Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سياسيّون مغاربة يختارون "لغة موليير" بديلاً من "لغة الضاد"

نال المغرب استقلاله عن فرنسا رسمياً في العام 1956، وكرّس دستور العام 1962 اللغة العربية لغةً رسمية في البلاد، قبل إلحاق الأمازيغية بها لغةً رسمية أيضاً. الاستعمار الفرنسي خرج من المغرب، لكن اللغة الفرنسية لم تخرج معه.

تصريحات السياسيين المغاربة حافلة بهفوات وأخطاء لغوية لا تُعد ولا تُحصى. البرلمان المغربي (اندبندنت عربية)

تحفل تصريحات السياسيين المغاربة بهفوات وأخطاء لغوية لا تُعد ولا تُحصى الى أن أصبحت مادةً دسمة للإعلام، والتقطتها مواقع التواصل الاجتماعي. يعتبر الباحث في مجال التواصل السياسي أمين صوصي علوي أن "القطار الأخير دائماً يُثير الانتباه ويتذكره الجميع، ومن سوء حظ بعض الوزراء والبرلمانيين أن ذاكرة المغاربة تحفظُ لهم أكثر من حادثة".
ومع سطوة وسائل التواصل الاجتماعي بات المغاربة لا يغفلون صغيرة أو كبيرة إلا أحصوها، بخاصة الأخطاء اللغوية والنحوية في لغة الضاد.


زلة القدم أسلمُ من زلة اللسان
وزير الإسكان والسياسة المدنية السابق، محمد نبيل بنعبد الله مثلاً، اختلط عليه في مداخلة له في البرلمان، مصطلحا "الذعيرة" (مصطلح قانوني مغربي يعني الغرامة المالية) و"الدعارة"، وهذا ما وضعه في موقفٍ بالغ الحرج، إذ قال إن "أُسراً مستعدة للذهاب إلى المحكمَة لدفع الدعارة"، قبل أنْ يثير ضحك النواب ويستدرك.
كما تحولت وزيرةُ الصحَّة السابقة، ياسمينة بادُّو، إلى مادة دسمة للسخرية على صفحات التواصل الاجتماعي بعد مشاركتها في برنامج تلفزيوني، حيث خلطت بين العامية والفصحى لدى حديثها عن التوظيف، في قولها حين أرادت التعبير عن الرغبة في الشيء دون القدرة على قضائه "هل كرهنا؟" (الأمر خارج عن إرادتنا)، مضيفةً "أمر من الصعب أن تستجيب له الحكومة في دقة واحدة" (في آن واحد). هذا مثال يعيد إلى الأذهان أيضاً، رسالةً وجهها وزير التربية الوطنية والتكوين المهني السابق، رشيد بلمختار قبل سنوات، لمناسبة اليوم العالمي للمدرس، ليتلقاها ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي بكثير من التهكم بسبب احتوائها على عدد من الأخطاء النحوية في اللغة العربية. وعلّق ناشطون على أخطاء سابقة للوزير بلمختار عندما تلفظ بكلمة "نوادي" كجمع لكلمة "ندوة". قلةٌ من المعلقين آنذاك وجدت عذراً للوزير، إذ إن تكوينه العلمي والدراسي فرنسي بامتياز.


 

لغة السياسي المغربي و"بؤس" التواصل
يقول الفيلسوف الفرنسي رولان بارت إن "اللغة ما إن يُنطق بها، وإن ظلت مجرد همهمة، حتى تصبح في خدمة سلطة بعينها". نال المغرب استقلاله عن فرنسا رسمياً عام 1956، وضمن دستور 1962 تم إعلان اللغة العربية لغةً رسمية، قبل إلحاق الأمازيغية بها لغةً رسمية أيضاً. خرج الاستعمار الفرنسي من المغرب، لكن اللغة الفرنسية لم تخرج معه، بل استمرت ولم تزل متمسكة بمكانتها في المغرب. يبلغ عدد الناطقين بالفرنسية في المغرب وفق معطيات المنظمة الدولية للفرنكوفونية، حوالي 10 ملايين و366 ألفاً، أي بنسبة تصل إلى أكثر من 30 في المئة من عدد السكان.
 

السياسي المغربي يفتخر بـ "لغة موليير"
يُؤخذ على مسؤولين مغاربة تجنبهم الحديث باللغة العربية. ويكمن الإشكال بحسب رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية الدكتور فؤاد بوعلي، في عدم اقتناع المسؤولين وأصحاب القرار في المغرب بدور اللغة في حماية السيادة الوطنية. ويعتبر بوعلي أن الدول التي تحترم نفسها وتُقدّر انتماءها تجعل من اللغة عنواناً لاحترام خياراتها الدستورية وهويّتها.
الهوية، يقول رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية إن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك رفض البقاء في اجتماع عُقد بالاتحاد الأوروبي عندما قرر أحد ممثلي قطاع الأعمال الفرنسي التحدث الى المجتمعين باللغة الانجليزية، معتبراً ذلك خيانة للدولة. وأضاف بوعلي أن "المسؤولين عندنا يفتخرون بالحديث بلغة موليير (أي الفرنسية) في حين يجتهد سفراء الدول الأجنبية غير العرب مثل روسيا والصين في الحديث باللغة العربية"، لافتاً إلى أن الإشكال ليس لغوياً بل ثقافي وسياسي يتعلق بوعي مسلوب للهوية لدى المسؤولين دون الاجتهاد في إتقان العربية التي ينبغي لهم بحكم مسؤولياتهم استعمالها بشكل صحيح وصائب".
 

الفرنسية أو العامية هي لغة الشارع
خلافاً لما يُشاع، يعتبر الباحث في مجال التواصل السياسي أمين صوصي علوي أن "اللغة العربية في المغرب حاضرة وقوية وستبقى كذلك، أما بالنسبة إلى السياسيين فهم كغيرهم من العالم العربي في مصر أو لبنان أو في تونس يُخاطبون مجتمعاتهم باللغة العامية".
وعلى عكس ما يُقال، يرى علوي أن المغاربة أكثر استعمالاً للغة العربية من بقية البلدان العربية، مشيراً الى مكانتها كأداة لمقاومة الاستعمار الفرنسي، بعد تأسيس "حزب الاستقلال" "مدارس الحرة" للغة العربية لمواجهة مشروع فرنسا التعليمي في المغرب.
 

عقدة الخواجة
يَرى علوي أن العالم العربي يُعاني عقدة الاوروبي والانبهار بالأجنبي، وهذا ما جعل الانسلاخ عن الهوية والذوبان في الثقافة الأوروبية أمراً سهلاً، ومن الطبيعي أن من يقرأ بالفرنسية سيُعبّر بالفرنسية، وينطبق الأمر على السياسيين المغاربة الذين هم بغالبيتهم "مُفرنسون" بحكم الاستعمار والتأثر بالمدرسة والثقافة الفرنسيتين. أما في ما يتعلق بأبناء الجيل الحالي من الكوادر التي يعتمد عليها المغرب، فمُعظمهم تلقوا تكويناً في أوروبا أو في البعثات الفرنسية، وتالياً ضعفهم في اللغة العربية مُتوقّع، لكن أمين صوصي أضاف أن جميعهم مغاربة وعدم تمكنهم من اللغة العربية لا يُغيّر شيئاً من وطنيّتهم. ويجد سياسيون ومسؤولون مغاربة كثر صعوبةً لدى التحدث باللغة العربية بسبب تكوينهم العلمي. وسجل التاريخ لهم هفوات وأخطاء لغوية انطلقت لا شعورياً في لحظة عجلى أو نتيجة تعب، فخرجت مُضحكة أو مُحرجة، وبين اختيار "لغة موليير" وارتكاب أخطاء في لغة الضاد يمكن أن تُغتفر شرط ألا تدخل في خانة "لغة الخشب" (أي كلام فارغ من دون معنى).

المزيد من تحقيقات ومطولات