Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عبد الحبيب سالم مقبل  (4)

برهنت نتائج الانتخابات عام 1993 أن الحزب الاشتراكي لم يكن يعلم تفاصيل التحالفات القبلية في الشمال

مشهد عام لمدينة تعز (غيتي)

استمر عمل "اللجنة الوطنية من أجل انتخابات حرة نزيهة"، واستطعنا جمع 4000 متطوع في المناطق التي لم يعترض المسؤولون المحليون على الوصول إليها، وبدأت دورات تدريبية لهم.

في المقابل جند المؤتمر الشعبي وحزب الإصلاح كل نفوذهم وإمكاناتهم لعرقلة عملنا واستنسخوا لجنة للتشويش ولم يكن هدفها مراقبة الانتخابات، بل كان الغرض الحقيقي ضرب صدقيتنا أمام المنظمات الدولية التي كانت مهتمة بمتابعة أول انتخابات مفتوحة بين أحزاب شرعية في المنطقة العربية.

جرت الانتخابات النيابية في 27 أبريل (نيسان) 1993، وجاءت نتائجها مخيبة لتطلعات الحزب الاشتراكي الذي تراجع من موقع الشريك بالمناصفة في الهيئة التشريعية ومؤسسات الدولة بحسب اتفاقات الوحدة فأصبح عدد ممثليه 56 نائباً، وحصل حزب الإصلاح المتحالف مع المؤتمر الشعبي العام على 62 نائباً، بينما تمكن الأخير من حصد 123 دائرة على امتداد البلاد، وتوزعت بقية المقاعد على الأحزاب الصغيرة (العدد الإجمالي 301 عضواً).

أظهرت النتائج مهارة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح الاجتماعية والسياسية في نسج علاقات شخصية على امتداد اليمن سمحت لتنظيمه السياسي بالامتداد في الدوائر التي كان من المفترض أن تكون محسومة للحزب الاشتراكي خصوصاً في الجنوب، وتمكن من كسر احتكار الحزب هناك، كما حرمه صالح من الحصول على مقاعد تتناسب مع حجم التواجد السياسي الذي كان يدعيه إعلامياً في المناطق الشمالية، وربما أن هذا ترك أثراً سلبياً عن البيض الذي أحتمل أنه قد شعر بأن القوى الشمالية في الحزب، لم تكن ذات قيمة سياسية واجتماعية على الأرض في الدوائر خارج المحافظات الجنوبية.

لقد برهنت نتائج الانتخابات عام 1993 أن الحزب الاشتراكي لم يكن يعلم تفاصيل التحالفات القبلية في الشمال ولم يحاول التعامل معها بما يكفي لاستمالتها، وفشل في قراءة الخريطة الاجتماعية في الشمال، بينما تجاوز صالح تلك المعضلة في الجنوب فـاستدعى الزعامات المناطقية الجنوبية التي كان الحزب قد استبعدها من الساحة وعمد إلى إخراجها من البلاد أو أنها تمكنت من الفرار إلى الشمال أو إلى دول الجوار.

لم تمر الفترة الانتقالية 1990 – 1993 بالطريقة التي تمناها المواطنون، ولم تكن قادرة على ردم الهوة بين شريكي الوحدة، وكان واضحاً لمن تابع الأحداث أن انفجاراً وشيكاً لا بد أن يحدث، فقد شكلت الاغتيالات التي تعرض لها قياديون في الحزب الاشتراكي في شوارع صنعاء وخارجها عامل قلق متزايد عند القادمين من الجنوب للعمل في مؤسسات الدولة، وعبّر البيض صراحة عن اتهامه لصالح والأجهزة الأمنية بأنها تقف وراءها كما تعاظمت شكوكه بأن سكنه الخاص قد زرعت به أجهزة تنصت ورقابة.

في الواقع أن الشكوك بين الشريكين بدأت مبكرة وكان مشروع دمج القوات المسلحة إحدى العقبات الرئيسة، ففي حين كان الحزب الاشتراكي مصراً على مسألة إخراج المعسكرات من المدن كخطوة حيوية فإن صالح لم يوافق على هذا. كما أن طريقة إدارة الدولة كانت متناقضة، ففي حين كان الشمال محكوماً عبر شبكة مصالح اجتماعية وقبلية يتحكم بها صالح، كان الجنوب يعيش حالة ضعف حكومي وعجز مالي خصوصاً بعد تخل الاتحاد السوفياتي عن كل حلفائه في العالم.

عبدالحبيب نائباً

ما أن أعلنت النتائج النهائية حتى وصل عبدالحبيب إلى صنعاء مع زملائه من محافظات اليمن المختلفة لأداء اليمين الدستورية، وكان يسكن معي في منزل الوالد رحمه الله بصنعاء، لكنه لم يكن يطيل البقاء ويعود إلى تعز عند زوجته وأطفاله. في تلك الفترة كان الخلاف بين صالح والبيض يتصاعد حتى بلغ حد القطيعة ورفض العودة إلى صنعاء. كان شعور البيض بأن اتفاقاً قد جرى بين صالح والإصلاح لتحجيم الحزب الاشتراكي، ولم يقبل أي تسويات لطمأنته بالعودة.

لم تشغل عبدالحبيب مهامه الجديدة كعضو في مجلس النواب عن مواصلة كتابة مقاله الأسبوعي الذي كان يمليه هاتفياً على الصحيفة في اللحظات الأخيرة قبل طباعتها، وكان موقفه مسانداً لموقف الحزب الاشتراكي إذ كان يقدره عامل توازن سياسي داخل في البلاد، كما كان على تواصل مباشر مع كل قيادات الحزب وبخاصة سالم صالح محمد ومحمد سعيد عبدالله (محسن).

انتخاب مجلس الرئاسة

مرت أشهر قبل أن تتم صفقة بين صالح وقيادات الحزب الاشتراكي التي بقيت في صنعاء لانتخاب مجلس رئاسة جديد بموجب الدستور واحتفظ الحزب الاشتراكي بمقعدين فيه (علي سالم البيض وسالم صالح محمد) ومنح صالح مقعداً من حصة المؤتمر الشعبي لحزب الإصلاح فكان اختيار (عبدالمجيد الزنداني) واحتفظ صالح بموقعه ومعه عبدالعزيز عبدالغني، ومن ثم جرت إعادة انتخاب صالح رئيساً للمجلس والبيض نائباً له. واتفق على أن يتولى عبدالله بن حسين الأحمر رئاسة مجلس النواب وحيدر العطاس ليعيد تشكيل الحكومة. لم يغير الأمر من رفض البيض العودة إلى صنعاء لأداء اليمين الدستورية، وبقي البيض في عدن.

في أكتوبر (تشرين الأول) 1993 قام سلطان عمان الراحل قابوس بن سعيد بزيارة رسمية إلـى اليمن، وتغيّب البيض عن الحضور إلى صنعاء للمشاركة في المناسبة التاريخية، كان يفترض أن يزور الضيف عدن ضمن برنامجه لكن إصرار البيض على إجراء مراسم استقبال رسمية مرة أخرى أدى إلى إلغائها لأن الأمر لم يكن متوافقاً مع التقاليد المعمول بها في مثل هذه المناسبات، إذ لا يجوز إجراء استقبالين رسميين في دولة واحدة.

الفيدرالية مخرج للأزمة

خلال فترة الاعتكاف زرت عدن مع عبدالحبيب والتقينا بعدد من قيادات الحزب في منزل الأستاذ سالم صالح محمد وتناولنا الغداء عنده بحضور محمد سعيد عبدالله والمرحوم صالح منصر السييلي الذي اختاره الحزب محافظاً لعدن وكان من أعلى الأصوات الجنوبية المعترضة على الوحدة عموماً وعلى أسلوب إدارة صالح للحكم، وكان مقرباً جداً من البيض.

في المساء ذاته، دعانا سالم صالح عضو مجلس الرئاسة والشخص الثاني في الحزب الاشتراكي للعشاء في إحدى الفلل التابعة للحزب الاشتراكي في منطقة البريقة على البحر. كان الطباخ المرحوم إسماعيل الذي يشرف على إعداد الطعام هو الأشهر في إعداد المأكولات البحرية، وكان معنا محمد سعيد عبدالله عضو المكتب السياسي ووزير الإسكان حينها.

كان من الطبيعي أن يدور الحوار حول الأزمة السياسية التي كانت علامات انفجارها تقترب، وفجأة طرح سالم صالح فكرة العودة خطوة إلى الخلف والتوقف لالتقاط الأنفاس.

قال سالم إنه من العملي والآمن طرح فكرة الدولة الاتحادية من إقليمين بحدود 21 مايو (أيار) 1990، كما جرى نقاش حول تقسيم اليمن إلى 4 – 5 أقاليم، شرط أن تكون متوازنة سكانياً ولها منفذ بحري يمكنها من استخدامه للتنمية وتعزيز الموارد.

بعد خروجي وعبدالحبيب اتصلت بالدكتور عبدالكريم الأرياني وشرحت له خلاصة ما دار، فلم يبدِ أي تحفظات أو تعليق على الأمر، وطلب مني زيارته حال عودتي إلى صنعاء.

 عدت مع عبدالحبيب إلى تعز، وفي اليوم التالي غادرت إلى صنعاء... وما أن وصلت حتى كانت الأخبار قد انتشرت بأن سالم صالح أدلى بتصريح حول المقترح الذي طرحه.

المزيد من آراء