Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتصدر نوتنغهام المدن البريطانية الخالية من الكربون؟

تجري تغييرات في النقل والسكن واستخدام الطاقة في محاولة لتصفير الانبعاثات الكربونية تماما بحلول عام 2028

نسبة التلوث في نوتنغهام متدنية (غيتي)

كلما عصفت الريح في الخارج، كان ارنست غريغوري يجلس على عادته في بيته بمدينة نوتنغهام ليراقب الستائر تهتز بفعل التيار الهوائي، على الرغم من أن النوافذ كانت مغلقة.

ويقول غريغوري، 78 عاماً، " كنا في بعض ليالي الشتاء نرفع درجة التدفئة، ومع ذلك لانخلع معاطفنا كي نشعر بالدفء".  لكن هذه الحال انتهت الآن. فسلسلة المشاريع التي نُفذت لجعل منازل المجلس البلدي لمدينة نوتنغهام الـ 27 ألف الأكثر رأفة بالبيئة بين الوحدات السكنية كافة في المملكة المتحدة، قد اشتملت على إكساء بيت الجد غريغوري، الصغير الذي شُيّد في سبعينيات القرن الماضي، من الخارج، وأصبحت التدفئة المركزية في داخله خالية من غازات الكربون، بعد نصب ألواح الطاقة الشمسية على سطحه.

قال غريغوري، بينما كانت زوجته جيل، 77 سنة، جالسة بجانبه " أشغّل التدفئة المركزية الآن لساعتين في الصباح فيصبح المكان دافئا طوال النهار... أنت لا تستطيع تصديق كم هو رائع ألا تبدأ بالارتعاش حالما تغادر سريرك".

تشكل أعمال الترميم هذه المبدأ الأساسي لأكثر الاستراتيجيات التي تبنتها جهة حكومية بريطانية لمواجهة التغير المناخي طموحاً، حسبما تُوصف حالياً.  ومن خلال مسودة خطة المجلس البلدي التي نُشرت هذا الأسبوع للبدء بإجراء الاستشارات بخصوصها ابتداء من يوم الاثنين، أعلنت نوتنغهام أنها تعتزم تصدّر المدن الخالية من انبعاثات الغازات الكربونية في المملكة المتحدة.

وفي ضوء هذه الخطة، ستكون هناك تغييرات جذرية في مجالات النقل واستخدام الطاقة وتدوير النفايات والإسكان في هذه المدينة، وذلك في محاولة لتصفير الانبعاثات الكربونية تماماً بحلول عام 2028، أي قبل موعد تصفيرها على المستوى الوطني كما حددته الحكومة البريطاني، بـ 22 سنة.

وفي هذا السياق قالت عضوة حزب العمال سالي لونغفورد، وهي نائبة رئيس المجلس البلدي لنوتنغهام والمسؤولة فيه عن والطاقة والبيئة والخدمات الديمقراطية، إنه "إذا بقي المناخ على ما هو عليه فسنواجهه بألواح الطاقة الشمسية، وإذا استمر في التغير فسنفعل كل ما نستطيع لضمان استخدام طاقة نظيفة".

وتتفق لونغفور مع أولئك الذين يعتبرون الخطة طَموحة. وتقول لصحيفة "اندبندنت" التي التقتها في منزلها بمنطقة ولاتون في مدينة نوتنغهام إن "العالم يعيش أزمة مناخية، إنه ليس مستحسنا أن ننتظر زوالها من تلقاء نفسها. يتوجب علينا تماماً أن نكون طموحين".

وبالطبع، ليست نوتنغهام هي المدينة الوحيدة التي تسعى لتصفير الانبعاثات الكربونية قبل عام 2050 الذي اختارته الحكومة البريطانية موعداً نهائياً لوضع حد للانبعاثات الكربونية في البلاد كلها. لابل يمكن القول إن هناك سباق لاحتلال المركز الأول على هذا الصعيد. فمدن أدنبره، وبريستول وغلاسكو قد أعلنت هي الأخرى أنها تريد تحقيق هذا الهدف بحلول عام 2030، بينما نشرت مدينتا يورك وبرمنغهام مقترحات لتحويل مركزيهما خاليين من السيارات.

