Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشايكوفسكي استنجد بأمّه كي تطرد شيطان الموسيقى من رأسه

تلوّى بين عشقين سلبي وإيجابي وقتله النقّاد واختار أن يموت بوباء الكوليرا

تشايكوفسكي (غيتي)

قليل من عمالقة الموسيقى الكلاسيكية أثار الجدل حول عبقريته مثلما فعل هذا الفنان الذي عاش في ما يعرف بالحقبة الرومانسية. وقليل منهم عانى من التغير في الأذواق ومعايير العظمة مثله. فبينما تمتعت أعماله النابعة من وجدان معذب بالشعبية في عصره، رماه بعض النقاد وقتها بالتشبه بالموسيقيين الغربيين والبعض الآخر بأن لمؤلفاته تأثير التنويم المغناطيسي على المستمعين.

سيد الباليه

لكن حتى هؤلاء الأخيرين أقروا بأنه سيد الساحة عندما يتعلق الأمر بموسيقى الباليه. ولا غرو فهو صاحب أعمال خالدة مثل "بحيرة البجع" و"الجمال النائم" و"كسّارة البندق". على أن الزمن أثبت أنه لم يتخذ مكانته وسط الكبار فقط بفضل هذه الأعمال ولا شيء غيرها. فبين إنجازاته العديدة المتميزة بالشجن العميق، تبرز على وجه الخصوص سيمفونياته الثلاث الأخيرة (من ست)، وكونشيرتو البيانو الأول، وسوناتا الكمان، وهذا على سبيل المثال وليس الحصر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سنوات البراءة والعسر

ولد بيتر إيليتش تشايكوفسكي في مثل هذا اليوم في 1840 ببلدة كامسكو – فوتكينسك الصناعية الصغيرة إلى الشرق من موسكو. وكان والده، إيليا بيتروفيتش، مهندساً في المناجم الحكومية، ووالدته، ألكسندرا، روسية من أم فرنسية. وكان له أخ يصغره بعشرة أعوام هو موديست الذي صار لاحقاً كاتباً درامياً ومترجماً.

قضى تشايكوفسكي طفولته تحت رعاية مربية فرنسية. ولكن كانت لعلاقته بوالدته خصوصية أثرت عميقاً في حياته الاجتماعية والموسيقية. فقد كانت هذه الأخيرة، على عكس المربية، صارمة وقصيّة تعتبر أن إظهار العاطفة ضعفاً لا يغتفر. لكنها كانت تعشق ابنها ولهذا كان قناع صرامتها يسقط بين الفينة والأخرى فتتحول إلى امرأة أخرى. وفي خضم هذين التيارين المتضاربين نشأ الصبي وتعلم، في عمر مبكر، مفاهيم كبيرة مثل الحرمان والعطف والسعادة وعذاب الروح. وقد ترك هذا أثره في موسيقاه في ما بعد في أعمال مثل "روميو وجولييت" و"بحيرة البجع" نفسها.

شيطان الموسيقى

العام 1848 شهد رحيل الأسرة إلى سنت بيترسبرغ. وبعد عامين التحق تشايكوفسكي بمدرسة علوم القانون ليتخرج فيها العام 1859 موظفاً في وزارة العدل. لكن عشقه للموسيقى كان يسكن كل خلية في جسده. فقد حكت والدته أنه كان في صغره يعاني أحياناً من الأرق وأنها عندما تسأله عن السبب ينخرط في البكاء ويشير إلى رأسه قائلاً: "الموسيقى هنا لا تتركني وشأني. إبعديها عني أماه"!

لذلك بدأ في سن الخامسة تعلم البيانو مع مدرّسة شهدت هي بنفسها أنه مع بلوغه سن السابعة كان يقرأ النوطة الموسيقية والعزف بمستوى أعلى منها هي المعلّمة. وراح الصبي يجد في الموسيقى سلواه بخاصة بعد أمرين يتعلقان بوالدته: أولهما عندما أرسلته إلى المدرسة واعتبر هو في ذلك محاولة من جانبها للتخلص منه. وتمثل الثاني في فجيعته بمماتها بالكوليرا عام 1854. لكنه وجد بعض السلوى في تأليفه أول "والتز" كرّسه لذكراها.

في ما بعد تتلمذ تشايكوفسكي على يد نيكولاي زاريمبا حتى 1882 عندما افتتح معهد (كونسيرفتوار) سنت بيترسبرغ للموسيقى، فترك وظيفته الحكومية والتحق به. وهنا التقطه مدير المعهد، أنتون روبنشتاين، فتولاه برعايته وعلمه الكثير بما في ذلك قيادة الأوركسترا التي كانت ترعبه بسبب طبعه الخجول.

بريق الغرب

على أن هذه الرعاية أورثته ازدراء خمسة موسيقيين (أبرزهم نيكولاي ريمسكي – كورساكوف مؤلف سيمفونية "شهرزاد") عرفوا بـ"مجموعة الخمسة" المشهورة في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية الروسية. وكانت المجموعة تعتبر أن روبنشتاين ومعهده وتلاميذه "يسعون للانعطاف بالموسيقى الروسية إلى الحظيرة الغربية". وعلى الرغم من أن تشايكوفسكي نفسه كان معجباً بمبادئها وكتب سيمفونيته الثانية على شرفها، فلم ينتمِ إليها في أي من الأوقات لأنه – من جهة – كان يسعى إلى تأليف موسيقى روسية صميمة ولكن على أعلى المقاييس الغربية، ومن الجهة الثانية فلا شك في أنه كان يسعى بهذا نفسه إلى العرفان الدولي إضافة إلى المحلي.

في الفترة 1869 – 1875 اشتغل تشايكوفسكي بالتدريس والنقد الموسيقي إضافة إلى تأليفه ثلاثة من أعماله الأوبرالية وأصبح اسماً معروفاً في روسيا وخارجها لكنه كان بعيداً عن الثراء.

العشق السلبي

في 1877 كاشفته تلميذة له اسمها أنتونيا ميليكوفا بحبها له وهددته بالانتحار إذا رفض الزواج منها. فرضخ لأمرها وعاش معها تسعة أسابيع تعيسة أتت إلى ختامها بانفصاله منها ومحاولته الانتحار غرقاً. على أن أخاه موديست انتشله من مرماه لكنه لم يستطع إنقاذه من انهيار عصبي أعقب الأمر برمته. ومع هذا الحال رحل تشايكوفسكي إلى سويسرا ثم إلى إيطاليا حيث استطاع استعادة عقله وعافيته وقدرته على العودة إلى موهبته الكبرى. وظل يدعم أنتونيا، التي استجابت، في خضم جنونها بتشايكوفسكي، لرغبات سلسلة طويلة من الرجال وحلولها في مصح عقلي ماتت فيه بعد عمر طويل.

... والعشق الإيجابي

في تلك الفترة أيضاً وجد تشايكوفسكي متنفساً هائلاً في الرعاية المالية التي وجدها من نبيلة تدعى مدام ناديجدا فون ميك يبدو أنها هامت بعبقريته الموسيقية. فقد خصصت له مبلغاً سنوياً كان يكفي تماماً لتخصيص وقته للتأليف الموسيقي بدلاً من دعم ذلك بالتدريس والنقد... وهو ما كان. وبفضل هذا الوضع أصبح أول موسيقي روسي "محترف" ومع كل هذا، فالواقع أنهما لم يلتقيا البتة لأن أهلها وقفوا حائلاً بين لقائهما. لكنهما تبادلا عدداً من الخطابات كشفت عشقها العظيم لموهبته وله شخصياً، وأنه من جهته، ألف سيمفونيته الرابعة من أجلها.

وبفضل رعايتها له كتب تشايكوفسكي مؤلفات أتت له بالشهرة ليس في روسيا وحسب، بل في إنجلترا والولايات المتحدة ثم بقية دول الغرب.

فرح وحزن في آن

عام 1885 انتقل تشايكوفسكي إلى منزل ريفي وعاش في عزلة اختيارية خرج منها بسيمفونيته "مانفريد" التي بناها على قصيدة لورد بايرون الدرامية بالاسم نفسه. وخلال عامي 1888 و1889 قام بجولة قاد فيها الأوركسترا في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا. وبعد عرض "الجمال النائم"، توجه إلى فلورنسا وفيها ألف أوبراه "ملكة البستوني" التي عرضت العام التالي في سنت بيترسبرغ.

كانت هذه هي أيضاً الفترة التي أوقفت فيها مدام فون ميك إعانتها له إما بسبب مرضها أو، على الأرجح، تحت ضغوط أهلها. وعلى الرغم من أن تشايكوفسكي صار قادراً على العيش من أعماله الموسيقية وليس بحاجة حقيقية إلى مالها، فقد كان القرار ضربة عاطفية موجعة لم يتعافَ منها حتى مماته.

ثم قتله النقّاد

أتى العام 1891 لتشايكوفسكي بمزيد من الشهرة والمال بعد زيارة ناجحة إلى الولايات المتحدة وظهوره في "ميوزيك هول" (اكتسبت لاحقاً اسمها الشهير "كارنيغي هول") وهي أشهر قاعات العروض الموسيقية الأميركية. وشهد العام التالي عرض أوبراه "كسارة البندق"، والعام الذي يليه نيله الدكتوراه الفخرية من جامعة كيمبريدج البريطانية.

كان هذا هو عامه الأخير أيضاً. وفيه أكمل سيمفونيته السادسة الملقبة Pathétique "مثيرة الشفقة" التي كان قد بدأها ثم هجرها قبل ذلك بعامين. وبعد اكتمالها اعتبرها تشايكوفسكي نفسه أفضل أعماله على الإطلاق. لكن النقاد أهالوا عليها التراب مما أحزنه إلى حد قيل معه أنه تعمد شرب الماء من دون غليه طلباً للموت بالكوليرا، وهو ما تم له. فقد مات بها – مثل والدته من قبله – في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) 1893. وكان ذلك بعد تسعة أيام من عرض سيمفونيته السادسة التي يصح بالتالي أن تسمى "مثيرة الشفقة".

شاهد "بحيرة البجع" كاملة من باليه فيينا

 

النجم الصيني الساطع لانغ لانغ يؤدي "كونشيوتو البيانو رقم 1" مع أوركسترا باريس

 

أوركسترا ديترويت تؤدي السيمفونية السادسة

 

العازفة جوليا فيشر تؤدي كونشيرتو الكمان في سلم ريه الكبير مع فيلهارمونيك راديو فرنسا

 

استمع إلى "رقصة عربية" وهي جزء من باليه "كسارة البندق" – تعزفها فيلهارمونيك برلين بقيادة المايسترو الياباني سييجي أوزاوا

 

شاهد مقطعاً من باليه "الجمال النائم" صممه رودلف نيرييف، أشهر الراقصين الروس، لأوبرا باريس

 

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة