Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائر تسعى إلى التخفيف من سعي الشباب إلى الهجرة

اتهامات تطال فرنسا باستخدام منح التأشيرات كوسيلة ضغط سياسية

طابور لطلاب أمام المركز الثقافي الفرنسي في العاصمة الجزائرية (مواقع التواصل)

لم تعد رحلة البحث عن تأشيرة "شنغن" الأوربية مجرد انشغال للشباب الجزائريين أو استعراض رغبة في "تبديل الأجواء"، بل منظومة وصناعة تمتزج فيها حالة الإحباط بين غالبية السكان مع الرغبة في "الطلاق" مع البلد الأم لأسباب يعجز الراغبون في الهجرة أنفسهم عن حصرها.
ليس صعباً على مَن تخطوا سن الـ18 ولو بقليل من الشبان الجزائريين، معرفة مواعيد إغلاق السفارة الفرنسية وقنصلياتها خلال عطل أعياد الميلاد أو احتفالات اليوم الوطني، وتتشعب قدرتهم في تتبع أخبار القنصليات، وعودة مركز تقديم طلبات الحصول على التأشيرة الإسبانية أو الإيطالية بعد فترة "أشغال مكتبية"، وحتى "عيد الشكر" الأميركي الذي يضطر القنصلية إلى إغلاق أبوابها. وتظهر قدراتهم بشكل لافت، في تحديد مواقع مراكز تسليم التأشيرات، ومكاتب الوسطاء وسماسرة الملفات، بما يناقض قلة معرفتهم بمقار الوزارات السيادية الجزائرية أو تواريخ بعض الأحداث التاريخية.
تجارة مزدهرة تمارَس في السوق السوداء، بحثاً عن مواعيد نادرة لتقديم طلب تأشيرة، الغريب أنه يستحيل فعلياً الحصول على المواعيد المتاحة مجاناً على مواقع القنصليات، لكنها متاحة في مكتب مساحته أربعة أمتار وسط العاصمة الجزائرية في مقابل مادي يرتفع أو ينخفض بحسب تاريخ الموعد، وكلٌّ يختار وفق استطاعته.


حل في غياب الحلول؟
 

حينما سُئل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من قبل صحافيين زاروه في مقر الرئاسة في أواخر يناير ( كانون الثاني) الحالي، حول ما إذا كان يملك "حلاً سحرياً" للهجرة السرية، اقترح عقد اتفاقات مع "بلدان صديقة" تتيح إرسال شبان إلى أوروبا لفترة أسبوعين على الأقصى تجعل منهم "شهوداً" على "صعوبة الحياة في أوروبا" أمام مئات آلاف الحالمين بالضفة الشمالية والجالسين في انتظار عودتهم بشغف في "كهف الجزائر المعزول عن العالم" ليقصوا عليهم روايات عن "الشبح الأوروبي"، داعياً إياهم إلى عدم تصديق الكم الهائل من روايات الأمل في حياة أوروبية أفضل، بل أن يعتبروا قصة نجاح الباحثين الجزائريين، نور الدين مليكشي وبلقاسم حبة اللذين استشارهما الرئيس نفسه "مجرد صدفة"، فالأول مستكشف المريخ في وكالة "نازا" والثاني سجل براءة اختراعه رقم 500 في التكنولوجيا الذكية بالولايات المتحدة.
هكذا تصوّر الرئيس ما يمكن فعله للحد من مشهد آلاف الشبان الجزائريين أمام مركز التأشيرات الفرنسي في وادي السمار في الضاحية الجنوبية للعاصمة. وقد تكون القنصلية الفرنسية حولت عمداً منذ سنتين، مركزها من العاشور في أعالي العاصمة إلى تلك النقطة في قلب منطقة صناعية قبالة مطار الجزائر الدولي، إذ يمكن للواقفين في الطابور عد الطائرات التي أقلعت أو حطت ثم استلام وصل رفض الحصول على التأشيرة كما بات يحصل مع الغالبية في السنوات الأخيرة.
يتندر شبان الجزائر عادةً حول موضوع الهجرة، يختلقون النكات في ما بينهم بشكل يعكس هوسهم بالمسلك المجهول، فتقول بعض النكات مثلاً "آخركم يطفئ نور المطار ويتأكد من إغلاق بواباته جيداً"، وهو سيناريو تخيلوه في حال رُفعت قدرات جواز السفر الجزائري إلى مستوى الجواز الياباني، فلن يبقى أحد في البلد. وتقول نكتة أخرى "عشرة زلازل أخرى ونكون عند بوابات إيطاليا" وذلك عندما يهتز شمال البلاد على وقع زلازل بين فينة وأخرى.


ورقة ضغط؟

ولم يخف وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم خلال لقائه نظيره الفرنسي جون إيف لودريان الذي زار الجزائر "فجأة" منذ أيام، بعد فترة "انقطاع دبلوماسي" أججها الحراك الشعبي من جهة واعتماد الدولة الجزائرية لهجة "النوفمبرية" (تيار جزائري يعادي كل ما يرمز إلى فرنسا) من جهة أخرى، احتجاجه على المعاملة الفرنسية تجاه طلبات الجزائريين للتأشيرة.
بلغة الأرقام، كانت باريس في فترة "شهر العسل" في علاقتها بالجزائر، مستعمرتها السابقة، تمنح قرابة نصف مليون تأشيرة سنوياً قبل نهاية عام 2017، ليتراجع الرقم بدايةً من عام 2018 إلى 297 ألف تأشيرة تقريباً.
تزامناً، احتدم النقاش في غرفتي البرلمان الفرنسي حول تقليص "كوتا" التأشيرة الممنوحة لرعايا بعض الدول وعلى رأسها الجزائر، بسبب عدم تعاونها الكامل في ترحيل "رعايا الحرّاقة" (تسمية تطلق على المهاجرين غير الشرعيين من المغرب العربي أُضيف إليهم الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى ثم لحق بهم مهاجرون من آسيا) من فرنسا، من خلال المماطلة في إصدار التراخيص القنصلية لهم كي يتمكنوا من العودة إلى وطنهم، لكن هذا المبرر لا يجد مَن يقتنع به في الضفة الجنوبية، فعلاقات الجزائر وباريس خضعت دائماً لأهواء الذاكرة المعقدة بين البلدين.
ويقول أستاذ الإعلام في جامعة الجزائر العيد زغلامي أن "منطق الإحصاءات يشير إلى أن نسبة رفض طلبات التأشيرة من القنصلية الفرنسية في تونس تراوحت بين 14 و 15 في المئة، أما الرفض في المغرب فيتراوح ما بين 17 و18 في المئة، وفي الجزائر 47 في المئة. والسؤال هو لماذا هذا التحيّز والتراجع أيضاً؟ والجواب هو أن النظام الفرنسي كان يؤيد النظام البوتفليقي بشدة ومصالحه تضررت لذلك يفرض هذه المضايقة أو المقايضة لتصبح التأشيرة وسيلة ضغط مقابل استعادة المصالح الفرنسية المفقودة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الرغبة في الهجرة

لطالما تعاملت الجزائر الرسمية بسطحية كبيرة مع ملف الهجرة سواء القانونية أو السرية عبر قوارب باتجاه إسبانيا وإيطاليا، وربما كانت فرصة الحراك الشعبي الحالة المجتمعية الوحيدة التي قدمت قراءة صحيحة لتلك الظاهرة. مع بداية الحراك، انقطعت أخبار المهاجرين نهائياً قبل أن تطفو من جديد مع نهايات عام 2019، ما اعتُبر أنه انعكاس مباشر للوضع السياسي في البلاد.
وفي استطلاع أجرته الشبكة البحثية المستقلة "الباروميتر العربي" في الجزائر قبل نهاية 2019 وخُصِّصت لمحاور عدة، هي الحالة الاقتصادية والهجرة والفساد والأداء الحكومي والتفضيلات السياسية والدين والسياسة والعلاقات الدولية، كُشف أن أكثر من 56 في المئة من الشباب الجزائريين بين 18 و29 سنة، عبروا عن رغبتهم في الهجرة ومغادرة البلاد نهائياً.
هذا الارتباط المباشر بين ظاهرة الرغبة في القطيعة مع البلد الأم والوضع السياسي فيه، في ظل "القطيعة" الدائمة وربما المؤقتة مع فرنسا، رفع مكانة قنصليات إيطاليا وإسبانيا وحتى ممثليات دبلوماسية لبلدان أوروبية علاقتها بالجزائر شبه معدومة، فباتت متقدمة في سلم اهتمامات الباحثين عن الهجرة. لا يهم اسم القنصلية إذا كانت ضمن نظام "شنغن"، مثل بلغاريا أو فنلندا أو غيرهما.
وقال إسماعيل دباشي عضو الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان إن "ملف التأشيرات بما يمثله من ثقل وضغط على الحكومة الجزائرية تحول إلى ورقة تفاوض من بعض القوى الأوروبيةـ إيطاليا تحاول اللعب على هذه الورقة وأيضاً إسبانيا لكنهما تجاملان الجزائر بشكل طفيف فلم يغير شيئاً في حجم الطلب على التأشيرات". وأضاف "إشكال الهجرة سياسي بالدرجة الأولى ويعكس حالة نفور من الوضع الداخلي، فظاهرة المواطنة تراجعت إلى حد كبير وليس واضحاً بعد مشروع الرئيس الحالي في استعادة فكرة المواطنة كل حقوقها وواجباتها، أما الحل فهو سياسي أيضاً كي تتحول فكرة الهجرة إلى كمالية لا إلى هدف بحد ذاته".

المزيد من العالم العربي