Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحلة حبوب منع الحمل بين التحريم والخرافة

مغربيات يعتبرنها "شركاً بالله" والعزوة تهزم "ساعة السكان" في مصر وهذا رأي الدين

رحلة الطفل إلى الحياة بين شروط التنظيم ووسائل المنع (غيتي)

خلال السنوات الـ60 الماضية التي تلت موافقة إدارة الأغذية والدواء الأميركية "FDA" على حبوب منع الحمل بتاريخ 9 مارس (آذار) 1960، أثبتت أنها الوسيلة الأكثر تداولاً وفعالية لتحديد النسل. وبعد أكثر من 30 عاماً من الدراسات، كانت الولايات المتحدة الأميركية أولى الدول التي تعطي الموافقة عليها. ورغم أن هذه الخطوة شكّلت آنذاك نقلة نوعية من حيث مساهمتها في مساعدة المرأة ومنحها مساحة من الحرية في تنظيم الإنجاب، بما يتناسب مع اختياراتها في الحياة، فإنها أثارت ردود فعل متناقضة. ففي مقابل هذه النظرة الإيجابية في الغرب، أثارت ردود فعل سلبية في المجتمعات العربية الرافضة من منطلق ديني في كثير من الأحيان، إلى أن بدأت تتقبلها تدريجياً بنسب متفاوتة.

من قرية ولاد برحيل في ضواحي مدينة تارودانت، جنوب المغرب إلى مدينة الدار البيضاء، تحدثنا إلى مغربيات من مختلف الفئات الاجتماعية والتعليمية، عن آرائهن حول تنظيم النسل، وما الذي يدفع بعضهن إلى الاعتقاد بأن حبوب منع الحمل "شرك بالله"، وأن الأطفال هدايا منه لا تُرفض؟ وكيف نجحت أخريات في تحديد النسل والاكتفاء بطفلين؟

 

 

رزق من الله

في قرية "ولاد برحيل" النائية، تعيش زينة، 37 سنة، وهي أم لعشرة أبناء، أغلبهم فتيات، وعلى الرغم من وضعها الاجتماعي الصعب، تُواصل إنجاب الأطفال، ولا تستعمل حبوب منع الحمل. وعن أسباب ذلك تقول "الأطفال هدايا ورزق من الله، والحمد الله على كل شيء، عندما تزوجت كنت طفلة، ومثل هذه الأمور لا نتحدث فيها لأنها محرجة".

لا يستفيد أبناء زينة من التعليم، فقد أرسلت غالبية الفتيات إلى مدينة أكادير أو الدار البيضاء، للعمل في البيوت وإعالتها، فـ"والدهم يرعى الأغنام، ولا يوجد من يعيلنا، لذلك أرسلهن للعمل، ليساعدنني في تربية أشقائهن الصغار".

إنه انتحار

في القرية ذاتها، تعيش فاطمة وتتقاسم مع زينة الظروف نفسها، لكنها اختارت أن تُنجب طفلة واحدة. تقول، "لا يُمكن أن أنجب المزيد من الأطفال وأنا عاجزة عن رعايتهم، لأنني أعتبر ذلك انتحاراً". وتتعرض لانتقادات من عائلة زوجها، لأنها لم تُنجب الولد. توضح، "لا أهتم بما يقولون، أنا وزوجي تفاهمنا على عدم إنجاب المزيد. طرق تحديد النسل واضحة، والمرأة التي ليست لديها معلومات يُمكن أن تسأل جارتها أو الممرضة، لكن للأسف هناك نساء يفتقدن الوعي، ويُنجبن الكثير من الأطفال، من دون مراعاة للظروف المادية".

"أطفالي يتحملون مسؤولية جهلي"

"لم أكن أدري متى بإمكاني استعمال حبوب منع الحمل"، تقول مباركة أميزيران، التي تعيش في مدينة تارودانت (جنوب)، فقد كانت ترغب منذ بداية زواجها في عدم الإنجاب، بسبب سوء معاملة زوجها وعنفه المستمر. وتوضح "تزوجت في سن صغيرة، ولا عائلة تتحدث معي في هذه الأمور، لم أكن على علم بكيفية استخدام حبوب منع الحمل". تتابع، "أنا اليوم مطلقة، وعليّ تحمل مسؤولية طفلين، بعدما تهرب طليقي من مسؤولياته، للأسف اليوم الأطفال هم من يتحملون مسؤولية جهلي".

