Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السينما الموريتانية... حلم التشكّل

حين لم يجد الموريتانيون تفسيراً لشريط الصور المتحرّكة أمامهم على شاشة العرض، لجؤوا إلى تفسيرات ماورائية فأطلقوا على تلك السيارات التي تعرض لهم هذه الأفلام تسمية "عربات الجان".

دار العرض الوحيدة المتبقية في العاصمة الموريتانية نواكشوط (الصورة للمخرج عبد الرحمن أحمد السالم)

تتداخل الرؤى المشكِّلة للحلم السينمائي الموريتاني بين التاريخي والأنثروبولوجي لتؤسّس في الأخير بوادر تشكُّل سينما موريتانية تدافع عن الهوية الوطنية وترسم لنفسها واقعاً بين ثقافات الأمم. بدأ ذلك الحلم في التشكُّل منذ نهاية الأربعينيات، حين شاهد الموريتانيون للمرة الأولى شاشة عرض سينمائي في حيّزهم الصحراوي المعزول عن العالم.

يتذكّر السينمائي عبد الرحمن أحمد سالم تلك المرحلة، "الأفلام التي كانت تعرضها الهيئات العسكرية الأجنبية الحاضرة في موريتانيا، والتي بدأت وفق المؤرّخ محمد سعيد ولد همدي، رحمه الله، في الأربعينيات مع القاعدة العسكرية في شمال موريتانيا، كانت أفلاماً للسكان المحليين، على قلتهم آنذاك، وكانت أولى الأفلام التي تُعرض في موريتانيا".

وتابع أحمد سالم أنه لاحقاً إبان الفتة الاستعمارية الفرنسية "كان الفرنسيون يعرضون أفلاماً تمجّد حضارتهم في مختلف مناطق الوطن".

أما المخرج الموريتاني سيد محمد الشيكر فيقول إن "ارهاصات تشكّل الحلم السينمائي في موريتانيا بدأت في نهاية الستينيات مع أعمال المخرج محمد هندو وسيدي سخنا، وتواصل الحلم في التشكّل مع جيل سيساكو وولد أحمد مسكه".

 

 

"عربات الجان"

 

حين لم يجد الموريتانيون تفسيراً لشريط الصور المتحركة أمامهم على شاشة العرض، لجؤوا إلى تفسيرات ماورائية فأطلقوا على تلك السيارات التي تعرض لهم هذه الأفلام تسمية "عربات الجان".

وتمكن بعض الشباب الموريتاني قبيل الاستقلال بسنوات، من دراسة السينما في فرنسا. ووفق ولد أحمد سالم "كان السينمائي محمد هندو (1939 - 2019(أول موريتاني يدرس المسرح والسينما. كان ذلك في مدينة الأنوار باريس، وتحديداً في العام 1959. الفتى المتحمّس لشغف الفن السابع هندو، ألهم العديد من الشباب الموريتانيين بعد ذلك، لاكتشاف هذا الفن من جيل الستينيات، أمثال سيدي سخنا وغيره الذين بدأوا يدرسون السينما".

بُعيد استقلال البلاد في العام 1960، أرسلت الدولة الموريتانية بعثات لدراسة التصوير على الرغم من أن التلفزيون حينها لم يكن موجوداً، إلا أنه كانت توجد

كاميرات سينمائية تصوّر الأحداث السياسية وتعرضها قبل فيلم السهرة في دار السينما الوحيدة حينها، والتي كانت تابعة للدولة، ومقرها مكان البرلمان الحالي.

تتالت الأمور سريعاً وتشكّلت الهيئة الوطنية للسينما، لتتحوّل لاحقاً إلى الأداة الوطنية للسينما والتلفزيون، وظهر التلفزيون وبدأ جمهور ثقافة الصورة يتّسع في أرض المليون شاعر.

وعرفت العاصمة الفتية نواكشوط حينها، قاعات عرض سينمائية لمستثمرين فرنسيين، راق لهم الاستثمار في هذا الوافد الجديد على المجتمع.

وبدأت العروض باستجلاب أفلام من السنغال، ومن ثم دخل موريتانيون في مجال استثمار عروض الأفلام من بينهم همام فال، وديدي ولد اسويدي. في الثمانينيات، بدأ الجيل الثاني بدراسة السينما، من بينهم المخرج الموريتاني العالمي عبد الرحمن سيساكو الذي درس السينما في أوكرانيا وعاد إلى فرنسا وأسس شركة إنتاج باسم "شنقيطي فيلم".

