Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الموت الأحمر أو كوفيد 19... في مواجهة العصر الحديث

النهضة الاوروبية واجهت الموت الاسود... وانتصرت على الخرافة

كوفيد 19 أو الموت الأحمر (يوتيوب)

بدأت العلوم الحديثة مع تهاوي النظام الإقطاعي وبداية الملكيات الكبرى في العصور الوسطى في أوروبا، وتحطمت السلطة الكنسية على صخرة تلك العلوم، وتم إحياء التراث الإغريقي العظيم، ورافق ذلك انطلاق الفنون، وبزوغ عصر النهضة، وكان ذلك أعظم انتصار للبشرية، وكانت العلوم الطبيعية التي تطورت في أجواء من الثورية والتمرد على المألوف، تواكبها نظريات فلسفية مهّدت الطريق لانتصار العلوم على الخرافة والجهل وشعوذة الدجالين. ولقد قُدم على محارق محاكم التفتيش وفي غياهب السجون عدد كبير من عمالقة الفكر، فأُحرق الفيلسوف الإيطالي العظيم جوردانو برونو، وتحدّى العالم نيكولاس كوبرنيكوس بكتابه "دورات الأجرام السماوية" خرافات الكنيسة التي كانت تزعم بأنّ الأرض هي مركز الكون! وكتب غاليليو أطروحة ليؤيد فيها نظرية كوبرنيكوس، وهو ما تسبب في اتهامه بالهرطقة عام 1632م وتقديمه إلى محاكم التفتيش. كل هذه الجرائم التي ارتكبتها السلطتان الدينية والدنيوية في العصور الوسطى هي الثمن الذي دفعته البشرية للحصول على حرية الفكر والبحث العلمي.

ونحن ندين لجوردانو برونو (1548-1600) وكوبرنيكوس (1473 – 1543) وغاليليو (1564 – 1642) ولغيرهم من العلماء الثوار والفلاسفة المجددين، ولولا انتصار نظرياتهم التي أصبحت من بديهيات العلوم الحديثة، لَكُنّا إلى الآن نرزح تحت نظرة المتدينين إلى أن الكتب المقدسة هي كتب في الفلك وفي الكيمياء وفي الجيولوجيا وفي الطب، ولا تفرط في شيء من علوم الأرض والسماء!

الطاعون الأسود

مرت البشرية على مدار الزمان بحوادث تاريخية يصعب نسيانها، وعانت أياماً نكدات صعاباً مشؤومات، عمّ فيها الخوف، واختفى منها السرور، نذكر الطاعون الأسود وكيف فتك بالملايين في أوروبا خلال القرن الرابع عشر، إذ أُلقيت الجثث فوق أسوار المدن، وانتشرت الحروب والمجاعات، وأسهم الطقس في زيادة شدة الموت وأعداد القتلى، ويُقال إنه فتك بثلث سكان العالم حينذاك. لا يمكن تخيّل شكل العالم وقد فقد الأحباء ثلث أقاربهم ومحبيهم، ولكن ذلك حدث مرة واحدة في التاريخ.

انتهى الموت الأسود عام 1353 ولكنه أسفر عن سلالات طاعون أخرى استمرت في الانتشار حول أوروبا حتى منتصف القرن الثامن عشر، واندلع آخر وباء في غرب القارة العجوز عام 1720. وقد حدثت مجاعة كبرى في أوروبا في السنوات (1315 – 1317)، وساعد التطور العلمي (ابتكار المحراث الثقيل) في تجاوز الأزمة، لكن تلك المجاعة أدت إلى وفاة ما يقارب 15 في المئة من سكان أوروبا[R1] ، وباتت المنازل خاوية والمدن مهجورة.

هل يجب علينا اليوم ونحن في عام 2020 أن يقعدنا الخوف ونحن في أزهى عصور التقدم العلمي والتكنولوجي؟ إن أول ما ينبغي علينا فعله جميعاً، إنسانياً وأخلاقياً، هو أن نتجنّب إثارة الهلع ولا ننشر ما يتنافى مع العلم، فليست الأوبئة والأمراض للتسلية والهوس الفردي أو الجماعي، بل يجب أن نترك للعلماء والأطباء والخبراء المتخصصين مهمة التصدي لهذا الداء المداهم، بعيداً من كل الأوهام والتكهنات. لقد واجهت البشرية حروباً وكوارث شتى... وانتصرت عليها بفضل الحكمة والاعتماد على العقل ومختبرات العلم، وذاكرة التاريخ تغصّ بتلك الوقائع المؤلمة.

الإنفلونزا الإسبانية

انتشرت الإنفلونزا الإسبانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وخلّفت ملايين القتلى، وتميّز الفيروس بسرعة العدوى، ويُعتقد أن 500 مليون شخص أصيبوا به، وتوفي بسببه حوالى 50 مليون شخص، أي ما يعادل ضعف المتوفين في الحرب العالمية الأولى، ويعود انتشار العدوى إلى تحركات القوات العسكرية وضعف أجهزة المناعة لدى الجنود بسبب سوء التغذية، وبسبب زيادة السفر، وتقدم وسائل النقل حينذاك نسبياً، وظهرت سلالات منه أكثر ضراوة مع تمدّده وانتشاره، إذ إنّ فيروس الإنفلونزا قادر على تغيير شكله وسلالته باستمرار. يرجع سبب التسمية إلى انشغال وسائل الإعلام الإسبانية بموضوع الوباء، ولم يكن منبعه إسبانيا.

كوفيد-19

أُطلق على المرض الناجم عن الفيروس التاجي الجديد الذي ظهر للمرة الأولى في ووهان بالصين اسم مرض الفيروس التاجي 2019 (COVID-19) —والاسم الإنجليزي للمرض مشتق من CO  وهما أول حرفين من كلمة كورونا (corona)، و VIوهما أول حرفين من كلمة فيروس (virus) و Dهو أول حرف من كلمة مرض بالإنجليزية (disease) .وأُطلق على هذا المرض سابقاً اسم novel coronavirus وكوفيد-19 هو فيروس جديد يرتبط بعائلة الفيروسات ذاتها التي ينتمي إليها الفيروس الذي يتسبب بمرض "المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة" (سارز) وبعض أنواع الزكام العادي، وعندما يعطس الشخص المصاب أو يسعل، ينتشر أكثر من نصف مليون جسيم فيروسي إلى كل من يجاور الشخص.

وكالشمس التي تخلّف الظلام في جانب، وتضيء في الجانب الآخر، سيزول الشعور بالخوف لدى الناس في نهاية المطاف، وسينطلقون في السفر عبر الطيران والرحلات البحرية وسَيَمْلَؤُونَ الحدائق وقاعات السينما والأوبرا، وتستمر الحياة. وكما كنّا في مرمى الفيروس (كوفيد -19) لفترة من الزمن، سيكون الفيروس في مرمانا إلى بقية الزمان بفضل العلماء الذين يتّخذون مواقعهم في مراكز الأبحاث حول العالم ويركزون جهودهم ويتضافرون ويتشاركون في معلوماتهم من أجل إزاحة الغمة عن البشر. ولعلها فرصة تاريخية ينبغي الاستفادة منها لإعلاء شأن العلم والعلماء، وإزاحة الخرافة والجهل. إنها فرصة سانحة لتبجيل العلماء الحقيقيين وذوي المعاطف البيضاء.

 

المزيد من ثقافة