Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب على حلب... تحرير أم أرمجدون؟

أنصار الحكومة يحتفلون بهزم المتمردين في حلب فيما تتنامى كارثة إنسانية على الجانب الآخر من خطوط المعركة

إلى شمال الصورة: نازحون يفرون إثر تقدم القوات الحكومية السورية في محافظة حلب، وإلى يمينها حشود تحتفل في ساحة سعدالله الجابري (أ.ف.ب.)

أصبحت الحرب السورية كأنها شاشة سينمائية لحظة انقسامها إلى مشهدين متباينين. فخلال الأسبوع الماضي كانت هناك آلاف العوائل المستميتة للهرب من الهجمات الجوية والقصف في حلب الغربية، حيث ترك الكثير منهم بيوتهم للمرة الثالثة أو الرابعة في مسعى غير مُجدٍ لبلوغ السلامة.

في الوقت نفسه، وفي داخل المدينة نفسها، كانت حشود من المناصرين للحكومة تملأ الشوارع احتفالاً باندحار قوات المتمردين في ضواحيها، بينما ادّعى الجيش السوري تحقيق انتصار رمزي واستراتيجي في المعركة طويلة الأمد لاسترجاع حلب.

ويعود الفضل إلى الهجمات الجوية المكثفة للطائرات الروسية والسورية في تمكن وحدات حكومية سورية من استرجاع أكثر من 30 قرية في ريف حلب الغربي خلال يومي السبت والأحد الأخيرين. وبقيامها بذلك، تمكنت من وضع أكبر ثاني مدينة في سوريا خارج نطاق نيران المتمردين، للمرة الأولى، منذ سنين، وعززت سيطرتها على الطريق الرابط بين هذه المدينة التجارية المحورية سابقاً والعاصمة دمشق.

وفي خطاب متلفز يوم الاثنين الماضي، وعد الرئيس السوري، بشار الأسد، بالتقدم أكثر في الهجوم.

وقال إن "هذا التحرير لا يعني نهاية الحرب، ولا يعني نهاية المكائد أو نهاية الإرهاب أو استسلام الأعداء، بل يعني أننا مرغنا أنوفهم بالتراب كمقدمة لانتصار شامل قبل هزيمتهم، عاجلاً أم آجلاً".

وقد أفادت الأخبار الصادرة عن الإعلام الرسمي السوري بأن المدينة أُنقذت "من الإرهاب وقذائف الكراهية والحقد التي عانت منها سنوات كثيرة".

لكن ما كان تحريرا للبعض، كان صنو معركة نهاية العالم بالنسبة إلى الآخرين. إذ نزح حوالى 900 ألف شخص منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي نتيجة الهجوم على حلب الغربية ومحافظة إدلب المجاورة- وهو أكبر نزوح وقع خلال الحرب الأهلية السورية قاطبة.

وكان معظم الذين هربوا من النساء والأطفال. ففي غياب ملجأ للنازحين الجدد، اُضطُر كثير منهم إلى النوم في العراء في ظل درجات حرارة جليدية، وقد تسبب البرد القارس والظروف الرهيبة في المخيمات، إلى موت سبعة أطفال بمن فيهم رضيع عمره سبعة أشهر، حسبما ذكرت منظمة "إنقاذ الأطفال".

وكان كثير من أولئك الذين هربوا من غرب حلب خلال الأسابيع الأخيرة، سبق وأن اقتُلعوا من المدينة نفسها عام 2016، حين استسلمت قوات المتمردين في شرق حلب بعد سنوات من قتال دموي.

وكان أحمد عزيز، ابن التاسعة والعشرين والعامل في المجال الخيري، واحداً منهم. فبعد إقامته في ضواحي غرب حلب، منذ خروجه من شرقها، غادر قبل أسابيع قليلة مكان إقامته مع أسرته باتجاه مدينة أعزاز القريبة من الحدود التركية، ولكن جولات القتال اقتربت كثيراً من مسكنه.

وفي مكالمة مع صحيفة الاندبندنت قال عزيز "أنا لم أذهب بعيدا عن مدينتي. أنا عشت في الريف وكانت قريبة جداً، وكنت أستطيع رؤية الأقسام الغربية من المدينة. كنت أحلم بالعودة إليها".

لكن ذلك الحلم حسب قوله قد تبدد الآن.

وأضاف "بالنسبة إلى مناصري الأسد في مدينتي، أجد الرقص على جثثنا أمر همجي. أولئك الذين أردتهم الحكومة هم بشر. هم أناس أرادوا العيش في بلد حر".

يمكن القول إن مساعي السيطرة على مدينة حلب القديمة كانت من أهم المعارك التي دارت خلال الحرب الأهلية السورية.

وجاء استيلاء المتمردين على الأجزاء الشرقية منها عام 2012 بعد قيام الحكومة بقمع عنيف للاحتجاجات السلمية ضد حكم الأسد، مؤشراً إلى واحد من أكبر نجاحات المعارضة، حتى مع فشلها في اختراق غرب المدينة.

وعلى الرغم من القصف الجوي الفتاك والعشوائي الذي تشنه الطائرات الحكومية، فإن قوات المتمردين ظلت مسيطرة على شرق حلب طوال سنوات عدة، لكن ذلك تغير عام 2015 حين دخلت روسيا الحرب إلى جانب الحكومة السورية.

فبحلول عام 2016، ومع مساعدة موسكو، تمكنت القوات الحكومية من تطويق شرق حلب. وإذا كانت قوات المتمردين هي الأخرى مسؤولة عن القصف العشوائي للنصف الغربي من المدينة، غير إن هجمات الطائرات الروسية والحكومية التي استهدفت المستشفيات والبنى التحتية المدنية في شرق حلب كانت على نطاق أوسع، وأحكمت الضغط على المتمردين والمدنيين على حد سواء حتى استسلموا في ديسمبر (كانون الأول) 2016.  

وجراء ذلك غادرت تشكيلة من مجاميع المتمردين بما فيها ميليشيات إسلامية متطرفة، إلى غرب حلب ومحافظة إدلب، مثلما فعل آلاف المدنيين. وكانت خسارة ذلك الجزء من مدينة حلب ضربة ساحقة لقوات المتمردين، لم يستطيعوا التعافي منها أبداً.

واليوم، ومع الهجمات الجوية الروسية، تمضي قوات الأسد قدماً في معقلي المتمردين بمحافظة إدلب وغرب حلب، اللذين ما زالا تحت سيطرة جماعات محلية وإسلامية متطرفة توحدت لمواجهة الهجوم، ومن بينها "هيئة تحرير الشام" المتطرفة.

وأدى القصف الروسي والسوري إلى مقتل نحو 300 مدني منذ الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي، وقالت الأمم المتحدة يوم الثلاثاء إن 93 في المئة من هذه الوفيات نجمت عن هجمات القوات الحكومية وحلفائها. وظل المدنيون يهربون إلى الحدود التركية، وأعدادهم تفوق كثيراً إمكانيات وكالات الإغاثة على تقديم المساعدة لهم.

وفي هذا الصدد قالت ميشيل باشليت، رئيسة منظمة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، في بيان إن "المدنيين الهاربين من ساحات القتال ينحصرون في مناطق خالية من ملاذات آمنة، وهذه تتقلص ساعة بعد أخرى. مع ذلك، يستمر القصف. إنهم ببساطة لا يعرفون إلى أين يذهبون".

ويوم الاثنين الماضي، حذر مارك لوكوك، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، للشؤون الإنسانية، من " أكثر حوادث الرعب الإنساني في القرن الحادي والعشرين" إذا لم يتوصل إلى وقف لإطلاق النار.

ودعت الأمم المتحدة تركيا، التي تدعم عدداً من الجماعات المتمردة ولديها قوات متمركزة في محافظة إدلب، وروسيا، للقبول بالتوسط على وقف لإطلاق النار، للسماح للمنظمات الإنسانية بتقديم المعونة لأولئك الذين هم بحاجة إليها.

ويوم الاثنين، أنهى وفد تركي مباحثات مع مسؤولين روس في موسكو استغرقت يومين من دون صدور بيان مشترك عنها.

وقد أبقت تركيا حدودها مغلقة أمام السوريين الهاربين من القتال، خوفاً من موجة أخرى من اللاجئين تضاف إلى الـ 3.5 مليون لاجئ سوري موجودين حالياً على أراضيها.

وهذا ما ترك أولئك النازحين هربا من المعارك الأخيرة من أمثال عزيز من دون مكان آخر يتوجهون إليه.

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات