Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الهجرة المعاكسة في القدس تخيف الإسرائيليين وأحزابهم

على الرغم من المشاريع الاستيطانية الضخمة في القدس، لضمان أكثرية يهودية، إلا أن نسبة المهاجرين اليهود منها تتزايد، وبلدية القدس تردّ ببناء 4416 وحدة استيطانية جديدة

وضعت الهجرة السلبية في القدس القيادة الإسرائيلية وسط معضلة حقيقية (رويترز)

كان آخر ما يتوقعه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، قبل حوالي شهر ونصف الشهر من الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، فشل مخططه بتحويل القدس إلى أكثرية يهودية مطلقة وأقلية فلسطينية. إذ بيّنت المعطيات الأخيرة لدائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية أن القدس تحتل المكان الأول، من حيث حجم الهجرة السلبية. فحتى نهاية العام 2017، كان ميزان الهجرة سلبياً في القدس، إذ غادرها 17098 إسرائيلياً، بينما انتقل إلى السكن فيها 11090 إسرائيلياً.

وهذه هي السنة الثانية على التوالي، التي يكون فيها ميزان الهجرة سلبياً. ففي العام 2016، بلغ عدد الخارجين منها 7952 إسرائيلياً، وهو عدد أكبر من عدد المنتقلين إليها.

هذه المعطيات، التي تقضّ مضاجع مهندسي السياسة الإسرائيلية، دفعت بهم إلى تكثيف جهودهم لنهب الأرض الفلسطينية في القدس. فبعد أقل من 24 ساعة على نشرها، صادقت بلدية القدس الغربية على مخطط استيطاني يشمل مشاريع إسكانية وتجارية عبر بناء 4416 وحدة استيطانية، إضافة إلى بناء 23576 متراً مربعاً لأهداف التشغيل والعمل، و4253 متراً مربعاً تُخصص للتجارة. وأعلنت بلدية القدس الغربية أنها بصدد تطوير المنطقة الصناعية في "عطروت"، بهدف توفير عدد كبير من المكاتب في المدينة وفرص عمل وإيجاد حلول للتوظيف والتشغيل.

وفي محاولة لتحفيز الشباب اليهودي إلى الهجرة إلى القدس، وحثّ الذين يعيشون فيها على عدم مغادرتها، أعلن رئيس البلدية موشيه ليون أن هذه المشاريع الاستيطانية ستُخصص بالأساس للأزواج من الشباب، قائلاً "هذه أخبار مثيرة بالنسبة إليّ وإلى الأزواج الشباب في القدس، وسنزيد من عرض الوحدات السكنية ونعيد الشباب إلى بيوتهم هنا في القدس. هذه البداية وقريباً ستملأ سماء القدس الرافعات".

الرد على الهجرة السلبية في القدس بتهويد المدينة وإغراقها بالمشاريع الاستيطانية، ليست المحاولة الأولى التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية ومؤسساتها وبلديتها في القدس. فالمعطيات الأخيرة جاءت بعد سلسلة مشاريع استيطانية نفّذتها الحكومة، خلال الدورة الأخيرة، إلى جانب القوانين التي صادق عليها الكنيست لشرعنة السكن اليهودي على أراضي الفلسطينيين وتشجيعهم على الانتقال والسكن في القدس، وأبرز هذه القوانين قانون القدس.

عرقلة مخطط العاصمة الأبدية والموحدة

وضعت الحكومات الإسرائيلية المتتالية هدفاً استراتيجياً ومركزياً لها بزيادة عدد سكان القدس والمستوطنين فيها وحثهم على الهجرة إليها، من أجل أن تبقى العاصمة الأبدية والموحدة لإسرائيل. فنفّذت مشاريع استيطانية واستولت على أراضي الفلسطينيين وأحيت يوماً سنوياً للقدس، لإبقائها على رأس أجندة الإسرائيليين ومخططاتهم، كما أعدّت خطة لتغيير حدود المدينة وتوسيعها.

ونشرت معطيات تقول فيها، إن عدد سكان القدس ارتفع عشرة أضعاف منذ حرب العام 1948. كما أن عدد اليهود يبلغ 548 ألف نسمة، وهم يشكلون 63 في المئة من السكان، في حين يبلغ عدد السكان العرب 322 ألف نسمة، وتقدر نسبتهم بـ 37 في المئة. غير أن معطيات أخرى جاءت مناقضة، وبيّنت أن القدس تعاني فقراً مدقعاً وتعتبر واحدة من ثماني مدن إسرائيلية كبرى تعاني الفقر.

في مواجهة هذا الوضع، خصصت حكومة نتنياهو ميزانية للقدس، تجاوزت الـ 850 مليون شيكل (قيمة الشيكل 3.60 للدولار الأميركي)، تعمل لازدهار الاقتصاد وتطوير القطاع التجاري والسياحة والصناعة المتقدمة. والأهم من كل هذا، ضمان مستوى معيشة جيد ومشجع لليهود. وركزت حكومة نتنياهو على شرائح المتديّنين والمتطرّفين، وحتى نهاية العام 2017 وصل عدد الطلاب المتزمّتين إلى 100 ألف طالب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحتى في القدس الشرقية (القديمة)، التي يسكنها الفلسطينيون، تم رصد ميزانية تزيد عن 200 مليون شيكل، لتكثيف الاستيطان فيها من خلال تعزيز الوجود اليهودي في ما يسمى "حارة اليهود"، وترميمها وتطويرها.

لكن، خلافاً للتوقعات، زرعت العمليات الفلسطينية، خصوصاً انتفاضة السكاكين، كما أُطلق عليها، وهي كانت تستهدف السكان اليهود في القدس، الخوف في قلوب السكان. ما جعلهم يراجعون حساباتهم، فغادر كثير منهم المدينة وامتنع كثيرون عن ترك مناطق سكنهم في المركز والجنوب والانتقال إلى القدس. وخلال ذلك، نفّذ نير بركات، رئيس بلدية القدس آنذاك والمعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، مشاريع عمرانية واسعة وخصص محفّزات للعائلات اليهودية، خصوصاً الشباب منهم، وحثهم على الهجرة إلى القدس والسكن فيها، في مقابل وضع حواجز على مداخل الأحياء العربية ومحاصرتهم داخل غيتو، وفرضِ شروطا قاسية لطردهم من المدينة المقدسة قسراً.

وأسهم بركات، في شكل كبير، في تخطيط وتنفيذ مشاريع عمرانية واستيطانية، التهمت أراضي الفلسطينيين وطوّقت أحياءهم، أبرزها استاد "تيدي" وحوض الأسماك الأكبر في الشرق الأوسط، إضافة إلى بناء مدارس مقدسيّة للفنون. وهو كان وصف القدس بأنها "منبع الحصانة القومية لدولة إسرائيل بأسرها".

إسرائيل عالقة ما بين حل الدولتين والهجرة السلبية

الهجرة السلبية في القدس، وضعت القيادة الإسرائيلية وسط معضلة حقيقية. فارتفاعها يدفعها إلى مزيد من المخطّطات الاستيطانية، وتكثيف الجهود لتنفيذ خطة تهويد المدينة، بما في ذلك سحب هويات سكانها الفلسطينيين. فالمعطيات تشير إلى أن إسرائيل نجحت في سحب 15 ألف بطاقة هوية فلسطينية، وتهدّد هذه الخطة، اليوم، حوالي 130 ألف فلسطيني مقدسي. ويتوقع خبراء أن تُكثّف إسرائيل جهودها لتنفيذ مخطط سحب الهويات لتضمن الخريطة الديموغرافية، التي تُرسم لهذه المدينة، بضمان أكثرية مطلقة لليهود وأقل ما يمكن من الفلسطينيين.

في المقابل، يسعى الفلسطينيون إلى الحفاظ على ما تبقّى لهم في المدينة. وهذه واحدة من الدعوات التي أطلقها مسؤولون وباحثون فلسطينيون لتشجيع الفلسطينيين على التمسك بأرضهم ومساكنهم وعدم الوصول إلى حال اليأس. فالمعطيات تشير إلى أن الفلسطينيين يشكّلون ثلثي عدد سكان شرق القدس، الذي أُحتل في العام 1967. بمعنى آخر، إن عددهم تضاعف في القدس حوالي ثلاث مرات، على الرغم من تهجيرهم وتيئيسهم. والحفاظ على هذه النسبة يشكل تحدياً كبيراً للفلسطينيين.

قانون القدس

واحدة من الخطوات العملية التي قامت بها حكومة نتنياهو، لتنفيذ مخطط القدس العاصمة الأبدية، هو قانون القدس، الذي يتضمن خطة عملية لتوسيع المدينة عبر المستوطنات القائمة على الأرض الفلسطينية، تمهيداً لوضعها تحت السيادة الإسرائيلية. فالخوف الإسرائيلي من الخريطة الديموغرافية يشكل دافعاً أساساً للرغبة في ضمّ المستوطنات إلى منطقة نفوذ بلدية القدس. وهذا القانون يمنع المصادقة على اتفاقيات سياسية تشمل التخلي عن مناطق من القدس إلا بموافقة 80 نائباً. بالتالي، منع إمكان تقديم تنازلات في القدس في إطار اتفاقيات سياسية.

في السياق ذاته، طُرح مشروع قانون يدعو إلى إخراج البلدات العربية، التي ضُمت إلى القدس بعد حرب الأيام الستة، من منطقة نفوذ القدس ونقلها إلى مسؤولية السلطة الفلسطينية.

اقتراح المشروع جاء بعنوان "إنقاذ القدس كعاصمة يهودية وديمقراطية"، ونقل بلدات شعفاط والعيسوية وجبل المكبر وبيت حنينا وصور باهر وغيرها، التي يعيش فيها أكثر من 300 ألف فلسطيني، إلى السلطة الفلسطينية.

عشيّة الانتخابات البرلمانية في إسرائيل، التي تقام في 9 أبريل (نيسان) المقبل، ستكون مدينة القدس مركز برامج الأحزاب الإسرائيلية. وفي حين ستتّجه أحزاب اليمين والمستوطنين إلى مزيد من الاستيطان وتهويد المدينة ورفض التنازل عن شبر واحد فيها، بأيّ حلٍ سلميٍ حتى تبقى العاصمة الأبدية والموحدة للدولة الإسرائيلية، فإن أحزاب الوسط واليسار تجعل من القدس عنواناً لما سيتضمنه برنامجها الانتخابي حول العملية السلمية وضرورة التقدم بها. وفي كلتي الحالتين، يتّفق الإسرائيليون على ضرورة الحفاظ على أكثرية يهودية مطلقة في القدس.

المزيد من الشرق الأوسط