 

 

في انتظار السعادة

 

انتبه العالم إلى السينما الموريتانية المقبلة من أعماق الصحراء، حين حصد فيلم للمخرج الموريتاني الكبير عبد الرحمن سيساكو جوائز عدة في مهرجانات سينمائية معروفة. وحصل فيلم "في انتظار السعادة" لسيساكو على جوائز عدة في تظاهرات

ومهرجانات سينمائية كان أولها اختياره في مهرجان "كان" السينمائي الشهير لجائزة "نظرة ما". كما حصل على الجائزة الأولى لمهرجان السينما العربية لأفضل شريط طويل، الذي نظّمه معهد العالم العربي في أكتوبر (تشرين الأول) 2004.

ويُعتبر الفيلم "توليفة درامية" تحاكي سيرة المخرج الذي هو مؤلفه ومخرجه. أُنتِج الفيلم في العام 2002 وتدور قصته حول شخصية رئيسة واحدة، هي طالِب جامعي عاد إلى منزله في نواذيبو شمال موريتانيا فإذا به يتفاجأ من مشاهد الحياة اليومية في قارة أفريقيا، فضلاً عن الثقافات العربية المُغايرة تماماً لما عليه الوضع في الغرب.

ونجد تداخلاً كبيراً بين بنية نص رواية موسم الهجرة إلى الشمال للسوداني الطيب الصالح، مع قصة فيلم "في انتظار السعادة". ويصف المخرج ولد الشيكر، سينما سيساكو بـ "الشعر"، فهو بالنسبة إليه يكتب شعراً من خلال السينما.

 

آفاق واعدة

 

استطاع المخرجان عبد الرحمن سيساكو ومساعده في فيلم "في انتظار السعادة" عبد الرحمن أحمد سالم وآخرون، إنشاء مدرسة لتعلم الشباب مبادئ السينما، وأطلقوا على هذه المبادرة "دار السينمائيين".

هذه الدار لعبت دوراً كبيراً في خلق بيئة سينمائية في العاصمة، وكوّنت عشرات الشباب الذين خلقت لهم الدار مهرجاناً سنوياً تتبارى فيه أفلامهم.

ومع انفتاح الفضاء السمعي البصري في موريتانيا، تولى هؤلاء الشباب إخراج العديد من البرامج التلفزيونية في هذه القنوات.

أما الشاب سيد محمد ولد الشيكر أحد رواد السينما في موريتانيا، فبعد تخرجه من دراسة السينما في تونس، عاد إلى وطنه ليكوِّن شباباً عملوا معه في أفلامه، كان آخرها فيلمه "المتطرّف" الذي آثار جدلاً في موريتانيا قبل سنوات، حيث تطرق إلى موضوع الشباب الذين يتخرجون من الكتاتيب (مدارس لتعليم الصغار حفظ القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة) ليلتحقوا بالجماعات المسلحة.

 

دار سينما واحدة

 

بلغ في عقد الثمانينيات عدد دور العرض أكثر من 12 في العاصمة وحدها، إلا أن هذا العدد تراجع إلى دار واحدة، عبارة عن شاشة كبيرة منصوبة في ساحة التنوّع الثقافي.

تعود أسباب تناقص دور السينما، إلى ثقافة المجتمع التي تحوّلت في الثمانينيات إلى ثقافة رافضة كلّ ما هو غربيّ، وتعزّزت مع سيطرة التلفزيونات على اهتمامات المتابعين.

وعلى الرغم من حلم السينمائيين الموريتانيين بوصول فنهم إلى العالمية، يقف عدم تجاوب الدولة مع صنّاع السينما حجرَ عثرةٍ أمام تحقيق ذلك. ويقول الدكتور أحمد مولود أيده الهلال، رئيس مهرجان نواكشوط للفيلم إن "إسهام وزارة الثقافة الموريتانية في مرجانهم لا يتعدّى الـ 3000 دولار أميركي، في حين كانت تساعد أكثر في دورات سابقة". ويضيف الهلال أن مهرجان نواكشوط للفيلم "هو الشكل الوحيد الذي بقيَ للسينما في هذا البلد".

وتبقى آمال السينمائيين الموريتانيين مشروعةً في اكتشاف العالم إنتاج مبدعيها في مجال الفنّ السابع، في عالم لم تعد الجغرافيا قادرةً على إقصاء الإبداع.

المزيد من فنون