Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من التبعية لأميركا إلى التوازن... "ثورة" السياسة الخارجية لـ25 يناير

تنوع التسليح والشراكة الاستراتيجية مع القوى الدولية الفاعلة أبرز مظاهر استقلال علاقات مصر بالخارج

استخدم الإخوان المسلمون خلال فترة حكمهم لمصر القضية الفلسطينية لتوسيع شعبيتهم (أ.ف.ب.)

لم تتبنَ الثورة المصرية مطالب واضحة تتعلق بالسياسة الخارجية منذ انطلاقها يوم 25 يناير (كانون الثاني) 2011، لكن علاقات مصر الخارجية كانت أحد الجوانب التي طالتها تأثيرات الثورة.

كما أن العديد من القضايا الخارجية الخلافية، وعلى رأسها التبعية للولايات المتحدة والعلاقات مع إسرائيل كانت من بين الأمور الشائكة التي أثارتها المعارضة المصرية خلال السنوات الأخيرة لحكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، خصوصاً من خلال الحملات الداعية إلى وقف تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، أو ما عُرف آنذاك بـ"نكسة الغاز"، ولعل ذلك ما وجّه بوصلة "الثوار" نحو السفارة الإسرائيلية في القاهرة خلال الأشهر الأولى بعد تنحي مبارك، وصولاً إلى أزمة اقتحامها في صيف 2011.

ويرى مراقبون أن من بين الأسباب الرئيسة لإطاحة حكم الإخوان، الذي جاء بعد ثورة يناير، هو رغبة هذا الحكم في إعادة "إنتاج التبعية"، لكن هذه المرة إلى تركيا، في إطار تحالف الإخوان مع حزب العدالة والتنمية التركي برئاسة رجب طيب أردوغان، وخدمة لمشروعه الإقليمي، إذ عُزِل مرسي بعد أسبوعين تقريباً من خطابه الشهير في استاد القاهرة في منتصف يونيو (حزيران) 2013، الذي أعلن فيه فتح باب "الجهاد في سوريا" وسط حشد من أنصاره من "المتطرفين الإسلاميين" في مدرجات الاستاد، وذلك في تأييد واضح لسياسة حليفه التركي الذي اعتمد، ولا يزال، على المقاتلين المتطرفين في تدخله وعدوانه على الأراضي السورية.

تفكيك التبعية... مطلب ثوري

وصفت السياسة الخارجية المصرية بالتبعية للولايات المتحدة والاعتماد على مساعداتها المشروطة خلال عهد الرئيس مبارك الذي امتد ثلاثة عقود على الرغم مما شهدته العلاقات بين القاهرة وواشنطن من توترات خلال السنوات الأخيرة لحكم مبارك بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وتبني الإدارة الأميركية استراتيجية التدخل لنشر الديموقراطية بالمنطقة، ما وضع ضغوطاً كبيرة على النظام الحاكم أجبرته على الانفتاح السياسي نسبياً، وأسهم في بزوغ نجم المعارضة والحركات الاحتجاجية.

وبعد أن اعتاد الرئيس المصري المخلوع زيارة واشنطن سنوياً، رحل مبارك بعد شهور من زيارته واشنطن في سبتمبر (أيلول) 2010 لحضور القمة الخماسية حول القضية الفلسطينية بمشاركة زعماء فلسطين والأردن وإسرائيل وأميركا، التي ظهر "مبارك" خلالها بصورة اُعتبرت دليلاً على تراجع دور مصر، وأصبحت الصورة الجماعية الشهيرة للقمة التي ظهر فيها مبارك في مؤخرة الطرف الأيسر من الصورة، من نوادر الثورة المصرية بعد أن لجأت صحيفة مصرية حكومية إلى تزييف الصورة لإظهار مبارك في المقدمة، كأنه يقود من خلفه تحت عنوان "الطريق إلى شرم الشيخ".

كانت هذه هي الزيارة الأولى والأهم بعد انقطاع 5 سنوات عقب زيارة مبارك الشهيرة لمزرعة الرئيس الأميركي جورج بوش في كروافورد بولاية تكساس عام 2004، التي شهدت خلافاً حاداً بين الزعيمين حول مستقبل التحوّل الديموقراطي في مصر.

وقال الدكتور أحمد عبد العالم الباحث في العلاقات الدولية، في تصريح خاص، إن من أبرز المكاسب بعد 2011 كان "تحقيق الاستقلالية في السياسة الخارجية المصرية، والتوازن في التعامل مع القوى الدولية الفاعلة والأقطاب المتعددة على المسرح الدولي حاليا، والخروج من التبعية بالتحديد للولايات المتحدة، وظهر ذلك في سياسة تنوع التسليح المصري، والدخول في شراكة استراتيجية مع العديد من القوى الدولية الفاعلة والصاعدة كروسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي"، معتبراً أن ذلك "شكل ثورة في السياسة الخارجية، سمحت بمساحة تحرّك أكبر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع، "النهج الجديد بلور رفض من السياسة الخارجية المصرية لفكرة التبعية اللصيقة بالولايات المتحدة الأميركية، أعاد لمصر خلال السنوات اللاحقة على الثورة، الكثير من الفعالية في القضايا الإقليمية مثل الملف الليبي ودخولها وسيطاً مقبولاً في الأزمة السورية، وبدأ كثيرٌ من التقارير يشير إلى أن مصر بدأت تتجه شرقاً في ظل صعود الصين وروسيا، وتبتعد تدريجياً عن المعسكر الغربي، لكن مصر تمكّنت من تحقيق التوازن في علاقاتها الخارجية جعلتها تحتفظ بعلاقات استراتيجية بروسيا وأميركا في نفس الوقت".

ومنذ 2011، دخلت الخارجية المصرية في معارك كلامية عديدة مع واشنطن رفضاً لتدخلاتها في الشؤون الداخلية لمصر، مع تأكيدها في العديد من هذه البيانات على احترام حقوق الإنسان والحريات العامة واستقلالية القرار المصري انطلاقاً من مبادئ ثورتي 25 يناير (كانون الثاني) و30 يونيو (حزيران).

التقارب الإخواني مع إيران يقلب الموازين

بدأ التقارب المصري الإيراني بعد ثورة يناير قبل وصول الإخوان إلى السلطة، حينما أعلن الدكتور نبيل العربي أول وزير خارجية لمصر بعد الثورة في مارس (آذار) 2011، عن رغبة بلاده في رفع مستوى علاقاتها مع إيران التي وصفها بأنها "دولة من دول الجوار، وليست دولة معادية"، وتزامن ذلك مع رؤية إيرانية عبّر عنها المرشد الإيراني على خامنئي، حين اعتبر أن الثورة المصرية "امتداد للثورة الإسلامية في إيران"، وتعامل معها انطلاقاً من ذلك، فسعت طهران حينها إلى إرسال سفير لتمثيلها في مصر بعد عقود من الاكتفاء بالتمثيل الدبلوماسي عبر مكتب رعاية مصالح، وأعلنت إلغاء التأشيرات على دخول المصريين والعمل على تعزيز التعاون التجاري والسياحي واستئناف الطيران المباشر، وهو ما ترجمته الخارجية الإيرانية إلى استضافة وفود مصرية بصفة دورية من جميع شرائح المجتمع المصري ومكوناته، فضلاً عن تكثيف التواصل مع قيادات الإخوان وصولاً إلى زيارة الرئيس السابق أحمدي نجاد النادرة إلى مصر وزيارة مرسي إلى طهران.

وكانت إيران من بين أوائل الدول التي قام الرئيس المعزول محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان بزيارتها، لحضور قمة منظمة دول عدم الانحياز، في أغسطس (آب) 2012، فيما اُعتبر بادرة لتطبيع العلاقات مع طهران.

وهي الزيارة التي ردّ عليها الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد في فبراير (شباط) 2013 بزيارة القاهرة للمرة الأولى منذ الثورة الإيرانية عام 1979، إذ كشفت تلك الزيارة عن عدم ترحيب الرأي العام المصري بالتقارب مع إيران، ليبرز دور الرأي العام محدداً أساسياً في السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة، حيث تعرض مقر إقامة رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة لتظاهرات حاشدة من التيار السلفي ضد محاولات إيران نشر المذهب الشيعي في مصر.

فيما تعرض "نجاد" نفسه لتظاهرات مناوئة لزيارته ولمحاولتي اعتداء خلال زيارته مشيخة الأزهر وخلال إلقائه كلمته بمنزل السفير الإيراني، كما رُشِقَ بالأحذية أثناء خروجه من مسجد "الحسين" بالقاهرة من قبل شاب سوري غاضب، إذ كانت القاهرة تحتضن آلاف اللاجئين السوريين، وسبق ذلك العديد من التظاهرات المطالبة بمنع مرور السفن الإيرانية عبر قناة السويس إلى سوريا، وعلى الرغم من رفض السوريين الدور الإيراني في بلادهم، فإن "مرسي" اقترح إقامة تحالف رباعي، يضم إيران وتركيا والسعودية ومصر لحل الأزمة السورية، لكنه لم يحرز أي تقدم.

ومن جانبه، قال ماهر فرغلي الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية لـ"اندبندنت عربية"، "السياسة الخارجية المصرية في عهد مبارك شهدت نوعاً من السكون والكمون للحفاظ على الوضع القائم، ومن بينها جمود العلاقات مع إيران".

وأضاف، "ومع تولي الإخوان الحكم بدأ التقارب مع قطر وتركيا وإيران والصدام مع دول الخليج، خصوصاً الإمارات، وكان التقارب بين الإخوان وإيران شيء طبيعي نتيجة العلاقات التاريخية منذ الثورة الإيرانية التي رحّب بها الإخوان في ذلك الوقت، وأقاموا علاقات قديمة مع الخميني، نتيجة تقاربهم في النظرية السياسية المُرتبطة بالحكم الديني سواء من خلال نظام الولي الفقيه في إيران أو تطبيق الشريعة وإقامة الخلافة أو أستاذية العالم في فكر الاخوان، بل إن الإيرانيين استلموا الكثير من أفكار سيد قطب عن طريق ترجمة المرشد الحالي علي خامنئي لكتبه، وفي المحصّلة أفسد هذا التقارب علاقة مصر بدول الخليج، وكان لها دوافع أيديولوجية بعيدة عن مقتضيات الأمن القومي المصري والعربي".

تحالف "مرسي- أردوغان" يكتب النهاية

راهنت تركيا على تشكيل "حزام عربي" من الدول التي يحكمها تنظيم الإخوان بعد ثورات 2011، فسعت إلى تعزيز علاقاتها بمصر الثورة، ودعمت وصول الإخوان إلى السلطة، وكان حضور "مرسي" المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية التركي عام 2012 بمثابة احتفال بتبعية الإخوان وحزبهم "الحرية والعدالة" إلى التنظيم الدولي للإخوان، الذي تحتل فيه تجربة أردوغان المثال والنموذج المُلهم لسياسة "التمكين".

وبدوره، قال محمد حامد الباحث في الشؤون التركية، في تصريح خاص، "جماعة الإخوان نجحت في اختطاف توجهات السياسة الخارجية المصرية نحو التماهي مع السياسة التركية، الداعمة قوى الإسلام السياسي، بدليل اتخاذه نفس الموقف التركي المعارض التدخل الفرنسي في مالي يناير (كانون الثاني) 2013، بعد طلب الرئيس المالي ديونكوندا تراوري مساعدة عسكرية من فرنسا، ومن الأمم المتحدة لصد الإسلاميين المتشددين الذين يسيطرون على شمال البلاد، ثم إعلانه قطع العلاقات مع سوريا وهتافه الشهير في استاد القاهرة (لبيك يا سوريا)، داعياً إلى الجهاد".

وأضاف، "جاء ذلك بعد زيارة مرسي إلى تركيا وحضوره المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية، وكأنه جزء من تنظيم أردوغان وحزبه، ما كان له دلالة واضحة على أن أنقرة تقوم بإملاء السياسة الخارجية على نظام الإخوان الذي ظل يدور في فلك النظام التركي إلى أن شاهدنا مشهد النهاية، بانحياز مرسي للدور التركي في سوريا، وإعلانه فتح باب الجهاد إليها، وبطبيعة الحال عن طريق نقل المقاتلين من خلال الحدود التركية – السورية".

وتابع، "لعل ذلك من العوامل التي أدت إلى استحالة استمرار الإخوان بالسلطة في مصر، وأكدت أن حكم الإخوان ينطلق بالأساس من مصالح الجماعة وتحالفاتها الخارجية، وليس من منطلق مصالح مصر العليا ومقتضيات أمنها القومي، في الوقت الذي كانت فيه مصر تسعى إلى تصحيح مسار علاقاتها الخارجية، وتحقيق توازن يمكنها من تفعيل دورها وكسر قيود التبعية للقوى الكبرى، بدلاً من نسج الإخوان لخيوط جديدة للتبعية لتركيا وقطر".

جدير بالذكر، أن العلاقات الثلاثية بين قيادات الإخوان في مصر وتركيا وإيران لم تقتصر على استهداف مصر فقط، بل طالت السعودية ودول المنطقة، إذ فضحت وثيقة مسربة نشرها موقع "ذا إنترسيبت" الأميركي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تفاصيل "مؤامرة" مشتركة بين جماعة الإخوان والحرس الثوري الإيراني، لضرب مصالح السعودية، عبر اجتماع لمسؤولين من الطرفين في تركيا قبل نحو 6 سنوات، ولم يكن ذلك الاجتماع السري بعيداً عما أعلنه قيادات الإخوان من تهديدات لدول الخليج، وكان أشهرها تصريح القيادي الإخواني عصام العريان قبل أسبوعين من بيان عزل مرسي في 3 يوليو (تمّوز) 2013، الذي هدد فيه دولة الإمارات بـ"إيران النووية القادمة".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي