Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل سينجح "الكاظمي" في إخراج العراق من الحديقة الخلفية لإيران؟

أزمة المفاوضات المقبلة أعمق بكثير من قدرات وإمكانات أي رئيس حكومة حاليّ أو مقبل

رئيس الوزراء العراقي المكلف مصطفى الكاظمي (أ.ف.ب)

تنظيم الوجود الأميركي في العراق والعلاقة الاستراتيجية بين البلدين سيكونان موضع نقاش حاسم في يونيو (حزيران) المقبل، حول احتمال تطوير الاتفاق الاستتراتيجي من عدمه، فالولايات المتحدة التي طلبت التفاوض على لسان وزير خارجيتها، مايك بومبيو، لم ترسل بعد بنود التفاوض حول تحويل الاتفاق إلى اتّفاقية، كما يتوقع حلفاؤها من العلمانيين في العراق، في وقت ترفض الميليشيات الموالية لإيران أي جهود تُبقي قواعد الولايات المتحدة التي تنتشر بثلاثة مواقع معلنة حصّنتها بمنظومة "باتريوت" خشية استهدافها من جديد، فهل تكون مهمة ميسرة أمام الحكومة المقبلة التي يتزعمها رجل محسوب على أميركا ثقافةً وجوازاً، ويستعد لتسلم مهامه زعيماً.

الكاظمي: لن نكون ساحة لتصفية الحسابات

وصف رئيس الوزراء المكلف، مصطفى الكاظمي، هذه المهمة وفق التالي "سيكون لدينا حوار جادّ مع الولايات المتحدة بشأن تنظيم وجودها في العراق، والأهم ما يجب أن أتعامل معه بحزم هو أن لا يكون العراق ساحة لتصفية الحسابات"، لكن من دون أن يكشف ماهية تلك الحسابات التي هي على الأغلب بين الولايات المتحدة وإيران التي تسلّلت إلى العراق بُعيد الاحتلال الأميركي له 2003، ووجدت فيه خلاصاً لأزمتها الاقتصادية بعد الحصار الخانق عليها، كذلك طوّرت استراتيجتها نحو بسط أذرع الحرس الثوري الإيراني داخل العراق، وتأسيس ميليشيات فيه موالية لها.

إيران تغلغلت في الجسد العراقي 

وقامت إيران باحتواء وتذويب الأجهزة الأمنية العراقية في منصاتها التي عملت معها لعقود، قبيل وأثناء وبعد الحرب العراقية الإيرانية طيلة عقد الثمانينيات، وتمادت في أمور كثيرة، أبسطها الضغط بتولية عناصرها والموالين لها في التحكم بالقرار الحكومي العراقي، وتوّجت ذلك حتى بإقصاء الفائزين في الانتخابات وتغييرهم بوجوه موالية لها علناً، كما جرى بُعيد انتخابات عام 2010، حين فاز إياد علاوي بفارق واضح وحاز على الأغلبية، لكنه رفُض وأقصيّ في المحصلة في سابقة لافتة!

الأزمة العراقية المركبة 

وعلى الرغم من وعود المكلف "الكاظمي" بالانتفاح على المحيطين العربي والإسلامي، الذي قال عنه "يتطلب ذلك عملاً جاداً في هذا الاتجاه، خصوصاً لجهة الاقتصاد والاستثمار وتهيئة الأرضية المناسبة لذلك، لأننا لا يمكننا الاستمرار في الاعتماد على النفط بوصفه مصدراً وحيداً للدخل الوطني"، لكن الأزمة في المفاوضات المقبلة أعمق بكثير من قدرات وإمكانات أي رئيس حكومة حالي أو مقبل، كونها تتم بين طرفين غير متكافئين في القدرات والإمكانات، وهما مختلفان في التوجه والنوايا ولا يمكن ضمان الاتفاق حتى بعد إقراره المتوقع، لا سيما من جهة العراق متعدد الإرادات والتوجهات والمرجعيات.

هل يتجه الاتفاق نحو الاتفاقية؟

الدعوة الأميركية على تطوير الاتفاق الاستراتيجي الذي مضى عليه عقد من الزمن إلى اتفاقية ليتعدى توصيف "الإطار الاستراتيجي للصداقة والتعاون بين العراق والولايات المتحدة الموقع في نوفمبر 2008"، إلى اتفاقية استراتيجية وافقت عليها الحكومة العراقية الحالية، وهي حكومة تصريف أعمال، عقب مطالبة العراق بانسحاب القواعد الأميركية الثلاث المتبقية، وهي حرير وعين الأسد وأربيل (في المطار القديم)، فقد سارعت الولايات المتحدة بعنوان آخر، غير الذي كانت القوى الشيعية تتوقعه، تُفاوِض من أجل الانسحاب، بل تُفاوِض من أجل إبرام اتفاق استراتيجي جديد، قد يبقي القواعد بامتيازات جديدة، ويعلل السفير العراقي جواد الهنداوي ذلك، بقوله "يريد الرئيس الأميركي توظيف الانسحاب كإنجاز يحققه للشعب الأميركي، فما يخيفه هو احتمالية مقتل الجنود الأميركيين خلال المدد المتبقية للانتخابات".

مدركات المفاوض العراقي

ويبدو أن النصيحة التي يعمل بها صانع القرار العراقي الآن هي إدراك أن الرئيس دونالد ترمب في وضع انتخابي حسّاس يملي عليه التعامل بحذر مع بؤر الأزمات الدولية، ومنها العراق الذي أعاد الكثير من قواته إليه بعد انسحاب سلفه الرئيس أوباما، بل وجهزهم بمنظومة باتريوت في قاعدة عين الأسد وسواها، كي يتكفّل منع أي خسارة محتملة لجنوده، بعد أكثر من عشرين هجوم صاروخي شنته الميليشيات الإرهابية الموالية لإيران على القواعد الأميركية وسفارتها في بغداد.

حسابات أميركية مقابلة

وإذا كانت الولايات المتحدة في مسعى للحفاظ على مصالحها في العراق، لا سيما وأنها إزاء البلد الذي يحتل المرتبة الثانية في تصدير واحتياطي النفط في الشرق الأوسط، حتى في حال انسحابها المبرمج والمحتمل، فإنها تدرك أن طيفاً من العراقيين، وعلى وجه التحديد السنة والكرد، يطالبها بالبقاء خشية غلبة التفرّد الإيراني الذي يمتلك مخالب شرسة في مناطق عراقية مهمة، في العاصمة والجنوب العراقي الغني بالنفط، فقد سبق وأعلن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في منتدى جامعة ستانفورد منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، أن "القادة السياسين في العراق يعربون عند لقائنا بهم في الجلسات الخاصة عن رغبتهم في إبقاء القوات الأميركية بالبلاد".

عراق واحد بإرادات ثلاث

وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه بأن العراق الحالي لا يمتلك إرادة موحدة أثناء التفاوض للخروج بـ"اتفاق" وليس "اتفاقية" تنظم العلاقة الاستتراتيجية المراد تحقيقها بين البلدين المختلفين في كل شيء، قد تفضي للشراكة والتعاون بين البلدين وانسحاب سلس للقوات الأميركية استجابة لطلب البرلمان العراقي الذي خرج بتشريع يطالب بانسحابها الفوري من البلاد، على الرغم من أن ذلك يأتي بظروف مغايرة لانسحابها عام 2011 زمن الرئيس باراك أوباما، الذي كان يظلله الاتفاق النووي مع إيران وهدوء نسبي في الصراع في المنطقة، ومنطق التنازل الذي عمل في سبيله الرئيس الأميركي السابق وقتها.

ظرف دولي مؤاتٍ عراقياً للتفاوض

المحيط الدولي الحالي الذي يستجيب فيه العراق لمقترح الوزير بومبيو لإجراء حوار استراتيجي بين البلدين، عدّه مراقبون عراقيون نقطة فارقة في مستقبل العراق السياسي نتيجة حساسية الوضع الأميركي، ولأسباب كثيرة، من بينها كما يشير الباحث منقذ داغر، بأن "الطلب الأميركي لهذا الحوار يأتي في عام انتخابي حاسم، وأن كلّ شيء يحدث فيه من الممكن أن يؤثر على نتائج الانتخابات، وذلك وسط جدل أميركي حول جدوى بقاء القوات الأميركية في العراق الذي عبّر عنه ستيف كوك، بقوله إن (العراق دولة فاشلة سقطت بين أحضان إيران، ولا أمل من تصحيح الأمور هناك، فلماذا نجدّد البقاء هناك؟)".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واقع عراقي مرتبك 

يضاف لهذه الصورة قناعة أخرى ضاغطة تتمثل بواقع تشتت الإرادة العراقية في بلد يتفكك سياسياً ومجتمعياً وتتزعزع فيه الثقة بين مكوناته، كما يجمع العديد من الباحثين هناك، فمن المرجح تفاقمها في ظل الأزمة الاقتصادية المقبلة في بلد يعتمد كلياً على نمط الاقتصاد الريعي، ولا تستجيب زعاماته لنداءات الإصلاح التي ينادي بها الشعب وقواه الفاعلة، وتحويل الميليشيات المتحكمة بالمال العام لأي نوايا طيبة لمثقفيه، وكل أملهم إحداث نقلة نوعية في نمط التعامل مع إدارة مشاريع الدولة والتحكم بموارد البلاد.

تحديات محتملة في التفاوض المقبل 

ويؤكد داغر أن "العقدة الرئيسة التي تحكم التعامل مع الوجود الأميركي والقرارات المحتملة هي إما الإجماع على طرد تلك القوات برمتها وتحمل تبعات العقوبات الأميركية التي ستضر بكل القطاعات العراقية، وأولها الاقتصاد! أو هناك خيار آخر وهو التوصّل إلى تفاهمات بين البلدين واتفاق رسمي"، وهذا ما يراهن عليه الكاظمي .

الجماعات المسلحة مخلب إيران المعيق

لكن العائق الذي يجعل صانع القرار في بغداد ملتبساً هو احتمالية رفض الجماعات المسلحة لإبرام اتفاق أصلاً، نتيجة تنفيذها لأجندة إيران التي تتخذ من العراق ورقة تفاوض مع الغرب لضمان مصالحها، ومحاولة التفلت من العقوبات المفروضة عليها، أو أن القوى العراقية المتمثلة بالدولة الرسمية والشريكين السني والكردي ترفض التوصل لاتفاق بهدف جني العراق لحليف دولي قوي يمتلك قدرة المساعدة العاجلة في تقديم المعونة العسكرية إذا ما عاودت خلايا داعش التسلل للعراق من جديد، وهذا محتمل وفق مراقبين أمنيين، أو في حال حاجة العراق إلى قروض ومنح ومساعدات لإعادة بناء موارده البشرية من جانب آخر. كل ذلك مرهون بانتزاع ضمانات من العراق بأن لا يكون مضرّاً بمصالح واشنطن المشروعة في المنطقة وبدولة عراقية مستقلة وبجيش قوي، وفق توصيف "داغر".

الكاظمي وخيارت الأطراف الحليفة

من هنا تأتي أعباء المكلف رئاسة الحكومة الجديد، مصطفى الكاظمي، الذي ينتظر تنازلات الأطراف المسلحة عن مجابهة الأميركان في العراق ومحاولة تقويض وجودهم والامتناع الكلي عن ضرب سفارتهم الأكبر في العالم في قلب المنطقة الخضراء ببغداد قبل فتح أي حوار وتفاوض مع الولايات المتحدة، لكن الأزمة العراقية باتت أكبر من قدرات أي سياسي يتصدى للحكم في البلاد نتيجة تآكل وتعرّي مفهوم الدولة، فهي دولة منشطرة الإرادة يمزقها الصراع الأميركي- الإيراني من جهة، وكلٌ يريد فرض هيمنته ونفوذه عليها، فضلا عن تناحر أبنائها الطائفي المتمثل بمنطق المحاصصة السياسية من جهة أخرى .

فيتو المفاوض الأميركي

المفاوض الأميركي في الاتفاق المقبل، على حد وصف الدكتور مازن العبودي، "سيأتي وهو يرفع لافتة أن السلطة في العراق تمارس التبعية السياسية لإيران، وهو الدافع الأكبر للدعوة لهذه المفاوض بالرفض، أما بالنسبة إلى العراق إذا أراد أن يلعب دوراً في التفاوض، عليه أن يبرئ نفسه من هذه التهمة".

ويرجّح مختصون عراقيون أن رئيس الحكومة المكلف سيواجه كل هذا الضغطوط من الطرفين، فهما يسعيان للخروج بنتائج لتحقيق مصالحهما على حساب مصالح العراق في وقت مسؤوليته المتفق عليها لمدة عام واحد لا غير، عليه أن ينجز فيه مهمتين رئيسيتين: تقديم "كابينة" وزارية يتفاوض مع الكتل السياسية بصددها لتوافق عليها وتقرّ حكومته، والتحضير لانتخابات مبكرة، وهو قَطَع، كما أكد اليوم، بأنه غير منتخب، بل منتدب لحكومة مؤقتة غير كاملة الصلاحيات.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل