إلى حرب أهلية، ثم نقلوا الأسلوب نفسه إلى مناطق الجزائر كلها. لكن، نعتقد أن بسطاء الناس لم يدخلوا هذه اللعبة". وشدد على أن قلة من المثقفين دخلت على الخط، وهي من ضحايا المدرسة التي كانت التيارات الأيديولوجية غرس الكراهية فيها. إضافة إلى وجود عناصر داخل السلطة تلعب سياسة فرق تسد".

ويختتم كلامه بأن "الصراع في عمقه يدور حول رفض حقوق المواطنة الكاملة للناطقين بالأمازيغية، من مجموعة من القوميين سيطرت على المدرسة والإعلام في السنوات الماضية. وهي مسألة لسان وليست عرق كما يعتقد البعض".

تعليقات وكتابات صادمة

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات خطيرة تهدّد وحدة الجزائريين. وهي تختفي على فترات ثم لا تلبث أن تعود للظهور مع كل مناسبة، بشكل ينم عن "حقد وكراهية" داخل المجتمع، في ظل غياب الحوار الهادئ.

"إننا نريدها أمازيغية أصيلة، تشكل امتداداً تاريخياً لمسارات وبطولات طارق بن زياد ويوسف بن تاشفين ومحمد بن تومرت ومحمد بن آجروم ومحمد البصيري وعبد الحميد بن باديس والفضيل الورتلاني والعربي التبسي والعربي بن مهيدي والعقيد عميروش وغيرهم من الأمازيغ الأقحاح، الذين رفعوا لواء العربية والإسلام، معتزين بهويتهم ومنافحين عنها، إلا إذا كان هؤلاء الرموز العظام خونة أو مستلبين في نظر الأمازيغ الجُدد، ممن غسلت المخابر الكولونيالية عقولهم بالأباطيل المزيفة". و"لسنا ناكرين للأمازيغية الباديسية الوطنية، بل هي قضيتنا جميعاً، نتبناها لغة وثقافة وتراثاً في كنف الهوية الموحدة، لأننا نرفض القوميات العرقية النتنة، ونحلم بدولة مواطنة، نعيش تحت سقفها الواحد كجزائريين عرباً وأمازيغ"، هي بعض التعليقات على وسائل التواصل.

بين العربية والفرنسية

وانتقلت المعركة من حلبة التاريخ بين "العرب والأمازيغ" إلى اللغة بين "الفرنسية والعربية"، بعد ارتفاع أصوات تطالب بتجريم استعمال اللغة الفرنسية في المؤسسات والوثائق الرسمية. ما اعتُبر استهدافاً للنخبة الفرنكفونية، بينما يرى البعض أن الخطوة أعادت نقاش الهوية إلى حقيقته لأن "الأمازيغية ليست ضرة العربية". وقد بلغ الأمر حد وصف رافضين المقترح بـ"أبناء فرنسا" الذين يريدون الوقيعة بين العربية والأمازيغية من أجل تموقع الفرنسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأفاد "مرصد اللغة الفرنسية" التابع للمنظمة الدولية للفرنكوفونية، العام الماضي، بأن عدد المتحدثين بالفرنسية في العالم بلغ 300 مليون، بينهم 13 مليوناً و800 ألف جزائري، أي ثلث سكان البلاد البالغ عددهم قرابة 42 مليون نسمة.

صراع وهمي؟

في السياق ذاته، تعتبر الإعلامية في إحدى القنوات الأمازيغية، أمال محندي، في حديث مع "اندبندنت عربية"، أن صراع الهوية في الجزائر ليس وليد اليوم، فالمكون الأمازيغي لطالما هُمِّش وأُقصِي من جانب النظام الذي لعب بهذه الورقة بهدف تحقيق أغراض سياسية ضيقة ترمي بالشعب الواحد في صراعات تشغله عن اهتماماته الأساسية".

وتؤمن محندي بأن النظام أثار صراعاً "يرمي بسكان منطقة القبائل في نضال طويل من أجل الاعتراف بهم باعتبارهم مكوناً أساسياً للهوية الوطنية، وراح ضحية هذا النضال العديد من الأجيال. وقد تحقّق ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور مع تدريسها، والاعتراف بالتقويم الأمازيغي واعتبار رأس السنة يوماً وطنياً".

وتقول محندي إن "بعض الأصوات الإقصائية والأصولية المتعصبة تلعب على وتر الهوية من أجل إحداث الشقاق بين الشعب، غير أن الحراك قفز خطوة كبيرة في التصالح مع الذات والهوية، على الرغم من محاولات أطراف المتاجرة بهذه الورقة بسجن نشطاء ذنبهم الوحيد هو حمل الراية الثقافية الأمازيغية".

وتضيف أن "جيل 22 الحراك عبّر عن وعيه التام بضرورة تجاوز هذا الصراع والولوج بالجزائر الجديدة إلى قابلية التنوع الثقافي واللغوي الذي يكفله الإسلام". وفيما تنتقد "الكراهية والعنصرية لأشباه السياسيين والمثقفين رافضين هذا المكون الأساسي الذي لا يتجزأ من مكونات الهوية الجزائرية، تجزم بأن "المناشير والتحليلات الانفصالية لا تلقى صدى على أرض الواقع، لأن من سار في الحراك يفهم أن الشعب الجزائري في اتجاه التصالح والوحدة".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي