Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ستنجو الأمم المتحدة من كورونا؟

الولايات المتحدة والصين فشلتا في قيادة المنظمة الدولية لمواجهة الوباء

أنطونيو غوتيريش يعترف أن التهديد الذي يمثله كورونا على السلم والأمن الدوليين هائل (أ.ف.ب)

وسط تراشق الاتهامات بين الولايات المتحدة والصين، وتحميل الرئيس الأميركي دونالد ترمب منظمة الصحة العالمية جزءاً من مسؤولية تفشي كورونا، ومع فشل واشنطن وبكين في قيادة العالم لمواجهة الوباء العالمي، تكافح الأمم المتحدة لتحديد دور لها في مواجهة ما قد يكون أكبر خطر يواجه المنظمة الدولية منذ تأسيسها، إذ اعترف الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش في أول اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول الوباء، بأن التهديد الذي يمثله على السلم والأمن الدوليين هائل، وأنه قد يؤدي إلى عنف وتوتر اجتماعي يقوض القدرة على مواجهة الوباء، ولهذا ناشد الجميع الوحدة وعدم الاختلاف.

غير أن عدم نجاح أي طرف حتى الآن في تنسيق الجهود الدولية في مواجهة كورونا مثلما حدث في الماضي حين تضافرت الجهود الدولية في مواجهة مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) ومرض "إيبولا" القاتل، عزّز من المخاوف بشأن إمكانية تحقيق اختراق بعد أشهر من اجتياح كورونا 200 بلد حول العالم وإصابة 1.5 مليون شخص، توفي منهم أكثر من 95 ألفاً حتى الآن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 وفي غياب دور أميركي حاسم وضاغط في ظل الأزمة التي تضرب الولايات المتحدة، يسعى الأمين العام للمنظمة الدولية وعدد من الدول إلى ملء الفراغ الحالي في قيادة المنظمة في الوقت الذي سيكون العالم في وضع أسوأ إذا عاد فيروس كورونا ليضرب ضربته الثانية مع حلول الخريف المقبل كما يشير بعض التوقعات، عندها قد تكون الأمم المتحدة قد فقدت الهدف الذي أُسست من أجله، ما لم تتضافر الجهود وتنته الانقسامات بين الدول الكبرى في العالم.

جهود ملء الفراغ

وعلى الرغم من ارتفاع عدد الإصابات التي ضربت الولايات المتحدة حتى صارت أكبر دولة تعاني من إصابات كورونا، إلا أن الدور القيادي الأميركي لم يتحرك داخل الأمم المتحدة لمحاربة هذا الوباء، وهو ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أسابيع إلى التدخل وطلب عقد قمة عبر تقنية الفيديو لزعماء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بهدف تنسيق خطط مشتركة لمنع الفيروس من تأجيج صراع أكبر.

ولم تكن المبادرة الفرنسية إلى اعتماد قرار يدعو إلى وقف القتال في مناطق الصراعات، سوى واحدة من جهود متعددة لملء الفراغ السياسي الذي خلفته إدارة أميركية بدت منهكة ومنشغلة عن القيام بدورها التقليدي كقائد ومُنظم لشؤون العالم، لكن مبادرة ماكرون تجمدت أياماً عدة، بسبب النزاع الذي اندلع بين الولايات المتحدة والصين حول من يتحمل مسؤولية انتشار الأمراض الفتاكة منذ حوالى قرن، لكن ماكرون صاغ المبادرة في مشروع قرار تجري مناقشته الآن في مجلس الأمن ويدعو إلى وقف إطلاق النار على أسس إنسانية.

عجز أممي

غير أن دبلوماسيين في الأمم المتحدة يقولون إن المشروع الفرنسي الذي يدعم دعوة أطلقها غوتيريش قبل أيام، لا يستطيع أن يتعامل مع الفيروس وانتشاره عالمياً أو العمل على تخفيف الانعكاسات الاقتصادية الخطيرة للوباء على العالم، وأن كل ما بوسع مجلس الأمن أن يفعله هو التعبير عن الوحدة في مواجهة أزمة كورونا العالمية.

ومنذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا وباء في 11 مارس (آذار)، تنافست شخصيات دولية مثل الأمين العام للأمم المتحدة وقادة من الصين وإستونيا وتونس وفرنسا وروسيا، في طرح سلسلة من الخطط لمعالجة الأزمة الصحية، كما طرحت تونس وثماني دول أخرى من غير الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن، مشروع قرار آخر للحد من تأثير كورونا، ووقف إطلاق نار عالمي وتقديم مساعدات فنية وتكنولوجية وتدريبية، غير أن هذا المشروع لا يتمتع، بحسب مراقبين، بفرصة جيدة لإقراره في مجلس الأمن طالما لم تتغلب واشنطن وبكين على خلافاتهما.

بين واشنطن وبكين

ومع مواجهة المشروع الفرنسي والتونسي بمقاومة شديدة أو بنوع من اللامبالاة، طفت على السطح تساؤلات حول قدرة الأمم المتحدة على العمل بفعالية في وجود قوة عظمى أميركية غير راغبة، وربما غير قادرة، على توجيه العالم والمرور به من كارثة صحية خطيرة، أو العمل مع قوة صينية صاعدة من أجل تشكيل استجابة دولية متضافرة ضد الوباء الذي بدأ على أراضيها.

ويقول ريتشارد جوان، ممثل الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، إن الأزمة كشفت أنه لا الصين ولا الولايات المتحدة على استعداد لقيادة النظام الأممي، وبدت الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ممزقة للغاية، لدرجة أن الرئيس ماكرون كافح كثيراً من أجل توحيدها، فقد انصب تركيز الأميركيين على تحميل بكين مسؤولية انتشار الفيروس حول العالم ووصوله إلى أراضي الولايات المتحدة بدلاً من وضع خطة عالمية للتصدي للمشكلة، كما أن الصينيين فشلوا أيضاً في تقديم رؤية مقنعة حول كيفية التعامل مع الأزمة، وكان جلّ اهتمامهم الدفاع عن سمعتهم ضد الاتهامات الأميركية.

انقسامات داخلية

الديمقراطيون في الكونجرس الأميركي انتهزوا الفرصة لتوجيه انتقادات إلى الإدارة الأميركية، ووجه السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، خطاباً إلى كيلي نايت ممثلة الولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية، ليعبّر عن استيائه من غياب دور أميركي قائد في مجلس الأمن يماثل الدور الذي مارسته الولايات المتحدة تاريخياً لتنظيم وتحديد الأولويات وتوحيد المواقف الدولية المتباينة لتجنب السيناريو الأسوأ، كما اعتبر السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي أنه لا توجد وسيلة لحماية الأميركيين من فيروس كورونا اليوم، أو عودة ظهوره في الخريف، إذا لم يكن هناك تعاون عالمي.

غير أن الرئيس ترمب وجه انتقادات مباشرة، الأسبوع الماضي، إلى منظمة الصحة العالمية، التي قال إنها قدمت توصية خاطئة للولايات المتحدة بإبقاء الحدود مفتوحة مع الصين، كما غرد السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، رئيس اللجنة الفرعية لمخصصات العمليات الخارجية بمجلس الشيوخ، على تويتر قائلاً إنه لن يدعم استمرار المساعدة الأميركية لـمنظمة الصحة العالمية.

وبينما ينظر مراقبون إلى تصريحات ترمب باعتبارها تبحث عن كبش فداء، إلا أن هناك اتفاقاً بينهم على أن الصين ومنظمة الصحة العالمية تستحقان الانتقاد لدورهما في انتشار وباء كورونا، وإن كان ذلك ينسجم مع السياسات المحلية الأميركية واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

مقاومة صينية

وفي الأسابيع التي أعقبت تفشي كورونا، تصدى مجلس الأمن للتحدي المتمثل في إدارة مجموعة من الأزمات الأمنية العالمية في وقت كان الفيروس يجد طريقه إلى مقر الأمم المتحدة، ما أجبر موظفي الأمم المتحدة والدبلوماسيين على العمل من المنزل، ومع انقسام القوى الكبرى، تقدمت إستونيا، وهي واحدة من 10 أعضاء غير الدائمة في مجلس الأمن، واقترحت على المجلس إصدار بيان يقول إن الوباء قد يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وطالبت بزيادة التعاون الدولي في مواجهة تفشي الفيروس.

غير أن مبادرة إستونيا أحبطتها جنوب أفريقيا، التي اعتبرت أن الفيروس لا يمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وبالتالي فهو ليس من مهام مجلس الأمن، الأمر الذي دعمته الصين، قائلة في رسالة إلكترونية وجهتها إلى أعضاء مجلس الأمن أن منظمة الصحة العالمية هي المعنية بالاستجابة الدولية لهذا الفيروس.

كيف فشلت جهود ماكرون؟

وللتغلب على مقاومة الصين لاستصدار قرار أممي حول الوباء، فتحت فرنسا خلف الأبواب المغلقة، مفاوضات منفصلة مع الأعضاء الأربعة الأخرى التي تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن وهي بريطانيا والصين وروسيا والولايات المتحدة بغرض تأمين الدعم لقرار من مجلس الأمن يدعو إلى تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار وجهود السلام في عدد من البلدان حول العالم خلال أزمة تفشي الفيروس حول العالم، لكن المفاوضات تعثرت بعد أن أصرّ المفاوضون الأميركيون، على أن يشمل القرار توضيحاً أن الوباء بدأ في الصين، واقترحوا تسميته "فيروس ووهان".

وبينما واصل ماكرون الضغط على قادة الدول الخمس الكبرى للمشاركة في قمة عبر الفيديو لتحديد سياسة مواجهة الوباء في الأمم المتحدة، انسحب المسؤولون الصينيون قائلين إنهم لا يستطيعون الاتفاق على موعد لمثل هذا الاجتماع وفقاً لما نشرته بعض الصحف الأميركية، ومع نقل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى غرفة العناية المركزة في لندن، قرر الفرنسيون التراجع.

دعوة غوتيريش

وفي غياب وحدة مواقف مجلس الأمن، سعى الأمين العام للأمم المتحدة إلى ملء الفراغ، ودعا في 23 مارس إلى وقف إطلاق النار في مناطق الصراع حول العالم عبر مبادرة شعبية لم يقرها مجلس الأمن، وأصدر نداء بتخصيص ملياري دولار بهدف حماية الدول الأكثر تعرضاً لمخاطر الفيروس في العالم.

وفي الثاني من أبريل (نيسان)، حصلت مجموعة من ستة بلدان، وهي سويسرا وإندونيسيا وغانا وليختنشتاين والنرويج وسنغافورة، على دعم بالإجماع على تمرير قرار غير ملزم في الجمعية العامة التي تضم 193 عضواً، ودعت إلى تعاون دولي مكثف لاحتواء وهزيمة كورونا، بينما لم يتم إقرار مشروع روسي منافس دعا إلى إنهاء فرض العقوبات من دون تفويض من مجلس الأمن.

تحديات مستقبلية

ومع استمرار النقاش في مجلس الأمن حول المشروعين الفرنسي والتونسي، يتجدد بعض الأمل في تهدئة الخلافات بين الصين والولايات المتحدة، ولكن حتى إذا نجحت بكين وواشنطن في تجاوز خلافاتهما، فإن انقساماً آخر ينتظرهما حول الخطة الدولية للتعافي من الآثار الاقتصادية لأزمة كورونا، إذ ستطلب الدول الفقيرة والنامية تخصيص مساعدات ضخمة جداً لتعويض خسائرها، بينما لن تكون الولايات المتحدة والجهات المانحة الأخرى قادرة على توفير هذه المساعدات النقدية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل