Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معارض الكتب تقفر في زمن الكورونا... والخسائر عديدة

بعد باريس ولندن... القراء والناشرون العرب يفتقدون موسما سنويا حافلا

مشهد معارض الكتب سيغيب خلال موسم (يوتيوب)

أكثر من خمسة عشر معرضاً للكتاب في العالم العربي وأوروبا سقطت من "الروزنامة" الثقافية الراهنة، بعدما اضطرت الجهات الرسمية إلى إلغائها أو تأجيلها كما تم الإعلان أخيراً من غير تحديد مواعيد جديدة لها. قد يكون هذا خبراً من أخبار وباء الكورونا، الذي يهدد البشر في أنحاء كافة من العالم والذي عطل حركة الحياة اليومية والاقتصادية، وحصد ضحايا كثيرة في البلدان التي توصف بـ "الموبوءة"، ناشراً حالات من الخوف والارتباك والحذر. 

غير أن تعطيل الكورونا معارض الكتب ترك أثراً مختلفاً عن آثاره الأخرى، ثقافياً ومادياً وشعبياً. فمعارض الكتب باتت مظهراً رئيساً من مظاهر الحياة الثقافية في العالم، وهي نادراً ما ألغيت، وكان السبب الأول غالباً وراء إلغائها الحرب وما ينجم عنها من معارك وخراب كما حصل مراراً في بيروت. عطفاً على أن الكتاب يحتل موقعاً متقدماً في الحركة الثقافية العالمية، سواء كان ورقياً أم إلكترونياً، على الرغم مما يدور دوماً من كلام عن "موته" أو انحسار قرائه وتراجع مبيعاته. وإن أضحى المبيع عبر الإنترنت رائجاً ومعتمداً في معظم الدول فهو لم يستطع أن يلغي فكرة المكتبة أولاً ثم فكرة معرض الكتاب. في العالم العربي وبعض الدول الأخرى تعاني المكتبات أزمات معروفة وفي مقدمها تراجع عدد الزبائن الذين يقصدونها لا سيما في ظل انحسار حركة توزيع الكتب عربياً وصعوبة انتقالها من بلد إلى آخر في مرحلة التشرذم والحروب والتهجير. من هنا استطاعت معارض الكتب أن تحل محل المكتبات وتخلق سوقاً بديلاً للكتب، بيعاً وتسويقاً، وتمكنت من تأسيس جمهور جديد هو جمهورها الموسمي.

إلغاء موسم

لكنّ المعارض لم تبق وقفاً على حركة العرض والشراء أو البيع، بل استحالت مواسم أدبية وثقافية يتم فيها التلاقي والتحاور والتعارف، وأضحت برامجها المرافقة أو "فعالياتها" من ندوات ولقاءات وحوارات مفتوحة، تظاهرات شبه مستقلة، تملك جمهورها الباحث عن الجديد. ودرجت هذه المعارض على الانفتاح على الثقافات الأخرى، فراحت تدعو أسماء مهمة عربية ودولية، في حقول عدة، كالأدب رواية وشعراً ونقداً، والفكر والفلسفة والعلوم الإنسانية، علاوة على أدب الأطفال الذي يحظى باهتمام كبير. وأصبحت استضافة ضيوف شرف من بلدان وشخصيات تقليداً راسخاً من تقاليد هذه المعارض.

وما يمكن قوله الآن، بعد تأجيل أو إلغاء معارض الكتب خلال الموسم الراهن والمقبل والذي يعد الأكثر ازدهاراً في هذا القبيل، أن الساحة الأدبية العربية أشبه بـ "صحراء" مقفرة، فغياب هذه المعارض يترك فراغاً كبيراً في عالم الكتاب، قراءة واحتفالاً ونشراً وتوزيعاً وسوقاً، عدا الأنشطة الكثيرة واللقاءات والندوات والتواقيع. هذا زمن انحسار المعارض في زمن الكورونا.

أمس أعلنت وزارة الثقافة السعودية تأجيل معرض الرياض للكتاب وقبلها أعلنت هيئة أبو ظبي الثقافية تأجيل معرض أبو ظبي وقبلهما أعلنت هيئة الثقافة في البحرين تأجيل معرض البحرين، واللائحة غير قصيرة: معرض بغداد، أربيل، تونس، الشارقة... ولعل كلفة تأجيل أو إلغاء هذه المعارض باهظة من نواح عدة، مادية ومعنوية. الكلفة المادية تعني دور النشر والمكتبات التي تشارك عادة في معظم المعارض العربية، مستفيدة من حركة الإقبال والبيع الفردي والمؤسساتي خصوصاً، أي البيع بالجملة. فالمعارض هذه هي مجالها الحيوي، تنتظرها سنة تلو سنة، ومن خلالها تتمكن من تسويق كتبها وكتّابها. وقد اضطرت دور نشر كثيرة إلى شحن كبتها إلى المعارض قبل قرار الإلغاء، ثم إلى شحنها مجدداً كما هي في العلب والكراتين إلى بلدان المصدر. وهذه كلفة مزدوجة و"كارثية".

أما الخسائر المعنوية فتقع على القراء الذين ينتظرون هذه المعارض ليطلعوا على الكتب الجديدة ويقتنوها بأسعار مخفضة مبدئياً ويلتقوا الكتّاب والمؤلفين ويحصلوا على تواقيعهم. هذه الخسائر المعنوية مشفوعة بخسائر مادية أيضاً، لا توفر المعارض نفسهاً بتاتاً. معرض الرياض على سبيل المثل كان يعد برنامجاً ثقافياً حافلاً يرافق أيامه وأماسيه، وسعى إلى دعوة كتاب عالميين معروفين في خطوة نحو الانفتاح العالمي، وعمد إلى تنظيم ندوات ولقاءات في محاور أدبية وثقافية عدة. وكان من المفترض أن تكون الصين هذا العام ضيف الشرف في معرض الرياض، لكن الوباء الذي انطلق من الصين حال دون تلبيتها الدعوة التي كانت رحبت بها. واستعاض المعرض بعقد ندوة حول ترجمة الأدب الصيني إلى العربية يشارك فيها مترجمون ونقاد.

معرض أبو ظبي كان أيضاً أعد برنامجاً أدبياً وثقافياً حافلاً وقد دعا روسيا لتكون ضيف الشرف، واختار نخبة من شعرائها وروائييها ومفكريها ليشاركوا في الندوات وفي لقاء الجمهور. واختار المعرض الشاعر الألماني الكبير غوته شخصية المعرض لهذه السنة، وباشر في تحضير جناح له، يضم أعماله وصوره مع شرائط سمعية وأفلام وثائقية تروي سيرته ومساره. أما السؤال المطروح فهو: هل ستؤجل دائرة الثقافة في أبو ظبي احتفالين مهمين، الأول يصادف في بداية المعرض وهو إعلان الفائز(الفائزة) بجائزة البوكر العربية، والثاني إعلان الفائزين بجائزة الشيخ زايد؟ وقيل إن الدائرة ستعلن قريباً قرارها في شأن البوكر وجائزة الشيخ زايد.

خسارة مزدوجة

أما الشارقة فتبدو خسارتها مزدوجة، فقد اضطرت هيئة الكتاب أولاً إلى إلغاء المهرجان القرائي للطفل الذي يعد من أهم معارض كتب الأطفال في العالم العربي ويشهد برنامجاً حافلاً من الأنشطة العربية والعالمية، الأدبية والفنية والتربوية. وثانياً، مع إلغاء معرض لندن للكتاب تم إلغاء الاحتفال بالشارقة ضيف شرف على المعرض البريطاني العالمي، وكانت الشارقة تعول كثيراً على حلولها ضيفاً مميزاً عليه. وكانت هيئة الكتاب باشرت في بناء جناح خاص، مميز بتصميمه ومساحته الواسعة، ليكون واجهة الشارقة في لندن. ودعت الهيئة 22 مؤسسة إماراتية و12 كاتباً وفناناً إماراتياً ليشاركوا في حوار مفتوح مع كتاب وفنانين بريطانيين. وكانت ستقدم 7 جلسات فكرية وأمسيات شعرية ولقاءات أدبية ومسابقات في الترجمة إلى العربية.

 

أما في أوروبا فكانت باريس سباقة في إلغاء معرضها للكتاب، متكبدة خسائر مادية ومعنوية، فهي كانت ستستقبل الهند ضيف شرف، ودعت كتّاباً من مقاطعات مختلفة، وهيأت برنامجاً مهمّاً يعرّف بالأدب الهندي شبه المجهول، وبالأدباء الذين كانوا سيلتقون القراء الفرنسيين. وقد أصدرت دور نشر عدة كتباً تُرجمت حديثاً من اللغات الهندية إلى الفرنسية لترافق الحدث وخصصت بعض الصحف والمجلات ملفات حول الآداب الهندية.

وألغت بولونيا ولايبزغ معرضيهما للكتاب رضوخاً للقرار الرسمي الداعي إلى مواجهة الوباء القاتل.

المزيد من ثقافة