Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وجه آخر لمبارك... ممثل صامت وخفيف الظل إن سُئل عن "الكرسي"

حذف مشاهده من أشرطة السينما... وداعب مقاطعي خطبه الرئاسية

كان من الممكن أن يصبح الرئيس الأسبق حسني مبارك أكثر حضوراً في الذاكرة السينمائية المصرية، لولا أنه اختار أن "يلغي" لقطاته النادرة في الأفلام التي شارك فيها كممثل حينما كان شاباً، وعلى ما يبدو أن الأمر لم يكن بالمصادفة، فعلى الأرجح كان لدى ضابط الطيران الذي يبدأ حياته حينها حباً وولعاً بالسينما الساحرة، مثله مثل كثيرين، فتكرار ظهوره في ثلاثة أفلام أثناء عمله في سلاح الطيران منذ خمسينيات وحتى سبيعنيات القرن الماضي، يشير إلى أن الحكاية استهوته ربما، رغم نمطية مشاركاته كضابط أو كقائد طيران يظهر بملابسه الرسمية يشرح ويخطط ويعطي النصائح لمرؤوسيه، ماذا جرى إذن جعله يخفي تلك المشاهد؟!، لتعرض الأفلام، على الشاشات المصرية على الأقل من دونها طوال فترة حكمه التي امتدت لثلاثين عاماً وانتهت بثورة شعبية دفعته إلى التنحي عن الحكم في 11 فبراير (شباط) 2011.

القائد الصامت في أفلام الأبيض والأسود

اختار الرئيس الأسبق الذي فارق الحياة في 25 فبراير الحالي قبل أن يكمل عامه الثاني والتسعين، أن تكون صورته أمام الشعب فقط كقائد سياسي محنك نجح في أن يستمر على كرسيه لمدة ثلاثة عقود، ومن ثم كان التلفزيون المصري يتناوب على عرض الأفلام التي ظهر فيها، فيما تختفي لقطاته هو نهائياً، رغم أنها لم تكن تنتقص منه شيئاً، على العكس فقد كان يقوم بدور مقدر جداً في الثقافة المصرية وهو تنفيذ خطط هجوم الطيران لقِتال العدو، فقد كان يجسد حقيقته كعسكري ناجح.

 

ولكثرة عرض تلك الأفلام من دون اللقطات التي يظهر فيها مبارك، اندثرت أغلب المشاهد، حتى أن لا أحد يذكر شيئاً عن لمحات ظهوره، وكان أولها عام 1951، في فيلم "ليلة الحنة" مع شادية وكمال الشناوي، حيث مر بشكل عابر من أمام الكاميرا وكان يظهر كضابط صغير بسلاح الطيران، رغم أن الفيلم كانت قصته الأساسية اجتماعية، والفيلم من تأليف وإخراج أنور وجدي.

لماذا منع مبارك عرض "أفلامه"؟!‏

ورغم أن فيلم "وداع في الفجر" 1956 تأليف السيد بدير وإخراج حسن الإمام، كان يُعرض نادراً على الشاشات طوال فترة حكم مبارك، وإذا حدث ذلك يكون من دون لقطات ظهوره، لا تزال المشاهد الذي يظهر فيها الرئيس الراحل متداولة، وهذه المرة أيضاً مع كمال الشناوي وشادية، حيث يتناول الفيلم بطولات الجيش المصري في حرب فلسطين 1948، وقد ظهر مبارك كقائد سرب طيران يوجه الجنود، وبينهم البطل كمال الشناوي، حيث جرى التصوير في قاعدة جوية حقيقية، وكان من المفترض أن يظهر متكلماً ولكن تم الاكتفاء باللقطات الصامتة.

 

مشاركته في فيلم "العمر لحظة" كانت من أرض الواقع، حيث تم الاستعانة بعدة لقطات تسجيلية للرئيس مبارك أثناء الإعداد للضربة الجوية في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، ويعد هذا الشريط السينمائي من أهم الأفلام التي تناولت فترة حرب الاستنزاف وحتى النصر، وهو من إنتاج الفنانة ماجدة التي قامت بالبطولة أيضاً إلى جانب أحمد زكي وأحمد مظهر وناهد شريف ونبيلة عبيد، والفيلم من تأليف يوسف السباعي وإخراج محمد راضي وعُرض في عام 1978.

