Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 معرض أمينة سالم... فينوس والحمار الوحشي وفضاء لوني

لوحات تفتح نافذة على التجريب التشكيلي... مع بعد انساني

لوحة للرسامة المصرية أمينة سالم في معرضها (اندبندنت عربية)

بين الأعمال التي يضمها معرض الفنانة أمينة سالم (قاعة بيكاسو – القاهرة) ، ثمة لوحة تجمع بين أربع نساء وحمار وحشي، وقد يثير الجمع بين هذه العناصر داخل فضاء مشترك إسئلة حول رمزيته. فحضور الحيوان في العمل الفني غالباً ما يكون مصحوباً بدلالة خاصة، أو دلالات متناقضة أحياناً. ربما جرى العرف المتداول على توظيف أنواع بعينها من الكائنات في الأعمال الفنية، قد يحمل بعضها دلالات مرتبطة بالقوة أو السيطرة أو حتى الغواية. الحمار هنا يبدو متفرداً في رمزيته لدى البشر، فحضوره قد يثير معاني مختلفة- بخاصة في الموروث الشعبي- من الطاعة العمياء إلى البلادة والخفة والحماقة أو الرعونة، لكنه لا يتخلى أبداً عن طرافته. حضور الحمار الوحشي في أعمال الفنانة أمينة سالم لا يخلو كذلك من هذه الطرافة، لكنه يعكس أيضاً نزعتها التصويرية التي تميل إلى التجريب والمغامرة، تجريب في الخامة والمعالجة، كما هو تجريب ومغامرة في استحضار عناصر أخرى مختلفة وغير شائعة التوظيف في أعمالها الفنية. لا شيء يؤلف بين العناصر الخمسة في العمل المُشار إليه سوى تناسق اللون وجمال الخطوط. النساء الأربع في اللوحة ذات القطع الكبير يتخذن أوضاعاً استعراضية، فتبدو هيئاتهنّ كعارضات أزياء يتهيئن للمشهد.

يضفي هذا الوجود الأنثوي أجواء من البهجة على مساحة الرسم، ويخفف من اختلال التوازن التصويري بفعل الحضور اللافت لصورة الحيوان في النصف الأيسر من العمل. في الركن العلوي من اللوحة نفسها نلمح جملة مكتوبة بخط واضح ومتناسق، كرسالة غزل موجهة لحبيب غائب (لئن غبت عن عيني، فعن قلبي لن تغيب) تتكرر عبارات الغزل في لوحات أخرى، كما تتكرر صور النساء الجميلات بملابسهنّ الزاهية والمتناسقة. يعاود الحمار الوحشي الظهور في بعض اللوحات، بينما يتلاشى في غيرها، محافظاً على حضوره المميز بخطوطه المتعرجة ذات اللونين.

تفرض الفنانة أمينة سالم نزعتها الأنثوية على أعمالها التصويرية، كما تحتفظ بعدد من الثيمات الخاصة التي تتكرر في معارضها، كتوظيفها للكتابات والألوان الزاهية واللون الذهبي. في معرضها الأخير تضيف سالم إلى أعمالها التصويرية جانباً مختلفاً هذه المرة، باعتمادها على مجسم لجسد "فينوس" ربة الجمال والعشق عند الرومان، يبدو حضور المجسم هنا لافتاً، كما أن اختيار الفنانة لفينوس تحديداً يحمل إشارة إلى ما تتضمنه أعمالها التصويرية من ترسيخ لصورة المرأة المثالية أو النموذج الأنثوي كما صورته الأساطير القديمة، أو كما ترسخه وسائل الدعاية المعاصرة. عرضت الفنانة عدداً من هذه المجسمات بأحجام مختلفة معالجة إياها بأسلوب مغاير في كل مرة، فترسم على سطح المجسم تارة أو تضيف إليه أحياناً عناصر أخرى بارزة، ما يتناغم مع نزعة التجريب في الخامة التي تميز أعمالها على نحو عام، فهي تمزج مثلاً بين استخدامها للون وتوظيفها لأسلوب الكولاج "القص واللصق" وقد تستعين أيضاً بقصاصات من أوراق الصحف والمجلات. هي تضيف وتحذف وتوزع عناصرها على مساحة العمل في تحرر من القواعد التي تفرضها طبيعة الخامة والأدوات التصويرية المستخدمة، في الوقت نفسه الذي تحافظ على مراعاة القواعد المدرسية في تناولها للعنصر البشري أو للعناصر الأخرى المصاحبة في ما يتعلق بالنسب التشريحية ودرجات اللون والموائمة بين المساحات اللونية للعمل ككل. خامات وأساليب عدة في معالجة اللوحة، قد تبدو متنافرة، لكنها تتواءم على سطح العمل وتتشابك مقوماتها لتشكل معاً قوام التجربة التصويرية لأمينة سالم. هذه التجربة التي تضع خلالها الأنثى في الصدارة كمحور رئيسي وثيمة مشتركة للأعمال جميعها.

تتعامل الفنانة مع تلك الثيمة كعنصر جمالي يحمل الدلالات المعتادة للحضور الأنثوي في أعمال الفنانين الآخرين، لكنها توظفه هنا بمزيج من البهجة والتأمل، بل والطرافة أيضاً كتوظيفها لصورة "الموناليزا" لدافنشي في هيئات مختلفة. نجحت الفنانة في الاستفادة جمالياً من توظيف الملابس الخاصة بالمرأة كمساحات ملونة تحتمل التجريب والمزج بين الدرجات اللونية المختلفة. ليونة الأقمشة وما تثيره من إيحاء بالنعومة والخفة مثلاً عامل مساعد في إثراء الأشكال بالعديد من الدرجات وملامس الأسطح في تجاور وانسجام مع معالجات أخرى بدت أكثر حدة وميلاً إلى الزخرفة.

المزيد من ثقافة