ملخص
غالباً ما يكون التدريب التقليدي للأعمال مكلفاً وقد يتطلب من المتدرب العمل ضمن القيود التي يفرضها جدول مدربه. وعلى العكس من ذلك يتوفر مدربو الأعمال المعتمدون على الذكاء الاصطناعي على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع مما يوفر المرونة اللازمة لطلب التوجيه في وقت يناسب المتدرب
حقق الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة خطوات كبيرة في مختلف المجالات من الرعاية الصحية والتمويل، وصولاً إلى الترفيه والتعليم وغيرها كثير. ومع استمرار تقدم تقنياته يتساءل كثر عما إذا كان بإمكانها أن تحل محل أحد أهم الأدوار البشرية، ألا وهو دور المدرب، لا سيما أن المدربين يلعبون دوراً حيوياً في توجيه الأفراد وتحفيزهم في مجالات الرياضة والأعمال والتنمية الشخصية.
تقدر الدراسات الصادرة عن مؤسسات بحثية مرموقة نمو مهنة التدريب بمعدل 6.7 في المئة سنوياً بعد أن أصبحت سوقاً قيمتها تقارب 20 مليار دولار في عام 2022، خصوصاً مع الاستثمارات المتزايدة في عالم الرياضة وسعي رواد الأعمال للحصول على إرشادات من محترفين متمرسين لإرشادهم خلال التحديات للوصول إلى الأهداف المطلوبة التي تتماشى مع متطلبات السوق والاتجاهات السائدة.
في مجال الأعمال
في عالم الأعمال الذي يتطور باستمرار قد يكون البقاء في صدارة المنافسة وتحقيق الأهداف أمراً صعباً. وسواء كان الشخص رائد أعمال متمرساً أو بدأ للتو رحلة ريادة الأعمال، فإن الحصول على مصدر موثوق للتوجيه والدعم أمر بالغ الأهمية. وهنا يأتي دور مدرب الأعمال الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي، إذ يوفر القدرة على تحمل الكلفة، والتوافر على مدار الساعة، وتقديم المشورة الموضوعية، والتحرر من القيود البشرية.
غالباً ما يكون التدريب التقليدي للأعمال مكلفاً وقد يتطلب من المتدرب العمل ضمن القيود التي يفرضها جدول مدربه. وعلى العكس من ذلك، يتوفر مدربو الأعمال المعتمدون على الذكاء الاصطناعي على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، مما يوفر المرونة اللازمة لطلب التوجيه في وقت يناسب المتدرب. ومن خلال التدريب المدعوم بالذكاء الاصطناعي، يمكن الاستمتاع بفوائد التوجيه الشخصي بجزء بسيط من كلفة خدمات التدريب التقليدية، وهكذا تسمح هذه القدرة للشركات من جميع الأحجام بتحمل الكلف والوصول إلى موارد تدريب عالية الجودة من دون قيود مالية.
ولعل أهم ما يميز مدرب الأعمال القائم على الذكاء الاصطناعي هي طبيعته غير المتحيزة، إذ قد يقوم المدربون البشريون، على رغم نياتهم الطيبة، بإدخال تحيزاتهم أو تصوراتهم المسبقة أو عواطفهم عن غير قصد إلى جلسة التدريب، وقد يؤدي هذا في بعض الأحيان إلى تجربة تدريب أقل موضوعية.
من ناحية أخرى، لا يصدر مدربو الذكاء الاصطناعي للأعمال أحكاماً مسبقة، أو يسمحون للمشاعر الشخصية بالتأثير في نصائحهم. إنهم يوفرون رؤى غير متحيزة وموضوعية تعتمد على البيانات والخوارزميات فحسب. وبذلك يخلق هذا الحياد مساحة آمنة للمناقشات المفتوحة والصادقة حول تحديات الأعمال وأهدافها، مما يساعد على اتخاذ قرارات مستنيرة.
في عالم الرياضة
يحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في عالم التدريب الرياضي من خلال توفير برامج تدريب مخصصة ومصممة خصيصاً لتلبية حاجات الرياضيين. وبمساعدة تقنياته، يمكن للرياضيين الآن الحصول على خطط تدريب لتحسين أدائهم ومهاراتهم، وبطبيعة الحال يسمح هذا المستوى من التخصيص للرياضيين بالتدريب بصورة أكثر فاعلية وكفاءة، ما يؤدي إلى نتائج أفضل على أرض الملعب.
أحد الأدوار الرئيسة للذكاء الاصطناعي في التدريب الرياضي تكمن في تحليل الأداء، إذ يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات التي جمعت من الرياضيين، مثل القياسات الحيوية ومقاييس الأداء، لتحديد مجالات التحسين. ومن خلال تحليل هذه البيانات، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يزود المدربين برؤى قيمة حول نقاط القوة والضعف لدى الرياضي، وهذا ما يساعدهم على تطوير خطط التدريب التي تستهدف مجالات محددة تحتاج إلى تحسين. كما يسمح هذا النهج المبني على البيانات في التدريب للرياضيين بتركيز جهودهم التدريبية على المجالات التي سيكون لها التأثير الأكبر في أدائهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإضافة إلى تحليل الأداء، يلعب الذكاء الاصطناعي أيضاً دوراً حاسماً في تحسين التدريب والأداء من خلال استخدام الأجهزة القابلة للارتداء والمراقبة في الوقت الفعلي، مثل أجهزة تتبع اللياقة البدنية والساعات الذكية، التي تجمع البيانات حول النشاط البدني للرياضي، ومعدل ضربات القلب، والمقاييس الأخرى ذات الصلة. ويتم بعد ذلك إدخال هذه البيانات في خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها تقديم تعليقات وتوصيات في الوقت الفعلي للرياضيين والمدربين. وبذلك يمكن للذكاء الاصطناعي على سبيل المثال تنبيه المدرب لضبط شدة التمرين لمنع الإجهاد الزائد والإصابة المحتملة، إذا كان معدل ضربات قلب الرياضي مرتفعاً جداً أثناء جلسة التدريب.
إلى ذلك، تسمح المراقبة في الوقت الفعلي للمدربين بتتبع تقدم الرياضي وإجراء تعديلات على خططهم التدريبية بحسب الحاجة. وعبر المراقبة المستمرة لأداء الرياضي، يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم رؤى قيمة حول التقدم المحرز ومساعدة المدربين على اتخاذ قرارات مستنيرة حول متى يجب زيادة كثافة التدريب أو متى يجب التركيز على التعافي.
التنمية الشخصية
يمثل ظهور الذكاء الاصطناعي في المجال الديناميكي للتنمية الشخصية ودعم الصحة العقلية، خطوة ثورية نحو الحلول المبتكرة. وفي هذا الإطار، قدمت شركة "بروسيسيكا" الأميركية، الشركة الرائدة في الاستفادة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، العام الحالي أداة سمتها "مدرب الحياة المدعوم بالذكاء الاصطناعي"، التي تتخطى أساليب التدريب التقليدية من خلال توفير دعم مستمر وشخصي عبر المحادثة الذكية، مما يوفر تجربة تفاعلية وجذابة للعملاء حتى خارج جلسات التدريب المجدولة.
إدراكاً منها أن النمو الشخصي والتحديات لا تلتزم بجدول زمني، سعت الشركة الأميركية إلى إنشاء حل يضمن حصول العملاء على التوجيه والتحفيز والدعم العاطفي كلما احتاجوا إليه، بالتالي تعزيز استمرارية خدمات التدريب وإمكانية الوصول إليها على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. وباستطاعة هذه الأداة تكييف استراتيجيات التدريب الخاصة بها وتقديم النصائح والتمارين والتشجيعات الشخصية التي تتوافق مع الوضع الحالي للعميل وتطلعاته.
أحد الأهداف الحاسمة لهذا المشروع تتجسد بتنفيذ نظام مراقبة متقدم قادر على تحديد العلامات المبكرة للاضطراب العقلي، مثل الاكتئاب والقلق والعدوانية والأفكار الانتحارية. من هنا لا تهدف هذه الأداة إلى تنبيه المدرب البشري إلى المشكلات المحتملة فحسب، بل تهدف أيضاً إلى توفير إطار عمل للتدخلات المناسبة وفي الوقت المناسب، بالتالي ضمان حصول العملاء على الدعم الذي يحتاجون إليه للتغلب على تحديات صحتهم العقلية بفاعلية.
ما مصير المدربين؟
على رغم كل ما تقدم، يعجز الذكاء الاصطناعي في عديد من المجالات الرئيسة عند مقارنته بالمدربين البشريين، فمثلاً يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى الذكاء العاطفي والتعاطف الذي يجلبه المدربون البشريون إلى علاقاتهم، إذ غالباً ما يحتاج المدربون إلى فهم ومعالجة الجوانب العاطفية والنفسية لعملائهم.
ويمكن للمدربين البشريين تكييف إرشاداتهم بناءً على التفاصيل الدقيقة في حياة العميل، بما في ذلك تاريخه الشخصي والتحديات الفريدة التي واجهها، فيما يكافح الذكاء الاصطناعي لتوفير هذا المستوى من الفهم السياقي، ناهيك بأن الذكاء الاصطناعي قد يواجه صعوبة في توفير الإلهام والتحفيز الذي يمكن أن يقدمه المدربون البشريون من خلال قصصهم الشخصية وتجاربهم وتشجيعهم للعملاء.
وبما أن الثقة تعد عنصراً أساساً في علاقات التدريب، يقوم المدربون البشريون ببناء الثقة مع مرور الوقت، في حين قد يواجه الذكاء الاصطناعي صعوبة في إنشاء هذا المستوى من الثقة والألفة. أما في المواقف التي تتطلب حل المشكلات المعقدة أو الإبداع أو التعامل مع المشاعر المعقدة، فيتفوق المدربون البشريون، بينما قد يفشل الذكاء الاصطناعي.
وقد قدمت شخصيات بارزة في مجال التدريب رؤيتها حول هذا الموضوع، فاعتبر مدرس الذكاء الاصطناعي السابق في شركة "غوغل" أليكس نورثستار أن الذكاء الاصطناعي سيقوم بالعمل الشاق للمدرب من دون استبداله، مبدياً اعتقاده بأنه في السنوات الـ10 إلى الـ20 المقبلة، سيظل الناس يتوقون إلى التواصل، مستبعداً في الوقت نفسه أن يثق أي شخص في مدرب الذكاء الاصطناعي بما يكفي لدفع ما بين 5 و10 آلاف دولار لكل استشارة.
من جهته، أوضح مدرب الأعمال ومؤسس أكاديمية "إي أي بيزنس بريكثرو" كايل بالمر أن الذكاء الاصطناعي سيعزز عمل المدربين من خلال السماح لهم بأن يكونوا متاحين بصورة أكبر، فيما قالت أستاذة الابتكار التعليمي سارة جونز، إنها تقدر براعة الذكاء الاصطناعي في معالجة كميات هائلة من البيانات، وتحديد الأنماط وتقديم الأفكار، وكل ذلك يمكن أن يكمل نجاح المدرب البشري مع عملائه.
في السياق ذاته تطالب الرئيسة التنفيذية للمؤسسة التدريبية "زات استراتيجي كو"، ليزا جونسون، المدربين البشريين بعدم القلق لأنهم يقدمون وجهات نظر فريدة وقدرة على التكيف وذكاءً عاطفياً وتشكيل اتصالات لا يمكن للذكاء الاصطناعي تكرارها. وخلص مؤسس شركة "دا كوستا كوتشينغ" للتدريب روب دا كوستا، للنتيجة نفسها قائلاً إن العملاء يريدون التعاطف والتفاهم والنظر في أعينهم عند العمل مع المدرب.