لقطة عابرة في "جواز بقرار جمهوري"

إذن الأفلام الثلاثة صُورت وعُرضت قبيل وصول مبارك إلى الحكم 1981، منذ ذلك الوقت اختفت لقطات ظهوره على هذه الأشرطة، ولكن اللافت أنه مع تقدمه في سنوات الحكم، بدا أن مبارك أكثر انفتاحاً على تجسيد لمحات عنه في السينما مجدداً، ورغم أن هذا الأمر لم يترجم مثلاً في عودة اللقطات الممنوعة، فقد تدخل بنفسه لعرض فيلم "جواز بقرار جمهوري" للمخرج خالد يوسف، وهي المعلومة التي أكدها بطل الفيلم هاني رمزي في تصريحات تلفزيونية، حيث عُرض الفيلم عام 2001، وكان يتناول قصة عروسين (هاني رمزي وحنان ترك) يحلمان بأن يحضر حفل زفافهما رئيس الجمهورية، وبالفعل يوافق ويحضر الحفل في منطقة شعبية، وتم الاستعانة بـ"دوبلير" بهيئة شبيهة للرئيس حينها، مع استخدام تقنية الـ"فوتوشوب" لتركيب وجه مبارك، لتظهر لقطة واحدة تشير إلى رضا الرئيس عن الفيلم.

"طباخ الريس" يصالح مبارك

وفي عام 2008 كان انفتاح مبارك الأكبر على السينما من خلال الموافقة على عرض الفيلم الكوميدي "طباخ الريس" بطولة الفنان طلعت زكريا، فرغم أن مبارك لم يظهر في الفيلم بنفسه، كان هناك حرص على أن تظهر شخصية الرئيس في العمل، قريبة جداً في هيئتها ولفتاتها من مبارك، وهو بدا واضحا من أداء الفنان خالد زكي للدور، وتم التركيز على إيجابيات المنصب وتواضع صاحبه.

الفيلم الذي أخرجه سعيد حامد وكتبه يوسف معاطي، كان سبباً في علاقة صداقة بين مبارك وبطل الفيلم طلعت زكريا الذي قدّم دور الطباخ، والتقيا وتحدثا هاتفياً، في حين أعلنت إيمي ابنة الممثل الراحل أن أسرة مبارك لا تزال حتى الآن على تواصل مع عائلتها، حيث نشأت علاقة طيبة بينهما بسبب هذا العمل.

نصائح المستشارين وراء حجب اللقطات

ماذا حدث بين الزمنين؟ فقد كان ممنوعاً عرض الأفلام التي يظهر فيها الرئيس بشكل عابر على التلفزيون المصري، ثم فجأة بات الحديث عنه مسموحاً في الأعمال الفنية بشكل مباشر وغير مباشر أيضاً.

تقول الناقدة ماجدة موريس، لـ"اندبندنت عربية"، إن "فكرة حذف اللقطات التي يظهر فيها الرئيس الراحل من الأفلام لا يمكن التأكد منها، فمسألة وجود قرار بهذا الشكل لا يمكن التيقن منها في ظل عدم وجود وثيقة مكتوبة، ولكنه بالطبع أمر وارد وإن كانت إدارة الرقابة وقتها لم تفصح عنه صراحة، خصوصاً أن نسخاً من هذه الأفلام كانت تُعرض بالفعل من دون أي مشهد أو لقطة لمبارك".

وتفسر الأمر بأن "ظهور مبارك في عدة أفلام قبل أن يصبح رئيساً، ربما كان ينبع من رغبة ما في الظهور على شاشة السينما، ولكن بعد أن بات في منصب رئيس الدولة تغيرت بعض الأمور، وقد لا يكون هو السبب في حذف مشاهده بشكل مباشر".

تتابع "ربما يكون مبارك تأثر بآراء مَنْ حوله مثل الأبناء والعائلة عموماً، وأيضاً فريق مستشاريه، فقد يكون بعضهم رأى أن هذا الظهور قد ينتقص من قوته وصورته الشخصية كرئيس، ‏وعلى الأرجح أنه كانت لديه رغبة في الظهور سينمائياً بشكل أو بآخر".

وأشارت موريس إلى أن "الأفلام التي ظهر فيها مبارك في بداية حياته المهنية كضابط، أغلبها لا يُعرض من الأساس على الشاشات المصرية إلا نادراً، نظراً إلى عدم وجود اهتمام حقيقي بتراث السينما، وهو أمر تجلى بوضوح في عهده، حيث لم يكن هناك أي اهتمام بالموروث السينمائي، كما دخلت صناعة السينما في أزمة، ولم يُهتم حتى بإنتاج أفلام تتناول بطولات حرب أكتوبر".

مواقف وطرائف

وفي حياة الرئيس الراحل أيضاً طرائف ومواقف إنسانية سجلتها أقلام بعض الكتّاب، ففي كتابه "مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان" يروي جانباً منها الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل، وهي مواقف جمعت مبارك ببعض الرموز والشخصيات العامة وسمعها منهم هيكل شخصياً أو جمعته بالرئيس الأسبق.

ومن بين تلك المواقف ينقل المؤلف عن الكاتب الصحافي محمود السعدني خلال لقاء جمعه بمبارك قال فيه إنه قابل الرئيس مبارك ذات مرة قائلًا "جلست مع الرئيس ساعة كاملة كلها ضحك ونكات، وعندما حان موعد انصرافي سألته مشيراً إلى المقعد الذي كان يجلس عليه "يا ريس، ما هو شعورك وأنت تجلس على الكرسي الذي جلس عليه رمسيس الثاني وصلاح الدين ومحمد علي وجمال عبد الناصر؟"، فرد على السعدني وهو ينظر إلى الكرسي "هل أعجبك الكرسي؟ إذا كان أعجبك، فخذه معك!". وأوضح هيكل أن السعدني روى له هذا الموقف وهو يخبط كفاً بكف ويقول "خرجتُ وطول الطريق لم أفق من الصدمة".

شكوى أثناء خطاب رئاسي

ومن المواقف الطريفة الأخرى التي سجلتها عدسات الكاميرات، تلك التي كانت مع مواطنين عاديين، فأثناء أحد خطاباته الرئاسية قاطعه أحد الحضور شاكياً من أنه كان يُنهي طلباً لنجله في قسم الشرطة، وطُلب منه سداد مبلغ 2 جنيه و35 قرشاً، ورد عليه مبارك قائلاً "على العموم الموضوع متعلق بإجراءات القسم، ابقى ابعتهولي وأنا أخلصهولك" (أرسله لي وسأنجزه لك).

قصيدة شعر مطوّلة

وعندما كان يستعد الرئيس لإلقاء أحد خطاباته، واقفاً على المنصة، بدأ مواطن بإلقاء شعر باللهجة الدارجة يقول فيه "يا زعيم الأمة العربية، يا قائد الضربة الجوية، إحنا عمال المايه (المياه)، باعتينلك (نرسل إليك) تهنئة وتحية، وطمنا على حالتك الصحية"، ومع الإطالة في إلقاء الشعر علق مبارك ضاحكاً "أنت شاعر كبير أوي (جداً)".

300 مليون رغيف خبز يومياً

وخلال لقاء تلفزيوني، علّق على عدد أرغفة الخبز التي يستهلكها الشعب يومياً قائلاً بالعامية المصرية "أفتكر بيتاكل حوالي 300 مليون رغيف في اليوم"، وسأل "مونتيراً" في التلفزيون "أكلت كم رغيف يا محمود؟" فرد "10 في الفطار يا ريس، والغداء 10 والعشاء 10".

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة