Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أبرز عائق يحول بين بيرني ساندرز والبيت الأبيض

بدافع "الخوف والحيرة والريبة" يضخ القطاع الصحي الأميركي ملايين الدولارات لمواجهة برنامج "الرعاية الطبية للجميع"

مرشح الحزب الديمقراطي الأميركي، بيرني ساندرز، متحدثاً أمام تجمع انتخابي في ساوث كارولاينا (أ.ف.ب.)

بدعم من تبرعات ملايين المناصرين والتصويت الشعبي في كل من آيوا ونيو هامشير، يدخل بيرني ساندرز التجمعات الانتخابية في نيفادا متصدراً استطلاعات الرأي الوطنية العشرة، حيث يتوقع الخبراء فوزه بما يصل إلى 32  في المئة من الأصوات.

وعلى الرغم من هذه الإيجابية، يتجدد الهجوم على المرشح الديمقراطي بعد التصريحات التي أعرب فيها عن نيته توسيع نطاق برنامج "الرعاية الطبية للجميع" بضم كافة المواطنين الأميركيين إلى خطة رعاية صحية شاملة و"أحادية المُنفق"، ومجانية عند نقاط تقديم الخدمات ومجردة من رسوم الانتساب الشهرية وحصص الاسترداد والاقتطاعات الباهظة. ففيما يرى دونالد ترمب ومايك بلومبرغ أن خطة السيناتور الطموحة تطرح الكثير من علامات الاستفهام، يُصر بيت بوتيجيج على التحذير من إمكانية تفجيرها العجز المتنامي. ولكن لا يخفى على أحد إنفاق اللوبي الصحي الملايين على الإعلانات وحملات المرشحين، على أمل حجب التأييد عن توقيع الاقتراح وتأجيج مخاوف الأميركيين من احتمال خسارتهم التأمين الصحي بين عشية وضحاها.

نعم، هذا صحيح. فـ"أرباب عملي السابقون يرون في (الخطة الجديدة) تهديداً وجودياً لهم، مع العلم أن السعي المحموم إلى جني الأرباح هو الذي رفع حجم الإنفاق الحقيقي على خدمات الرعاية الصحية وأفضى إلى الوضع الراهن الذي نفتقر فيه إلى نظام رعاية صحية فاعل بوجود قطاع سقيم"، على حد تعبير وينديل بوتر، مسؤول تنفيذي سابق في مجال التأمين الصحي ومدافع شرس عن برنامج "الرعاية الطبية للجميع".

ومع تأهب الولايات المتحدة لخوض انتخابات رئاسية جديدة تضع مستقبل الرعاية الطبية على المحك، لا  يسع بوتر سوى أن يدق ناقوس الخطر ويُحذر من "مصدر الحملات الدعائية" التي تنهال على برنامج "الرعاية الطبية للجميع" من كافة الاتجاهات، معولاً على الجهود الجبارة التي بذلها، مذ تخليه عن مسيرته العشرينية في شركتي التأمين العملاقتين "سيغنا" (Cigna) و"هيومانا" (Humana)، في سبيل فضح المناورات الإعلامية والسياسية التي ينتهجها قطاع التأمين الصحي في حربه الضروس على الخطة التي يُمكن أن تُدمره وتُطيح بأرباحه المقدرة بمليارات الدولارات.      

في الوقت الحاضر، تعتمد الولايات المتحدة على نظام صحي متعدد الدوافع تتقاسمه فيما بينها شركات التأمين والبرامج الحكومية والخدمات الرعائية الأخرى. ومن المفترض ببرنامج "الرعاية الطبية للجميع" أن يُوحد الأميركيين حول "خطة" حكومية واحدة ويمنح الولايات المتحدة بالتالي ورقة الضغط التي تلزمها لخفض التكاليف الصحية.

وبحسب بوتر، مثلما أثار "قانون الرعاية الميسرة" (ACA) غضب المشرعين المحافظين منذ عقد من الزمن، يلعب الجدل المتجدد حول مستقبل الرعاية الصحية الأميركية دوراً مهماً في صياغة "دليل الخروج من القطاع"، قل الدليل الذي أسهم بوتر شخصياً في كتابته تصدياً لإصلاحات "قانون الرعاية الميسرة".

"شهدتُ على تنفيذ تلك الحملة. وكنتُ قد بدأتُ أستشيط غيظاً للصراحة... رأيتُ الوسائط الإعلامية تُسلط الضوء على العمل الذي كنتُ أقوم به... فلم أقوَ على الوقوف على الهامش مكتوف اليدين"، أوضح بوتر.

"لم يعد الوضع القائم مناسباً للجميع"

فيما يُلملم الحقل الديمقراطي نفسه بعد الخسائر التي مُني بها في أول ولايتين رئيسيتين، يتأهب سيناتور فيرمونت لمعركة أكثر شراسة في نيفادا الملقبة بالولاية الفضية، معولاً على 10 مكاتب و200 موظف، ربعهم من التبعية اللاتينية، لإدارة حملته الانتخابية.

هذا بالإضافة طبعاً إلى الدعم النقابي الكبير الذي يحوزه ساندرز مقارنةً بالمرشحين الآخرين، حيث تحصد خطة "الرعاية الطبية للجميع" الخاصة به تأييد أكثر من 12 نقابة، بما فيها: "الممرضات الوطنيات المتحدات" (NNU)، أكبر نقابة للممرضات المسجلات في الولايات المتحدة.

ولكن النقابة الأكبر والأقوى سياسياً في نيفادا لا تقدم الدعم المباشر لأي مرشح، شأنها شأن "اتحاد عمال الطهي" الذي يضم نحو 60 ألف موظف في مجال الضيافة، الذي أصدر عشية الانتخابات التمهيدية في نيو هامشير منشوراً استفرد فيه بخطة ساندرز الصحية، على اعتبار أنها قد "تضع حداً للرعاية الصحية الخاصة بالمهنيين في ميدان الطهي".

وفي أعقاب المنشور، صرحت أمينة صندوق النقابة جوكوندا أرغويلو-كلاين أننا "لن ندعم مرشحاً معيناً"، بل "سندعم أهدافنا" كما فعلنا عام 2016.

وصحيح أن المنشور الذي لا يتعدى ورقة واحدة يختصر مواقف العديد من المرشحين من خطة ساندرز التي يُفترض بأنها "ستضع حداً للرعاية الصحية الخاصة بالمهنيين في مجال الطهي"، لكنه يستعرض كذلك خطة إليزابيت وارن الرامية إلى "استبدال الرعاية الصحية الخاصة بالمهنيين في مجال الطهي" بخطة انتقالية تمتد على ثلاث سنوات أو باتفاقات المساومة الجماعية الحالية. وتجدر الإشارة إلى أن كلا المرشحين، أي ساندرز ووارن يدعمان وبقوة برنامج "الرعاية الطبية للجميع".

وفي ما يتعلق بخطة الرعاية الصحية لاتحاد عمال الطهي، فهي تخضع لإدارة صندوق ائتماني غير ربحي وتوفر الخدمات الصحية لنحو 130 ألف شخص، بمن فيهم أعضاء النقابة وعائلاتهم.

لكن هؤلاء المستفيدين لم يعلموا من النقابة أن خطة ساندرز تضمن الرعاية الصحية لكل واحد فيهم، لا بل تضمن الرعاية الصحية لكل الأميركيين سواسية وبصرف النظر عن الوظيفة التي يشغلونها. والأكثر من ذلك أنهم لا يزالون حتى الآن غير مدركين أن العمال المضربين لن يخسروا الرعاية الصحية وستتسنى للنقابات فرصة التعويل على خطة طبية مضمونة لتنظيم مكاسب أساسية أخرى، كحث أرباب العمل على زيادة رواتب موظفيهم متى لم يعودوا مجبرين على دفع جزء من تكلفة الخدمات الصحية المخصصة لهم. 

وفي حين استنكر مناصرو ساندرز المنشور، انتهز منافسوه الفرصة للإعراب عن دعمهم الكبير للنقابة والترويج لخططها الصحية.

ففي تغريدة له عبر "تويتر"، صرح بيت بوتيجيج، الرئيس السابق لبلدية ساوث بلاند في إنديانا والمنافس الأبرز لساندرز في أوساط الديمقراطيين لا سيما في آيوا ونيو هامشير أن "ثمة 14 مليون عامل نقابي في أميركا؛ وهؤلاء ضحوا بالغالي والنفيس من أجل الحصول على مكاسب صحية من أرباب العمل. وبنظرهم، (الرعاية الطبية لكل من يريدها) تُحافظ على خططهم وتضمن لأعضاء النقابات حرية اختيار التغطية التي تُلائمهم".

ورداً على هذه التغريدة، أشار بوتر إلى أن هجوم بوتيجيج على خدمة "الرعاية الطبية للجميع" "سيُسعد رفاقي القدماء في قطاع التأمين، إذ تقضي خطته الإبقاء على النظام نفسه الذي يحصد أرباحاً طائلة على حساب حياة الملايين ]و[ أموالهم".

واستطرد قائلاً لصحيفة "اندبندنت" إن تعمد المرشحين ترك المجال مفتوحاً أمام شركات التأمين الخاصة – كبرنامج "الرعاية الطبية لكل من يريدها" لـ"بوتيجيج" واعتماد "خيار عام" إلى جانب الحفاظ على شركات التأمين الخاصة – "لن يؤثر في أساسات النظام المزري والباهظ بأي شكل من الأشكال".

"والحقيقة أن مجرد إضافة الخيار العام كفيل وحده في إبقاء السبب الذي يجعل من نظامنا الصحي نظاماً باهظاً"، على حد قول بوتر.

وبالنسبة إلى حملة بوتيجيج، فهي تحظى بدعم القطاع الصحي الذي لم يتوانَ عن الجود عليه بتبرعات طائلة تجاوزت حد الثلاثة ملايين دولار عام 2019. لكن هذا الدعم يتضاءل أمام شركات التأمين وشركات الأدوية والمستشفيات وسواها من المجموعات التي خاضت وتخوض حرباً قوية لمناهضة نظام "الرعاية الطبية للجميع" والدفاع عن "قانون الرعاية الميسرة"، بوصفه آخر انتصار ديمقراطي كبير في مجال الرعاية الصحية.

وتأتي الـ"شراكة من أجل مستقبل الرعاية الصحية الأميركية" (Partnership for America's Health Care Future) في طليعة هذه المجموعات الضاغطة لقمع "الرعاية الطبية للجميع" وإصدار تشريعات توسع من دور الحكومة في إدارة خدمات الرعاية الصحية.

ويُمكن تعريف الـ "شراكة من أجل مستقبل الرعاية الصحية الأميركية" على أنها تحالف مخصص للمستشفيات وشركات التأمين، بما فيها، "اتحاد المستشفيات الأميركية" و"خطط التأمين الصحي الأميركية" (AHIP) ومجموعة "البحوث الصيدلانية والشركات المصنعة في أميركا" (PhRMA) و"رابطة المستشفيات الأميركية" و"جمعية بلو كروس بلو شيلد" (Blue Cross Blue Shield).

وفي إطار حملتها الدعائية الأخيرة عبر موقعي "إم إس إن بي سي" (MSNBC) و"إن بي سي" (NBC) الإلكترونيين، روجت المجموعة لإعلانات باللغة الاسبانية أعرب فيها الممثلون عن قلقهم على أفراد عائلاتهم من إمكانية خسارتهم للرعاية الطبية الخاصة ومن ارتفاع الضرائب، مدعين أن "الاقتراحات التي تتحكم بها الحكومة" قد تُضاعف "الضرائب المفروضة على الدخل".

ويتبين من هذه الإعلانات أن المجموعة تخشى على الأميركيين من الخطة الجديدة التي يُمكن أن "تُجبرهم على دفع المزيد من المال" و"الانتظار وقتاً أطول من المعتاد للحصول على رعاية صحية مزرية في أحسن الأحوال" في ظل نظام "يُديره السياسيون" – وهذا يندرج ضمن نقاط التحاور التي نجح بوتر في تجميعها أثناء عمله في شركات التأمين.

وفي سياق متصل، ذكر تيموثي فوست، أحد مؤيدي البرنامج الأحادي المُنفق وكاتب "العدالة الصحية الآن: الخطة أحادية الدافع وما يليها" (Health Justice Now: Single Payer and What Comes Next) أن عقوداً طويلة من "الاحتيال وعدم الكفاءة" أثبتت أنها مصدر ربح مجز لا ينبغي للقطاع التخلي عنه.

"لو كنت اليوم مستشفى كبير أو شركة أسهم خاصة مالكة لمستشفى أو مدير مستفيد أو شركة تأمين – فإن كل هذا الاحتيال وكل هذا الهدر يعتمد على أسلوبك في تحقيق المكاسب والأرباح، وفق ما أخبره فوست لصحيفة "اندبندنت".

ومع تجاوز متوسط اقتطاعات التأمين حد الـ4 آلاف دولار بقليل وعدم امتلاك 40 في المئة من الأميركيين مبلغ 400 دولار للحصول على رعاية طبية طارئة، أكد فوست أن "التناقضات كبيرة جداً" ويصعب بوجودها الحفاظ على الوضع القائم الذي ما عاد يصب في مصلحة معظم الناس".

"خوف وحيرة وريبة"

هاجم بوتيجيج نظيره ساندرز بحجة ارتفاع تكلفة تشريع خطة "الرعاية الطبية للجميع" التي يُنادي بها – مع احتمال بلوغها، وفق التقديرات، عدة تريليونات دولار في غضون عشر سنوات. واعتبر بوتيجيج أنه سيكون على الأميركيين دفع ضرائب رقمية أعلى بدلاً عن الاقتطاعات وحصص الاسترداد وسواها من التكاليف، غافلاً عن تحليلات العقد الأخير التي قدرت، أو على الأقل خمسة منها، إمكانية خفض التكاليف الحالية عن طريق البرنامج ذي المُنفق الفردي؛ ناهيك عن أحدث دراسات "جامعة ييل" (Yale University)، التي رأت في الخطة الأحادية المُنفق سبيلاً يوفر على الأميركيين أكثر من 450 مليار دولار من التكاليف الصحية و68 ألف حالة وفاة غير ضرورية كل عام، ويوفر على العائلات قرابة الـ2400 دولار أميركي في المدخرات الصحية السنوية.