 

أفكار مغلوطة عن حبوب منع الحمل

في المقابل، يرى أحمد بوهية، الناشط الحقوقي ورئيس جمعية المواطنة والإنصاف بمدينة تارودانت، المعنية بقضايا المرأة، أنه "لا يوجد أي تغيير بخصوص تنظيم النسل في ضواحي تارودانت، بسبب غياب الثقافة الصحية".

ويستقبل بوهية، في مقر جمعيته يومياً عشرات النساء المعنَّفات والمطلقات والأرامل، ويستمع إلى قصصهن ويوجههن كما يوفر لهن الدعم القانوني والنفسي والاجتماعي.

ويعزو الناشط الحقوقي، عدم استعمال بعض النساء في الجبال والقرى وسائل منع الحمل إلى انتشار أفكار مغلوطة، موضحاً أن "ثمة اعتقاداً سائداً لديهن أنّ الطفل يولد ورزقه معه".

ويواصل، "هناك أيضاً أفكار تروج بين النساء، بأنّ استعمال حبوب منع العمل يتسبب في العقم، بخلاف تداعيات صحية على المعدة". ويلقي الناشط الحقوقي كل اللوم على غياب مبادرات توعية النساء بأهمية تحديد النسل في المناطق الجبلية، مشيراً إلى أنهن يعشن في مناطق نائية، بعيدة من المراكز الصحية.

حبوب منع الحمل من الضروريات

من ناحية أخرى، تعيش أمينة متوكل في قرية "أولاد" سعيد، بضواحي الدار البيضاء، وتعمل في التجارة، موضحة أن عدداً كبيراً من النساء في قريتها، يستعملن حبوب منع الحمل، وأنهن واعيات بعدم تجاوز طفلين أو ثلاثة.

وعن تجربتها مع تنظيم النسل تقول، "لديّ طفلان، ولا يمكن الإنجاب أكثر، لتغير الأوضاع، وتكاليف المعيشة المرتفعة". تضيف "الرجال في القرية أيضاً لديهم وعي بأهمية تنظيم النسل، وحبوب منع الحمل من الضروريات في حياتنا مثل المواد الغذائية".

وفي الوقت الذي تعتبر أمينة، التي لم تنل شهادة تعليمية، أن حبوب منع الحمل من الأولويات، ترى نعيمة، الحاصلة على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية، أن استعمال وسائل منع الحمل "شرك بالله"، حيث تقول إن "وسائل منع الحمل شرك بالله وتمرد على قضاء الله وقدره، وعلينا أن نترك الله يتصرف في حياتنا، لأن أي شيء يحدث فهو خير لنا".

وتعيش نعيمة البالغة من العمر 39 سنة، في حي مشروع السلام، بإحدى ضواحي الدار البيضاء. أنجبت تسعة أبناء، على الرغم من تأثير ذلك في صحتها الجسدية.

تجدر الإشارة إلى أن تقريراً للمندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة حكومية مغربية تهتم بالتخطيط والإحصاءات، سجل انخفاضاً في نسبة الخصوبة بالمغرب منذ بداية ستينيات القرن العشرين، مؤكداً أنها انتقلت من 7.2 أطفال لكل امرأة عام 1962، إلى 3.28 عام 1994 ومن ثم 2.47 عام 2004 و2.19 عام 2010، قبل أن تشهد استقراراً نسبياً عند 2.20 طفل لكل امرأة عام 2014.

 

 

إعمار الأرض

وفي مصر ظلّت "الحباية" هي الأشهر في عالم الأقراص. لم تعرف منافساً أو يتسلل إليها من يعكنن عليها أو يضيّق عليها الخناق إلا تلك المعروفة بـ"الحباية الزرقاء" المناهضة، لتظل حبوب منع الحمل في مصر أشهر من نار على علم.

حين علمت والدة سعاد، 22 عاماً، أن ابنتها تتناول أقراص منع الحمل بعد الولادة الأولى، لطمت على وجهها وأخبرتها أن أمراض الدنيا والآخرة ستصيبها. وتحتوي القائمة على سرطان الثدي والعقم وجلطات القلب والدماغ. وحين ناقشها زوج سعاد في ما تقول، وأن الطبيب هو الذي وصف هذه الأقراص، باغتته "أم سعاد" بقولها، "وماذا عن الطبيب الأكبر الذي تتدخلان في مشيئته وفي تكليفه لنا بإعمار الأرض؟"، الدائر رحاه، والذي أسفر عن كسر المصريين حاجز المئة مليون نسمة في تحدٍ حقيقي لموارد البلاد والقدرة على إطعام الأفواه. ومن الأفواه ما يلوك سمعة الأقراص، ومنها ما يناصبها العداء، ومنها أيضاً ما يقول كلمة حق حيث المعلومة والتفسير والتحليل.

تحليل مكانة أقراص منع الحمل في مصر يتطلب فهماً لثقافة "العيال عزوة" و"العيل ييجي برزقه". العامل الثقافي قوّت شوكته توترات الأعوام العشرة الماضية. أحداث يناير (كانون الثاني) 2011، وانشغال مؤسسات الدولة في توابع التغيير عجل بالانفجار، ورفع راية "لا للقرص".

رفض أقراص منع الحمل وغيرها من وسائله ظاهرة تبدو ملامحها واضحة بين الفئات الأكثر فقراً والأقل تعليماً في مصر منذ سنوات، وهي الظاهرة التي تفاقمت مع سيطرة تيارات دينية وأفراد يدّعون العلم بالدين خارج إطار المؤسسات الدينية الرسمية. هؤلاء يفتون خلف الأبواب المغلقة بحرمانية التنظيم، وتناول هذه الأقراص. وجاءت هذه الفتاوى على هوى رافعي راية "العيال عزوة"، والباحثين عن مصادر لدخول إضافية عبر تشغيل الصغار في مهن هامشية بديلاً عن إرسالهم إلى المدرسة.

أرقام وزارة الصحة

أرقام وزارة الصحة والسكان المصرية تشير إلى أنها قدمت خدمات تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية لـ21 مليون سيدة ترددن على 5406 وحدات ثابتة و36 ألف وحدة متنقلة و613 قافلة طبية على مدار عام 2019. كما تشير إلى أن عدد السيدات اللاتي حصلن على وسائل تنظيم الأسرة خلال العام الماضي اقترب من 22 مليون سيدة، بزيادة نسبتها 20 في المئة عن عام 2018. إلا أن الخدمات لا تقتصر على تنظيم الأسرة فقط.

وتظل الأرقام تتحدث عن نفسها. ففي كل عام يزيد سكان مصر مليونين و600 ألف مواطن، في الوقت الذي يرحل فيه عن دنيانا نحو 600 ألف، ما يعني أن العداد السكاني يضخ مليونين صافيين سنوياً. ويعادل هذا خمسة أضعاف الزيادة في الدول المتقدمة وضعف متوسط الزيادة في الدول النامية.

مجلس أعلى لتنظيم الأسرة

وعلى الرغم من أن مصر كانت من أوائل الدول التي أتاحت استخدام أقراص منع الحمل، في منتصف ستينيات القرن الماضي، حين أنشأ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، فإن عادات وخرافات تُركت تورَّث من جيلٍ إلى آخر، وتيارات وجماعات دينية تركت ترتع على مدار ما يزيد على نصف قرن تاركة القرص الشهير في منازلة غير عادلة.

في دراسة عنوانها "خرافات عن وسائل منع الحمل القديمة والحديثة لدى نساء صعيد مصر"، وجد إيهاب صالح أن 88.7 في المئة من نساء الصعيد لديهن أفكار خاطئة عن وسائل منع الحمل. وأشهر وأبرز هذه الأفكار تتعلق بأقراص منع الحمل التي يقلن إنها تسبب السرطان وغيره من الأمراض الخطيرة التي قد تؤدي بالسيدة إلى الموت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الصيدلي يفتي

وحين يفتي الصيدلي، يسكت المنطق. الموقف الذي تحكي عنه "نعمة"، 32 عاماً، زوجة حارس عقار وحاصلة على دبلوم أزهري ولديها ثلاثة أبناء، يقول كثيراً عمّا يتعرض له القرص المغدور. فقد توجهت نعمة إلى صيدلية لشراء أقراص منع الحمل بعدما اتفقت وزوجها على الاكتفاء بالأبناء الثلاثة.

في الصيدلية فوجئت بالصيدلي يسألها عن سبب شرائها الأقراص، فردت، "عايزة أنظم"، فما كان من الصيدلي إلا أن نهرها، وجعلها تستمع إلى رأي أحد الشيوخ على "يوتيوب"، وهو يحذر المسلمين من مؤامرات القضاء عليهم عبر قطع نسلهم بعقم نسائهم لتيسير القضاء عليهم، وأن واجب المسلم والمسلمة هو الاستمرار في التكاثر وعدم التحجج بالفقر، لأن الله يرزق من يشاء بغير حساب.

لكن، الإنجاب بغير حساب ومناصبة القرص العداء ليس حكراً على البعض من المتشددين المسلمين. والدليل على ذلك أن الأسر كبيرة العدد وإنجاب الأطفال من دون هوادة منتشرة كذلك بين الأسر المسيحية، لا سيما في القرى حيث تهيمن ثقافة "العيال عزوة"، وهي الثقافة المهيمنة قبل انتشار التفسيرات المتطرفة والمتشددة للدين ليقفز تعداد سكان مصر إلى مئة مليون و385 ألف شخص في صراع محموم ضارباً بالقرص وأقرانه عرض الحائط.

رأي الدين

تتزامن مساعي الهيئات الداعية إلى تنظيم الأسرة خلال سنوات طويلة مع انفتاح الأديان على التطور الحاصل في العلم، كما بدا واضحاً. فبدأت المجتمعات العربية تُظهر بشكل تدريجي المزيد من القبول لهذه العقاقير، على الرغم من الاستثناءات الموجودة إلى اليوم. إذ ظلت بعض المجتمعات المتأثرة بالشريعة أكثر تحفّظاً في استخدام هذه الوسائل.

يوضح مدرس الإفتاء والأستاذ الجامعي وفيق حجازي، أنه في التاريخ لم تكن حبوب منع الحمل موجودة، فكان العزل الوسيلة الوحيدة لتنظيم الأسرة بطريقة طبيعية، شرط اتفاق الزوجين على ذلك. "العزل موجود ما قبل الإسلام، وكان مجازاً ومعتمداً، لأن للحمل المتكرر آثاراً سلبية في صحة المرأة. لكن في الشريعة الإسلامية كان المطلوب الإكثار من الإنجاب وزيادة النسل".

يؤكد حجازي أنه عندما ظهرت حبوب منع الحمل، لم تحرّمها الشريعة شرط ألا تهدف إلى تحديد النسل للمدى البعيد وبالمطلق. فيجوز استخدامها لتحقيق تباعد في الحمل ولتنظيم الإنجاب. كما يوضح أنه عند العرب كانت الحسابات معروفة كوسيلة لتنظيم الأسرة بعيداً من الوسائل الحديثة المتوافرة، التي قد لا تكون هناك حاجة إليها في مثل هذه الحالات.

أسباب الرفض

إذا كانت الشريعة الإسلامية تجيز اللجوء إلى حبوب منع الحمل في الحالات التي تستدعي ذلك، فما سبب رفضها في المجتمعات العربية مع بداية ظهورها؟ يوضح حجازي، أنه في الإسلام دعوة إلى التكاثر والتشجيع على الإنجاب، لأن الأطفال هم زينة الحياة الدنيا. لعلّ هذه الفكرة لعبت دوراً في نفور بعض المجتمعات من وسائل منع الحمل ومنها الحبوب، لاعتبارها قد تتعارض مع الشريعة الإسلامية. "هذا ينمّ عن جهل لأن الإسلام يدعو إلى الإنجاب وتأمين حياة كريمة للأطفال، ولا يطلب الإنجاب بما يؤثر سلباً في الأسرة.

بتابع، تنظيم الأسرة مسألة أساسية، ومن المؤسف أن نشهد في بعض المجتمعات حتى اليوم، كما في مخيمات اللاجئين مثلاً، حالات إنجاب بطريقة غير مسؤولة من دون أن يكون ممكناً تأمين حياة كريمة للأطفال. للطفل حقوق لا بدّ من تأمينها في مختلف المراحل  العمرية. أمّا الإنجاب بطريقة عشوائية غير مسؤولة، فغير جائز في الإسلام. فالدين لا يمنع تناول حبوب منع الحمل بل على العكس. إذا كان الهدف تنظيم الأسرة ونشوء الأطفال بطريقة تليق بهم. ثمة جهل في الدين في بعض المجتمعات يبرّره البعض بكونه تمسكاً بالدين".

 

 

في الدين المسيحي موانع أيضاً

كما في الشريعة الإسلامية لتنظيم الأسرة شروط ولاستخدام حبوب منع الحمل معايير، كذلك في الدين المسيحي الذي يرفضها كوسيلة لتنظيم الأسرة. فيؤكد الأب فادي خوري أن الكنيسة تؤيد العلاقة الكاملة في الزواج التي أساسها الحب، فيما تحبّذ الطريقة الطبيعية لتنظيم الأسرة، باعتبار أن حكمة الإنسان تسمح له باستعمال الطريقة الطبيعية في العلاقة لتجنّب وقوع حمل بالحسابات أو غيرها.

يقول "تعتبر الكنيسة أن اللجوء إلى أي وسيلة أخرى لمنع الحمل هو تعدٍّ على خلق الله الطبيعي، فيما لا تمنع تجنّب الحمل بوعي. فالخطيئة ليست في منع الحمل، بل في وجود نيّة لدى الإنسان بمنع الحمل والإنجاب في حياته. العلاقة الزوجية تعبير عن الحب والانفتاح على قدرة الإنسان التي وضعها فيه الله لمشاركته في الخلق".

لكن، لا ينكر الأب خوري أن هذا الموضوع شكّل معضلة عبر التاريخ، فمع تطوّر العلم واجهت الكنيسة تحدّيات، إلّا أنّها تنادي بالانفتاح وتتأقلم مع التطور، فينضج تفسيرها حسب المجتمعات، بينما تحافظ على معتقدها الأساسي في تعاليمها، لأن العقيدة ثابتة. "لم تكن هذه الوسائل موجودة في أيام يسوع، لكن يمكن أن نستوحي من تعاليمه ومن تعاليم الكنيسة عبر التاريخ لإعطاء الرأي في هذه الشؤون. فرأي الكنيسة واحد لكنه ينضج مع مرور الزمن والتطور الحاصل".

يضيف أنه قديماً، ساد اعتقاد بأن الكنيسة لا تعترف بالعلاقة الزوجية إلّا من أجل الإنجاب، فيما ليس هذا صحيحاً. فالكنيسة تؤكد أن العلاقة الزوجية تعبير عن الحب من أجل مشاركة الله في الخلق من خلال عملية الإنجاب، وإن كان تنظيم الأسرة مقبولاً بالوسائل الطبيعية لا بحبوب منع الحمل. "يتأثر هذا الموضوع بشكل واضح في مسألة الإيمان. فحتى اليوم لا يزال يشكّل أزمة بين فئات المؤمنين لاعتبارهم يتأثرون بتعاليم الكنيسة".

أبعاد طبية

وعلى الرغم من شيوع فكرة حبوب منع الحمل وفاعليتها بين النساء فإن الأمر لا يخلو من مخاطر وآثار جانبية، وربما يعود السبب في انتشارها إلى فعاليتها عند استخدامها بشكل دقيق، وتتعدد أنواعها كما تتعدد الآراء حول ما إذا كانت وسيلة مثلى لمنع الحمل أو تنظيمه.

توضح استشارية النساء والولادة نجلاء المري، أبرز المعلومات التي يتوجّب على النساء معرفتها حول وسائل منع الحمل التي يصفها الأطباء، قائلة، إن "غالبية النساء يحصرن وسائل منع الحمل باستخدام الحبوب رغم وجود حلول أخرى، كالحلقة المهبلية واستخدام الزوج الواقي، وبعضهن يستخدم الحبوب من دون معرفة معلومات كافية، إذ يتوجّب على المرأة الراغبة في منع الإنجاب استخدامها بشكل صحيح ومتسق والتزام تناولها يومياً في الوقت ذاته لمدة 21 يوماً في الشهر، حتى تأتي الدورة الشهرية في الأسبوع الأخير، تم تعود المرأة لتناولها بانتظام مرة أخرى".

وتحتوي هذه الحبوب على هرموني الأستروجين والبروجستيرون، اللذين تنتجهما مبايض الأنثى طبيعياً، وهناك نوع آخر يسمى حبوب منع الحمل الخفيفة، ويتم تناولها يومياً من دون فاصل بين عبوة وأخرى، وتحتوي الحبوب الخفيفة فقط على البروجستيرون ولا تحتوي على الأستروجين، ودوره هنا منع عملية التبويض، أو الحفاظ على البويضات والحيوانات المنوية متباعدين وجعل التصاقهما ووصول البويضة إلى بطانة الرحم مهمة صعبة.

كما تأتي أشرطة الحبوب مرقمة أو مظللة بأيام الأسبوع، وإذا تم تناولها بشكل منتظم كل يوم وفي الساعة نفسها لا تتخطى احتمالية الحمل 0.1 في المئة، وهي نسبة ضئيلة جداً في عالم وسائل منع الحمل.

 

وبيّنت المري الفرق بين حبوب منع الحمل، وحبوب الدورة الشهرية بأن "الفئتين أدوية هرمونية وظيفتها تنظيم الدورة الشهرية، وأحياناً منع نزولها كما في حالات خاصة كأوقات الحج أو صيام شهر رمضان أو في حالات السفر وفي أيام الزفاف، والفرق بينهما أن وظيفة الأولى منع الحمل، فوظيفتها تنظيم الدورة في بعض حالات اضطراب الهرمونات".

لذلك رغم كثرة الآثار الجانبية المكتوبة بنشرة استخدام الحبوب، لا تتردد النساء عند استخدامها، كما أن الأطباء يصفونها بكثرة رغم الآثار الجانبية الشائعة لها، مثل نزيف شديد، والتهاب المهبل أو التهيج، والغثيان، وتجلط الدم، والصداع النصفي، وألم منطقة الثدي، واكتئاب، ونوبات قلبية، وسكتات دماغية، وسرطان الكبد.

وتشرح استشارية النساء والولادة أن "مهمة حبوب منع الحمل هي منع التبويض، وقد تؤدي هذه العملية إلى مشكلات عند المرأة في بداية الاستعمال، إذا كانت تعاني من حساسية ما من مادة الأستروجين. كذلك قد يؤدي استعمالها إلى اضطرابات في المزاج إضافة إلى انخفاض في الرغبة الجنسية بشكل عام، ولكن هذه التأثيرات لا تطال كل النساء، بل تقتصر على فئة قليلة وتتفاوت من امرأة إلى أخرى. ولا تتجاوز النسبة التي تطالها هذه المؤثرات بشكل مباشر الـ 10 في المئة، وما نخشاه منها من الناحية الطبية هو حدوث جلطة في القلب وفي القدمين، لذا يمنع الأطباء المرأة التي يظهر جسمها استعداداً ما لحدوث جلطات من تعاطي هذه الحبوب".

وتشير المري إلى أن "حبوب منع الحمل لا تتسبب بأزمات نفسية تنعكس على حضور المرأة ودورها الاجتماعي بشكل مباشر، لكنها تتضافر مع عوامل عدة أخرى خارجية، بمعنى أنها تزيد من تفاقم أزمات ناشئة عن أسباب مستقلة عند استخدامها".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات