تسعة أعوام مرت على وضع الحكومة العراقية حجر الأساس لميناء الفاو الكبير في شبه جزيرة الفاو المطلة على الخليج، وما زال المشروع يسير ببطء شديد لأسباب يعزوها متخصصون في الشأن الاقتصادي إلى تحديات تتعلق بالتمويل، مع تأكيدهم أن الميناء يمكن أن يحقق قفزة على مستوى النقل البحري بين الشرق والغرب في حال إنجازه وربطه بخطوط سكك الحديد التي تستخدم في شحن البضائع الآسيوية إلى أوروبا مروراً بتركيا.
طموح كبير وتمويل قليل
وتفيد التصاميم الأساسية للمشروع التي وضعتها شركة استشارية إيطالية، بأن طاقة الميناء الاستيعابية القصوى 99 مليون طن في السنة، ويتكون من عشرات الأرصفة والساحات ومستودعات التخزين مع إمكان إنشاء مصفاة لإنتاج المنتجات النفطية ومصنع للبتروكيماويات ومطار للشحن الجوي. ويقول مدير مشروع ميناء الفاو الكبير أسعد عبد الرحيم إن "شركة يونانية أنجزت كاسر (حاجز) الأمواج الشرقي، وأوشكت شركة كورية على إنجاز كاسر الأمواج الغربي، وحالياً نعتزم التعاقد مع شركة أجنبية أخرى لحفر حوض الميناء"، مبيناً أن "الحكومة العراقية خصّصت لهذا المشروع ضمن الموازنة العامة للعام الحالي 400 مليار دينار عراقي، ما يساوي 10في المئة من التخصيصات المالية المطلوبة لإنجازه".
ولفت عبد الرحيم إلى أن "من الأفضل إنجاز المشروع بتمويل حكومي، لكن الحكومة غير قادرة على توفير التمويل اللازم، وفي ضوء ذلك لا سبيل لإكمال المشروع إلا باللجوء إلى القطاع الخاص بصيغة الاستثمار"، مضيفاً أن "أربعة ائتلافات تجارية تقودها شركات صينية وسويسرية ويونانية أبدت رغبة جادة في الاستثمار في المشروع، ومن المتوقع الدخول في مفاوضات متقدمة معها تمهيداً لمنح أحد الائتلافات امتياز بناء الميناء وتشغيله مدة 50 عاماً".
عدم ترحيب وارتياح إقليمي
وفق أستاذ علم الاقتصاد في جامعة البصرة د. نبيل المرسومي، فإن "مبلغ 400 مليار دينار الذي خصصته الحكومة خلال العام الحالي لمشروع ميناء الفاو الكبير يعد قليلاً جداً، لكنه أكثر مما خصّص للمشروع خلال الأعوام الخمسة الماضية"، موضحاً أن "خطوات تمويل المشروع إذا استمرت بهذا المستوى من الضعف والتعثر، فالميناء سوف يستغرق إنجازه أكثر من 20 عاماً، في حين أن العراق في حاجة إليه بأسرع وقت".
وأشار المرسومي الذي أصدر قبل أشهر عن دار نشر أردنية كتاباً بعنوان (الأهمية الاقتصادية والدولية لميناء الفاو الكبير)، إلى أن "من الضروري للعراق، أن يكون ضمن المسار الحديث لطريق الحرير باعتباره أهم طريق مستقبلي للتجارة العالمية، ولن يتحقق ذلك إلا بإنجاز ميناء الفاو الكبير، وربطه بخط لسكك الحديد يمتد إلى تركيا"، معتبراً أن "الأهمية الإستراتيجية للميناء تثير قلقاً إقليمياً، إذ يجعل العراق بوابة للتجارة الدولية، ولهذا السبب، فالموقف الإقليمي غير مرحبٍ بإكمال بنائه، خصوصاً أن دولة الكويت تسعى إلى إجراء ربط سككي مع العراق ليكون ميناء مبارك الكبير الذي يشيّد في جزيرة بوبيان بديلاً في الأهمية عن ميناء الفاو الكبير". وأكد المرسومي أن "الميناء يكتسب أهمية قصوى في تطوير الاقتصاد العراقي، ومن المتوقع أن يوفر ما لا يقل عن 70 ألف فرصة عمل"، مبيناً "أنه يعزّز من مكانة مدينة البصرة كعاصمة اقتصادية للعراق لأنه ينشط الحياة الاقتصادية فيها".
موانىء تجارية جميعها في البصرة
جدير بالذكر، أن العراق يمتلك خمسة موانئ تجارية جميعها تقع في البصرة، هي، أم قصر الشمالي، وأم قصر الجنوبي، وخور الزبير، وأبو فلوس، والمعقل. وأبرز ما يميز ميناء الفاو الكبير عنها موقعه الإستراتيجي، إذ يشرف في شكل شبه مباشر على الخليج، خلافاً للموانئ الأخرى التي تقع إلى جانب قنوات ملاحية داخلية. لكن الميناء يبقى مجرد حلم عراقي كبير لم يُضمن تحقيقه لغاية الآن خمسة وزراء تعاقبوا على وزارة النقل منذ وُضع حجر الأساس له.