"في هذه الحالة، يُمكن القول إن الخطة الأحادية المُنفق هي الخيار الحصيف من الناحية المالية"، على حد تعبير فوست الذي يلوم "خططاً كخطة بوتيجيج الداعية إلى مواصلة استجداء شركات التأمين والتذلل لها... على استمرارية هذا الشيء الغبي".

وفي الولايات المتحدة اليوم، يحظى العديد من المواطنين بالتغطية الصحية بموجب خطط تأمين يضمنها لهم أرباب العمل. ولما يترك هؤلاء عملهم أو يغيرونه أو يُطردون منه، يخسرون التأمين ما لم يأخذوا على عاتقهم دفع تكاليفه لفترة وجيزة وبمعدل أعلى نسبياً.

ومقابل هذه الفئة، ثمة 37 مليون أميركي غير مؤمنين وأكثر من 40 مليون آخرين مؤمنين تأميناً غير كاف، بمعنى أنهم يدفعون من جيوبهم تكاليف باهظة ويواجهون مغبة الإفلاس أحياناً لدفع فواتيرهم الطبية.

وفي كل حالة من حالات التأمين، يدفع الأميركيون أقساطاً شهرية واقتطاعات سنوية وحصص استرداد ومصاريف أخرى بآلاف الدولارات لتلقي العلاج الذي يتوخونه سواء أضمن شبكة التأمين أو خارجها.

وعن هذه النقطة بالذات، قال بوتر إن شركات التأمين تعمل من دون توقف على تضمين حملاتها رسائل تزرع "الخوف والحيرة والريبة" في النفوس، "فهي تبرع جداً في هذا النوع من الممارسات وتعرف تماماً أن المساءلة قليلة وأن الناس لا يعرفون ما هي مُقدمة عليه".

وبرأيه، هناك حملة تضليل – تستهدف أهمية "الخيار" و"المنافسة" في الرعاية الصحية – وتشوش على نقص الخيارات لدى مقدمي التأمين في القطاع الخاص، في ظل محدودية حصول الأميركيين على الرعاية من قبل أطباء داخل الشبكة والتكلفة الباهظة لاستشارتهم أحياناً أطباء أو مقدمي خدمات من خارج الشبكة.

ففي نهاية المطاف، أرباب العمل هم الذين يختارون مستوى التغطية التي يحصل عليها الموظفون، وهم الذين يتحكمون بمصيرهم ويقررون صرفهم وتركهم من دون تأمين من عدمه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وانطلاقاً من هذا الواقع، رأى فوست أن "الخطة أحادية المُنفق هي حركة تحررية بالنسبة إلى الشعب الأميركي"، على اعتبار أن توفير التأمين لجميع الأميركيين سواسية قد يُخفف عن العاملين عبء وظائف رديئة ويساعد الكثيرين في التخلص من العلاقات المؤذية التي يعولون عليها للاستفادة من التغطية التأمينية للشريك.

أما بوتر، فنبه من الرسالة التي تُروج لها المعارضة وتعتبر أن إلغاء التأمين الخاص "يخنق الابتكار"، كونها لا تقيم وزناً للاستثمارات الكبيرة التي توظفها البرامج الحكومية، على غرار "المعهد الوطني للصحة" في الشركات الخاصة على حساب دافعي الضرائب.

وأضاف أن الخوف من "استيلاء الحكومة على الرعاية الصحية" هو "أحد تلك الرسائل التي اختُبرت في مجموعات التركيز" على وقع محاولات المحافظين نشر بذور الارتياب إزاء دور الحكومة في تعزيز الدعم المخصص للقطاع الخاص.

وفي ما يخص الادعاءات التي تفيد بأن تطبيق خطة صحية مؤممة "يخالف بشكل كلي القيم الأميركية"، لفت بوتر إلى أنها تذكره بالبلبلة التي أثارها "قانون الرعاية الميسرة"، التي أثبتت إحدى المجموعات، وتحديداً اللوبي الصحي، مدى أهميته بنظر الشريحة الأوسع من الأميركيين.

"نحن نعتني ببعضنا البعض. وهذا أمر لا بد من تأكيده والمضي به قدماً "، ختم بوتر.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات