Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحداث يناير 2011... 9 سنوات من التدوين والتغريد

البنية التحتية الرائعة لتكنولوجيا المعلومات التي أسسها نظام مبارك كانت الأداة الأكثر فعالية في إسقاطه

يمكن تأريخ السنوات التسع الماضية من تاريخ مصر بتتبع تفاصيل الهاشتاغات والتدوينات (أ.ف.ب.)

صور أرشيفية من ندوة ضمن مئات الندوات الحماسية التي شهدتها القاهرة في سنوات الأدرينالين الثوري. أبطال الصورة ومكان الندوة ومحتوى اللقاء تقول إن شتان بين الأمس واليوم. أما عنوانها فمؤثر جداً "25 يناير 2020"!

كان هذا في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2012، تلك السنة المفصلية المحورية المفترية في تاريخ مصر والمصريين.

ساقية الصاوي

المكان كان "ساقية الصاوي" التي بزغ نجمها كملتقى ثقافي-سياسي لأصحاب الفكر الثوري، والتي وجدت من ينعت مؤسسها محمد الصاوي بالمتحدث باسم الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، الذي صدر في أثناء حكم جماعة الإخوان المسلمين ونجل وزير ثقافة مصر الأسبق الراحل عبد المنعم الصاوي. والمتحدثون كانوا: الدبلوماسي السابق وأستاذ العلوم السياسية ومؤلف رواية "باب الخروج" الشهيرة عز الدين شكري فشير، المقيم في الولايات المتحدة حالياً، والطبيب وعضو مجلس الشعب السابق مصطفى النجار، وأستاذ العلوم السياسية ورئيس حزب مصر الحرية السابق، المقيم خارج مصر عمرو حمزاوي، والكاتب وأحد مستشاري رئيس مصر السابق الإخواني الراحل محمد مرسي والذي استقال من منصبه قبل ثورة عام 2013 أيمن الصياد.

ما جمع بين متحدثي ندوة "25 يناير 2020" وقت انعقادها في عام 2012 كونهم جميعاً إما نشطاء سياسيين أو أشخاص معروفين في الوسط الحراكي الثوري أو شخصيات لها باع في توجيه الرأي العام الذي كان واقعاً تارة للحماس الثوري وأخرى لتنويم الجماعات الإسلامية المغناطيسي. وما يجمع بينهم حاليا، بمن فيهم مؤسس "ساقية الصاوي" محمد الصاوي، هو ابتعادهم جميعاً عن المجال العام المصري سواء طواعية أو غير طواعية.

تطويع الرأي العام وتوجيهه، وتشكيل التوجهات، وتجييش التأييد وحشد التنديد وغيرها من صنوف قيادة دفة الجماهير شهدت تغيرات وتطورات وتقلبات لا أول لها أو آخر عبر هاشتاغات تشكل "الترند" (الأكثر رواجاً)، وتدوينات تصنع الجبهات وأخرى تفتت تحزبات.

تاريخ تسع سنوات

تأريخ السنوات التسع الماضية من تاريخ مصر يمكن تتبعه وقراءة تفاصيله واستشراف آثاره عبر هبّات الهاشتاغ وهجمات التدوينات.

سخرية الأقدار تشير إلى أن البنية التحتية الرائعة لتكنولوجيا المعلومات التي أسسها نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، كانت الأداة الأكثر فعالية في إسقاطه. وتشير دراسة أجرتها شركة "غوغل" في عام 2010 إلى أن الهواتف المحمولة في مصر بين شهري سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه كانت أكبر منصة مستخدمة للاتصال وإرسال الرسائل القصيرة، وبعدها مشاهدة التلفزيون، وجاءت شبكة الإنترنت في المكانة الثالثة. ووقت نشوب أحداث يناير (كانون الثاني) 2011، كانت نسبة انتشار الهواتف المحمولة في مصر قد تعدت الـ91%.

زعابيب ورياح

وقد هبت مع زعابيب يناير 2011 رياح عاتية اسمها إقبال المصريين الكثيف على استخدام منصات التواصل الاجتماعي، إلى درجة أن مليوناً و95 ألفاً انضموا إلى "فيسبوك" بين شهري يناير (كانون الثاني) وأبريل (نيسان) 2011، وفي الشهر الأخير شكَّل المصريون المستخدمون لموقع التواصل الاجتماعي نحو 25% من مستخدميه في العالم العربي.

أما "تويتر" الذي يعد أقل شعبية لكن أكثر تأثيراً نظراً إلى امتداد أثره البيني إلى منصات التواصل الاجتماعي الأخرى ومنها "فيسبوك" بالإضافة إلى انتقاله شفهياً إلى الشارع، فلم يزد عدد مستخدميه في مارس (آذار) عام 2011 عن 130 ألفاً.

اليوم يبلغ شعب "فيسبوك" في مصر نحو 38 مليون مستخدم، بينما يبلغ عدد مستخدمي "تويتر" نحو مليونين، مع العلم أن جانباً معتبراً من الهاشتاغات الموجهة إلى الترند يُغرد بها من خارج مصر.

مصر على مدار تسعة أعوام مضت عاصرت هاشتاغات وجهت سياسات وأملت تحركات وعايشت تدوينات ألبت الرأي العام وقلبت الأوضاع رأساً على عقب. وبعد حراك الشارع الذي نجم عن حراك العنكبوت منذ عام 2015 وتصاعد حتى قبل بدء الأحداث بأيام، أصبح الشارع المصري خاضعاً لتوجيهات وتوجهات صادرة بشكل غير مباشر عبر تديونات فيسبوكية.

تدوين وتغريد

تسع سنوات من التدوين والتغريد نجمت عنها ملايين التدوينات والتغريدات التي رسمت وارتسمت بخطوط السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة في مصر. تميز عام 2011، الذي هو عام انطلاق الحراك الثوري وأدرينالين حماسة التغيير وتحليق الأحلام في السماء بعيداً عن أرض الواقع بتغريدات وتدوينات تكاد تشم رائحة اشتعالها عبر الشاشات، فأيام الحراك الأولى ولدت تدوينات فيسبوكية، وقت كان الشباب المصري هو الأكثر عدداً والأعلى سيطرة على هذه المنصة، برائحة هتافات ميدان التحرير الأولية قبل الانشطار وبالطبع قبل الارتطام. تدوينات شباب الفيسبوك حينئذ نقلت عبق الميدان المُطالب بـ"عيش حرية عدالة اجتماعية" بطرق توضيحية شتى وسبل تفسيرية عدة.

دعوات النزول

دعوات نزول الميدان نشطت بشكل كبير وواضح في الأسابيع القليلة السابقة ليناير 2011، واجتمع أغلبها رغم اختلاف القناعات والانتماءات على الدعوة إلى "يوم الغضب" المتزامن و"عيد الشرطة". عشرات الحسابات على فيسبوك وتويتر نظمت كل كبيرة وصغيرة لفعاليات ذلك اليوم الذي تمدد وتوسع وتشعب فيما بعد ليصبح "أيام غضب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غالبية التدوينات والتغريدات وقتئذ كانت عبارة عن توجيهات وإرشادات لكيفية التصرف، وإغلاق الميدان من قبل "الثوار" وكيفية فتح منافذه، وحيل القرار من قوات الشرطة. محتوى التدوينات لم يكن قد كشف بعد عن حجم الفروق والتوجهات وأولوية المصالح بين من قرروا نزول أرض الميدان.

أما "تويتر" فكان الأثر الأكبر له خارج مصر، ويشير موقع التواصل إلى أن "مصر" كان ثامن أوسع هاشتاغ تداولاً في العالم، والذي لجأ إليه مستخدمو "تويتر" للاطلاع على ما يجري في ميدان التحرير. وجاءت "القاهرة" و"مصر" كأكثر مدينة ودولة مشار إليهما في ذلك العام. كما أن تنحي الرئيس الأسبق مبارك كان أكثر الموضوعات تداولاً جنباً إلى جنب مع مقتل أسامة بن لادن.

الوعي المعلوماتي

وتجدر الإشارة إلى أن مجتمع مستخدمي المنصات الاجتماعية في مصر كان على درجة معتبرة من الوعي المعلوماتي والتمكن العنكبوتي، ما أدى إلى قدرة الإنترنت ومنصاتها الاجتماعية على أن تضع نفسها في مكانة "صانعة الحراك"، وربما أيضاً قاتِلته في ضوء وجهة النظر التي تشير إلى أن الواقع الافتراضي مهما كان براقاً وجذاباً، فإنه يظل افتراضياً. ذلك العام 2011 نجح كذلك في خلق نجوم من صناع الرأي العنكبوتيين من حيز الأثير المجهول إلى فضاء الانتشار الشعبي، ويمكن اعتبار متحدثي ندوة "25 يناير 2020" التي عقدت في عام 2012 خير دليل على ذلك.

وبحسب دراسة صدرت عن "مشروع تكنولوجيا المعلومات والإسلام السياسي" في عام 2011، وهو مركز بحثي يتخذ من قسم الإعلام في جامعة واشنطن مقراً له (لاحظ تركيبة الاسم)، فإن الأسبوع الذي سبق تنحي مبارك شهد قفزة في عدد التغريدات عن مصر من 2300 إلى 230 ألف تغريدة يومياً.

المليونيات والاستقطاب

الـ"مليونيات" المستَقطَبة والمستقطِبة المتعاقبة التي شهدها ميدان التحرير لما تبقى من عام 2011 و2012 كان يجري تنظيمها عبر كل من "فيسبوك" و"تويتر" أيضاً. أسماء "المليونيات" وانتشارها كالنار في هشيم العنكبوت، وأسماء الفعاليات التي كان يُدعى إلى تنظيمها يوم الجمعة تقول الكثير عن خط سير الحراك، وانحرافاته، وتحزباته، فمن "جمعة الغضب" (28 يناير 2011) و"جمعة الرحيل" في 4 فبراير (شباط) 2011 و"جمعة الزحف" (11 فبراير 2011)، حيث تناغُم مطالبات الرحيل، إلى "جمعة إنقاذ الثورة" (1 أبريل 2011) و"جمعة الغضب الثانية" في 27 مايو (أيار) 2011، و"جمعة لم الشمل" في 29 يوليو (تموز) 2011، وهو ما يُظهِر بدء ظهور الشقوق ووضوح اختلاف الرؤى والمصالح، ومنها إلى دعوات متواترة لمليونيات ذات تيار واحد لا ثاني له حيث "الشرعية والشريعة" و"نصرة أبو إسماعيل" (حازم صلاح أبو إسماعيل) و"جمعة نصرة الشرعية" و"تطبيق الشريعة الإسلامية" و"تأييد قرارات الرئيس" (محمد مرسي) و"الدفاع عن العلماء والمساجد" و"نصرة سوريا والجهاد"، وغيرها من الفعاليات التي عكست سيطرة الإسلام السياسي على الميدان بدءاً من الهاشتاغ مروراً بالتدوينات وانتهاءً بأرض الميدان.

ويشار إلى أن غالبية موجات ركوب الثورة ونسبها إلى آباء وأمهات غير آبائها وأمهاتها الأصليين استهلت عنكبوتياً، وهو ما نتج عنه إفساح الأثير لكمٍ هائل من تبادل الاتهامات بين شتى الأطراف، وتخوين الجميع للجميع.

مئات المجموعات والصفحات على متن "فيسبوك" أُسست على مدار سنة حكم الإخوان وما تلاها من خلع الجماعة واضطرام نيران النهش الثوري والاستقطاب الشعبي ونصرة الترند وهيمنة الهاشتاغ.

عام الاستخدام الأمثل

وإذا كان 2011 يمكن اعتباره العام الأمثل لاستخدام الشبكة العنبكوتية باعتبارها أداة عبقرية لدمقرطة المعلومات، إلا أن 2012 كان العام الأبشع في تطويع المعلومات الرقمية واستخدامها لنصرة فصيل أعلن نيته الإجهاز على الدولة.

الدولة المصرية وجدت أو وضعت نفسها طرفاً في الصراع العنكبوتي الذي لم يعد يسير في اتجاه واحد من الشبكة إلى الشارع، بل تحول إلى المضي في دوائر من الشبكة إلى الشارع ومن الشارع إلى الشبكة حتى لم يعد في الإمكان التيقن أو تتبع أين بدأ الهاشتاغ وما آلت إليه التدوينة!

وتؤيد هذا الرأي الباحثة يسرا عبد الستار الجندي في بحثها "وسائل التواصل الاجتماعي في المرحلة الانتقالية في مصر" والتي تشير إلى أن العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي والمستخدمين لم تعد أحادية الاتجاه، بل أصبحت اتجاهين، فالتواصل الاجتماعي يدير الدفة ويحدد التوجه، والمستخدمون أيضاً باتوا يديرون دفة التواصل الاجتماعي ويحددون توجهه.

شباب وجموع

تطورت الأحداث عنكبوتياً ومن ثم واقعياً أو العكس أو كليهما، وتطور استخدام "فيسبوك" عبر سنوات ما بعد إسقاط الإخوان، فلم يعد سكان "فيسبوك" هم جموع الشباب المحرِّك للأحداث فقط، بل أصبحوا الجموع الشعبية الغفيرة التي عادت إلى بيوتها، سواء بعد تيقنها أن الثورة كانت مؤامرة، أو بعد ما تيقنت أن حلم هيمنة الإسلام السياسي على المشهد بات مستحيلاً. أما جموع الشباب، فإما هربوا إلى جنبات "تويتر" و"إنستغرام" أو عادوا إلى صمتهم السياسي أو خصصوا جهدهم للعمل ضمن ميليشيات إلكترونية، سواء بدافع الكسب المادي أو إيماناً بالهدف السامي.

سمو الأهداف أو انحطاطها، بحسب المتلقي، تمثل في انتعاش غير مسبوق لهاشتاغات تهدف إلى صناعة الترند منذ بدء التوجه نحو إسقاط حكم الإخوان، وذلك على أمل تهييج الرأي العام، ومن ثم تغيير الوضع القائم، وبالمرة إرسال رسائل إلى الخارج، لا سيما الغرب، أن الأمور في مصر ليست على ما يرام طالما الإسلام السياسي لا يحكم البلاد.

تحمل الأيديولوجيا عنكبوتياً

وتشرح أستاذة سياسات التعليم الدولية في جامعة إلينوي الأميركية، ليندا هرارا، في كتابها "ميليشيات الإخوان المسلمين الإلكترونية: كيف تُحَمِل أيديولوجيا على فيسبوك؟" كيف أن عضواً سابقاً في الجماعة ظلت تربطه علاقة قوية بها قال إن الحملة الإلكترونية الداعمة للرئيس الراحل محمد مرسي أثناء ترشحه للرئاسة كانت قوية للغاية، وأن لديه قناعة أن كل صفحة تتمتع بشعبية بالغة على "فيسبوك" في ذلك الوقت كانت تدار من قبل شباب الجماعة. وتشير هرارا إلى أنه كان يجري تداول وثيقة تحت عنوان "شبهات وردود" بين شباب وشابات الإخوان الغرض منها إيجاد إجابات عن أية أسئلة أو أطروحات أو انتقادات يقدمها أنصار التيارات الليبرالية على مواقع التواصل الاجتماعي في إطار معارضتهم ترشُح مرسي.

الطريف أنه لوحظ في حالات عدة أتت فيها الأسئلة خارج المنهج المقرر على شباب الجماعة من أعضاء اللجان الإلكترونية، كانوا يلجؤون إلى إحدى وسيلتين للهروب لا ثالث لهما، إما الإجابة بأسلوب غامض بغرض تضليل السائل، أو الدعاية له بأن يرشده الله إلى طريق الصواب بدلاً عن الطريق الذي يسير فيه.

تحولات استخدام فيسبوك

وسار استخدام "فيسبوك" في قنوات لم تكن في الحسبان في مثل هذه الأيام قبل تسعة أعوام. انغمس المصريون كلية في إمكانات "فيسبوك" إما لإبداء آرائهم أو مواقفهم أو نشر أو إعادة نشر أو الترويج أو الدعوة أو الدعوة المضادة لما يجري في الميدان، وخلال سنوات ما بعد إسقاط الإخوان، انتقل حراك الميدان الأصلي وعراكه إلى غياهب "فايسبوك" أولاً و"تويتر" ثانياً.

وكما ورد في كتاب "مصر فيما وراء ميدان التحرير" الصادر في عام 2016 بالإنجليزية، تخصص عدد كبير من صفحات "فيسبوك" التي يديرها أعضاء ومتعاطفون مع جماعة الإخوان المسلمين في توجيه السباب والاتهامات والدعوة إلى الخروج على القوات المسلحة المصرية وغيرها من المؤسسات.

وقد أدى ذلك إلى تبني عدد كبير من مستخدمي "فيسبوك" من المواطنين العاديين مهمة الرد على هذه الاتهامات وتفنيدها (كل بطريقته) مع صد دعوات الفوضى والخروج على مؤسسات البلاد الحيوية وتخريبها. ويشار إلى أن صفحات عديدة تحمل إما اسم "رابعة" حيث جرى فض اعتصام جماعة الإخوان في أغسطس (آب) عام 2013 أو "ائتلاف دعم الشرعية والشريعة" وغيرهما ظلت تدعو إلى مليونيات عبر "فيسبوك" حتى أشهر قليلة مضت، بل إن بعضها كان يحمل فيديوهات مصورة في أماكن شبه مغلقة ولعشرات من أنصار الجماعة يهتفون لعودة الشرعية والشريعة وتحميلها باعتبارها مصورة في ميدان التحرير.

تعبير وتوجيه

وتوسع وتشعب استخدام "فيسبوك" الفردي في سنوات ما بعد التخلص من الجماعة، فلم يعد مجرد مجال لطرح الآراء وإعادة تدويرها والخوض في معارك أيديولوجية حامية الوطيس، بل تطور لينشئ البعض استطلاعات رأي يقيس بها شعبية كيانات وشخصيات، أو ميل تجاه نظام حكم أكثر من غيره، أو معرفة مدى الإقبال على المشاركة في فعالية شعبية لتأييد النظام أو معارضته.

في الوقت نفسه، مضت لجان الإخوان الإلكترونية وميليشياتهم العنكبوتية قدماً في صناعة واقع افتراضي ذي أذرع عدة حيث محاولات توجيه الرأي العام وتأليبه، أو خلق رأي عام غير موجود عبر نظرية الانشطار والتكاثر العنكبوتيين لتصديره إلى الخارج باعتباره توجهاً شعبياً جارفاً. وفي السنوات القليلة الماضية تخصص البعض من هذه الأذرع في نشر الإشاعات والأخبار الكاذبة، بالإضافة إلى تبني دعوات الخروج على الحكم وإقامة ثورات جديدة أحدثها دعوات المقاول الفنان محمد علي من إسبانيا لبدء ثورة جديدة.

وتشير هرارا في كتابها "كيف تُحَمِل أيديولوجيا على فيسبوك؟" إلى اللجان الإخوانية التي أطلقت عليها اسم "لجان كات بيست" أو "لجان قطع ولصق"، حيث تنتشر تدوينات وتغريدات يفترض أن كاتبيها أشخاص مختلفون لكنها متطابقة تماماً. وتضيف أن "صفحات عدة على فيسبوك يؤكد أصحابها دوماً أنهم ليسوا إخواناً أو متعاطفين، وإنهم يدخنون ولا يصلون ويرتدون الجينز، لكنهم ضد القوات المسلحة ومؤسسات الدولة غير الديموقراطية"، لكن هرارا تشير إلى أن عدداً كبيراً من هذه الصفحات يرتكز على أصدقاء ومتابعين مؤيدين تماماً للإخوان وتحمل صور البروفايل علامة رابعة الصفراء الشهيرة أو صورة الرئيس السابق مرسي.

هبد ورزع

وبينما يستمر "فيسبوك" مصرياً في هبده ورزعه، ويثبت في السنوات القليلة الماضية تحوله كلية من ساحة حراك ونقاش شبابية إلى منصة للأكبر سناً حيث إبداء آراء مطولة وإعادة تدوير آراء لآخرين باعتبارها الحقيقة الوحيدة ومجالاً يسمح بتنقية لوائح الأصدقاء وشتم وسب من يختلفون قبل تحويلهم إلى فئة الـ"متبلكين"، مازال "تويتر" بعد تسع سنوات من أحداث يناير 2011 يحتفظ بنكهة خاصة.

وتشير يسرا الجندي في بحثها عن مواقع التواصل الاجتماعي في مصر إلى أن "فيسبوك" المسهب المطول يظل في مصر الأكثر شعبية وانتشاراً مقارنة بـ"تويتر" الموجز السريع، وتقول "مازال فيسبوك ينفرد بميزة إتاحة الصور ومقاطع الفيديو مع النص من دون شرط إعادة دق زر، كما أن صفحات فيسبوك أكثر تنظيماً فيما يختص بعرض الصور والفيديوهات الظاهرة، عكس "تويتر" الذي يخفيها، كما أن "تويتر" تطغى عليه سمات الناشطين إلى حد كبير.

المقاول الفنان

ناشطو الإخوان وآخرون غير محددي التوجهات بدأوا في مناسبة الذكرى التاسعة لهبوب أحداث يناير (كانون ثاني) 2011، وحيث إن توهج الإخوان العنكبوتي خفت إلى حد كبير لا سيما بعد التطويقات الأمنية لعدد منهم، وكذلك الحال لجماعات الإسلام السياسي الأخرى ومن ثم عدم وجود أسماء بارزة قادرة على دغدغة مشاعر الجماهير مجدداً عبر تدوينات أو تغريدات، لم يبق سوى المقاول الفنان الذي بدأ يغرد من جديد في الأيام القليلة السابقة للذكرى التاسعة. تغريدات محمد علي وخططه لشن ثورة عارمة على النظام المصري حيث ستنزل الملايين الهادرة إلى الشوارع والميادين وتنقلب على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتختاره هو على الأغلب رئيساً ثورياً للبلاد. وتتبنى قنوات إخوانية عدة الفنان المقاول ودعوته على اعتبار أنه قائد وطني وزعيم أسطوري. كما استعاد عدد من الميليشيات الإلكترونية النشاط، فبدأت التديونات والتغريدات المتطابقة تتواتر على الأثير العنبكوتي داعية إلى تأييد ودعم المقاول الفنان القائد الأسطوري!

الجوانب الأسطورية في السنوات التسع الماضية من حياة المصريين العنكبوتية التي بدأت من ميدان التحرير كثيرة. وتكفي دورة صعود وسقوط ثم ترشيد نسبي لما يرد على مواقع التواصل الاجتماعي على مدار السنوات الفائتة. فتلك المواقع التي نزلت برداً وسلاماً منذ عام 2005، العام الذي شهد بدء معرفة المصريين شعبياً بمواقع التواصل الاجتماعي عن طريق المدونات (بلوغز). كان المجتمع المصري يعاني أعراض الانسحاب السياسي والاندثار التعبيري والانزواء بعيداً عن ساحات المشاركة. ثم تحول الحرمان إلى طوفان مشاركات من الميدان وإلى المنصات والعكس، من دون تدقيق أو تدبير أو تفكير. وعلى الرغم من التحزبات والانقسامات في التوجهات والمؤامرات والتي ينضح بها جميعاً أثير العنكبوت، فإن تسع سنوات من الشد والجذب، والرأي والرأي الآخر، ومحاولات الإنقاذ وجهود الإغراق أدت إلى مشهد مثير متغير ومتحرك على ساحات التواصل الاجتماعي.

حَمَل البعض أيديولوجيات مثيرة للجدل على الأثير، ودافع البعض الآخر عن الوطن في مقابل الجماعات على الأثير نفسه، وانسحب البعض من الساحة مفضلاً العودة إلى مقاعد المتفرجين، وبقي البعض الآخر يشد تارة ويجذب تارة ويدون ويغرد بما يجول في نفسه أو في نفوس مرؤوسيه دائماً.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات