Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"النكتة المصرية" بطل شعارات وهتافات 25 يناير

تميّزت بعض الشعارات التي رفعها المصريون خلال الثورة بسخرية لاذعة

متظاهر يحمل إحدى اللافتات الساخرة: "لو ما استحمتش انهاردة في بيتنا هاستحمى يوم الجمعة في القصر الرئاسي" (سكاي نيوز عربية)

بقدر الأحلام والآمال التي حلقت في ميدان التحرير وميادين مصر المختلفة، تنوعت الهتافات والشعارات التي رفعها المتظاهرون، خلال أكثر من أسبوعين في ثورة الخامس والعشرين من يناير. كانت مزيجا ثريًا، عكس الحس الإبداعي والنقدي والفكاهي لدى المصريين.
ومنذ بدء الاحتجاجات لم يتخلّ المصريون عما تطبَّعوا عليه من خفة الدم والقدرة على إطلاق النُكات كيفما كان الحال، لتحمل أيام الثورة من الشعارات والهتافات الساخرة الكثير جنبًا إلى جنب تلك الجادة التي حملت مطالبهم والتي كان أجملها شعار حراكهم "عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية".
 

دكتوراه في العند ونوبل في الصبر
لا يمكن نسيان تلك اللافتات الساخرة التي حملها المصريون باختلاف انتماءاتهم الثقافية والاجتماعية في الميادين العامة، وكانت نُكاتًا مُتحركة تمشى على الأرض مع رافعيها. ولعل من أشهر ما كُتب من كلمات لاذعة في تلك العبارات "إرحل يعني امشي يا اللي ما بتفهمشي"، " مبارك، عفوًا لقد نفذ رصيدكم" ، "أنا كاتب لك ارحل بالصيني يمكن مش بتفهم عربي".  
أما الأكثر سخرية اللافتات التي رفعها المتظاهرون من عينة "لو ما استحمتش انهاردة في بيتنا هاستحمى يوم الجمعة في القصر الرئاسي"، " أنا زهقت من الكنتاكي ارحمني وارحل"، "ده لو كان عفريت كان طلع"، "مبارك يتحدى الملل"، " ارحل بقى ايدي وجعتني" ، ارحل الولية عاوزة تولد والولد مش عايز يشوفك"، " لو كان هوا معاه دكتوراه في العند، إحنا معانا نوبل في الصبر"، " اللهم ارفع عنا الغلاء، والبلاء والوباء وأبو علاء".
لم ينس المصريون الصبغة السياسية النقدية في لافتات أخرى مثل "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"الجيش والشعب ايد واحدة"، و"ارفع راسك فوق اِنت مصري"، ومنها ما كان تهكمياً مثل "استقيل استقيل واحنا نحرس أرض النيل"، "ارجع ياريس كنا بنهزر معاك .. مع تحيات الكاميرا الخفية".
و لم تغب الهتافات والشعارات المناهضة للفساد، مثل "يا وزراء طَفُّوا التكييف مش لاقيين حق الرغيف"، و"يا عز يا خاربها غور يلا وسيبها"، في إشارة لرجل الأعمال أحمد عز وأحد قيادي الحزب الوطني الديمقراطي المنحل. وكان لدم الشهداء نصيب الأسد في الهتافات مثل "ما تبكيش يا أم الشهيد.. دم ابنك فجر جديد"، و"يا مبارك فينك فينك دم الشهدا بينا وبينك".

 

السخرية سلاحا
وعن هذا الثراء في التفاعل الساخر مع الواقع السياسي يتحدث عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث في جامعة حلوان فيقول: "إن تنوع شعارات المتظاهرين خلال ثورة يناير نابع بالأساس من تكوين المصريين الثقافي، حيث النقد سواء الإيجابي أو السلبي على ما يحدث أمامهم من مظاهر".
ويُضيف المؤرخ المصري قائلا: "إن أغلب الشعارات والهتافات التى رفعها المصريون، هي ترجمة للأمثلة الشعبية مع بعض تغيير في الصياغة لتناسب الحدث، فالأمثلة الشعبية نفسها في مضمونها، عبارة عن علامات لغوية للأزمات التى يواجهها المواطنون، وتُستخدم عندما لا يستطيع الإنسان مواجهة السلطة بالأساليب والطرق المعتادة، فيصك هذه الشعارات، التي تصبح دارجة وتُستعمل وفق الظروف القائمة".
وفي السياق ذاته، يقول شهاب وجيه، أحد شباب الثورة، والمتحدث باسم تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين: "رغم تنوع الشعارات والهتافات بما فيها الساخرة، فإن الشعار الجامع من بين هذا الثراء الهتافي، هو شعار ’العيش والحرية والكرامة الإنسانية‘ الذي عبّر عن حالةٍ عربية جمعية بالأساس، انطلقت في تونس، وعكست حاجة الشباب العربي، واحتياجهم للعيش والحرية والكرامة الإنسانية، وهي مطالب مشروعة للجميع".
وفي كتاب حمل عنواناً "مصر الثورة وشعارات شبابها.. دراسة لسانية في عفوية التعبير"، درس الباحث اللبناني، نادر سراج، عددا من الشعارات والهتافات من بين أكثر من 1700 ملأت الميادين والشوارع المصرية خلال ثورة 25 يناير.  
تراشق الشعارات والهتافات بين الجموع في الميادين أمر لا يمكن إغفاله.
بينما كان المعارضون يعتصمون ويهتفون احتجاجا، هبت جماعةٌ أخرى نُعتت بـ "الثورة المضادة" تهتف ضد ’25 يناير‘ وترفع اللافتات، عبروا من خلالها عن اعتقادها بأن ما حدث ما هو إلا كذبة وأن ’25 يناير‘ مؤامرة، خصوصاً مؤيدي رموز نظام مبارك، وكان من أشهر تلك العبارات: "يا برادعي يا عميل، تحكم مصر ده مستحيل"، "ما لكيش دعوة يا أمريكا"، "حسني مبارك يا طيار، اوعا تسيبها تولع نار".
و يفسر وجيه هذا المنحى قائلاً: "حاول كل فصيلٍ سياسي أو إيديولجي مشارك فيها إضفاء لمسة خاصة به على شعارات وهتافات ’25 يناير‘، وسنجد أن جميعها عكس العبقرية الحقيقية للشعب المصري، وحسّه الإبداعي والفكاهي في الإبتكار كذلك، للتفاعل مع الأحداث وتوجيه النقد والرسائل بصورة مباشرة وغير مباشرة".
 

شعارات ما بعد التنحي
يتفق عمرو الشوبكي، الباحث والكاتب السياسي وأحد المشاركين في ثورة 25 يناير، على أن الشعارات والهتافات الفئوية والسياسية المعبرة عن فصائل وتيارات مختلفة، وغير المعبرة عن مصالح الثورة بدأت تظهر بعد انتهاء الأيام الـ 18 الأولى من عمر الثورة، وتنحي الرئيس السابق محمد حسني مبارك عن الحكم. ويسوق الشوبكي على ذلك أمثلة كالشعارات الإسلامية التي ظهرت بعد سقوط مبارك في ’مليونيات‘ التيارات الإسلامية، مثل "إسلامية إسلامية .. ومصر دولة إسلامية"، وكذلك الشعارات التي بدأت التيارات المدنية في صكها والتي كانت معبرة بشكلٍ أكبر وحصري عن رؤيتهم ومفاهيمهم حسب ايدولوجيتهم.
وأرجع الشوبكي أسباب الظاهرة إلى عدم وجود قيادة واضحة أو تنظيم محدد للثورة منذ بدايتها، قائلاً: "بعكس ثورة 1919 التى قادها الزعيم سعد زغلول، أو ثورة 1952 التى قادها تنظيم الضباط الأحرار، لم تكن لثورة 25 يناير قيادة أو تنظيم واضح، وبالتالي جاءت أغلب الشعارات والهتافات من شباب غير سياسيين وكذلك غير معروفين للعامة. كان هناك مساحة من عدم التنظيم".
وتابع الشوبكي: "الجزء الأكبر والأغلب من شعارات ’25 يناير‘ خلال مرحلة الـ 18 يوماً كان عفوياً، ونتاج قناعات الناس في الشارع لطبيعة وسياسات حكم مبارك التي استمرت 30 عاماً، وأنتجت سياسات اجتماعية واقتصادية وسياسية همشت واستبعدت الشعب".
وحول الشعارات المصرية وتغيرها مع الزمن والثورات المختلفة التى شهدتها مصر، يقول عاصم الدسوقي: "الحالة التى صيغت فيها الشعارات والهتافات لم تتغير، وهناك تشابه بين وحدة الموقف من السلطة الحاكمة في كل مرحلة زمنية، حيث تعيش الشعارات مع المصريين وتبقي لبرهة زمنية طويلة، إلا أنني لا أستبعد أن يكون هناك تجديد يعكس التطور الثقافي واللغة غير المباشرة للتعبير". ويردف السوقي قائلاً: "إن شعارات يناير كلها كانت ملهمة، وملفتة للنظر، وكلها حملت درجة من الإبداع الملحوظ في الصياغة، نظراً لأنها نبعت وتمت صياغتها من الواقع. إن منظومة الشعارات والهتافات التي ابتدعها الشباب ورددّها في ميادين مصر وما تبعها من كتابات جدارية ورسوم غرافيتية شكل مدونة قابلة للفرز والتصنيف والدرس والتحليل". ويرى السوقي أن "منتجي هذه الشعارات والهتافات رفعوا الصوت عالياً وسكبوا معاناتهم من النظام في شعارات عكست رغبتهم في التغيير السياسي، وتوقهم إلى تحقيق الديمقراطية والعدالة، وإرادتهم في تأمين أدنى المتطلبات الإنسانية من عيش وحرية وكرامة إنسانية".
 

المزيد من الشرق الأوسط