Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من يقاتل أردوغان... روسيا أم سوريا؟

تركيا تواجه احتمال الانزلاق إلى حرب شاملة في المنطقة

جنود أتراك يحملون نعش أحد رفاقهم الذي قُتل في إدلب خلال تشييعه في أنقرة يوم الأحد 1 مارس الحالي (أ. ف. ب.)

كان مصطفى كمال أتاتورك بعد الحرب العالمية الأولى يتبع سياسة التوازن بين إنجلترا وروسيا. صحيح أنه فشل في تحقيق النتائج المرجوة على المستوى المطلوب، ولكن استطاعت تركيا بفضل هذه السياسة أن تنأى بنفسها عن خوض الحرب العالمية الثانية.

بالتالي، استفاد الذين حكموا في الفترة التي أعقبت حكم أتاتورك، من هذه السياسة ولو جزئياً، وتخلّصت الدولة الناشئة من الوقوع في كارثة لا تُحمد عقباها.

ولكن بعدما دخلت تركيا عام 1952 تحت مظلة "حلف شمال الأطلسي"، استقوت بقوة عسكرية كبرى جعلتها تتخلى عن اتّباع استراتيجية التوازن، فانحازت إلى الحلف الغربي.

وعندما حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يضع نفسه في مكان أتاتورك ويتابع استراتيجية التوازن بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن القضية السورية، أثار حفيظة الـ"ناتو" وأدخل البلاد في متاهات هي في غنى عنها.


منعطف جديد
 

وكشفت الأنباء المريرة الواردة من سوريا عن مدى فشل هذه الاستراتيجية التي أدخلت تركيا في منعطف تاريخي جديد بعد المجزرة التي أصابت الجنود الأتراك في إدلب ليل الخميس الماضي.

وأستطيع القول إن الأحداث الأخيرة ستكون "القشة التي قصمت ظهر البعير" بالنسبة إلى السياسة الخارجية التي يتّبعها أردوغان.

فعندما قُتل 33 جندياً تركياً بسبب قصف القوات الجوية التابعة للنظام السوري وروسيا، بدأ الرأي العام التركي يتساءل مرة أخرى:

ما شأننا وشأن المغامرات في الأراضي السورية؟ علماً أن حصيلة قتلى الجنود الأتراك في سوريا في الأشهر الأخيرة بلغت 200 قتيل تقريباً. وبسبب سياسة التوازن التي يتّبعها أردوغان دخلنا في حرب ضد سوريا. وساءت علاقاتنا مع كل من روسيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. وأصبحنا لا ندري مَن يقاتل أردوغان؟ فالعام الماضي، دخل في حرب مع الأكراد، وهذا العام فتح جبهة ضد نظام بشار الأسد.

وأريد أن أقول إنه "في حرب ضد روسيا"، ولكن السلطات التركية بحد ذاتها تتحاشى التحدث بذلك لأنها تخاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وحذّرنا مراراً وتكراراً من أنّ هذا الطريق الذي تسلكه السلطة لن يؤدي بالجيش التركي إلاّ نحو مستنقع يصعب الإفلات منه.

وكان الكرملين أيضاً منزعجاً من إخفاق أنقرة في أداء واجباتها التي تعهدت بها في مفاوضات أستانا وسوتشي.


شحنات أسلحة
 

وبتنا نلاحظ في الأسابيع الأخيرة، كيف أنّ وسائل الإعلام الروسية بدأت تضخّ أخباراً مفادها بأنّ أردوغان وأفراد عائلته حصلوا على أكثر من مليار دولار كدخل شخصي من شحنات الأسلحة إلى ليبيا عام 2019، الأمر الذي كان متداولاً في الشارع التركي.
كما بدأت وسائل الإعلام الروسية تنشر مزاعم خطيرة حول علاقة أنقرة المباشرة بـ"داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما من المنظمات الإرهابية، وحول كيفية إرسال أفواج من الجماعات الإرهابية من سوريا إلى ليبيا عبر الأراضي التركية عن طريق منظمة "سادات" التي أسسها كبير مستشاري أردوغان السابق، عدنان تانريفردي.

وما زاد الطين بلةً، كانت تلك الزيارة الفارغة التي قام بها أردوغان إلى أوكرانيا، ما دفع ببوتين إلى أن يردّ عليها بقسوة. وبطبيعة الحال، كان أبناء الشعب التركي هم الذين يدفعون ثمن كل هذه المغامرات الهوجاء وليس "حزب العدالة والتنمية" (الذي يتزعمه أردوغان).

ويصعب التنبؤ بما ستصل إليه هذه الأجواء المتوترة التي تُذَكّرنا بأيام أزمة إسقاط تركيا الطائرة الحربية الروسية.

وأتوقع انعقاد اجتماع بين بوتين وأردوغان في المستقبل القريب.  ولكن بعد ذلك، سترتسم أمام أردوغان خيارات ثلاثة:

فإما أن تنسحب تركيا من سوريا بشكل كامل وترضخ لما كانت روسيا تمليه عليها، وهذا يعني بالنسبة إلى حكومة "حزب العدالة والتنمية" نهاية الطريق، وإما أن تتّخذ قراراً بشأن حرب ضد روسيا وسوريا معاً، أو تخوض حرباً ضد سوريا فقط.

ونعلم أن أردوغان إذا طبّق الخيار الثاني، فسيتّخذ من أجواء الحرب ذريعةً لفرض حكم استبدادي مطلق.

وأما بالنسبة إلى الخيار الأخير، فإنّ هذا يعني أنه سيرجع إلى طاولة تجمعه بحلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لتقديم ضمانات قوية لتركيا بشأن الحفاظ على وحدة الأراضي السورية. ولا أعتقد أنّ هذا الخيار الأخير سيروق لأردوغان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


حلف الأطلسي
 

وينبغي أن نركز في هذه الأزمة الأخيرة على طبيعة الموقف الذي سيتخذه حلف الأطلسي حيال تركيا، فمعلوم أنّ أردوغان كان حتى يوم أمس يطلق نعرات يلوّح فيها بالخروج من حلف شمال الأطلسي، ويطلب من بوتين ضمّ تركيا إلى خماسية شنغهاي، ولكنه اليوم أصبح يعيش أصعب أيام حياته السياسية.

وكنتُ كتبتُ مقالاً في شهر يونيو (حزيران) أن أردوغان لن يتمكن من استخدام صواريخ "أس- 400" (S-400) حتى لو حصل عليها. ولكن بعض زملائي من الصحافيين العرب والأتراك اعترضوا عليّ حينذاك، معتبرين أن هذا أمر مفروغ منه. ولكنني بدوري أصريتُ على فكرتي وقلت: "إنكم تتعجّلون في طرحكم، والعملية لم تنته بعد".

وبالفعل، لاحظ الجميع أن أنقرة بعد يوم واحد من الهجوم الذي راح ضحيته عشرات الجنود الأتراك ولّت وجهها شطر الناتو وأعلنت للعالم أنها تستنجد به. ولكن يا تُرى، هل نسي الحلف التهديدات التي أطلقها أردوغان؟ طبعاً لا!
عندما ننظر إلى القيمة النقدية لمنظومة صواريخ S-400 التي لن نتمكن من استخدامها أبداً، نرى أنها مشروع يضمّ أربع بطاريات كلَّفت تركيا 2.5 مليار دولار. ماذا ستستفيد تركيا من مجرد أربع بطاريات؟

صحيح أنّ هذه الصفقة تحمل من المنظور الروسي مغزى كبيراً، إذ استطاع الروس أن يبيعوا لدولة في حلف الناتو تلك الصواريخ، إضافةً إلى التصدع الذي أحدثته هذه الصفقة داخل الحلف.


"فرصة للهروب"

وكان الرئيس الروسي فتح أمام نظيره التركي الذي كان يعيش فترة خلافات مع الاتحاد الأوروبي والناتو والولايات المتحدة، "مخرجاً" و"عنواناً بديلاً" يعطيه الفرصة للهرب أثناء الأزمات المصيرية التي تنتظره في مستقبل الأيام. لكن بوتين لم يكن يقدم لأردوغان كل تلك الفرص محبةً فيه، بل لأهداف استراتيجية تخدم مصالح بلاده.

لذلك، فإن حلف شمال الأطلسي هو بدوره حينما استجاب لتركيا في هذه القضية، صرّح بأنه سيساعدها في المنطقة الحدودية فقط وليس في إدلب، وبذلك ألمح بأنّ مساعدته ستكون في نطاق ضيّق.

نعم، يريد الناتو تعزيز علاقاته مع تركيا، ولكن من الواضح أنّه ليس حريصاً على القيام بذلك في ظل حكم أردوغان.

من ناحية أخرى، هناك ثلاث قضايا تغيب عن بال الرئيس التركي، الأولى هي أن الولايات المتحدة لم تقاتل روسيا مباشرة منذ 70 سنة وبالتالي، ليس متوقعاً أن يقوم الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتصرف يزعج بوتين كرمى لعيون أردوغان. أما القضية الثانية، فهي أنه بينما كانت إدلب -حتى الآن- مشكلة بالنسبة إلى سوريا، أصبحت منذ الآن مشكلةً لتركيا.

وتتلخص القضية الثالثة في أن استغلال أردوغان للمهاجرين كورقة مساومة ضد الأوروبيين سبّب في انزعاج دول الاتحاد الأوروبي، ما جعله غير مرغوب فيه بعد الآن.

حسناً، ما الذي يمكن أن يفعله الرئيس التركي بعدما فشل في استحداث سلعة يروّجها في السياسة الداخلية؟ للإجابة على هذا السؤال، خطرت ببالي عبارة (الديكتاتور الفاشي بينيتو) موسوليني الشهيرة "كان الاقتصاد يزداد سوءاً، وكانت الأزمة والبطالة في ارتفاع مستمر، وبدأ الاستياء ينتشر في البلاد، فأتت على بالي فكرة ممتازة: الحرب".

أجل، لن يراوغ أردوغان بعد الآن، بل أنه -كما قلتُ في مقالي السابق- سيفضّل الدخول في حرب خاسرة، بدلاً من الخوض في انتخابات فاشلة.

المزيد من تحلیل