Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سوريون يعثرون على كنزٍ لا يقدّر بثمن في صندوق خشبيّ

تكلّلت عملية البحث بالعثور على ما يزيد على 150 قطعة من الدمى الفريدة التي لا تقدّر بثمنٍ لمسرح "كراكوز وعيواظ" تكشف معها تنوّع شخصيات مسرح الظل

الشابة السورية سونا مكتشفة الصندوق الخشبي (اندبندنت عربية)

احتفى السوريون بالعثور على كنزٍ لا يقدّر بثمنٍ على يد شابةٍ سورية أرمنية حضرت من الولايات المتحدة لتنقّب في بيت عائلتها القديم الكائن في مدينة حلب القديمة، شمال سوريا، وهو عبارةٌ عن صندوق خشبيّ، حمله جدها الشاب الأرمني أبكر كناجيان، مواليد العام 1895 هارباً من المذابح التي كادت تصل إلى مدينته أورفا في العام 1915.

شخصيات مسرح الدمى

تقدّم هذه الدمى بعد اكتشافها إلى الباحثين في مجال التراث السوريّ والعربيّ في المنطقة، مادة غنية للاستكشاف والتدقيق مجدداً عن أصل شخصيات مسرح الدمى، وتُطرح مع هذا الاكتشاف نظريات عدة تفيد بتعدد الشخصيات الموجودة التي ضمت 150 شخصية، وهو فن شعبيّ انتقل إلى الشرق الأوسط من دولٍ مثل الصين والهند، واشتهر به العصر المملوكي على وجه الخصوص.

كراكوز وعيواظ

هناك عديد من التساؤلات والاستفسارات عن أصل شخصيات "كراكوز وعيواظ"، صاحبي الشهرة الواسعة، إذ ارتبطت الشخصيتان بمسرح الدمى، فالقطع المكتشفة تشي بوجود شخصيات إضافية ومتعددة كانت في يوم من الأيام أبطالاً لهذا المسرح، الذي لم يقتصر على "كراكوز وعيواظ" وحدهما.

خفايا الصندوق وكنز الدمى

بعد وصولها إلى حلب آتية من أميركا، توجهت الشابة السورية الأرمنية سونا تاتويان، لكشف النقاب عن كنز تراثيّ لا يقدر بثمن، وهو صندوقٌ مليءٌ بالدمى يعود لأجدادها، ويبدو من خلال هذا الاكتشاف أن سوريا ستوثقه في خانة التراث السوري، مع تسجيله في منظمة اليونيسكو على لائحة التراث العالمي. علماً أن جدّ الشابة وهو أبكر، كان من أهم صانعي دمى مسرح "كراكوز وعيواظ" في المنطقة، والتي صنعها  (الدمى) من جلد الجمل الذي يعالج حتى يصل إلى مرحلة الشفافية للضوء، ثم يقصّ على شكل رجال ونساء وحيوانات، ويلوّن بألوان طبيعية يدوياً.

وحافظت العائلة على هذه الدمى لتظل دفينة إلى أن ظهرت للنور أخيراً.

مسارح خيال الظل

"كراكوز وعيواظ" هما شخصيتان في مسارح خيال الظل، يعود أصلهما إلى العصر العثماني وانتشرا في مُعظم مناطق الإمبراطورية، وموضوع الشخصية الرئيسة للمسرحية هي التفاعل المتناقض بين الشخصيتين الرئيستين، إذ "كراكوز" شخصية أُمّيّة لكنه صريح، أما "عيواظ" فشخصية مثقّفة تستخدم الشعر والأدب. وكان خيالو الظل يعرضون فصولهم أو "باباتهم" دفعة واحدة في المقاهي، أمام طاولة خشبية، في حضور كبار السن الذين يدخنون النرجيلة ويتحرّقون شوقاً إلى تلك الستارة السحرية.

البديل الوحيد من السينما

تتميّز هذه الدمى بوجود مفاصل محرّكة لها بعد تعليقها بعصيٍ خشبية لتقدم عروضاً مسرحية كانت البديل الوحيد من السينما، ولاحقاً التلفزيون اللذين لم يكونا قد اخترعا بعد، علماً أن في العالم أجمع مجموعات منها لا تتجاوز عدد الأصابع.

تكلّلت عملية البحث بالعثور على الصندوق الخشبي، وفيه ما يزيد عن المئة والخمسين قطعة سليمة تماماً ولا تقدر بثمن، وتشكل مؤشراً إلى أن سوريا عرفت مسرح "كراكوز وعيواظ"، مع تنوّع شخصياته وفق حديث المؤرخ والباحث علاء السيد الذي يقول "إن هذه المجموعة تدفعنا إلى إعادة النظر بالعديد من القراءات عن أصل مسرح الظل".

يوضح أن الفكرة السابقة عن هذا المسرح وفق الدراسات القديمة التاريخية كانت مؤلفة من أربع أو خمس شخصيات، وأن عدد مسرحياته محدود باثني عشر نصاً مسرحياً شعبياً فقط، ويضيف أن لديه مجموعته الشخصية النادرة من هذه المسرحيات المسجلة بالصوت الأصلي للخليلاتي الحلبي محمد الشيخ والتي تعود للعام 1915، وهي اثني عشر تسجيلاً.

قصة "أبكر" ومسرح "كراكوز"

للصندوق الخشبي، ووصوله إلى مدينة حلب، حكاية مؤلمة وفي الوقت نفسه تضحية من الشاب الأرمني الذي فضل أن يخرج هو وعائلته من مدينة أورفا هرباً من المذابح بحق الأرمن في ذلك الوقت.

فهو لم يحمل معه سوى هذه المجموعة الكاملة من الدمى، ويردف المؤرخ السيد، بأن الأرمني أبكر كناجيان، كان همّه أن يُهرّب موجودات صندوقه كلها وينقذ زوجته وأطفاله من الموت ذبحاً، علماً أن غيره حمل مصوغاً ذهبياً ليساعده على المعيشة بعدما فقد كل ما يملك.

حفظ أسرة "أبكر" للصندوق

كانت أورفا جزءاً من سوريا وتابعة لحلب، لذا أصبحت مدينة حلب ملجأ الهاربين من المذبحة.

حافظت أسرة أبكر على الصندوق مغلقاً في مكان أمين توارثته أباً عن جد.

وفق الباحث السيد، حين سأل الشابة سونا، التي تحمل جنسيات عدة منها الأرمنية والأميركية، وتقيم في الولايات المتحدة، هل تعتبرين تراث "كراكوز وعيواظ" الذي حفظه جدك "أبكر" أرمنياً؟ كان جوابها "نحن سوريون".

عندما توفي أبكر حوالي العام 1940 أصبح الصندوق في عهدة ابنه أرتين، وعندما أنجب أرتين أكبر أبنائه بيدروس انتقل إليه وإلى بيدروس، هو بكر (أبو أرتين) صاحب مطعم وفندق أبو أرتين في جبل أريحا شمال سوريا، هذا المطعم الذي اشتهر عالمياً بتقديمه وجبة "اللحمة بكرز" الفريدة من نوعها، وهي من المأكولات الشعبية التي اشتهر بصنعاتها أهالي حلب.

بعد وفاة أبو أرتين حمل ابنه الأكبر أرتين أمانة المطعم ومعها صندوق جده "أبكر"، وبعد تدمير المطعم والفندق في أريحا هاجر أفراد العائلة وقبع الصندوق بانتظار من يعيده إلى الحياة.

"البابات" ومسرح خيال الظل

تشير الدراسات التاريخية في تراث مسرح الظل أن ابن دانيال، الذي قدم من الموصل إلى القاهرة في عهد السلطان الظاهر بيبرس المملوكي، في العام 1267 كتبَ ما يسمى "البابات" وطوّر مسرح خيال الظل، وتفوّق في التمثيل، كما بقيت بعض الدمى من بينها واحدة محفوظة في القسم الإسلامي في متحف برلين.

كانت لابن دانيال شخصيات ذات أسماء طريفة مثل عجيب الدين الواعظ وعسلية المعاجيني ومبارك الفيال وأبو القطط وزغبر الكلبي وناتو السوداني وأبو العجب صاحب الجدي.

الكثير من الروايات تدور حول مسرح الظل وانتقاله إلى الشرق الأوسط، إذ أعجب العثمانيون بخيال الظل ونقلوا العديد من فنانيه من القاهرة إلى إسطنبول لإقامة عروضهم هناك، لكن العروض استمرت فترة طويلة في العالم العربي حتى بدايات القرن العشرين. وارتبط فن خيال الظل في مصر خلال القرنين التاسع عشر والعشرين بأسماء حسن القشاش والشيخ سعود والشيخ علي النحلة.

المزيد من ثقافة