تأمل حميرة يوسف في اجتياز "امتحان الدّخول الوطني" الذي سيؤهّلها للدورات الدّراسية الطّبية لمرحلة ما قبل التخرّج في الهند، مثلها مثل آلاف طلاب الطّب الكشميريين. لكنّ خططها اصطدمت بعقبةٍ لا يستخف بها.
"بالنّسبة إلينا نحن الطلاب، انقطاع الإنترنت هو نكسة كبيرة، نظراً إلى الأهمية الكبيرة التي نُوليها للمقررات والمحاضرات الإلكترونية. فنحن كلّما شككنا بفصلٍ أو مادة، نلجأ إلى مشاهدة المحاضرات التي تتناولها على "يوتيوب"، تقول حميرا التي تجد نفسها مُجبرة على الاتصال بأخيها المقيم في مومباي في كلّ مرة تريد فيها إجراء بحثٍ عبر الشّبكة العنكبوتية.
ففي الرّابع من أغسطس (آب) 2019، فُصلت ولاية جامو وكشمير عن العالم بعدما أقدمت الهند من دون سابق إنذار على إلغاء الوضع الخاص للمنطقة المتنازع عليها وتحويلها من إقليمٍ مستقلّ إلى إقليمٍ يُديره الاتحاد الفدرالي ويخضع مباشرةً لحكومة نيودلهي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبذريعة الحؤول دون اندلاع اضطرابات، أغلقت الحكومة شبكات الإنترنت والاتّصالات على اختلافها، من خطوط هاتفية أرضيّة وخطوط هاتفية محمولة وقنوات فضائيّة. وصحيح أنّ الاتّصالات أًعيدت في وقتٍ لاحق، لكنّ الإنترنت لا تزال مقطوعة إلى اليوم. وبالتالي فإنّ أكثر من سبعة ملايين كشيميري لا يزالون حتى هذه اللحظة غير متّصلين بالشبكة الالكترونية.
وفي مكالمةٍ هاتفية مع شركة الاتصالات العامة، أعرب أحد كبار المسؤولين التنفيذيين فيها عن أسفه "لأننا أصبحنا ملحقين بالحكومة. نحن ننفّذ الأوامر فحسب. لا يحقّ لأحد أن يطرح أي سؤال. قد ندخل كتاب غينيس للأرقام القياسية الآن مع أطول انقطاع للإنترنت على الإطلاق".
وهذا بالفعل ما لمّحت إليه صحيفة "ذي غارديان" حين أطلقت على الهند لقب "عاصمة انقطاع الإنترنت في العالم"، وما تُؤكّد عليه المعلومات الوارد ذكرها في موقع "انترنت شتداون.إن" internetshutdowns.in. فالحكومة الهندية قطعت كشمير 178 يوماً عن الهاتف والانترنت. وخلال انتفاضة العام 2016، أي عندما تفجّرت الاحتجاجات العنيفة المناهضة للهند في كشمير، قُطعت الإنترنت لمدة 133 يوماً. لكنّ انقطاعها هذه المرة تجاوز الـ156 يوماً، مُحقّقاً رقماً قياسياً عالمياً جديداً.
وقبل إغلاق الإنترنت، كان كمران، شقيق حميرة يعمل لدى شركة للبرمجيات الإلكترونية في كشمير، وهو كان قد انتقل إليها من بنغالور ليكون قريباً من العائلة. لكن بعد إنقطاع الإنترنت، نُقل كمران إلى مكتب الشركة في مومباي. "يحنّ أخي كثيرة إلى إلى الدّيار"، تذكر حميرة.
وفي سياقٍ متّصل، يشكو محسن شاه، مدير أحد المصارف في سريناغار، من عدم قدرته على التفسير لابنته البالغة من العمر خمس سنوات لمَ لم يعد بإمكانها أن تُشاهد أغاني الأطفال على هاتفه.
"في كل مرة تسألني فيها عن "يوتيوب"، أُحاول صرف إنتباهها بشتّى الوسائل والطّرق. كيف عساني أُجيب صغيرتي؟ فهي لا تفهم أننا نعيش في منطقة نزاع، حالها حال جميع الأطفال في سنّها".
وهذا الحظر لم يلحق الضرر بمواطني كشمير وحسب، بل دمّر اقتصادهم كذلك، وتحديداً قطاعي السّياحة والتجارة الإلكترونية. وبحسب تقديرات غرفة الصّناعة والتجارة، فإنّ المنطقة خسرت حوالى 2.4 مليار دولار (أيّ ما يُعادل 1.85 مليار جنيه إسترليني) منذ انتزاع الحكم الذاتي منها.
"كنت أُرسل لزبائني في نيودلهي صوراً عبر "واتساب"، يروي عادل أحمد، رجل أعمال في مجال الحرف اليدوية. "لكن الآن ومع انقطاع خدمة الإنترنت، لم يعد بإمكاننا التواصل. وهذا الأمر كبّدني خسائر ضخمة هذا العام".
ومن جهته، يؤكّد محمد إلياس الذي يعمل لحساب جمعية خيرية تُعنى بالشؤون التربوية أنّ حظر الإنترنت تسبب جدياً بعرقلة الجهود التي يبذلها وزملاؤه في سبيل جمع المساعدات المالية.
"لدينا جهات مانحة خارج الهند، وخصوصاً في أوروبا والشرق الأوسط. وجنينا كل أموالنا بواسطة مجموعتنا على "واتساب". لكن الآن، الوضع اختلف. لدينا الكثير من الطلاب الذين يحتاجون إلى مساعدات مالية ولكننا غير قادرين على تلبية حاجاتهم. نحن عاجزون تماماً".
ودافعت الحكومة الهندية عن قرارها إغلاق شبكات الإنترنت واعتبرته إجراءاً دفاعياً لوقف الاتصالات بين المجموعات الناشطة. لكنّ السكان المحليين لا يأخذون كلامها على محمل الجدّ. ويقول الباحث المستقلّ المقيم في كشمير، سهيل راذر، "هم لا يُودّون أن يعرف العالم الخارجي ما يفعلونه في كشمير، هم يُعذبوننا ويخطفون الشّبان الصغار في السن ويقتلونهم منذ تسعينيات القرن الماضي. هم يريدون عرض سرديتهم الخاصة عما يجري على القنوات الهندية. لكن حين ستعود الإنترنت، سوف تمتلئ وسائل الإعلام الرقميّة بفيديوهات تُظهر القمع الذي مارسه الجيش الهندي على السّكان المحليين".
وإلى ذلك، دعا كثير من ممثلي الولايات المتحدة والأمم المتحدة والمجتمع الدولي كله الهند إلى رفع حظر الاتصالات عن كشمير. "فانقطاع الإنترنت وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية من دون مسوغ، يخالف المبادئ الأساسية المترتبة على الضرورة والرد المتكافئ"، وفق ما جاء في إحدى تغريدات الأمم المتحدة عبر "تويتر". لغاية اليوم، وسع السّلطات الهندية إهمال التحذيرات الدّولية – ولا يبدو أنها ستُغيّر موقفها عمّا قريب.
يُذكر أنّ اسم كاتب المقال جرى تغييره حرصاً على حماية هويّته.
© The Independent