Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ألغاز "الغاز"... و الغزو الغازي!

نقمة الوفرة في الولايات المتحدة طالت دول الخليج

تحميل أنابيب لبناء خط الغاز نورد استريم 2 شمال شرقي ألمانيا (أ.ف.ب.)

روسيا والولايات المتحدة تحاولان التسويق لغازهما في أوروبا والصين والدول الآسيوية، وأستراليا تسوِّق لغازها في الصين ودول آسيا، وإسرائيل ومصر تسعيان إلى التسويق في أوروبا، وتركيا تريد الدخول على الخط الإسرائيلي-المصري-الأوروبي، والجزائر وقطر تهدفان إلى المحافظة على سوقيهما في ظل هذا التنافس الحاد، بينما تفوقت الصين على اليابان في استيراد الغاز وأصبحت أكبر دولة مستوردة للغاز المسال في العالم، مع زيادة اعتمادها على الغاز الروسي، وحاولت إيران لسنوات طويلة تصدير غازها بطرق مختلفة إلا أن العقوبات من جهة، وأمور أخرى من جهة أخرى حجّمت صادرات الغاز الإيرانية. هذه المشاهد تتكرر أيضاً في بعض بلاد أميركا اللاتينية، وبخاصة التي تتعلق بتصدير الغاز البوليفي إلى الدول المجاورة. هذه المقدمة توضح الآن معنى العنوان.

ثورة الغاز الصخري الأميركي

انخفضت أسعار الغاز في الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة إلى مستويات متدنية، حيث وصلت إلى دولارين لكل مليون وحدة حرارية، وجاء هذا الانخفاض رغم وصول الاستهلاك والصادرات إلى كندا والمكسيك، ووصول صادرات الغاز المسال إلى أعلى مستوى له تاريخياً. هذه الوفرة سببها ارتفاع إنتاج الغاز نتيجة ثورة الغاز الصخري الأميركية التي قلبت موازين أسواق الطاقة المحلية والعالمية رأساً على عقب.

والواقع أن أثر الغاز الصخري في دول الخليج أكبر بكثير من أثر ثورة النفط الصخري، ولفترة أطول، فاحتياطيات الغاز الأميركية ضخمة، وأغلب حقول النفط الصخري تحتوي على نسبة عالية جداً من الغاز المصاحب مقارنة بالحقول النفطية التقليدية، وقد وصل الأمر إلى أن الغاز إما يُحرق، أو يُباع بسعر سالب، أو يباع بسعر منخفض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمشكلة أن ارتفاع أسعار النفط يعني المزيد من إنتاج الغاز، ومن ثم لا يُتوقع ارتفاع أسعار الغاز في المستقبل المنظور. كما أن هناك مشكلات في الطلب ذُكرت في مقال سابق، فارتفاع الأسعار يعني تحول بعض محطات الكهرباء من الغاز إلى الفحم، ومن ثم تخفيض الطلب على  الغاز. كما أن استمرار أسعار الغاز في الارتفاع يعني عدم تمكن الولايات المتحدة من تصدير كافة الطاقة الإنتاجية من معامل التسييل، ما يعني انخفاض الطلب على الغاز أيضاً.

خلاصة القول هنا إن أسعار الغاز منخفضة في الولايات المتحدة ولا يُتوقع لها الارتفاع لعدة سنوات، بغض النظر عن الارتفاعات المؤقتة المتعلقة بالطقس أو ببعض المشاكل في الأنابيب.

أثر انخفاض أسعار الغاز الأميركي في دول الخليج

الغاز الصخري الأميركي وما يأتي معه من غازات سائلة أخطر على دول الخليج من النفط الصخري، وسبب ذلك أن بعض دول الخليج تبنت صناعة البتروكيماويات كخيار استراتيجي لتوسيع وتنمية الاقتصاد، بينما اختارت دول أخرى الغاز المسال كخيار استراتيجي للوصول إلى نفس الأهداف. كما أنهما ضربا هذين الهدفين الاستراتيجيين، فصناعة البتروكيماويات الخليجية كانت منافسة تاريخياً بسبب انخفاض تكاليف اللقيم، وبسبب استخدام غاز الإيثان الرخيص، بينما يُستخدم النافثا في الدول الآسيوية والأوروبية، وهو منتج نفطي مرتفع الثمن وتزيد أسعاره مع ارتفاع أسعار النفط.

وفرة الغازات السائلة

تغيرت المعادلة مع زيادة إنتاج الغاز الأميركي، الميثان، وغاز الإيثان، ونظراً إلى عدم القدرة على تصدير كميات كبيرة من الإيثان، زادت كمياته إلى درجة أن المنتجين يحاولون التخلص منه ولو مجاناً. وبلغ الأمر أنه جرى خلطه مع الميثان في أنابيب النفط لوفرته.

أما الغازات السائلة الأخرى فهي متوافرة أيضاً بشكل كبير حتى أن صادرات الولايات المتحدة منها تضاغفت عدة مرات في السنوات الأخيرة. هذه الوفرة والأسعار الرخيصة جعلت شركات البتروكيماويات الأميركية والعالمية تعود إلى أسواق الولايات المتحدة بعد أن هجرتها، وجرى بناء المئات من المنشآت البتروكيماوية، التي نتج عنها انخفاض استيراد أميركا من الكيماويات، وزيادة صادراتها. هذه التطورات غيَّرت من هيكل أسواق البتروكيماويات العالمية فخفضت أسعار منتجاتها، ومن ثم انخفضت أرباحها.

أميركا من مستورد إلى مصدر للغاز المسال

أما بالنسبة إلى الغاز المسال، فهناك ثلاث دول خليجية مصدرة له وهي قطر والإمارات وعُمان. وقبل ثورة الصخري كانت الولايات المتحدة تقوم ببناء محطات استيراد وإعادة تسييل الغاز المسال إلى درجة أنه كان يُتوقع أن تصبح أكبر مستورد له في العالم. كما استثمرت قطر في محطات إعادة تسييل على الأراضي الأميركية، وبعد الانتهاء من بنائها لم تستخدم إطلاقاً بسبب الغاز الصخري، وتم خسارة مئات الملايين من الدولارات، ثم تحولت الولايات المتحدة من مستورد للغاز المسال إلى مصدر له، وبدأت تنافس كبار الدول المنتجة مثل قطر وأستراليا وروسيا، ثم قرر الرئيس ترمب تبني الغاز المسال والترويج له في كل اجتماعاته، حيث يراه منافساً للغاز الروسي في أوروبا وآسيا.

أسعار الغاز

الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة إلى دول الخليج المنتجة للغاز المسال ليست فقط في تحولها من دولة مستوردة إلى دولة مصدرة، بل أيضاً في طريقة التسعير، فالأسعار في عقود الغاز المسال تاريخياً مربوطة بأسعار النفط تصعد بارتفاعه وتتراجع بانخفاضه، لكن أسعار الغاز السائل الأميركي مرتبطة بسعر الغاز الطبيعي في الأسواق الحرة، وهذا يسبب مشكلة كبيرة لدول الخليج وغيرها من الدول المصدرة للغاز المسال، فمع ارتفاع أسعار النفط يزيد إنتاجه الأميركي، ومن ثم يزيد إنتاج الغاز فتنخفض أسعاره، وتزيد قدرة الغاز المسال الأميركي على المنافسة عالمياً.

وفي الوقت نفسه يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى ارتفاع أسعار الغاز المسال من الدول الخليجية وغيرها، ما يعزِّز من القوة التنافسية للغاز الأميركي، وينتج عن هذه المنافسة فصل سعر الغاز عن أسعار النفط واتباع الأسواق الأميركية بطريقة أو بأخرى، ما يخفِّض أرباح صناعة الغاز المسال الأميركية.

ويذكر أن الأزمة التي تمر بها صناعة الصخري الأميركي حالياً لا علاقة لها بأسعار النفط، ولا بالديون، ولا بأسعار الفائدة، وهي أمور ترددها وسائل الإعلام العالمية بشكل ببغاوي، وإنما بأسعار الغاز والغازات السائلة. وصناعة الصخري الأميركية تستطيع تحقيق أرباح وفيرة تصل إلى نحو 55 دولاراً للبرميل بالنسبة إلى خام غرب تكساس، إذا عادت أسعار الغاز والغازات السائلة إلى ما كانت عليه منذ نحو عام تقريباً.

نقمة وفرة الغاز

خلاصة القول إن الانخفاض الأخير في أسعار الغاز الأميركي سيؤثر سلباً في دول الخليج، لأنها ستعزز من تنافسية صناعة البتروكيماويات الأميركية من جهة، ومن تنافسية صناعة الغاز المسال الأميركية من جهة أخرى. وبعبارة أخرى، فإن نقمة وفرة الغاز في الولايات المتحدة طالت دول الخليج، وخففت وستخفف من أرباح قطاعي البتروكيماويات والغاز المسال. المشكلة أن هذه "الفورة" طويلة الأمد، وليس أمام صناعتي البتروكيماويات والغاز المسال الخليجيتين سوى التأقلم والعمل على زيادة الكفاءة في الإدارة والإنتاج وتخفيض التكاليف.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء