Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في المغرب والجزائر وتونس... يتمسكون بالحب ويحرّضون عليه

شهادات لمشاهير في الإعلام والسياسة والرياضة والفن والأدب

عيد الحب في تونس (غيتي)

يرحلُ عيد ويُقبل آخر وتتقاطع قصص العاشقين، فمن المحبين من لا يزال يُردّد ما قاله الشاعر أبو تمام، والمغني الإماراتي حسين الجسمي "ما الحبّ إلا للحبيب الأول"، ومنهم من لا يعترف ببروتوكولات الرتابة، فيرى أن الحبّ الحقيقي هو الذي يصل مع الإنسان لا ما يمضي عليه الزمن. وبين الحبّ الأول والأخير تنقسم خيارات مشاهير في الإعلام والسياسة والرياضة والفن والأدب.

هل لا زال الحب قوة فاعلة في زمن لا صوت يعلو فوق صوت خطابات الكراهية والعنف؟  

"اندبندنت عربية" سألت شخصيات شمال أفريقية معروفة من مختلف المجالات في الجزائر والمغرب وتونس، منها من عانى موجات كراهية وعنف، ومنها لا يزال مُتمسكاً بالحب ومُحرضاً عليه.

أفلام وكتب

يقولُ الكاتب الجزائري عبد الرزاق بوكبة (43 سنة) "كان جيلي يعيشُ حالة حبّ ممتلئة أولًا، من خلال الأغاني والأفلام والمسلسلات والكتب، قبل أن يعيشها في الواقع، فيكون بذلك حبّاً مثالياً ورومنسياً وحالماً، بصفته ممهّداً للزواج، فقد انتهت معظم الزيجات لذلك".

ويُضيف الروائي والشاعر والمشرف على مقاهي ثقافية عدّة في الجزائر لـ "اندبندنت عربية"، "كانت قصة بول وفرجيني لمصطفى لطفي المنفلوطي أول القصص التي حفرت في وجداني وجعلتني أتطلّع إلى أنثاي التي تملك الجدارة بأن تُقيم في قلبي. لقد بكيتُ بحرارة بعد نهاية القصة، تماماً كما بكيتُ بحرقة بعد أن جاءت الفتاة الأولى التي أحببتها في المرحلة المتوسطة وقالت لي إنها ستتنقل إلى العيش عند خالتها في فرنسا".

ويوضح "لقد شكّلنا فرقة مسرحية معاً وصار حضورها يملأ حياتي بالصور والأحاسيس، فرحْتُ أسأل: كيف ستكون حالتي بعدها؟ هل ستستمر يدي في المصافحة وأنفي في الشم؟ وعيني في الإبصار؟ لقد خفت على حواسي من أن تتعطّل بعدها. وهو ما أثّر في أدائي بعد رحيلها، حتى إنّ الفرقة المسرحية توقفت لتبدأ مسرحية جديدة عليّ وهي العزلة. هناك، بدأت علاقتي الفعلية بالكتابة".

وبحسب بوكبة "يبقى الحبّ مالكاً لطاقة سحرية عبر العصور: قد تختلف طقوس وأبجديات ممارسته من جيل إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى، لكن تأثيره لن يختفي".

حفيظ دراجي

في المقابل، يعتقد الإعلامي والمعلق الرياضي حفيظ دراجي أنه "لا يوجد حبّ أول وحبّ أخير في الحياة، الحبّ إذا لم يستمر فهذا يعني أنه لم يكن أصلاً موجوداً".

ويجزم في تصريحه لـ"اندبندنت عربية" أن "الحبّ يبقى القوة الأساسية لمواجهة كل أشكال الحقد والكراهية والتعصب والانتقام، لكن كل هذه المشاعر ستبقى إلى يوم الدين مثلما سيبقى الخير والشر. أعتقد بأن الحاجة إلى الحبّ سببها الكراهية وكل شعور يقوم على الشعور المضاد وهي سنة الحياة".

بهية راشدي

في سياق متصل، تعتبر الممثلة الجزائرية القديرة بهية راشدي (72 سنة) أن الحبّ الأول، هو "التجربة الفريدة التي يعيشها الإنسان، أنا صريحة في حبّي ومن الأشخاص الذين يُحبّون بقوة ويكرهون بقوة أيضاً، حبّي الأول يبقى دائماً موجوداً في وجداني وكل مكان".

لم تنسَ سيدة الشاشة الجزائرية، حبّها وهو زوجها الفنان محمد راشدي الذي رحل منذ سنوات طويلة". وتقول "ذكراه بقيت محفورة في قلبي، فهو الذي اكتشف مشاعري الباطنية وأنا بطبعي وفيّة للحبّ، لذلك يبقى دائماً موجوداً وأتذكره مع كل صباح جديد أغسل فيه وجهي وأرى نفسي في المرآة".

وعن بقاء البعض "حبيسي" الحب الأول، تقول "يمكننا في أية لحظة الوقوع في الحبّ، كأن نحبّ شخصاً هكذا من دون علاقة، والحبّ ليس مرتبطاً بعمر معين". وتعتقد أن "الحبّ الوسيلة الوحيدة، بل الأساس لمعالجة كل خطابات التعصب والكراهية، إلاّ إذا كان هذان الشعوران الأخيران يجريان في عروق الإنسان، لكن على الرغم من ذلك، تمكن معالجتهما بالحب لأنه الأقوى دائماً".

سليمان سعداوي

في المقابل، يرى السياسي والبرلماني سليمان سعداوي أن "الدنيا أصبحت مادية وغابت عنها كل الأحاسيس والمشاعر الجميلة المرتبطة بالحبّ".

ويضيف "العالم أصبح متوحشاً والجميع يجري وراء مصالحه. حتى العائلة لم تعد تقدّس هذه الروابط وتفكّكت، ولم يعُد الولد حنوناً على والدَيْه كما كان في السابق".

"افتح قلبك"

من جهتها، تعتبر البطلة العالمية المعتزلة في الجودو ومقدمة البرنامج الاجتماعي "افتح قلبك" سليمة سواكري، أن الحبّ الحقيقي "هو الذي لا يخضع إلاّ للصدق، ولا تغطّيه أقنعة"، مشيرةً في حديثها لـ "اندبندنت عربية" الى أن "الحبّ الحقيقي حين نتعرّى من تمثيلياتنا وتسقط الأقنعة ويبقى الحبّ كمادة خام، لأن كثيرين يقولون إنهم يعيشون قصة حبّ، في حين يضيعُ كل شيء مع أول موقف حقيقي يواجه الطرفين".

وتضيف "حبّي الأول الحقيقي يبقى زوجي لأنه حتى لو كانت لي تجارب في الصغر، لا تُسمّى حبّاً لأن الحبّ هو الذي يدوم لسنوات بعد العشرة والمودة والرحمة والزواج".

وتابعت سواكري في السياق ذاته، "للأسف في مجتمعنا الجزائري وحتى العربي، أصبحت كلمة أحبّك تابو كبيراً، ولأنني أؤمن بقوة الحبّ، عملتُ في برنامجي الاجتماعي على حث كل الضيوف على قول كلمة أحبّك، وأريد من الجميع ترديدها حتى يسمعها الشخص الآخر سواء كان أخاً أو أباً أو زوجاً... إلخ".

 

 

المغرب: "في عالم السياسة نحتاج الحب"

لم تسلم وزيرة الأسرة السابقة والقيادية في حزب التقدم والاشتراكية نزهة الصقلي من حملات التحريض على الكراهية، بسبب مواقفها الجريئة والمدافعة عن حقوق المرأة في المغرب، وعلى الرغم من جميع التحديات لا تزال مُستمرة في مناصرة القضايا الإنسانية.

وعن دور الحب في مواجهة الخطابات المحرضة على الكراهية، تُجيب في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "في عالم السياسة نحتاج إلى الحب، لتعزيز قيم الحوار والتسامح، وأيضاً لنبتعد عن شيطنة الآخر المختلف عنا، والتحريض ضده".

وتعتبر الصقلي أنّه لا يُمكن أن نعيش من دون حب إطلاقاً، مضيفةً "هذا الإحساس النبيل هو محرك الحياة، بينما الكراهية تُغذي الإرهاب والتطرف".

وتدعو الوزيرة السابقة المغاربة إلى العودة إلى تاريخهم، مشيرةً إلى أنّه "يعج بقصص التسامح والتعايش وتقبل الآخر المختلف عنا".

الحب دواء

يُعد عبد الوهاب الرفيقي الملقب بأبي حفص، السلفي السابق، والباحث في الشأن الديني من الشخصيات المغربية المثيرة للجدل، بعدما هدده متطرفون وحرضوا على قتله لمواقفه المدافعة عن الحريات الفردية والمنتقدة للتطرف والإرهاب.

يقول أبو حفص في حديث لـ "اندبندنت عربية"، "قد تتغير الوسائل والأنماط للتعبير عن الحب بسبب التحولات التي يعرفها العالم، لكن الحب كقيمة أحد أقوى الأدوية لمواجهة موجات الكراهية، على الرغم من أن العالم اليوم يتجه نحو الفردانية، بيد أن الحب لا زال له دور كبير".

ملاذنا الوحيد

عاش صلاح وديع تجربة الاعتقال السياسي، وكان ضحية لسنوات الرصاص، وواجه أصعب مرحلة تاريخية في المغرب، ولا زال مُؤمناً بأن الحب هو ملاذنا الوحيد أمام تنامي خطاب العنف والكراهية.

يقول الشاعر المغربي والمعتقل السياسي السابق "إنّه من الوهم الاعتقاد أن البشرية ستتخلى يوماً عن الحب، الحب بمعناه النبيل، المتعدد الأبعاد والتعابير: عشقاً أو أمومة أو أبوة أو بنوة أو صداقة أو أخوة... ذلك الحب الذي يدفعنا إلى طلب الآخر لذاتهِ أساساً لا لذاتنا... نعم ما زال وسيظل".

 ويُضيف "أنّ الحب أرقى مستويات الشعور بالحياة، لأنه الدليل على تجاوز المرحلة الطينية الخرساء لكل فرد، لأنه الوعي الخارق بالزمن كصيرورة للفناء المبرمج، وقرار الانتصار الوحيد على العدم، وأجمل انتقام من الموت، الموت الذي هو إعلان الرحيل".

"الحب ليس ماضياً"

تعرض الناشط والباحث الأمازيغي أحمد عصيد، لحملات كراهية، والتكفير والتحريض على قتله، بسبب سيره عكس التيار، ومواقفه الجريئة. لكنه اختار أن يُواجه موجات الكراهية بالحب والفن.

ما الذي تبقى من الحب الأول في حياته يُجيب عصيد، "بقيت المشاعر القوية، ولا زالت مستمرة، والحب ليس ماضياً ولا يمكن أن يتحول إلى مجرد ذكرى".

ويعتبر أنّ الحب لا زال مستمراً على الرغم من التحولات التي مست المجتمعات، موضحاً، "والدليل على استمرار الحب، المقاومة في المجتمعات البشرية من خلال الإبداعات الجمالية والعمل المدني الثقافي، الذي لا زال يعلي من شأن العواطف الإنسانية النبيلة، ولا زال يعطي أولوية لما هو رمزي وجمالي، لأن الثقافة هي إنسان بوصفه فكراً وروحاً وشعوراً نفسياً، وكل هذه الجهود التي نبدلها كمثقفين هي جهود لجعل الإنسان يعي أنه إنسان ولا يمكن تسليعه".

قلبي ينبض 

غنت الفنانة المغربية سعيدة فكري، للتعبير عن أوجاع الفئات الهشة اجتماعياً في المغرب، وعانت الإقصاء بسبب كلمات أغانيها المنتقدة للسياسة، ما دفعها إلى الهجرة إلى الولايات المتحدة، بيد أن وجع الوطن وارتباطها بهمومه جعلها تعود مرة أخرى إليه حالمة بالتغيير.

وعن تجربتها مع الحب تروي فكري "قلبي ينبض بالحب في كل دقيقة في كل رمشة... ينبض بحب الناس وزوجي وبناتي والجمهور، لو أن الناس ملأت قلبها بالحب فلن يكون هناك مكان للكراهية والعنف". وتُضيف سعيدة فكري "نعم الحب سيبقى وسيستمر، على الرغم من تنامي خطابات الكراهية والعنف".

"الحب ليس بعيب"

في المقابل، يُعبّر مغني الراب المغربي قيصر أمين عن هموم الشباب المغربي، ويطرح قضاياهم، ويصل إلى قلوبهم لأنه يُدرك معاناتهم وأوجاعهم.

ويقول "أنا عاشق للحب، ولا يُمكن أن أبدع من دونه، وحب الوطن هو ما يدفعنا إلى انتقاده في أغانينا".

ويُتابع القيصر أمين، "لا زلت أحتفظ بذكريات من أول حب لي، لكن أحببت من بعده... ولا أشعر بالخجل من التعبير عن مشاعري، كل شاب اليوم يحب بطريقته، وأعتقد أنه يجب أن نتصالح مع ذواتنا، وندرك أن الحب ليس بعيب".

مواقع التواصل الاجتماعي ونشر خطاب الكراهية

وفي السياق ذاته، يرى الكاتب المسرحي والإعلامي المغربي عبد المجيد فنيش، أنّ مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في انتشار خطاب الكراهية بسبب هيمنتها، معتبراً أنّها ليست بمواقع للتواصل بل هي وسائل لتفريق الناس اجتماعياً وخلق الفجوة بينهم، على حد تعبيره.

من جهة ثانية، يعزو المسرحي المغربي تراجع منسوب الحب في مجتمعاتنا إلى طغيان حب الذات، معتبراً أنّه مع زوال قيمة الحب أصبح العيش أمراً صعباً وباتت الجريمة سهلة، لأن المشاعر النبيلة انعدمت وحلت محلها الكراهية وإلحاق الضرر بالآخر.

 

 

الحب ومشاهير تونس

يصف المطرب التونسي لطفي بوشناق الحب الأول بكونه المشاعر الأولى التي وُلدت معنا، ولم يحصره بتجربة أو علاقة محدّدة، وعدّده من خلال أنواع كثيرة كحب الصديقة في المدرسة وحبّ الأم والأخت والعائلة، فهو "المحرّك الأساسي الذي يتبعنا ويضخّ الحياة في كل مراحل حياتنا". ويقول بوشناق في حديث لـ"اندبندت عربية" لا معنى للحياة من دون حب".

ويتابع حديثه عن الحب في ظل موجات التعصب والكراهية التي انتشرت في كل المجتمعات "أمر الله بالمحبة بمعناها الشمولي"، مفسراً "الحبّ لا يقتصر على العشق بين المرأة والرجل، وهو المحرّك الأساسي في كل القيم الإنسانية التي يناضل الإنسان لفرضها. ومن دون حب، لا يمكن لهذه القيم أن تكبر بيننا وأن نؤمن بها، فهو أصل العدالة والتسامح والمساواة والديمقراطية".

ويضيف الفنان التونسي "الحبّ شامل، لا يمكن حصره لا في زمان أو مكان"، ويستشهد بأغنيته الشهيرة "ريتك ما نعرف وين" أي أنه رأى حبيبته للمرة الأولى ولا يتذكر المكان ربما لتعدّد التجارب أو ربما أيضاً لسهولة الشعور بالحبّ الذي يجعل قلبه ينبض مرات عدّة في أماكن مختلفة وفي أزمنة عدّة".

فرح بالرجب: الحبّ محرك الحياة

من جانبها، تعتبر الإعلامية التونسية فرح بالرجب أن الحبّ الأول هو القصة الأجمل والأنقى على الرغم من تواتر التجارب، فهي قصة ترتكز على البراءة والصدق، لا تحتكم للحسابات أو للمصالح  الضيّقة.

وبحسب توصيف بالرجب التي كانت بداياتها في قنوات "أي آر تي"، أن "تجربة الحبّ الأول هي الانبهار بعالم جديد تكتشفه بكل شغف"، تتذكر منه الأمور الجميلة بكل تفاصيلها البسيطة.

وترى الإعلامية التونسية أن الحبّ هو محرّك الحياة والسلاح الذي يمدنا بالقوة اللازمة لمجابهة كل المتاعب وكل موجات التعصب والكراهية التي يعيشها العالم تحت مسميات عدّة دينية أو أيديولوجية أو عرقية أو غيرها".

لكن على الرغم من كل هذه الاختلافات، فالقيمة الإنسانية الوحيدة التي تجمعنا هي الحبّ.

غازي العيادي: لم يبقَ أي أثر

ولدى سؤالنا الملحن والمطرب التونسي غازي عيادي الذي قدّم ألحاناً لأبرز الفنانين العرب، عن حبّه الأول وما بقي في ذاكرته، ضحك وقال "لا أريد الحديث عن حياتي الشخصية"، مستدركاً بعد تفسير وتبسيط لمعنى السؤال "لم يبقَ منه أي أثر إلاّ الأمل"، فهرب من الإجابة مرة أخرى، موضحاً "الحب الحقيقي الذي أعيشه الآن مع عائلتي وأطفالي وزوجتي".

كما يؤكد عيادي "لا شك أن الحبّ قوة فاعلة في ظل موجات الكراهية والتعصب، فهو البنزين الذي يجعل الحياة تستمر في هذا الطريق اللامتناهي ومن دونه تقف الحياة عن صيرورتها".

ويضيف في السياق ذاته "لقد عشنا وسط الأحياء القديمة بين الجيران والأصدقاء وكأننا عائلة واحدة. كل هذا جعل منا كائنات إنسانية تؤمن بفاعلية الحبّ".

لكن اليوم، يرى عيادي أن "بعض المفاهيم تغيرت، وبات الإنسان بالرجوع إلى ظروف الحياة الصعبة التي تمر بها غالبية البلدان العربية، يعيش تحت ضغط نفسي جعل منه مضطرباً أحياناً حتى في مشاعره"، لكن بحسب رؤيته، يبقى "الأمل سلاحنا والحبّ ملاذنا الوحيد لننتصر على كل الصعوبات".

كبت المشاعر… ولجم العواطف

في المقابل، يقول الأديب التونسي شكري المبخوت وبرؤية مختلفة  "تسألين عن الحبّ الأوّل؟ فهل يجوز أن نسميه حبّاً في مجتمع قامت التربية فيه على كبت المشاعر ولجم العواطف ويحاط فيه الواحد منّا بالموانع والمحظورات، وتقوم سياسة الجسد الغضّ فيه على آليّات الترويض والإخضاع وتعطيل استكشاف الذات؟".

ويضيف "هل يمكن أن يكون ما قد نشعر به عند الوعي بالاتصال الأوّل بالآخر المؤنّث، انجذاباً وتمثّلاتٍ وتخيّلاتٍ، حبّاً؟ فليكن، بيد أنّ هذا الحبّ الأوّل في ظنّي، منطلق لاكتشاف الذات والإحساس بطاقة ما كامنة فيها تتّجه نحو البحث عن الألفة والمؤانسة والبهجة والتواصل العميق. ربّما يبقى ألق لحظة اكتشاف الذات وإشعاعها الداخليّ بكلّ ما يكتنفها من أوهام رائقة وتردّدات مثيرة يكشفان عن ضعفنا الجذريّ وجبروتنا الخادع".

ولعل هذا الحبّ الأوّل ضروري في منظور المبخوت "في غمرة تلك السكرة النفسيّة، ييسّر التجرّؤ على اختيار مسار ممكن نبني به هويتنا الفرديّة أو بالأحرى نعيد بناءها وترميمها بكل ما فيها من حدود خانقة وطاقات هائلة".

"فكثيراً ما نرى الحبّ من داخل تصوّر مجرّد مؤمثل محمّل بموروث من التوق واللهفة والحنين، ولا نجد له إلاّ تفسيراً ميتافيزيقيّاً نفسيّاً كضربة النرد الرابحة أو هكذا يشبّه لنا"، بحسب توصيف المبخوت، الذي يضيف "لكنّ صوره الواقعيّة الاختباريّة وتجاربنا المتعدّدة تكشف لنا دوماً عن فوراق بين المعيش والمتصوّر تصل حدّ الفجوات السحيقة. فهل هو واحد كما نزعم أم هو أحوال متعدّدة بتعدّد التجربة مثلما تفنّنت العربيّة مثلاً في إطلاق أسماء مختلفة على أحوال المحبّ؟ فقد تكون لحظة منفلتة من إسار الزمن، لحظة شعريّة كثيفة عميقة لا تتكرّر نعيشها بمفارقاتها وتردّدها، ثمّ تنفتح على مسارات واقعيّة لا ضابط لها".

ويعتقد الأديب التونسي أنّ الحبّ لا يقابل التعصّب والكراهية ولا يمنعهما. فهذه المفاهيم الثلاثة جميعاً بحسب تفسيره، تصوّرات ومواقف وسلوكيات لا تقع في المستوى ذاته وإن اجتمعت في طابعها النفسيّ والذهنيّ، مؤكداً في الوقت ذاته "نعم، قد يعلّمنا الحبّ التواضع وقد يعمّق حسّنا الإنسانيّ وقد يدرّبنا على ممارسة الاختلاف"، لكنه لا يظنه "قادراً على أن يجتثّ من النفس الكراهية اجتثاثاً أو أن يمنع أذهاننا من الاعتقادات المتعصّبة". 

المزيد من منوعات