قريباً، سيتعلّم الرئيس ترمب وأعضاء مجلس الشيوخ ورؤساء شركات النفط الصخري درساً سيذكره التاريخ: ضَربَ فيروس كورونا شركات النفط الأميركية، وكما فعل بالبشر، فإنه سيقتل بعضها، ويضعف الأخرى. ما حصل من تخفيض لأسعار النفط هو تحصيل حاصل، وسواء خفّضت السعودية أسعارها الرسمية أم لا، وسواء زادت إنتاجها أم لا، فإن أسعار النفط كانت ستنخفض إلى المستويات الحالية أو قريب منها على كل الأحوال.
ما قامت به السعودية من تخفيض للأسعار ورفع للإنتاج سرّع عملية هبوط الأسعار في البداية، ولكن النهاية واحدة: أدى عزل دول ومدن، ووقف حركة المطارات والسياحة وتباطؤ التجارة، إلى تخفيض الطلب على النفط بشكل لا يمكن لأي خبير أن يتصوّره منذ ثلاثة أشهر. ولو توقّع خبير في نهاية العام الماضي هبوط الطلب على النفط بمقدار 20 مليون برميل يومياً لاتُّهم بالجنون، ولربما طُرد من عمله. لهذا أخطأ القادة الأميركيون في لوم السعودية وتهديدها والضغط عليها، لأن مشكلة صناعة النفط في مارس (آذار) الماضي هي انهيار الطلب على النفط بأكثر من 20 مليون برميل يومياً، وليس "الوعد" بزيادة الإمدادات بمقدار 2.5 مليون برميل يومياً فقط.
والأمر الذي لم يدركه الرئيس ترمب وأعضاء مجلس الشيوخ من الولايات النفطيّة أن صناعة النفط الصخري الأميركية كانت تعاني قبل كورونا وقبل زيادة السعودية للإنتاج. وسبب تلك المعاناة هو أن نسبة إنتاج الغاز الطبيعي والغازات السائلة في آبار النفط الصخري عالية. ومع زيادة إنتاج النفط، زاد إنتاج هاتين المادتين بشكل كبير، فانهارت أسعارها لدرجة أن الغاز الطبيعي بِيع أحياناً بأسعار سالبة. ومع انخفاض أسعار الغاز والغازات السائلة، فإن الكمية الباقية من النفط لا تكفي لتحقيق أرباح مجزية. لهذا فإن أي حظر للواردات من السعودية وروسيا وغيرها لن ينفع صناعة النفط الصخري، لأن المشكلة هي الغاز والغازات السائلة، وليس النفط.
والأمر الذي لم يدركه الرئيس ترمب وأعضاء مجلس الشيوخ من الولايات النفطية أن النفط المنتج، وهو الكمية المتبقية بعد عزل الغاز والغازات السائلة، هو من النوع الخفيف الحلو والخفيف جداً والمكثفات. ولم يدركوا أن كل الزيادة في الشهور الأخيرة في حقول تكساس بالذات كانت من النوع الخفيف جداً.
ونظراً لأن المصافي الأميركية لم يعد باستطاعتها أخذ المزيد من هذا النفط، فإنه يجب أن يصدّر، بينما تستورد المصافي الأميركية الأنواع الأثقل والأحمض من دول أخرى، بما فيها السعودية وروسيا. المشكلة أن انخفاض الأسعار أدى إلى إغلاق بعض عمليات الرمال النفطية وعدد كبير من آبار النفط الكندية. هذا يعني أن واردات النفط الأميركية من النفط الثقيل من كندا انخفضت. وهنا الأمر الذي لم ينتبه له ترمب وغيره ممن اقترحوا فرض صرائب على واردات النفط من السعودية وروسيا، أو وقف هذه الواردات تماماً: هناك مصافٍ أميركية ستتوقف تماماً عن العمل، وقد يؤدي هذا إلى أزمة في المحروقات، بخاصة الديزل، الأمر الذي سيعرقل العودة إلى الحياة الطبيعية مع انتهاء أزمة كورونا.
تخفيض الإنتاج
ما سبق يؤدي إلى نتيجة مهمة، وهي أن أي تخفيض للإنتاج لن يسهم حالياً في استقرار أسواق النفط، ولن يسهم في رفع أسعاره إلى مستويات تنقذ صناعة النفط الصخري الأميركية. وفي الوقت الذي تجاهل فيه الساسة الأميركيون هذه الحقيقة، أدركتها كبرى شركات النفط، وأدركها معهد النفط الأميركي، والذي يعتبر "لوبي" الصناعة في واشنطن. لهذا طالبت هذه الشركات والمعهد إدارة الرئيس ترمب بعدم التدخل، وعدم الضغط على الدول المنتجة للنفط. فأي تخفيض، حتى لو كان 15 مليون برميل يومياً، لا يكفي في وجه انخفاض الطلب على النفط بأكثر من 20 مليون برميل يومياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فإذا قررت أوبك، وأوبك+، والدول التي تشارك للمرة الأولى، بما فيها الولايات المتحدة وكندا، وربما البرازيل، تخفيض الإنتاج بـ10 ملايين برميل يومياً كما أشيع، فإن هذا القرار لن يغيّر من وضع الأسواق في المدى القريب لأن الانخفاض في الطلب أعلى من ذلك بكثير، ولأن كميات التخفيض، أو أغلبها، لن تُباع على كل الحالات، لهذا فإن تخفيض الإنتاج هو تحصيل حاصل. وهذا ما لم يدركه ترمب وجماعته: حتى لو خفّضت السعودية إنتاجها بأربعة ملايين برميل يومياً، وأوقفت صادراتها للولايات المتحدة تماماً، فإن هذا لن يغيّر من الوضع الفعلي للسوق. من هنا نجد أن فكرة قيام السعودية بتخفيض الإنتاج ستنفي عنها كل الاتهامات، في الوقت الذي ستستمر فيه معاناة شركات الصخري الأميركية.
مشكلة الاجتماع
هذا الاجتماع النادر، والذي سيعقد الخميس المقبل بالفيديو، سيكون اجتماعاً صعباً، رغم الإعدادات الضخمة له، ورغم الجهود الكيبرة في وقت قصير. لن يكون سهلاً، رغم معرفة الجميع لما ينطوي عليه عدم الوصول إلى إجماع على تخفيض الإنتاج. وفيما يلي ثلاث نقاط خلافية وأساسية:
1- الإنتاج المستخدم كأساس للتخفيض:
ستجتمع الدول المنتجة للنفط الخميس المقبل عبر الفيديو، وهو أكبر اجتماع لمنتجي النفط في العالم، لأنه يضمّ منتجين ينضمون إلى أوبك وأوبك+ للمرة الأولى. هذا الاجتماع لن يكون سهلاً ولن تُعرف نتيجته إلا عندما ينتهي فعلاً. فحساب كمية التخفيض يتطلب الاتفاق على الأساس. فهل يتم التخفيض من إنتاج أبريل (نيسان)، أم فبراير (شباط)؟ حيث إن اجتماع أوبك+ الذي أفشلته روسيا كان في بداية مارس، أم معدل الربع الأول؟ السعودية ترى أن الأساس يجب أن يكون شهر أبريل، لأن الزيادة التي قامت بها، والتي أوصلت إنتاجها إلى أعلى مستوى تاريخي، حصلت فيه. وبالتالي فإن أغلب التخفيض هو تراجع عن إنتاج أبريل. ولكن روسيا ترى أن الأساس يجب أن يكون متوسط الربع الأول، وذلك لأن هذا يعني تخفيض السعودية إنتاجها إلى مستويات متدنية لم نرها منذ زمن بعيد.
2- حساب الكميات من إغلاق الآبار في أميركا الشمالية كجزء من التخفيض:
من الواضح أن السعودية وروسيا والدول الأخرى متفقون على أنه يجب قيام الولايات المتحدة وكندا والبرازيل بالتخفيض، حتى يحصل أي اتفاق. إلا أنه من الواضح أن هذه الدول لن توافق، ودولة مثل الولايات المتحدة ليس لديها الآلية لإجبار الشركات الخاصة على تخفيض الإنتاج، لذلك سيقومون بطرح الفكرة التالية: سنشارك بالتخفيض عن طريق احتساب الكميات التي تم خسارتها بسبب إغلاق الآبار وعمليات الرمال النفطية!
فإذا كانت الكمية المقرر تخفيضها 10 ملايين برميل يومياً، واعتبر إنتاج أبريل هو الأساس، وتم حساب ما تم إغلاقه في عدد من الدول بسبب انخفاض الأسعار على أنه إسهامها في التخفيض، فإن الكمية الفعلية من وجهة نظر السوق التي سيتم الاتفاق على تخفيضها لا تتجاوز 6 ملايين برميل، في الوقت الذي انخفض فيه الطلب على النفط بمقدار 20 مليون برميل أو أكثر.
3- بداية تطبيق التخفيض ومدته:
قد يكون هذا الموضوع أكثر المواضيع خلافاً، رغم أن هناك شعوراً عاماً بأن التطبيق يجب أن يبدأ من بداية مايو (أيار)، ولكن متى ينتهي؟ هل فترة التطبيق 60 يوماً، 90 يوماً، 120 يوماً؟ أم حتى نهاية العام؟
خلاصة الأمر: سينقلب السحر على الساحر، وسيعلم ترمب وأعضاء مجلس الشيوخ من الولايات النفطية أن مشكلة النفط الصخري لا علاقة لها بالسعودية ولا بأوبك، ولا بروسيا، إلا أن كورونا سيضرب بعضها في مقتل، بينما سيضعف الأخرى. وسيدركون أن أي تخفيض لن يكون مجدياً، سواء في رفع الأسعار أو إنقاذ صناعة النفط الأميركية.
ونظراً لأن السعودية قامت بتخفيض الإنتاج فليس هناك أي سبب لفرض أي ضرائب أو إيقاف للواردات من السعودية أو غيرها! ولن يكون الاجتماع سهلاً لأن هناك خلافات جذرية عدة بين كبار المنتجين. لهذا فإنه ما زال عند بعض المحللين والتجار شك في نجاح الاجتماع في الوصول إلى اتفاق لتخفيض الإنتاج. فإذا فشل المجتمعون في الوصول إلى اتفاق، فإن أفضل حل للسعودية هو الاستمرار في سياستها الرامية لإنتاج أكبر كمية ممكنة، مع رفع الأسعار الرسمية للولايات المتحدة وتخفيض صادراتها لها، بينما تفعل العكس مع أوروبا وآسيا!