Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عبد الحبيب سالم مقبل (7)

بعد ثلاثة أيام عدنا إلى صنعاء، ولم يكن الاستقبال أقل وقاحة مما حدث عند مغادرتي

الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في مرحلة مبكرة من الحكم (أ.ف.ب)

كان توفيق عبد الرحيم - رحمه الله- أهم رجل أعمال في مجال نقل النفط والغاز، وتمتّع بعلاقات قوية مع الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، مثل بقية رجال الأعمال في تعز. كما كان معجباً بعبد الحبيب، ولكنهم لا يتدخلون في الشأن السياسي لأسباب تتعلق بتجارتهم ومصالحهم، وذاك أمر طبيعي لأن التاجر يخشى الانغماس في الخلافات التي قد تعرّضه للعقاب من السلطة إذا كانت مواقفه مخالفة لما ترغب به.

في مكالمة كانت الأخيرة معه تلك الليلة رجوت عبد الحبيب ألا يبقى في منزله، ثم تواصل هو مع توفيق عبد الرحيم ليساعد في نقله وأسرته إلى قريتهم (الزبيرة – قدس). ولم يتردد توفيق، فأرسل له سيارة عند منتصف تلك الليلة 27 أبريل (نيسان) 1994. وانقطع التواصل من ليلتها إلى ما بعد نهاية حرب صيف 1994. وفعلاً، اقتحم أفراد من جهاز الأمن السياسي منزله بتعز بحثاً عنه.

في مساء 27 أبريل 1994، حاولت التواصل مع كثيرين لكن خطوط الهواتف كانت قد انقطعت، ولم يبقَ إلا الاستماع إلى نشرات الأخبار من المحطات العربية وتلك الناطقة بها، أما المحطات الغربية فلم تهتم كثيراً في بادئ الأمر لأن الحروب الأهلية في اليمن أمر غير استثنائي. بعد ذلك اتصلّ بي الأخ العزيز الشيخ صادق بن عبد الله الأحمر، وكان موجوداً في جدة؛ ليسألني إن كنت راغباً في السفر معه براً إلى اليمن، اعتذرت وقلت "أنا لستُ مقاتلاً، ولست مع الحرب".

في شهر مايو (أيار) 1994، زرت القاهرة للقاء عدد من اليمنيين هناك، وقررت زيارة دمشق مع الدكتور محمد عبد الملك المتوكل، حيث التقينا الرئيس السابق علي ناصر محمد. في أثناء الغداء الذي دعانا إليه، تحدثت إليه بأن الوحدة بالنسبة إلي ليست فقط عَلَماً ونشيداً وطنياً، وإنما في اختيار المواطن حراً أين يسكن ويعمل، سواء في المهرة أو صعدة، وفي أن تكون حرية التنقل مكفولة من دون (براميل)، ولا إذن سفر. وناشدته الموافقة على العودة إلى حدود 21 مايو 1990، وأن إقامة وحدة فيدرالية أو كونفدرالية أسلم وأفضل من سفك الدماء اليمنية. وكان الدكتور المتوكل متحمساً لفكرة الدولة الاتحادية، لكن علي ناصر لم يتحمس ورفض الفكرة. لعل في باله أنها كانت فرصته للانتقام ممن أخرجوه من السلطة بعد أحداث 13 يناير (كانون الثاني) 1986 الدامية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في زيارتنا لدمشق، كان من الواجب زيارة الرئيس اليمني الراحل القاضي الجليل عبد الرحمن الإرياني، وخلال الحديث أبدى حزنه على ما وصلت إليه الأمور وتمنّى ألا تسفك نقطة دم واحدة في خلاف على الحكم مهما كانت المبررات.

عدت إلى جدة حيث بقيت حتى 7 يوليو (تموز) 1994 حين وصلت القيادات الجنوبية التي خرجت من عدن بعد انتهاء الحرب. وزرتهم في مقر إقامتهم المؤقت بقصر المؤتمرات بجدة. كان ظاهراً عليهم الانكسار والإرهاق. ولما كنت أعرف تاريخ الصراعات في الجنوب فقد لاحظت الفتور وعدم الانسجام بينهم، خصوصاً أن الشخصية الأعلى مقاماً حينها كان الأستاذ عبد الرحمن الجفري، وهو ما لم يكن محل ارتياح قيادات الحزب الاشتراكي التي كانت ترى فيه خصماً قديماً تجاوزهم لتصدّر المشهد بدعم خارجي ومن دون سند داخلي.

بعد أيام، زارني في الفندق الأستاذان حيدر العطاس وسالم صالح محمد، وكان لقاءً طويلاً. قلت لهما في نهايته إن نصيحتي هي أن يسعيا للعودة إلى اليمن في أسرع وقت والنضال من الداخل، وذكرتهما بأن أسرة آل حميد الدين انتهى بها الأمر بعد المصالحة الوطنية التي رعتها الرياض في 1970 إلى حمل الجنسية السعودية وترتيب أوضاعهم الخاصة مع نفر قليل من المرتبطين بهم أسريّاً.

وحين بلغني أن الدكتور ياسين سعيد نعمان والأستاذ محمد سعيد عبد الله (محسن) والدكتور عبد العزيز الدالي قد وصلوا أبو ظبي قررت زيارتهم. قضينا وقتاً قصيراً تبادلنا فيه الأحاديث حول ما جرى وما يمكن أن يحدث بعد ذلك، ثم عدت إلى جدة لأيام، قررت بعدها العودة إلى اليمن في 23 يوليو 1994.

قضيت في صنعاء 4 أيام حاولت خلالها التواصل مع عبد الحبيب، لكن كانت الاتصالات المتنقلة متعذرة لأنها كانت مقطوعة في عموم اليمن. قررت المغادرة إلى العاصمة الأردنية عمان للقاء زوجتي أم عبد العزيز والعودة معاً إلى صنعاء. وفي المطار وقبل خروجي من الصالة إلى الباص الذي ينقل الركاب للطائرة، حضر ضابط أمن بزيّ مدنيّ وطلب جواز سفري وانتزع كل الأوراق التي كانت بحوزتي. كان كل الركاب قد انتقلوا إلى الطائرة التي بقيت تنتظر وصولي. عاد الضابط وسلمني الجواز. رفضت المغادرة قبل استعادة أوراقي، ومن بينها مذكرة صغيرة أدوّن فيها ملاحظاتي والتواريخ، لكنه اعتذر، متعلالاً بأنني سأستلمها حال عودتي. رفضت العرض حتى أستعيد كل أوراقي. حاول المسؤول الأمني أن يقنعني بالتوجه نحو الطائرة وأنهم سيحضرون المذكرة والأوراق التي انتزعوها من داخل حقيبة اليد. رفضت مرة أخرى، وقلت له إنني سألغي سفري. ما هي إلا دقائق حتى عادوا بكل أوراقي والتي لا بدّ أنهم صوروها في مكتب الأمن السياسي بالمطار.

وصلت عمان واتصلت فوراً باللواء علي صالح الأحمر، قائد الحرس الجمهوري الأخ غير الشقيق لعلي عبد الله صالح، وهو من أنبل وأنزه الشخصيات العسكرية التي تعاملت معها. أخبرته بما حدث، وقلت له إن لديهم من الخصوم ما يكفيهم لعقود ولا حاجة لإضافة خصم جديد. كان رده أن هذه إجراءات وصفها بالغبية وأنه سيتأكد من عدم تكرارها. ثم اتصلت بالدكتور الإرياني وأخبرته بما تعرضت له.

بعد ثلاثة أيام عدنا إلى صنعاء، ولم يكن الاستقبال أقل وقاحة مما حدث عند مغادرتي. المثير للضحك أنهم انتزعوا مني نفس الأوراق التي ربما كانوا لم يتمكنوا من تصويرها كاملة وطلبوا مني الانتظار، فأخبرتهم أني لستُ بحاجة إليها ويمكنهم الاحتفاظ بها لأني احتفظت بنسخة عند صديق في الأردن. كان تفتيش الحقائب مستفزاً وبطريقة تدعو للغضب. تحملت الأمر حتى لا أدخل في معركة لا تستحق بذل جهد فيها.

حال وصولي إلى المنزل، اتصلت باللواء علي صالح الأحمر والدكتور الإرياني وأخبرتهما بما حدث مرة ثانية، وفي المساء ذهبت إلى منزل الدكتور الإرياني الذي كان عائداً للتوّ من مقيل الرئيس صالح. أخبرني أنه أبلغ الرئيس عن عودتي وما جرى وأنه "فوجئ بالأمر". قلت له إن كانت رغبة الرئيس هي في منعي من السفر أو العودة فيمكنه أن يخبرني حتى لا أتعرّض لمثل هذه التصرفات. كان رده "سأرى إمكانية ذهابك شخصاً ثانياً في هولندا مع السفير عبد الجليل حمرة".

اقرأ المزيد

المزيد من آراء