Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أمهات وآباء ينتظرون مواليدهم في زمن "كورونا"... كيف يتأقلمون؟

قلق متفاقم وتقليص عدد مواعيد زيارة القابلات ومستشفيات على حافة الانهيار ومخاوف من ارتفاع حالات الإجهاض

حتى المواليد الجدد بخطر جراء كورونا وهذا المستشفى في تايلاند لا يجازف ويضع قناعا واقيا على رأس الرضيع (غيتي ) 

منذ ثمانية أشهر، بُعيد اكتشاف زهرة بنيامين أنّها حامل، أخبرتها إحدى القابلات أنّها في غمرة الحماسة التي ستحملها الأيام المقبلة، ربما تواجه كذلك أوقاتاً صعبة: أوجاع في الظهر وإرهاق شديد وفطريات مهولة.

كان ذلك في سبتمبر (أيلول) من السنة الماضية.

لم تتوقع القابلة، وهذا معقول إلى حدّ بعيد، الحادثة الوحيدة التي خلّفت لدى الأم منذ ذلك الحين شعوراً باضطراب شديد: سيارة إسعاف قدمت عند الجيران على الجانب الآخر من الطريق.

"نقلهم، وعلى وجوههم أقنعة أوكسجين، مسعفون يرتدون معدات وقاية شخصية كاملة"، تقول الأم المستقبلية البالغة من العمر 29 سنة لـ"اندبندنت توداي"، مضيفةً: "كان الأمر مروِّعاً ولكن أيضاً، علماً أني لا أريد أن أبدو أنانية، مخيفاً لأنّك تدرك أنّ ذلك الشيء الذي يقتل الناس (كورونا)، موجود هنا في شارعك".

الحمل، على الرغم من أنّه بطبيعة الحال واحد من أفراح الحياة الكبيرة، غير أنّه يأتي في أفضل الأوقات حافلاً بالخطر والهموم والمخاوف.

ولكن في عصر فيروس كورونا، يكابد الوالدان المستقبليّان مستوى من الضغط النفسي والعزلة والاضطراب، لم نشهده منذ الحرب العالمية الثانية. "لديّ شعور أنّي حملت بطفلي في عالم أكثر أماناً من العالم الذي سيوُلد فيه"، تقول زهرة من منزلها في مدينة شيفيلد البريطانية.

في نواحٍ عدّة، يجدر القول في البداية، إنّ كوفيد- 19 ليس الرعب الذي كان من الممكن أن تمثّله عدوى جديدة بالنسبة إلى الحوامل. ليست تلك النساء ولا الأطفال، كما يتّضح، عرضة بشكل خاص للإصابة بالفيروس. وفي الواقع، يبدو أنّ الصغار ضمن أكثر الفئات حصانة. ولدى الأطباء ثقة كبيرة في ذلك لدرجة أنّهم ينصحون الأمهات الجديدات المُصابات بالمرض مواصلة الرضاعة الطبيعية، إذا رغبن في ذلك.

لكن مع ذلك، أفضى وصول فيروس كورونا إلى المملكة المتحدة في يناير (كانون الثاني) الماضي إلى إرباك هائل طاول الآباء والأمهات الذين ينتظرون مواليدهم، من بينها إجراءات العزلة الذاتية القاسية وإلغاء نصف المواعيد وجهاً لوجه مع القابلات والقيود المشدّدة المفروضة حالياً في أقسام الولادة التي تعمل بأقصى طاقتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير ارتفاع في عدد المكالمات الهاتفية التي تَرِدُ إلى خط المساعدة في "إن. سي. تي" (المؤسسة الوطنيّة للولادة) في المملكة المتحدة إلى أنّ القلق يتزايد بسرعة بين الآباء والأمهات المستقبليّين، علماً أنّ ذلك في حدّ ذاته يمثّل خطراً على الحمل، في حين ثمة مخاوف أيضاً من أنّ إلزام الأمهات الجدد العزل الذاتي يحول دون تلقّيهنّ العون من الأصدقاء والعائلة، ويؤدي إلى ارتفاع خطير في ما يُعرف بـ"اكتئاب ما بعد الولادة".

للأسف، عُلم أنّ سيدة واحدة كانت مريضة في مستشفى "ويتنغتون" في شمال لندن، توفيت عند الولادة وهي تكابد عدوى كورونا.

لعله بالقدر ذاته من القلق، تخشى "إن. سي. تي" من أنّ خفض أعداد المواعيد الشخصية مع متخصِّصي الرعاية الصحية قبل الولادة، سيؤدي إلى تراجع فرص الكشف مبكراً عن مضاعفات الحمل، ما يتسبّب تالياً بإمكانات أقل للتدخّل بغية إجراء اللازم. ولا تريد الجمعيات الخيرية أو مجموعات الدعم الإشارة إلى ذلك رسمياً، ولكن، من بين متخصِّصي الرعاية الصحية الموجودين في الميدان، الذين يؤدون بأنفسهم أدواراً تنطوي على مخاطر، ثمة قلق من أنّ التباعد الاجتماعي ربما يسفر عن ارتفاع في عدد المواليد المتوفِّين وحالات الإجهاض.

في سياق متصل، تقول سارة مكمولين التي ترأس قسم "الرؤية والمشاركة" في "إن. سي. تي": "لا دليل على أن الأمور ستجري على هذا المنوال. لكن ما أودّ قوله إنّنا قلقون من عدم حصول النساء على الدعم الشخصي الذي يساعد في تشخيص المشاكل عند الضرورة. لذا، من المهم جداً أنّه في حال كانت المرأة تعاني أيّ خطب وتعتقد فعلاً أنّه ربما يمثّل مشكلة صحية ما، أن تمسك الهاتف وتصرّ على أن تخضع لفحص. إنها النصيحة الرئيسة التي نوجّهها للجميع".

في الواقع، كان ذلك ما فعلته زهرة، يرافقها شريكها ستيف وينينغ، 38 سنة.

بعدما علما أنّ موعدهما مع القابلة سيجري عبر مكالمة هاتفية، أصرّ الزوجان، ونجحا في مسعاهما، على أن يكون لقاء وجهاً لوجه، نظراً إلى تساؤل في وقت سابق عن نمو بطن الأم.

يقول ستيف: "كان لدينا ما يكفي من الثقة للمضيّ في ذلك. في النهاية، كانت الأمور كافة على ما يرام. ولكن بالنسبة إلى زوجين آخرين، ربما ما كانا ليصرّا (على رؤية القابلة شخصياً) وكان من الوارد أن يفوتهما أمر ما".

يقول الزوجان إنّهما تمكّنا حتى الآن من التعامل مع الأمور الآخذة في التغيّر بسرعة. ولمّا كان كلاهما مدرِّساً احتياطيّاً، فقد استطاعا عزل نفسيهما معاً بعد إغلاق المدارس. وإذ كان الحمل بدأ قبل الحجر بوقت طويل، فقد تمكّنا إلى حد بعيد من شراء ما يلزمهما من حاجات للزائر الجديد قبل أن تغلق المتاجر أبوابها ويغدو توصيل الطلبيات صعباً جداً.

مع ذلك، ما زال الزوجان يجدان نفسيهما في مواجهة أمور مجهولة كثيرة، لا سيما بعد الولادة المقرّرة في أواخر أبريل (نيسان) الحالي.

تقول زهرة: "حاضراً، لا تتوفّر جلسات لتعليم الرضاعة الطبيعية أو مجموعات دعم. كانت والدتي ستزورنا وتبقى معنا، لكن لا يسعها ذلك في هذه الظروف، شأن شقيقاتي. أن لا تتمكّن أمي من رؤية حفيدها طوال أشهر ربما، هو أمر غير منطقي بكل المقاييس. إنّها تجربتي الأولى مع هذا الكائن الصغير، لذا لسان حالي إلى حدً ما يا إلهي، هل سأجيد الاعتناء بك (أيّها الصغير)؟".

ولكن، بعد ذلك، تذكر أنّ النساء لطالما كنّ يلدن بمفردهن منذ القدم. "لذا أقول لنفسي إنّ كل شيء سيكون رائعاً، فصحيح أنّ هذه ليست الأشهر القليلة الأولى التي كنّا نريدها، بيد أنّ علينا أن نتكيّف مع الواقع فحسب".

وتعتري المشاعر ذاتها ماري لويز، التي تختبر كذلك الأمومة للمرة الأولى، وهي تعمل قابلة في مقاطعة إسيكس، قرب العاصمة لندن.

تقول المرأة البالغة من العمر 28 سنة، التي ستلد طفلها في أغسطس (آب) المقبل، إنّها قامت بأمرَيْن رئيسَيْن في أثناء تطوِّر حملها: حدّت من نسبة الأخبار اليومية التي تسمعها وأنشأت ما تسمِّيه "قبيلة رقمية".

الهدف من تقليص نسبة سماع الأخبار هو تجنّب توترات الحياة في ظل جائحة. تقول: "لم يتصوَّر أيّ منّا أن تكون هذه المرحلة من حياتنا على هذا النحو. لكن لا يجدي نفعاً الشعور بالتوتر من أمر لا يمكن السيطرة عليه". وتشير إلى أنّ مثل هذه المخاوف إذا تُرك على غاربه، قد يؤثِّر سلباً في الحمل نفسه.

وتضيف لويز: "لذا، أودّ أن أقول للأمهات الحوامل الآخريات ألّا يتخلّفن عن مواكبة المشورة الطبية، وكيفيّة الحفاظ على سلامتهنّ وأطفالهنّ. لكن لا تَدَعْنَ الأخبار تستحوذ على تفكيركنّ. لينصبّ تركيزكنّ على ما يمكنكنّ القيام به للحفاظ على صحتكنّ". أمّا "القبيلة الرقميّة"، تقول لويز، فطريقة مؤقتة لإحاطة نفسها بالدعم، ولو عن بعد.

الشهر الماضي، أصدرت ماري لويز كتابها عن الحمل بعنوان "دليل القابلة القانونية الحديث للحمل والولادة وما بعدهما" The Modern Midwife’s Guide to Pregnancy, Birth and Beyond,. تقول في هذا الشأن "أن لا يتمكّن أصدقائي وعائلتي من زيارتي للمساعدة، لا يعني أنّهم لا يستطيعون الوقوف إلى جانبي وتقديم الدعم. في مقدورنا التأكد من أنّ كاميرات الويب متوفِّرة لدى الأهل، أو إنشاء مجموعة "واتساب" من الأصدقاء المقربين... افعلي ما يناسبك".

إنّها النصيحة الرئيسة نفسها التي تقدّمها أيضاً "إن. سي. تي" و"إن. آتش. أس" (هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية). وتشير تقديرات إلى أنّ واحدة من كل أربع نساء تواجه اكتئاب ما بعد الولادة، ويُتوقع أن يرتفع المعدّل على نطاق واسع خلال الحجر، تزامناً مع إلغاء شبكات الدعم تلك، من الناحية المادية أقلّه. لذا، تُعتبر محاولة التخفيف من تأثير العزلة خطوة أساسيّة، سواء عبر التواصل مع الجمعيات الخيرية المتخصِّصة، أو ممارسة تمارين التوازن الجسدي والتأمل والتنفس، أو استخدام وسائل أخرى على شبكة الإنترنت.

بالنسبة إلى ماري شخصيّاً، كان الأمر الأكثر صعوبة حتى الآن الخضوع لفحوص الأسبوع العشرين من الحمل من دون رفقة شريكها آندي غود، وهو سائق سيارة أجرة أسود يبلغ من العمر 30 سنة، وذلك من جراء القيود المفروضة على زوّار المستشفيات. تتذكّر التجربة، قائلةً: "كان مستاء جداً. لا ريب أنّه أراد أن يكون معي، لكنّنا ندرك الأوقات الاستثنائية التي نمرّ بها".

تعترف ماري أنّه كان من الصعب أن تكون هناك بمفردها في حال واجهتها أخبار سيئة. تقول: "ثمة نساء سيجدن أنفسهن في ذلك الوضع، وسيكون بالغ الصعوبة".

ألّا يكون أحد إلى جانبك، لا سيما في وقت المخاض، أمر يقضّ مضجع ستف باورز. سبق أن وضعت غالبية المستشفيات تدابير تسمح بوجود شخص واحد فقط عند الولادة. لكن بالنسبة إلى ستف، وهي مدرِّسة، فسيناريو الكابوس الذي يتبادر إلى ذهنها مفاده بأن تظهر لدى شريكها إيان بريان، الذي يعمل في مجال التمويل، أعراض "كوفيد- 19"، ويضطر إلى البقاء في عزلة ذاتية، فلا يكون إلى جانبها لحظة الولادة.

وتقول المرأة البالغة من العمر 33 سنة: "لا يوجد سبب لأن نكون عرضة لذلك أكثر من الآخرين. في الواقع، لأنّه (إيان) قادر على العمل من المنزل، نحن محظوظان جداً. ولكنّ أمراً واحداً يقلقني، ماذا لو كان عليّ أن ألد طفلي في غرفة مليئة بغرباء يرتدون أقنعة؟".

ليس ذلك وارداً، كما طمأنها إيان. ويضيف الشاب البالغ من العمر 31 سنة: "سأنهار إذا حدث ذلك".

يقول الزوجان، من سال في مانشستر الكبرى، أنّ الحمل كان لا يشبه أيّ أمر كانا ليتخيّلاه.

تذكر ستف: "عندما بدأ ظهوره (الفيروس) للمرة الأولى، أتذكّر أنّني كنت منزعجة لأنّنا ربما لن نقيم حفلة استقبال للطفل، أو غيرها من أمور سخيفة. لكن سرعان ما بدت فكرة القلق بشأن ذلك تافهة. أصبحت الأولويّة الحفاظ على الرشاقة والصحة فحسب. ومن هذه الناحية كان الحجر جيداً. وحملنا على إدراك ما كنّا نمرّ به".

وخطَّط الزوجان للاستفادة من الأسابيع القليلة الأخيرة من الحمل في تمضية وقت ممتع معاً، تناول الطعام في الخارج، والقيام برحلات يومية... أمور من هذا القبيل، قبل أن يأتي المولود الجديد. تقول ستف: "حسناً، نحن نمضي الوقت معاً، لكن في المنزل فحسب".

يُحتمل أن يصل الطفل، المقرَّرة ولادته في نهاية مايو (أيار) المقبل، تزامناً مع رفع قيود الحجر تقريباً. تقول ستف: "لكنني ما زلتُ غير متأكّدة من أنّني سأرغب في أن يحضن أناس كثيرون طفلي. لا حيلة في يدي، سيدفعني ذلك إلى الانهيار".

ويطرح الأزواج الثلاثة جميعهم وجهة النظر التالية. بالنسبة إليهم، مثلنا جميعاً على الأرجح، لن يؤدي إنهاء الحجر إلى زوال مخاوفهم ولا إلى استئناف الحياة الطبيعية كذلك.

مع ذلك، بالعودة إلى زهرة وستيف، نجدهما حريصَيْن على أن تبلغ الأمور خواتيمها بصورة إيجابية. يقول ستيف: "تكمن ميزة إنجاب طفل في خضمّ جائحة في أنّه سيجعل إنجاب طفل ثانٍ أمراً بالغ السهولة".

توافقه زهرة، مضيفةً: "وطفل ثالث... ورابع".

© The Independent

المزيد من دوليات