 لكن قطعت خطط التصفير هنا في هذه المدينة، التي تعرف بـ "ملكة الميدلاندز" (الأراضي الوسطى)، أشواطاً أطول من أي مدينة أخرى. ففي نوتنغهام يتغذى 5 آلاف منزل و100 مشروع تجاري بالطاقة التي تولدها المدينة من نفاياتها؛ وهناك شبكة تضم 300 نقطة شحن للتشجيع على اقتناء السيارات الكهربائية؛ وقد أنشئ نظام فعال جدا للنقل يقوم على استخدام الحافلات والترام، وهذا ما جعل 40 في المئة من كل الرحلات تتم حالياً بواسطة النقل العام، وهي نسبة لم تستطع أي مدينة بريطانية أخرى تحقيقها حتى الآن باستثناء لندن. ويُشار إلى أن حوالي 178 من هذه الحافلات تعمل بالطاقة الكهربائية أو البايوغازية. 

وكانت بلدية نوتنغهام قد قلصت استخدامها للطاقة بنسبة 40 في المئة خلال العقد الماضي، وركبّت 4000 لوحا للطاقة الشمسية على بناياتها؛ وفي الوقت نفسه أنشأت شركة "روبن هود إنِيرجي"، التي أصبحت تزود زبائنها البالغ عددهم حوالي 130 ألف بالطاقة المتجددة تماما.

وأدى الترميم الجاري لمساكن المجلس البلدي، إلى إجراء 40 ألف تحسينا على كفاءة الطاقة في حوالي 20 ألف سكن. ويشهد حاليا قرابة 327 مبنى تحديثا تنفذه شركة "إنيرجي سبرونغ" الهولندية، لأول مرة في المملكة المتحدة، بتكلفة تبلغ 80 ألف جنيه للمنزل الواحد، لكنه يجعل المباني خالية تقريبا من غازات الكربون، كما يضفي جمالاً مدهشاً  عليها من الداخل والخارج.

تتقدم المدينة على غيرها حتى الآن، فهي قد بلغت الهدف الذي حددته لنفسها عام 2005 لتقليص انبعاث غازات الدفيئة بحلول عام 2020، بمقدار الربع، لكنها تمكنت من تحقيق ذلك قبل أربع سنوات. ففي حين أصدرت الحكومة المركزية تعليمات للمجالس البلدية في مدن أخرى بإنشاء "مناطق هواء نقي" خال من غازات السيارات والمصانع، في مراكزها لتقليل التلوث، فإن الحكومة أغفلت نوتنغهام من قائمة المدن المطالبة باتخاذ هذه الاجراءات، لأنها وجدت أن الهواء هنا نظيفاً بما فيه الكفاية.

وفي هذا الصدد تقول لونغفورد، التي تضع ستة ألواح للطاقة الشمسية فوق سطح بيتها وتقود سيارة كهربائية، "نحن لا نكتفي بالحديث عما يجب القيام به بما يخص المناخ، بل نفعل ذلك على الأرض، وهذا ليس دائما مقبول من جميع السكان، لكني أظن أن الواقع أثبت أننا كنا على حق".

بهذه الكلمات كانت لونغفورد، 65 سنة، تشير إلى "مشروع ضريبة مواقف السيارات في أماكن العمل" الذي طُرح عام 2012، ويقضي بفرض ضريبة إضافية على أي شركة تجارية في مركز المدينة إذا كان لديها أكثر من 11 موقع لإيقاف سياراتها، ومن ثم رصد ذلك المال المتأتي من تلك الضريبة، والذي بلغت قيمته 61 مليون جنيه، لإنشاء طرق خاصة للدراجات، وإقامة "مسارب إيكو" المخصصة للمركبات التي تعمل على وقود بديلة نظيفة، وتحسين شبكة الترام الممتدة مسافة 20 ميلا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت في هذا السياق" اعتُبر ذلك الإجراء معاديا للسيارات آنذاك وواجهنا الكثير من الانتقادات.. لكنه جعل نوتنغهام أنظف بكثير مما كانت عليه وأقل ازدحاما بالسيارات. لقد كنا سبّاقون على هذا الصعيد". أما المخاوف من مغادرة الشركات التجارية المدينة بسبب تلك الضريبة فقد بقيت في حيز التوقعات المتشائمة التي لم تتحقق فعلاً. وبدلا من ذلك، كانت هناك زيادة في الوظائف بلغت حوالي 25 ألف منذ تطبيق مشروع الضريبة حسب أرقام المجلس البلدي.

 إذن، هل تفرض نوتنغهام الآن حظرا على السيارات؟ أجابت لانغفورد "لا أظن أننا بحاجة للتفكير باتخاذ هذا الإجراء لأننا قللنا سلفاً عدد الرحلات بنسبة 7 في المئة من خلال إجراءات أخرى".

مع ذلك، تعتزم المدينة المضي مسافة أبعد وبوتيرة أسرع حتى تنجح بالتخلص تماماً من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون فيها. فخطة تصفير الكربون الجديدة تجمع بين مقترحات البنى التحتية الكبرى، مثل استكشاف إمكانية تدفئة البيوت بالماء الساخن المستخرج من مناطق مناجم الفحم المهجورة، مع إضافة تغييرات يومية صغيرة.

من جانب آخر، ثمة مبادرة ما زالت قيد الدرس، يمكن لمجلس نوتنغهام البلدي أن يصبح بفضلها من أوائل المجالس البلدية في البلاد التي تطلب من سكانها وضع فضلات أطعمتهم جانباً ليُصار إلى تحويلها لاحقا لطاقة بايوغازية تستخدمها حافلات المدينة.

وفي مبادرة أخرى، ستُقدم نصيحة لمطابخ المدارس، ويمكن أن تشتمل على منح مكافآت لأصحاب الأداء المتميز، كي تشتري مواد الطعام الأولية من مصادر محلية، لتخفيض المسافات التي تقطعها المواد الغذائية من مصدرها الأساسي إلى حيث الجهة التي تشتريها، أكانت مطعماً أو محلاً تجارياً الخ. ومن المقرر ايضاً زرع حوالي 50 ألف شجرة في المدينة لامتصاص الانبعاثات الغازية التي لا يمكن التخلص منها بطريقة أخرى.

مع ذلك، فإن الخطة التي تدعو إلى زيادة مساحة أرصفة المشاة وتعِد بأسطول من سيارات أجرة كهربائية بحلول عام 2025، تسعى إلى دمج هذا التفكير الصديق للبيئة في آلية اتخاذ كل إجراء في المدينة. وقال جوناثان وارد، وهو كبير موظفي سياسات الطاقة الأولية في المجلس البلدي، إن "الشيء الأساسي هو زرع هذا التفكير في كل شيء يفعله المجلس البلدي، بحيث يلعب التأثير البيئي المحتمل دوراً في صياغة القرارات التي نتخذها عبر كل شعبة في المجلس". ولهذا السبب، كما يقال، ليس هناك ميزانية مستقلة لكل هذه الأمور.

وقد أصبح المجلس اللبدي لمدينة نوتنغهام خبيراً في الفوز بالمنح الخضراء التي تعطيها الحكومة المركزية والاتحاد الأوروبي للجهات التي تنتهج سياسات صديقة للبيئة. وقد سمحت إحدى هذه المنح له بتقديم أُعطيات لإنشاء حمامات دوش في أماكن العمل للتشجيع على استخدام الدراجات بشكل أكبر. لكن المجلس لا يرصد مبلغا من المال لـ "إنقاذ الكوكب". ومن المتوقع أن تعطي أقسام المجلس الأولوية للتغير المناخي عند طرح مشاريع وميزانيات واستراتيجيات جديدة.

وقال وارْد " توفر المشاريع الرامية إلى خفض الانبعاثات الغازية دائما المال في نهاية المطاف عند تنفيذها بشكل صحيح، وإذا كان هناك شيء آخر، فإن تحييد الغازات الدفيئة هو طريقة لتوفير المال على المدى البعيد".

ولعل، الأكثر أهمية هو أن المدينة ككل تبدو متجاوبة مع الخطة الجديدة. ففي عرض نادر لوحدة الصف، كان جميع من تحدثت إليهم "اندبندنت"، بمن فيهم طلاب ومتسوقين وناشطين من حركة "التمرد ضد الفناء"، علاوة على الغرفة التجارية المحلية، يمتدحون هذا الطموح للتخلص تماما من الغازات الدفيئة. ويبدو أن معارضي هذا التوجه هم قلة ممن يقفون عكس حركة التاريخ.

وفي هذا السياق قال إتيين ستوت، الحائز على الميدالية الذهبية في سباق الزوارق، الذي اعتقِل السنة الماضية خلال مظاهرات احتجاج نظمتها حركة "التمرد ضد الفناء" في لندن، "إنها خطوة جريئة وشاملة.. ما هو مثير للإعجاب بشكل خاص وجود مراجعات ضمن الخطة لذلك فليس هناك سبب لعدم تقديم الموعد النهائي لتحقيق هدف التصفير عن 2028، ولاسيما أن الجمهور يؤيد ذلك كما أن وتيرة التقدم على طريق بلوغ الهدف تتسارع ".

لكن، هل المشروع طَموح بما فيه الكفاية؟ يرى ستوت، 40 سنة، أنه كذلك، ويضيف قائلا "لكننا بحاجة إلى دعم من الحكومة المركزية., إنه شيء جميل أن تؤدي نوتنغهام واجبها كوحدة صغيرة، لكن يجب أن تقود الحكومة المركزية هذا التوجه".

وساق ستوت محاولة المدينة تدوير المزيد من النفايات المعبأة، كمثال. وتابع موضحاً أن تلك المحاولة كانت صعبة "لأن تعبئة كهذه تتباين كثيرا.. ومن الضروري للحكومة أن تتدخل لوضع معايير لها بحيث تستطيع البلديات التعامل معها بسهولة".

كذلك، بدا المسؤولون في "غرفة تجارة إيست ميدلاندز" مرحبين بالطموحات، على الرغم من التشديد على التحديات التي ستواجهها مستقبلا. وقال سكوت نويلز، المدير التنفيذي للغرفة إن مؤستته "داعمة بشكل كامل"، مشيرا إلى أن شركات المنطقة يجب أن تؤدي دورها أيضاً بتقليص انبعاثاتها الغازية إلى الصفر كلما كان ذلك ممكنا. 

لكنه أضاف " في مرحلة انتقالية كهذه، على قطاع الأعمال أن يقدم الدعم أيضاً. أخبرنا أعضاؤنا أن أكثر ما يقلقهم هو تكاليف الطاقة وأمن الإمدادات، خلال تقليص انبعاثات الغازات الكربونية، إذ يمكن لهذين العاملين أن يُنتجا تحديات مختلفة".  مع ذلك، ورغم احتمال وقوع مشاكل كهذه، يبدو أن هناك فرصة أمام المدينة للانطلاق إلى الأمام لتحقيق هدفها.

إلى ذلك، أعرب جوناثان وارد، كبير موظفي سياسات الطاقة الأولية، في لقاء ثانٍ معه، عن قناعته بأن الدعم الشعبي لتصفير الانبعاثات الكربونية قد بلغ مستوى غير مسبوق، وذلك بسبب انتشار الكوارث المتفاقمة، الناجمة عن التغير المناخي، وفي أعقاب صرخة ديفيد أتينبوره المدوية هذا الأسبوع.

وأضاف وارْد أن "هناك الكثير من التشاؤم بشأن ذلك وما من شك أننا نعيش مرحلة حساسة.. لكنني مقتنع أيضا أن هناك سببا للتفاؤل. فهناك إجماع الآن على ضرورة القيام بإجراء ما، لذلك فمن واجبنا أن نستفيد من ذلك بأكبر قدر ممكن وننفذ هذه التغييرات".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من علوم