Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان بعد البشير يعيد التوازن لمفاوضات سد النهضة

المشروع ورقة أديس بابا للتأثير على أسباب الحياة في دول حوض النيل الشرقي

خبراء سودانيون تساورهم الشكوك بشأن المخاطر في حال انهيار السد (غيتي)

أثار موقف السودان من سد النهضة الكثير من علامات الاستفهام بحكم عدم التفاعل على المستويين الرسمي والشعبي، بما سيحدثه السد من تحديات مقارنة بالموقف المصري الأكثر تشدداً وحراكاً، ما أدى إلى تأويلات عديدة من بينها الانحياز إلى الجانب الأثيوبي، لكن سرعان ما نهض الموقف السوداني بعد التغيير الذي أحدثته ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 التي أطاحت بنظام البشير، وهو ما عبّر عنه رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بقوله "إن السودان يشكل موقعاً رئيساً في ملف سد النهضة، وأن موقف بلاده هو نفسه موقف مصر، بل أن السودان دولة في المنتصف بين أثيوبيا ومصر وأي تأثير لسد النهضة سيجعل السودان أول المتأثرين".

اعتبارات تنموية

هذا الموقف بادر به سياسيون وأكاديميون سودانيون مختصون في شؤون الري والزراعة والسدود، حيث طالبوا بالابتعاد عن المعالجات العاطفية واعتبارات المكايدة السياسية التي سادت فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير، داعين إلى موقف يستند إلى اعتبارات تنموية وبيئية واقتصادية ومائية قائمة على أسس علمية ودراسات ميدانية. فيما ذهب خبراء سودانيون إلى التنبيه بخطورة السد، وأن انهياره وارد وهو ما سيؤدي في حال حدوثه إلى تدمير البلاد كاملة.

توازنات

في الوقت الذي أكد الكاتب السوداني خالد التيجاني أن الأمر لم يعد يتعلق بمخاطر مؤكدة على حصة السودان المائية، بل بإعادة تشكيل ميزان القوى لصالح أثيوبيا على حساب كل من السودان ومصر، لافتاً إلى  أن سد النهضة ليس مجرد مشروع فني لتوليد الكهرباء، أو مجرد وسيلة لتمكين أثيوبيا من تحقيق مشروعها النهضوي التنموي، بل أبعد من ذلك فهو أداة بالغة الأهمية في يد أديس بابا من شأنها أن تعيد تشكيل التوازنات في المنطقة وتعيد ترتيب حساباتها على نحو يعظِّم دورها الإقليمي والقارئ من خلال تمكنها من السيطرة على أسباب الحياة للدول الشريكة في حوض النيل الشرقي.

الآثار السلبية

وحول ما يجري من مفاوضات بين الأطراف الثلاثة (مصر، والسودان، وأثيوبيا) وما يتوقع من آثار سلبية على الجانب السوداني، قال الخبير السوداني في شؤون المياه والري أحمد المفتي في حديثه لـ "اندبندنت عربية"، "في نظري أن أي احتجاج مستقبلي من السودان على الأثار السلبية للسد والتي نتوقع أن يبدأ المواطن في لمسها خلال مدة لا تتجاوز 24 شهراً من بدء الملء سيجعل السودان في مواجهة ليس مع أثيوبيا فحسب، بل ومع الولايات المتحدة الأميركية والبنك الدولي الشاهدين على توقيع الاتفاقية التي أعطى السودان بموجبها أثيوبيا الحق في التصرف". المفتي أشار إلى أنه "ضد إعلان مبادئ سد النهضة، وكذلك الاتفاق الذي يجري العمل على صياغته للتوقيع عليه خلال الأيام القليلة القادمة"، مؤكداً أنه يفضل إعادة التفاوض على أساس المبادئ المتفق عليها في اتفاقية عنتبي، وذلك خلال شهرين ومن ثم إبرام الاتفاق. وزاد "نصحت الجانب السوداني بأنه إذا لا بد من التوقيع على الاتفاق فينبغي أن ينص على أنه لا يسري إلا بعد تصديق المجلس التشريعي عليه".

عبارات فضفاضة

وفيما يختص بالمفاوضات الجارية يوضح المفتي "بعد سنوات من التفاوض فشل السودان ومصر في الحصول على أي التزامات من أثيوبيا فيما يختص بحصصهما المائية الحالية والمستقبلية، وكذلك فشلت الدولتان في إلزام أثيوبيا استكمال أمان السد المنصوص عليه في إعلان المبادئ، فضلاً عن فشل السودان في إلزام اثيوبيا باتفاقية 1902 التي تعطيه الحق في اشتراط ما يحقق مطالبه". مشيراً إلى أن ما صدر من بيان عقب اجتماع واشنطن الذي عقد منتصف يناير (كانون الثاني) بشأن آليات ملء السد وتشغيله والذي جاء فيه "يتم تنفيذ المراحل اللاحقة من الملء وفقاً لآلية يتم الاتفاق عليها والتي تحدد إطلاق المياه بناء على الظروف الهيدرولوجية للنيل الأزرق، ومستوى المياه في سد النهضة الذي يوفر توليد الكهرباء وتدابير التخفيف المناسب لمصر والسودان خلال فترات طويلة من سنوات الجفاف الطويل" يحمل عبارات فضفاضة لا ترتب أي التزامات على أثيوبيا وهي على وجه التحديد تتضمن: الملء الأول يكون على مراحل بطريقة تكيفية وتعاونية، واستمرار الملء في شهر سبتمبر (أيلول) وفق شروط معينة، وعند التوليد المبكر تتخذ أثيوبيا تدابير تخفيف مناسبة، ويتم الملء اللاحق بآلية يتم الاتفاق عليها، فضلاً عن إنشاء آلية تنسيق فعالة وأحكام لتسوية المنازعات.

مفاوضات واشنطن

وينتظر المراقبون نتائج اجتماعات وزراء الخارجية والري من مصر والسودان وأثيوبيا التي تستضيفها العاصمة الأميركية واشنطن لليوم الثاني على التوالي بشأن الاتفاق الشامل حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة برئاسة وزير الخزانة الأميركية ستيفن منوشن وحضور رئيس البنك الدولي. ففي حين ترغب أثيوبيا في ملئه على مدار ثلاث سنوات، فإن مصر والسودان يتفقان على ضرورة ألا تقل المدة عن سبع سنوات حتى لا يؤثر على حصة البلدين من مياه النيل سنوياً.

وتبحث هذه الاجتماعات المسودات النهائية الفنية والقانونية التي أعدها الخبراء الفنيين والقانونين خلال اجتماعهم في الخرطوم الأسبوع الماضي، والتي تأتي في إطار مخرجات الاجتماع السابق لوزراء الخارجية والري للدول الثلاثة في واشنطن خلال الفترة من 13 إلى 15 يناير الحالي ونتائج الجولات الأربعة لمفاوضات سد النهضة برعاية أمريكية والبنك الدولي.

فيما أعرب فادى جورجيوس كومير، رئيس البرنامج الهيدرولوجي الحكومي الدولي لدى اليونيسكو، عن تفاؤله حيال المفاوضات الجارية بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة في واشنطن، مشيرا إلى اختلاف لهجة الدول الثلاث التي باتت تتحدث عن تطبيق رؤية جديدة لتقاسم عادل لمياه النيل.

وأشار كومير، إلى أن الحاجة الآن هي للدبلوماسية المائية، قائلا "نحتاج إلى سلام مائي بين الأحواض العابرة للحدود والدول المشاطئة. وهذا يعنى أنه لا يمكن لدولة واحدة أن تحصل على 90% من المياه وتترك 10% لدول المصب. لذا، ينبغي أن تعمل الدول على المشاركة العادلة".

ونوه إلى أن بناء الثقة بين البلدان الثلاثة وضمان وجود ما يكفي من السياسة، يعد خطوة حيوية في تعزيز التعاون عبر الحدود وحل الخلافات المتعلقة بالمياه. مضيفاً "أنا متفائل للغاية بأنهم سوف يسعون إلى وضع مربح للجانبين، لأن العالم لا يمكنه تحمل صراعات بعد الآن. يجب أن تكون المياه حلقة وصل بين الناس".

المزيد من العالم العربي