Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قطاف الثمار البرية في ليبيا... مطاردة اللذة وحصد الفوائد

بعضها يمتاز بخصائص مساعِدة على الشفاء من أمراض عدة

مع هطول زخات المطر واعتماداً على ما تجود به السماء من الغيث النافع، تبدأ الأرض في جبال ليبيا وسهولها ووديانها بطرح خيراتها من الثمار البرية، ويشرع هواة جمعها وعشاق لذتها والباحثين عن فوائدها الجمة، في حزم أمتعتهم ليجمعوا ما لذّ منها وطاب.
ويبدأ موسم الأمطار عادةً في ليبيا مع بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول)، ويمتد في المواسم الجيدة حتى مارس (آذار) وأبريل (نيسان)، وتكون ذروته ما بين ديسمبر (كانون الأول) وفبراير (شباط) من كل عام. وتسهم زخاته في ريّ البراري والجبال والسهول، منتجةً ثماراً برية عدّة شهية تجذب الهواة والعشاق لقطافها بدءًا بـ"الشماري" وهو الاسم المحلي لنوع من التوت البري يُعرف في العربية باسم "القطلب" ينمو بكثرة في الجبل الأخضر شرق ليبيا وتبدأ ثماره بالنضوج بداية نوفمبر (تشرين الثاني) ويمتد موسم قطافها حتى يناير (كانون الثاني).

ويُعتبر "الشماري" نوعاً نباتياً شجيرياً صغيراً دائم الخضرة من جنس "القطلب" وينتمي إلى فصيلة "الخلنجية"، ويتوافد كثيرون من أهالي شرق ليبيا، خصوصاً الجبل الأخضر، إلى الغابات في نهاية أكتوبر وحتى بداية يناير، لالتقاط حبيبات "الشماري" التي تشبه إلى حد ما "التوت البري".
وثمرة "الشماري" تبدأ صلبة، بلون أخضر فاتح، وتصبح حين تنضج شديدة الليونة، بلونيها البرتقالي والأحمر، لدرجة تصعب معها عملية نقل وتخزين ثمارها، ولذلك تؤكل في اليوم ذاته ولا تُباع في الأسواق المحلية. وتصنع بعض النساء الليبيات من ثماره مربى شديد الحلاوة.


زهرة جميلة وعسل شهي
 

ولشجرة "الشماري" زهرة بيضاء جميلة، يطلق عليها المحليون اسم "الحنّون"، والنحل الذي يمتص رحيقها ينتج عسل "الحنّون" وهو عسل مر المذاق، لكنه ذو جودة عالية، نظراً إلى خصائصه المساعِدة في الشفاء من أمراض عدة.
وعلى الرغم من وجود "القطلب" أو "الشماري" في عدد من البلدان في البحر التوسط، إلاّ أنّ الفصيلة التي يُعثر عليها في ليبيا المعروفة باسم "القطلب البافاري"، غير موجودة إلاّ في الجبل الأخضر، شرق البلاد.


هواية ومتعة
 

ويقول أحد عشاق وهواة جمع "الشماري" إبراهيم أمزيكة "في كل عام، أتوجه إلى غابات الجبل الأخضر لجمع ثمرة الشماري اللذيذة ولدي متعة كبيرة في القيام بذلك، فإضافةً إلى لذة الثمرة، للتنزه في الغابات الجميلة والمشي لمسافات طويلة وتسلق الجبال والوديان لجمعها، متعة وفائدة ورياضة لا يعرف قيمتها إلاّ لاحق الشماري في أعالي الجبال". وأضاف "يتميز الشماري بسرعة فساد ثمرته، ما يضطرك إلى تكبّد المشقات للحصول عليه وأكله. وهو غني بالفوائد الطبية، بخاصة للجهاز الهضمي وهذا مجرَب ومعروف".


الفوائد الطبية للشماري
 

تُعرف ثمرة "الشماري" والعسل الذي ينتجه النحل الذي يُغذى على أزهارها في ليبيا، بقيمتهما الغذائية العالية وفائدتهما الطبية الكبيرة. وتُستخدم تلك الثمرة وعسلها في علاج الإمساك وعسر الهضم وللتخلص من غازات المعدة. كما يسهمان في علاج حصوات الكلى ومشاكل الدورة الشهرية للنساء والغثيان والسمنة بحسب السكان، لذلك يُستخدمان بكثرة في الطب الشعبي الليبي.
 

مخاوف من الانقراض
 

ورصدت منظمات بيئية ليبية في مناطق متفرقة من الجبل الأخضر، انتهاكات واعتداءات على الغابات والمحميات الطبيعية. وقالت إنها باتت "تهدد نبات الشماري بالانقراض".

و"الشماري" مسجَل دولياً على القائمة الحمراء من قبل الاتحاد الدولي لصون الطبيعة المهددة بالانقراض. ويتفوق "الشماري" الليبي على مثيله المنتشِر في دول حوض المتوسط، لكنه يقترب من الانقراض بسبب الانتهاكات التي تتعرض لها محمية "الشماري" الواقعة في منطقة لملودة، قرب درنة.

وقال وزير الزراعة في الحكومة المؤقتة (شرق) حسن الزيداني إن "انتهاكات كبيرة تطال غابات الشماري في الجبل الأخضر"، مضيفاً أن "غرفةً مشتركة تضم جهات رسمية وأهلية عدّة ستُخصص لحماية هذه الغابات من التعديات"، داعياً إلى "المحافظة على الموروث البيئي في محمية الشماري"، ومؤكداً "حرص الوزارة على تنفيذ كل الآليات لحماية الغابات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


القمحي أو "عيش الغراب"
 

وما أن تنتهي شجرة "الشماري" من إنتاج ثمراتها وينتهي موسم قطافها في ليبيا، حتى يبدأ موسم "القمحي" وهو فطر من النوع المعروف علمياً باسم "عيش الغراب". وتتميز هضاب شرق ليبيا وجبلها الأخضر بوفرته بدايةً من منتصف يناير لفترة قصيرة، تنتهي في منتصف فبراير من كل عام.

وتنتج هذه المناطق "القمحي الأبيض" الذي يُعرف بأنه من أجود أنواع الفطر البري لخصائصه الغذائية الرفيعة، إذ يحتوي على نسبة عالية من البروتينات والفيتامينات وحمض الفوليك والمعادن والعناصر الغذائية الأساسية، مثل الإنزيمات الهاضمة والأحماض الأمينية ومضادات الأكسدة الضرورية لصحة الجسم، ونمو الخلايا والأنسجة بشكل سليم بحسب دراسات طبية عدّة.

وتعتمد وفرة موسم "القمحي" بشكل كبير على كميات الأمطار الموسمية، فكلما زادت غزارتها، كان الإنتاج أوفر. ويحتاج قطاف الموسم إلى بعض الخبرة لمعرفة الأماكن التي ينمو فيها ذلك الفطر بشكل وفير والبحث عنه، لأنه يظل أحياناً تحت الأرض ولا تبرز ثمرته فوقها.


فوائد جمة
 

أجمعت دراسات طبية عدّة أُجريت على فطر عيش الغراب "القمحي" على أنه يتميز بقيمة غذائية عالية تفوق القيمة الغذائية لمعظم أنواع الخضروات والفاكهة، ويقترب كثيراً من القيمة الغذائية للحوم لاحتوائه على نسبة 5 في المئة من البروتينات في المادة الطازجة له، ما يعادل 35 إلى 40 في المئة من المادة الجافة. وما يميزه أكثر هو نوع البروتينات التي يحتويها والتي تُعتبر من أجود الأنواع لأن الأحماض الأمينية الخاصة بفطر "عيش الغراب" تشبه تلك الموجودة في البروتينات الحيوانية، مثل اللحوم والحليب والبيض.

ويقول محمد الدينالي، أحد هواة جمع فطر "عيش الغراب" "منذ سنوات وأنا أترقب بشوق مواسم قطاف القمحي للحصول عليه والتمتع بلذته وفوائده، والحصول على ثمرة واحدة يشعرني بالعثور على كنز ثمين، بسبب حبي لهذه الثمرة وصعوبة إيجادها".

وعن طريقته في أكل تلك الثمرة، يوضح "القمحي له مذاق اللحم، لذلك يُطهى بالطريقة ذاتها، طبخ أو شواء. وهو ألذّ، فيُضاف إلى الأطباق المنزلية مثل الأرز والمعكرونة والكسكسي. وهو لذيذ كيفما طُبخ وبأي طريقة أُكل".

تتميز مناطق غرب ليبيا من جانبها بنوع ثمين من الثمار البرية وهو "الكمأ" الذي يُعرف محلياً باسم "الترفاس"، وخصائصه الطبية أشهر من أن تُعد، لذلك يُباع بأسعار مرتفعة ويصدَّر جزء منه إلى خارج ليبيا ويبدأ موسم قطافه مع بداية الربيع ويمتد لشهر تقريباً. ومن أشهر المناطق الليبية التي ينمو فيها "الكمأ" منطقة "الحمادة الحمراء" وهي سهل منبسط، أسفل الجبل الغربي جنوب طرابلس.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات