Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"خرق السلمية" ذريعة تستخدمها السلطات العراقية لقمع الاحتجاجات

تقرير حكومي لم يُنشر يفيد بإطلاق مليون رصاصة في الموجة الأولى للتظاهرات

عادت القوات الحكومية إلى استخدام الرصاص الحي والعنف المفرط ضد المحتجين العراقيين بعد انتهاء "مهلة الناصرية"، وبدء التصعيد الاحتجاجي الذي شمل معظم المحافظات الوسطى والجنوبية، والمتعلق بحسم قضية اختيار رئيس وزراء مستقل وفق المعايير التي وضعها المحتجون وتنفيذ باقي المطالب.
ويرى مراقبون أن الحكومة العراقية تستخدم مصطلح "خرق السلمية" كوسيلة لتبرير ما تقوم به قواتها من عمليات قمع للاحتجاجات، وفي حين بينوا استخدام الحكومة ذرائع عدة لتبرير انتهاكاتها بحق المتظاهرين، كان أبرزها "الأطراف الثالثة"، لفتوا إلى أن كل تلك الذرائع تفيد بأن تلك السلطة لا تصلح لحكم البلاد.
 

10 قتلى و135 جريحاً
 

وبلغت حصيلة ضحايا الإحتجاجات في اليومين الماضيين 10 قتلى و135 جريحاً بين المتظاهرين، في مقابل 24 جريحاً من القوات الأمنية. وتوزعت أعداد الضحايا بين المحافظات، حيث بلغ عدد القتلى في محافظة بغداد، 4 متظاهرين، إضافة إلى 85 جريحاً و36 معتقلاً، وفي محافظة ديالى قُتل متظاهر واحد وأُصيب 3 آخرون. أما في محافظة البصرة، فقُتل 3 متظاهرين وأُصيب 21 متظاهراً و24 من القوات الأمنية فيما اعتُقل 22 متظاهراً، وفي محافظة ذي قار أُصيب 8 متظاهرين، أما في محافظة كربلاء فكانت الحصيلة مقتل متظاهرَين وإصابة 18 آخرين واعتقال 30 متظاهراً، بحسب المفوضية العليا لحقوق الإنسان.
ويرى قانونيون أن قطع الطرق وحرق الإطارات لا تخرج المحتجين من إطار السلمية، كونها وسيلة تعبير احتجاجي مؤقتة بحسب منظمة العفو الدولية، فيما أشاروا إلى أن عرض السلطات لصور المتهمين يُعدّ انتهاكاً للقانون يستوجب العقوبة.


نفي حكومي ورصاصة في رأس مصوّر


ونفت الحكومة العراقية على لسان المتحدث باسم وزارة الداخلية، خالد المحنا، استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين. وقال في تصريح لقناة "العراقية" الرسمية إن "القوات الأمنية جاهزة ولن تسمح بقطع الطرق وتعطيل مصالح المواطنين، ولم تستخدم الرصاص الحي ضد المتظاهرين". وبرر المحنا اعتقال مجموعات كانت تحاول قطع الطرق من خلال إحراق الإطارات بذريعة أن "حرق الإطارات في الشوارع يسبب أضراراً بيئية تؤثر على صحة المواطنين".

وفي الوقت الذي نفت فيه الحكومة استخدامها للرصاص الحي، نعى ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، المصور الصحافي في منظمة "دعم بلا حدود"، يوسف ستار، الذي قُتل إثر تلقيه رصاصة في الرأس، أثناء تغطيته لتظاهرات العاصمة بغداد.
وأفاد ناشطون بأن "ستار قُتل بعد تلقيه رصاصة في الرأس أودت بحياته على الفور، أثناء تغطيته للاحتجاجات الدائرة في بغداد، قرب جسر محمد القاسم".


"جرائم مشهودة"
 

وعلى الرغم من تأكيد تقارير المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق سقوط قتلى وجرحى في اليومين الماضيين، إضافة إلى المشاهد المصورة التي وثقت الكثير من تلك الحالات، نفى الناطق العسكري باسم رئيس الوزراء، عبد الكريم خلف ذلك، واصفاً الاحتجاج خارج ساحات التظاهر بـ"الجريمة المشهودة".

وقال خلف في لقاء متلفز الاثنين 20 يناير (كانون الثاني) الحالي، إن "16 من عناصر القوات الأمنية بمَن فيهم آمر لواء تعرضوا إلى إصابات خلال أحداث محمد القاسم"، مبيناً أن عدد المصابين من المتظاهرين هو "22 فقط اختنقوا بالغاز المسيل للدموع، غادر 21 منهم المستشفيات". وأكد أن "قوات الأمن استخدمت نحو 10-12 قنبلة دخانية وذلك لا يُعد عنفاً مفرطاً".
وعدَّ خلف الاحتجاج خارج ساحات التظاهر بـ"الجرائم المشهودة وفق القانون الذي يخوّل السلطات الأمنية اعتقال مرتكبيها من دون أمر قضائي"، معتبراً قطع الطرق بإحراق الإطارات "جرائم يتوجب على القوات الأمنية التعامل معها".

ونفى خلف سقوط نحو 600 قتيل واصابة أكثر من 20 ألف جريح، مشيراً إلى أن "الكثير ممَن تم إحصاؤهم كضحايا احتجاجات سقطوا في شجارات وحوادث جنائية وأعمال عنف عشائرية".
وطعن بصحة التقارير الدولية والصحافية التي تتعلق بعمليات خطف ناشطين ومتظاهرين، واصفاً تداول تلك المعلومات بـ"المتاجرة الإعلامية".


عنف غير مبرر

في السياق ذاته، قال عضو مفوضية حقوق الانسان علي البياتي إن "القمع الذي يواجهه المحتجون غير مرتبط بخرقهم للسلمية"، مردفاً "في الموجة الأولى للتظاهرات مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تشكلت لجان، وأكدت أن الجانب الحكومي هو المتورط بالقتل والانتهاكات ما أدى إلى سقوط 157 قتيلاً، على الرغم من كون التظاهرات في وقتها سلمية بالكامل". وأضاف لـ"اندبندنت عربية" "لا يمكن استخدام الرصاص الحي لمجابهة قطع الطرق، على الرغم من كونه تجاوز على الحقوق العامة"، مستدركاً أن "الاعتقال والمحاسبة القضائية هي الوسيلة القانونية الوحيدة للتعامل".
وتابع أن "المفوضية حركت دعاوى قضائية ضد المسؤولين عن القمع، لكن الجهات الحكومية لا تنفذ الأحكام القضائية وأوامر إلقاء القبض في هذا السياق".

ولفت إلى أن "ادعاء الجهات الرسمية في الموجة الثانية للتظاهرات بوجود أطراف ثالثة، غايته ابعاد التهمة عن القوات الحكومية"، مشيراً إلى أن "هذا التبرير قد يكون مقبولاً لو كانت الفترة مؤقتة وليس أكثر من 100 يوم".

وختم أن "المفوضية ترفع التقارير للجهات الدولية، لكن العراق ليس عضواً في المحكمة الدولية ولذلك لا يمكن أن تتدخل في هذا الشأن"، مبيناً أن "بإمكان مجلس الأمن التدخل واتخاذ قرار في هذا الشأن".  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مليون رصاصة

من جهته، كشف مدير مرصد الحريات الصحافية زياد العجيلي، عن أن "تقريراً حكومياً لم يُنشر، تحدث عن استخدام الأجهزة الأمنية ما يقترب من مليون إطلاقة رصاص حي، في الموجة الأولى للاحتجاجات منذ يوم 1 وحتى يوم 6 من شهر أكتوبر، ضد المحتجين الذين لم تكن لهم غاية سوى إعلان مطالبهم والوصول إلى ساحة التحرير".

وأوضح أنه "بعد هذه الاعترافات الحكومية وعمليات القمع، هل يمكن القول إن المتظاهرين يستخدمون أساليب عنف؟"، مؤكداً أن "حرق الإطارات هو تعبير احتجاجي على سلطة فاسدة وأحزاب فاشلة تقوم بتسويف مطالب المتظاهرين".

وتابع العجيلي أن "العنف هو فعل الدولة الذي أدى إلى تصعيد الاحتجاجات"، مشيراً إلى أن "الحكومة لم توثق مشهد عنف واحد من قبل المحتجين، بالمقابل تم توثيق فيديوهات عدة للعنف الحكومي الذي جرى بموافقة القائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي".
وأشار إلى أنه "حتى الآن لا يوجد أي خرق للسلمية، وبعد اليأس الكبير فمن غير المستبعد أن يتستخدم المجتمع العراقي العنف ضد أحزاب السلطة".


ذريعة لفض الاعتصامات
 

"السلطة دائماً تتذرع بالأطراف المجهولة لقتل المتظاهرين، وهي حجة لم تعد كافية لتبرير المجازر المرتكبة، وتذرعها بالجهات المجهولة دليل على كونها غير مؤهلة للحكم"، بحسب الإعلامي أحمد الشيخ ماجد. وأضاف "حتى الآن لم يخرق المتظاهرون حدود السلمية، على الرغم مما واجهوه من عمليات قنص وقتل بالرصاص الحي وعبوات صوتية ولاصقة والأسلحة الكاتمة للصوت في الاغتيالات وأساليب التغييب والخطف الممارسة ضدهم".

ويؤمن الشيخ ماجد أن "حجة خرق السلمية التي تتحدث بها السلطة غايتها إخفاء المجاوز التي تحدث بحق المحتجين". وأشار إلى أن "لو افترضنا جدلاً أن هناك خرقاً للسلمية فإن أول ما تقوم به السلطة هو استخدام الرصاص الحي، دون أي إجراءات أخرى لا تؤدي إلى القتل". وتابع أن "السلطة تستخدم مصطلح الخروج عن السلمية كذريعة لفض الاعتصامات وخلق رأي عام مناهض للاحتجاجات".
 

مخالفة قانونية

من جانبه، قال الخبير القانوني علي التميمي إنه "لا يوجد نص قانوني يحدد التظاهر في مكان معين، إذا لم يتم الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة". وأضاف أن "الاعتداء على المتظاهرين وقتلهم جريمة يحاسب عليها القانون العراقي والدولي ويتحمل القائد العام للقوات المسلحة مسؤولية ذلك ولا يعفيه كونه رئيس حكومة تصريف أعمال من التبعات القانونية".

وعن حرق الاطارات وقطع الطرق، بيّن التميمي أن "منظمة العفو الدولية تقول إنه ما دام قطع الطرق وحرق الإطارات يجري باطار سلمي ولا يمكن قمعه أو التعامل معه بالقوة خصوصاً كونه مؤقت يهدف إلى إيصال صوت المحتجين"، مبيناً أن "عدم احترام القوانين الدولية التي لها الفوقية على القانون المحلي قد تؤدي إلى إصدار عقوبات على العراق". وتابع أن "القوات الحكومية تتخذ احياناً من مصطلح الخروج عن السلمية ذريعةً للتصعيد واستخدام العنف المفرط ضد المحتجين".
وعن الاعتقالات الأخيرة ونشر صور المعتقلين، اعتبر التميمي أن "ما قاله المتحدث باسم القائد العام بأن ما حصل جريمة مشهودة، ليس سليماً ولا يحق وصفها بذلك، ويجب أن تقترن بموفقات قضائية"، مردفاً "القضاء هو مَن يقرر إذا كانت جريمة مشهودة أم لا".

وتابع أن "إظهار صور المعتقلين مخالف للقانون خصوصاً بالنسبة إلى غير البالغين لأن المادة 63 من قانون رعاية الأحداث عدت اظهار الصور خرق قانوني ويعاقَب الذي يقوم به بالسجن لمدة سنة، وحتى البالغين لا يجوز قانوناً عرض صورهم لأن المتهم بريء حتى تثبت ادانته".

المزيد من العالم العربي