تمكّن وزراء مالية دول الاتحاد الأوروبي، مساء أمس، من التوصل إلى خطة إنقاذ لاقتصاد بلادهم المهددة بوباء فيروس كورونا، بعد فشلهم في التوافق خلال وقت سابق هذا الأسبوع. ويشكل الحل الجديد مصدر ارتياح للأوروبيين بعد أسبوع من مماطلة، أظهرت عمق الهوة بين دول الجنوب والشمال، خصوصاً هولندا التي لا تبدي عادة ليونة في مثل هذا المباحثات.
ورحب وزير المالية الفرنسي برونو لومير بالاتفاق الذي وصفه بـ"الممتاز". أما نظيره الألماني أولاف شولتز، فقد حيّا "يوماً مهماً للتضامن الأوروبي". وأشادت رئيسة البنك الأوروبي المركزي كريستين لاغارد بـ"اتفاق مبتكر".
ولفت رئيس مجموعة اليورو، التي تضم وزراء مالية منطقة اليورو ماريو سينتينو، إلى "أننا اليوم استجبنا لدعوات مواطنينا لصالح أوروبا. تؤمّن الحماية عبر مقترحات جريئة كانت تبدو قبل أسابيع فقط غير معقولة".
وبمواجهة التداعيات الاقتصادية للوباء، يتركز الرد الأوروبي على ثلاثة محاور أساسية؛ تمويل بقيمة 240 مليار يورو كقروض من آلية الاستقرار الأوروبية، أي صناديق الإنقاذ في منطقة اليورو، وإنشاء صندوق ضمان بقيمة 200 مليار يورو للشركات، وتوفير 100 مليار يورو دعماً للبطالة الجزئية.
خطة مثيرة للجدل
وتم صرف النظر عن مناقشة قضية "كورونا بوند"، أو سندات كورونا المثيرة للجدل، وهي خطة إقراض مشتركة تطالب بها دول الجنوب، خصوصاً فرنسا وإيطاليا وإسبانيا لدعم الاقتصاد على المدى الطويل حتى بعد الأزمة.
وتضمن نص الاتفاق الأخير بالمقابل "صندوق إنعاش مستقبلياً"، سيُجرى تحديد "جوانبه القانونية والعملية" لا سيما "تمويله" في وقت لاحق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودافع وزير المالية الفرنسي، مساء أمس، عن تمويل "بنحو 500 مليار يورو"، مخصص لـ"تكاليف المستقبل" و"محدود الوقت" لكن يسمح بإصدار دين مشترك لأن "هذا هو الحل الوحيد".
في هذه الأثناء، عارض نظيراه الألماني والهولندي بشدة أي تقاسم للديون، رافضيَن أن تنضم دولتاهما إلى آلية مشتركة مع دول الجنوب، ذات الديون الكبيرة والمتراخية في إدارتها بحسب هولندا وألمانيا. وينتظر الآن أن يقر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي الذين فشلوا أيضاً في الاتفاق خلال قمة 26 مارس (آذار)، تلك المقترحات.
الاستجابة الضرورية
وتبدو الاستجابة الموحدة للأزمة ضرورية أكثر من أي وقت مضى للاقتصاد الأوروبي، الذي يتجه في 2020 نحو ركود عميق. ويعتبر صندوق النقد الدولي أن أزمة فيروس كورونا قد تؤدي على المستوى العالمي إلى "نتائج اقتصادية أسوأ من نتائج الكساد الكبير عام 1929".
وبعد مفاوضات عقيمة، تكثفت الاتصالات الثنائية لمحاولة تخفيف حدة موقف هولندا، التي تعرّض للانتقاد بالإجماع، الأربعاء الماضي، لتصلب موقفها المانع للتوصل إلى اتفاق.
وتنتقد الدول الأعضاء هولندا لعرقلتها تفعيل الآلية الأوروبية للاستقرار التي أنشئت عام 2012 خلال أزمة الديون، وهي ممولة من الدول الأعضاء، وتشترط من أجل تقديم القروض للدول المعنية إصلاحات اقتصادية فيها.
ووُضع هذا الشرط في فترة كانت فيها اليونان مجبرة على القيام بإصلاحات صعبة مقابل النقد، لكن تطبيقه قد يعد مهيناً لإيطاليا وإسبانيا، الأكثر تضرراً من الوباء في أوروبا.
غير أن الاتفاق الأخير نصّ على أن القروض في هذه الحالة، التي يمكن أن تتساوى حتى 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد المعني، يمكن أن تستخدم دون شرط مسبق لدفع تكاليف صحية ووقائية مرتبطة بفيروس كورونا.
واعتبر وزير المالية الهولندي فوبكه هوكسترا، هذا الإصلاح "عادلاً ومنطقياً"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن "دعماً اقتصادياً" عبر هذه الآلية لا يتعلق بتكاليف صحية سيبقى "خاضعاً لبعض الشروط".
من جهته، رحب وزير الاقتصاد الإيطالي روبيرتو غوالتييري، "بوضع سندات اليورو التي باتت على الطاولة، في حين سحبت شروط الآلية الأوروبية للاستقرار. سنقدم أمام المجلس الأوروبي مقترحاً طموحاً".
ولم يكن هناك من خلافات تذكر بشأن المحورين الأخيرين للرد الأوروبي بشأن الأزمة. ويمكن لصندوق ضمان من البنك الأوروبي أن يحرك حتى 200 مليار يورو لدعم الشركات، بينما ضمنت المفوضية الأوروبية مبلغاً أقصاه 100 مليار يورو لدعم الخطط الوطنية لإدارة البطالة الجزئية.