Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فلسطين ومسارات صعبة

لا مفر من تطوير أساليب النضال والوصول إلى صيغة جديدة أكثر جدوى للتعامل مع التحديات الراهنة

مستوطنات يهودية في الضفة الغربية   (رويترز)

 ربما لم تشهد القضية الفلسطينية تحديات بحجم التحديات الراهنة. وفي الواقع أن منحنى التراجع والانكسار عمره سنوات متواصلة، وزادت حدته منذ اغتيال عرفات، ثم انقلاب حماس الذي يعد من أخطر التطورات سلبية، ومصدراً لكثير من الاعتلالات الراهنة. ومع تكرس ضعف الداخل الفلسطيني لأسباب عديدة دخلت القضية في نفق مظلم تدريجي وحاد مع صعود اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، وتواكب هذا، بل وربما سبقه، تحولات خطيرة في بنية المجتمع اليهودي الأميركي نحو التشدد والتعصب الديني، والاتساع في القاعدة الإيفانجيلية الأميركية التي قادت بلادها من وسيط منحاز وغير نزيه، في محاولات تسوية القضية، إلى طرف يرعى محاولة فرض تصفية القضية وتشجيع أقصى صور التطرف في المجتمع الإسرائيلي.

ورغم أن نتنياهو فشل ثلاث مرات في تحقيق أغلبية مريحة، فإنه سيشكل حكومة وحدة وطنية مع زعيم المعارضة بيني غانتس وفي إطار مشهد له دلالاته. فكيف لمجتمع يدّعى الديمقراطية أن يواصل إعطاء أغلبية، ولو ضعيفة، لزعيم سياسي متهم بالفساد، يصر على البقاء في السلطة كي يتهرب من المحاكمة؟ التفسير الوحيد والبسيط أن هناك قطاعاً كبيراً في المجتمع يقبله لتطرفه وشراسته، وقدرته على المناورة والتأثير في القطاعات المتطرفة من المجتمع الأميركي التي يجيد الحديث معها، ولا يعبأ هذا القطاع الإسرائيلي بأي قيم أو مثل أخلاقية في سبيل تحقيق أهدافه ومصالحه حتى لو كانت قصيرة الأجل.

أما مقدمات تواطؤ حزب غانتس أبيض أزرق، فلم تكن غير متوقعة، فقد كانت في المشهد الأخير وهو يقف في كواليس المؤتمر الصحافي لترمب ونتنياهو أثناء إعلانهما خطة فرض الإرادة الأميركية – الإسرائيلية، ليس على الشعب الفلسطيني وحده، ولكن على العالم كله، رغم رفض أغلب دوله لها حتى الآن. ثم جاء غانتس، وقبِل هذا الائتلاف، بعد أن أعلن رجال حزبه الذين كلّفهم بالتفاوض مع ممثلي نتنياهو فشل المحاولات، لأن كل ما يهم الأخير هو البقاء في الحكم والتهرب من المحاكمة، ويشهد بذلك عناصر الخلاف التي أعلنوها، وتشتمل على رغبة الليكود في تغيير قانون أساس الحكومة بأن تمتنع المحكمة العليا عن مناقشة موضوع إيقاف ولاية وزير في الحكومة قدمت ضده لائحة اتهام، واستكمالاً لهذا، طلب الليكود أيضاً حل الكنيست واللجوء إلى انتخابات أخرى في أي من حالتي صدور أمر من المحكمة العليا بمنع نتنياهو من تولي منصب القائم بأعمال الحكومة أو صدور لائحة اتهام ضده. كما كان هناك خلاف آخر بسبب طلب الليكود 3 قضاة في لجنة تعيين القضاة، وخرج مندوبو غانتس ليعلنوا أن هدف الليكود ليس تشكيل حكومة طوارئ بسبب كورونا، وإنما حماية نتنياهو من المحاكمة التي تنتظره. وعقبت كتلة غانتس أنها ستتحرك لإسقاط نتنياهو، الذي كان أبرز عناصر برنامجها الانتخابي، وبعد ذلك بأقل من يومين أعلن التوصل إلى حكومة ائتلافية، وإذا عنوانها ليس طوارئ ضد كورونا، وإنما إجراءات ضم ثلث الضفة الغربية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبمجرد إعلان إسرائيل هذه الإجراءات سارع بومبيو وزير الخارجية الأميركي إلى إطلاق التصريحات المشجعة للخطوة الإسرائيلية، ليكون في هذا توضيح لا يقبل التكهنات بأن الأمر جاد، وليست بالونات اختبار، وفي الحقيقة هي لم تكن كذلك أبداً منذ تولى ترمب.

ووسط ارتباك مؤسسات ودول العالم في مواجهة كوفيد 19، بما في ذلك ارتفاع أعداد الإصابات في إسرائيل ذاتها مع ملاحظة السيطرة على نسبة الوفيات، ما يشير إلى التقدم في نظم الرعاية الصحية في هذا البلد، ومع ذلك يبدو المناخ أكثر ملاءمة لانتهاكات جديدة كانت مقررة سلفاً، ومخططة منذ سنوات مع حكومة نتنياهو، وضمن الترتيبات المشتركة مع إدارة ترمب، من هنا جاءت تصريحات بومبيو متسقة مع الخطة المعدة سلفا بهذا الصدد.

الرفض العربي، ممثلاً في اجتماع وزراء الخارجية العرب بالفيديو كونفرانس للمرة الأولى، كان متوقعاً، واتهم الإجراءات الإسرائيلية بأنها جريمة حرب بحق الشعب الفلسطيني، كما دعت الرباعية الدولية إلى الانعقاد وتولي الأمر، وعبر عدد من السفراء الأوروبيين تقودهم المملكة المتحدة عن اعتراضهم ضد الخطوة الإسرائيلية المحتملة، واصفين إياها بانتهاك واضح للقانون الدولي يكون له انعكاسات خطيرة على الاستقرار الإقليمي وعلى المركز الدولي لإسرائيل.

تجدر الإشارة هنا إلى إعلان توم بلينكي، كبير مستشاري الشؤون السياسية الدولية للمرشح الديمقراطي الرئاسي جو بايدن، بأن الأخير يعارض ضم أجزاء من الضفة الغربية من جانب واحد، ولكي يخفف من وقع الموقف، حرص على أن بايدن سيُبقي على السفارة الأميركية في القدس، ولن يقدم على إلغاء قرار ترمب بهذا الصدد.

وفي الواقع أنه ولا غيره من الرؤساء الأميركيين المقبلين يستطيع هذا الآن دون صدور قانون من الكونغرس، الذي كان قد سبق له اتخاذ هذا القرار وعطّله الرؤساء الأميركيون المتعاقبون، ومعنى هذا أن ترمب عقّد الموقف بشكل يحتاج إلى دورة كاملة مغايرة في السياسة الأميركية، وليس فقط تغيير رئيس الجمهورية، وإنما أغلبية ساحقة للرئيس الجديد بتوجهات مختلفة، ولا يبدو هذا محتملاً بأي شكل إلا في ظل أوضاع داخلية أميركية وخارجية متباينة تماماً. والواضح أن الكتلة الإيفانجيلية واللوبي الصهيوني الأميركي سيلقي بكل ثقله ضد بايدن. في جميع الأحوال ما يعنينا حتى الآن أن الغالب على ردود الفعل الدولية عدم الارتياح للتماشي مع القرارات الإسرائيلية المقبلة. ولكننا أيضاً نعلم جميعاً أن هذا كله غير كافٍ لوقف هذه الإجراءات، بل ردود الفعل كلها هذه أقرب إلى ما يشبه العدم في تأثيرها.

هذه الإجراءات الإسرائيلية الجاري إعدادها للتنفيذ في الأيام المقبلة، بحيث تسرى من يوليو (تموز) المقبل بحسب ما أفصح عنه نتنياهو، رغم أنها تُنهي آخر ما تبقى من اتفاقية أوسلو، فإننا بحاجة إلى إعادة النظر من منظور آخر أكثر اتساعاً بصدد هذه التوجهات، فهي ترسخ من عنصرية إسرائيل، وتضاف إلى مجموعة الاعتلالات في هذا الكيان الذي تسمح أوضاعه اليوم ببقاء نتنياهو متهرباً من المحاكمة لترسخ سمات وأبعاد حول السلوك ومنظومة القيم الإسرائيلية، مغايرة تماماً لما اجتهدت فيه آلة الدعاية اليهودية في العصر الحديث حول الدور اليهودي في صياغة الفكر التقدمي والتنويري، وتعيد تكريس صورة سلبية وغير إيجابية تغير، بل، وتدمر جهود عقود من المحاولات الفكرية السابقة، وبعضها كان مخلصاً وأضاف للحضارة الإنسانية.

من ناحية أخرى فإن تكريس هذه الطبيعة العنصرية وانفلاتها يعطي ثِقلاً للأصوات التي تنادي على مدى السنوات الأخيرة بتطوير أساليب النضال الفلسطيني السلمية المعارضة لهذه العنصرية بكافة وسائل وأدوات العصر الحديث؛ والمقصود بهذا وسائل التواصل الاجتماعي، التي تبرز تواصل الاحتجاج الشعبي الفلسطيني السلمي بشكل ضاغط ليس على إسرائيل، وإنما على ما تبقى من ضمير عالمي غائب، والتركيز على دعاوى المقاطعة، وعلى من لا يزال يؤمن بعدالة هذه القضية أن يتذكر ألا شيء باقٍ إلى الأبد، بل أن نتذكر تاريخ هذه الأراضي الفلسطينية، وتعاقب الممالك والحضارات، ولابد أن يستخلص الكثير من العظات، حتى لو كان هذا زمن رديء. ولكن كل هذا يقتضي صيغة فلسطينية جديدة أكثر جدارة للتعامل مع هذه التحديات، كما يجب أن يتذكر الجميع أن مهمة التصدي لهذا المشروع العنصري سيلعب فيها عرب 48 دوراً بارزاً داعماً لعرب الضفة. أما القطاع فهذا حديث آخر لو تنبه قادة حماس إلى حجم الضرر الذي سببوه لقضيتهم ولمستقبل الشعب الفلسطيني.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل