Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وباء حرب لا تنتهي!

أفغانستان وباء اندلع وتقريباً شاركت الدول الكبرى جمعاً فيه وجرت دولاً صغرى

مقاتلون سابقون من "طالبان" في أحد السجون في مدينة شبارغان الأفغانية (أ.ب)

قال ابن خلدون: الناس في السكينة سواء، فإن جاءت المحن تباينوا.

إذا كانت السياسة، فن الممكن، فيفترض أن الحرب، فن ما يستعصي على السياسة، لكن الحروب الأهلية، باتت الحروب التي لا تنتهي، فالحرب في أفغانستان، اندلعت لأسباب كانت واضحة، لكنها الآن تدور من دون أسباب معروفة، ولا تنتهي هذه الحرب.

حرب أفغانستان وباء، اندلع لينتشر هنا وهناك، وتقريباً شاركت الدول الكبرى جمعاً، في هذه الحرب، وجرّت وراءها دولاً صغرى، راضية مرضية وغصباً، حتى أنها أمست، الحرب الكونية الثالثة، بذا عملت الأمم متحدة على ديمومتها، فكل يعمل، على الإيقاع بالآخر، في هذا المستنقع، ما منه انتشر، فيروس الحرب الأهلية، التي لا تنتهي.

منذ تدخل الاتحاد السوفياتي، عام 1978، في أفغانستان، فقيام الثورة الإيرانية 1979، وحتى الساعة والحرب الأفغانية لم تنتهِ، بعدما حولتها المخابرات الأميركية، إلى حرب دينية. وعلى الرغم من أن الاتحاد السوفياتي الملحد، قد قُبر، فإن هذه الحرب تحولت إلى وباء، انتشر أولاً، في دول الإمبراطورية السوفياتية المنهارة، ثم في أوروبا الشرقية، وبخاصة بين شعوب الاتحاد اليوغسلافي، ولم تطفأ هناك، حتى هبت في الصومال والعراق، ليأتي الربيع العربي، فيتم مواجهته بالوباء الأفغاني، الحرب الأهلية التي لا تنته.

تم إخماد هذا الوباء، في القارة العجوز أوروبا، ليُنقل عبر الجنود الأميركيين، إلى الصومال والعراق، أنهى تحارب الأرثوذكس والكاثوليك، فنقل إلى حرب دموية، بين الشيعة والسنة، ومنذها حيثما حلت الولايات المتحدة، لنشر السلام، عمت الحرب التي لا تنتهي، وبدعاوى محاربة الإرهاب الدولي، انتشر جنود السلم الأميركي، بخاصة في قارتي آسيا وأفريقيا.

أفغانستان الوباء، انتشر في جسد القوى العظمى الثانية، حتى تمكن من دفنها، لكن هذه الحرب الشعواء، تحولت إلى وباء، دُعي إلى حين بالإرهاب الدولي، وباء ينتشر، والعالم يغص بالانحباس الحراري، والآن هذا العالم، وقع فريسة "الكورونا"، الوباء المستجد.

ما فعله وباء أفغانستان، في سوريا، ثم ليبيا، واليمن، وقبل في الصومال والعراق، لم يوقظ أحداً، فالحروب الأهلية شأن داخلي، والتدخل فيها مس بالسيادة الوطنية! لكن الإرهاب مسألة دولية، لذا تم التدخل لدحر النتائج، وترك المسببات لإهلها، أما التدخل الروسي ورديفه التركي، فهو كما تدخل في مجالهما الحيوي، هذا المنطق اللامنطق، لسان حال الولايات المتحدة، فرديفها الاتحاد الأوروبي.

أفغانستان الوباء، المُسبب، لانتشار الإرهاب الدولي، ما أزاح مسألة "الاحتباس الحراري" جانباً، ليس بمقدوره أيضاً إزاحة "الكورونا"، لقد تمكن "ترمب" من الاحتباس الحراري، لكن "الكورونا" تمكنت منه، ويمكن أن تزيحه وتفضح دعاويه، ولن تفيده في هذا، تعويذة "طالبان": "اتفاق الدوحة"، ولا العملية المتأخرة، إعلان عزل الولايات المتحدة.                

قال المتصوف الكندي إريك باريه، الذي يعيش في كشمير: نحتاج إلى الكوارث كي نستيقظ.

العالم في اللحظة الراهنة محاصر بمثلث برمودا: أفغانستان الحرب التي لاتنتهي. الانحباس الحراري، وباء كورونا.

وعلى الرغم من هذا فإن العلاقة، غير ظاهرة بين أضلع المثلث، لكن ما هو ظاهر، ولا شك فيه، أن العوامل الثلاثة تتضافر، لنسج قماشة الكارثة، ما مشتركها، أن ليس بالإمكان، في هذا العالم السبراني، غلق الأبواب ولا حتى النوافذ، لأي كان من دول العالم وأقاليمه، وأن الشبكة العنكبوتية، ليست فقط أداة وصل، فانسياب للاقتصاد الدولي، فقوة للقوي وضعف للضعيف، بل إن هذا ما يضفر المشاكل ويحولها إلى كوارث.

لقد صار الجسد البشري، يتداعى بالحمى، وما من جبل يؤوي أحداً، حتى أن المشكلة الواحدة، في بلد واحد أو إقليم، أمست كما مصب، للطوفان، ما يعم الكرة الأرضية. والإجراءات التي تتخذ هنا أو هناك، كما اعتقاد الفرد، من يرمي بنفسه، من السفينة الغارقة، بالنجاة، على الرغم من أن ما فعله، أنه ذهب إلى الغرق ليس إلا.

وفي هذه الحال، يبدو وكأن الدول الكبرى، ومن ورائها العالم برمته، كمن نجا من الحرب النووية، بحروب صغرى لا تنتهي، لكن هذه المعالجة، تراكم للأمراض وليست وقاية منها، فالهجرة غير الشرعية مثلاً، ليست سبباً لكنها نتيجة، ومن لم يمت بالسيف، مات بغيره.

ساد اعتقادٌ ديماغوجي، أن حرب أفغانستان، انتصار ساحق للعالم الحر، ونهاية للتاريخ، لكن نهاية الإمبراطورية السوفياتية، عبارة عن حروب لا تنتهي، نعم حروب صغرى، ولكنها كرة الثلج، وهي تتدحرج، تجمع مشاكل وأزمات، وتضفرها معاً لتجعل منها، في المحصلة، الكارثة، ما تكون الحرب الكبرى الأخيرة، ضئيلة في النتائج، أمام ما يحصل.

الهروب من أفغانستان، وإعطاء ما يحصل في سوريا بالظهر، لن يحل معضلة الانحباس الحراري، وفي هكذا حال، جاء وباء كورونا يسعى، كما جرس، علقته الأقدار في رقبة العالم، من يهرب إلى الأمام من ظله، وما يفعله عقل عقله، ثم إطلاق الزمام لغرائزه، فالشعبوية الوباء الناتج، كما إعادة إنتاج لهتلرية جديدة، تلبس مسوح رهبان العزلة والعنصرية.

وباء الحروب التي لا تنتهي، أعظم شائنٍ، في جسد عالم مصاب برشح، الانحباس الحراري، وختمها الكورونا، ما يدق بكل يد مضرجة، أبواب الكارثة في عالم ليس بحراً إجمالاً، وليس بالقطاعي.         

وإذا كانت أفغانستان، الطوفان، فهل يكون الكورونا، سفينة نوح؟          

المزيد من آراء