Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شاب فلسطيني يروي تفاصيل مشاركته في الإرباك الليلي في غزة

بحركة سريعة متفق عليها، يُهرول الشبان واحداً تلو الآخر. يسلُك كلّ منهم طريقاً مختلفة، للوصول إلى المنطقة الشرقية في قطاع غزّة، التي لا تبعد عن الحدود مع الجانب الإسرائيلي سوى أمتارٍ معدودة

يتسلل متخفياً بين الأحراش. يتحرك بخفة، ويتجوّل بنظره في كلّ مكان. يتفحص الشارع أمامه، حاملاً حقيبة على كتفه. ثم يسلك الطرق الوعرة التي توصله إلى مكان تجمّع الشبان لبدء فعالية الإرباك الليلي. في المكان المحدّد، يجتمع محمد برفقة أعضاء مجموعته لوضع خططهم. يُلقي كلّ واحد منهم التحية عند وصوله. لكن تحيتهم ليست معتادة، إذ لها مراسم وأساليب مختلفة، منها الكشف عمّا بداخل الحقيبة من مواد مشتعلة، وارتداء قناع الوجه.

بحركة سريعة متفق عليها، يُهرول الشبان واحداً تلو الآخر. يسلُك كلّ واحد منهم طريقاً مختلفة، للوصول إلى المنطقة الشرقية في قطاع غزّة، التي لا تبعد عن الحدود مع الجانب الإسرائيلي سوى أمتارٍ معدودة، حيث يتمترس جنود إسرائيليون خلف ترسانة قتالية مجهزّة.

إنه الموعد

الساعة تُشير إلى السابعة مساءً. "إنّه الموعد…"، يصرخ محمد. ومن دون سابق إنذار، يضيء المتظاهرون الشهب الملتهبة، ويبدأون حركة سريعة لنقل الشعلة إلى ساحة المكان، بهدف تشتيت الجنود الإسرائيليين ومنعهم من رصد الشبان. "انتبه يا سعيد كاد وجهك يظهر، الاحتلال مكّار ويمكنه معرفة ملامحك"، يخاطب محمد أحد الشبان، الذي يتولى إشعال إطارات السيارات "الكاوتشوك"، المخصصة لإنارة المكان، فضلاً عن محاولة مضايقة الجنود برائحة الدخان الكريهة.

يعمل الشبان، الذين يُقدر عددهم بـ 50 متظاهراً، في مجموعات لكلّ واحدة منها مهماتها وزمن عملها، لخلق مزيد من الإرباك والتوتر لدى الجنود. يوضح محمد أن "هناك مجموعة لتحضير الأدوات، وأخرى لاستخدام الليزر والكشافات، وثالثة لتفجير العبوات، فضلاً عن وحدة قص السلك".

الركض السريع الميّزة الأساسية

الركض السريع هو الميّزة الأساسية التي يتمتع بها المشاركون في وحدة الإرباك، التي يمكن للمواطنين عموماً المشاركة فيها، سواءً بتقديم الدعم والمساندة أو الحضور الفعال في الميدان. "لا يوجد راحة، وإلا يرصدك القناصة"، يقول محمد وهو يمسك بيده "الديناميت"، التي يلقيها باتجاه الإسرائيليين عبر مقلاع صنعه من بعض الأعواد الخشبية. ويشرح أن "الديناميت عبارة عن ألعاب نارية تستخدم في الاحتفالات، لكن صوتها القوي يُرعب الجنود".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بطالة وصوت واحد

محمد، الذي انتهى من دراسة القانون الدولي، وتعود أصوله إلى قرية القبيبة في محافظة القدس، يشارك يومياً في وحدة الإرباك الليلي، التي تُعد إحدى الأدوات السلمية الشعبية لمسيرة العودة وكسر الحصار، التي انطلقت في 30 مارس (آذار) الماضي. يُرجع محمد مشاركته في هذه التحركات إلى تضرره من الحصار المفروض على غزّة منذ 12 عاماً. إذ بسببه لم يجد عملاً، مثله مثل آخرين كثر يعانون البطالة، التي استشرت في القطاع ووصلت نسبتها إلى 75 في المئة بين العمال والخريجين.

يُوّجه محمد تعليماته إلى الشبان. كأن يقول إن "النيران اشتدت اشتعالاً، أين أقلام الصوت"، وهي طريقة يبدو أن الجميع يفهمها. يدير ظهره ويفتح يده ليلتقطها، ويقول إن "أقلام الصوت هي إحدى الأدوات التفجيرية، التي تصدر صوتاً قوياً، لكنها لا تسبب ضرراً إذا أصابت جندياً"، في إشارة منه إلى مدى سلمية الأدوات وشعبيتها.

فتيل الصوت"

ومن ضمن الأدوات المستخدمة، التي تجعل المنطقة تظهر كأنها بقعة من النيران، "فتيل الصوت"، الذي يصفه محمد بأنه "عبارة عن زجاجة بلاستيكية تحتوي على مواد تنظيف (ماء نار) وفتيل قابل للاشتعال". بصوت واحد، يهتف الجميع بعبارات تطالب الجندي الإسرائيلي بالرحيل عن أرض فلسطين. "ارجع إلى بلدك، هاي فلسطين إلنا". كما أن اسم القدس يبقى حاضراً على ألسنة الشباب كلما رمى أحدهم فتيل النار أو "الديناميت". يقول الشبان إن "القدس عاصمة فلسطين" "ولن ينجح (الرئيس الأميركي دونالد) ترمب في صفقته".

يبدو أنّ هذه العبارات تغضب الإسرائيلي، الذي بدأ بإطلاق قنابل الغاز والقنابل المضيئة، فضلاً عن الرصاص الحي، واستخدم مضخات المياه. وفي هذا السياق، تتهم وزارة الصحة الفلسطينية القوات الإسرائيلية باستخدام الغاز المحرم دولياً، بعد إجرائها بضعة فحوص على فوارغ القنابل.و أصوات إطلاق النار والرصاص الخطاط، التي يطلقها الجنود، لا تتوقف. في المقابل، لا يتوقف الشباب عن رمي "الكوع المتفجر المصنوع يدوياً". يقول محمد إن "الكوع أستخدم في الانتفاضة الأولى، وهو مشرّع وفق القانون كإحدى الأدوات الشعبية".

"الله أكبر… الله أكبر"

"الله أكبر… الله أكبر"، هتف محمد بصوت قوي، تبعته أصوات المجموعة بالهتاف نفسه. وبحركة يده الدائرية رشق حجراً عبر المقلاع، ونادى خليل ليرسم على وجهه خطوطاً للتمويه. خليل، وهو أحد أعضاء مجموعة الإرباك، مُتخصّص بالرسم على وجوه المجموعة أو صناعة أقنعة للشبان، خصوصاً أن الجيش الإسرائيلي يملك أجهزة تكنولوجية متطوّرة تمكنه من الكشف عن هوية الشبان. وحول آلية تصنيع الألعاب النارية، يقول محمد إن "عدداً من المشاركين أنهى دراسة الهندسة والكيمياء والفيزياء، وهم يساعدوننا في صناعة متفجرات بدائية، وكلها جهود ذاتية فريدة". يقاطعه أحمد ليقول "كلّ قضايا الوطن نجسدها هنا. نخرج نصرةً للقدس ولرفض الحصار". لم يُكمل أحمد جملته إلا وكانت رصاصة إسرائيلية اخترقت قدمه، فتجمهر الجميع حوله لإسعافه.

الإسرائيليون تنصلوا من التفاهمات

نشرت وزارة الصحة الفلسطينية عدداً من الغرف الطبية في مخيمات مسيرة العودة الستة المنتشرة في محافظات القطاع، وخصصت طاقماً طبياً للتعامل مع الإصابات. ووفق أشرف القدرة، المتحدث باسم الوزارة، فإنّ حوالي 60 إصابة بالرصاص الحي سُجّلت منذ عودة تحركات الإرباك الليلي.

وكانت تحركات الإرباك الليلي قد توقفت سابقاً ضمن التفاهمات الأخيرة، التي توسط لها جهاز المخابرات المصري بين الجانب الإسرائيلي وهيئة المسيرة. لكن قيادة المسيرة قالت إنّ الإسرائيليين تنصلوا من هذه التفاهمات.

في المقابل، أعلنت غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة في غزّة تصعيد الجبهة إذا استمرت القوات الإسرائيلية باستهداف المدنيين. ودعت وحدة قصّ السلك إلى زيادة عملها، وأرسلت إنذاراً أخيراً للإسرائيليين بشأن إيقاف تهويد القدس، وإلا فستعلن "جبهة حرب جديدة".

المزيد من تحقيقات ومطولات